بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج الجنة في بيوتنا وقاعدة جديدة. فى البداية، أقول لكم إن أي مجتمع، وأي بلد، وأي شعب في الدنيا لديه مجموعة من القيم أي تلك التي يقف ويتحرك بها وينهض بها. تشبه هذه المنظومة ملامح الوجه فإذا أردت أن تعرف أمة من الأمم أو شعبا من الشعوب، أو بلدًا من البلاد كي تعرف مدى عراقة تلك الأمة وقدرتها على إحداث نهضة من عدمه، فانظر إلى ملامحها حيث إن القيم الأساسية للمجتمع تشبه ملامح الإنسان. تخيلوا معي لو استيقظ أحد ونظر في المرآة فلم يجد ملامحَ لوجهه وبذلك يكون مسخًا، وبهذا فإن قيمنا المغروسة فينا من آلاف السنين من ديننا وثقافتنا هي ملامحنا. والغرض من هذا الحديث ذكر مصادر قيمنا سواء كان من المدرسة، الجامعة، المسجد، الإعلام، الأسرة، ولكن للأسف نجد خللا في كل هذه المصادر فلم يتبقى لنا غير الأسرة فإذا لم يقم الأب والأم بإعطاء هذه القيم لأولادهما سوف يأتي يوم بعد عشرين سنة، وربما يحدث ذلك الآن، ويستيقظ أولادنا وينظروا في المرآة باحثين عن ملامحهم ليشعروا أنهم بلا شكل. لقد تناولنا في هذا البرنامج العديد من القواعد لعودة قيم المجتمع ومحاولة إحيائها ولمّ شمل الأسرة من جديد. هيا بنا نسترجع سويا القواعد التي سبق ذكرها:
1. اعبدوا الله سويًّا.
2. استشعر قيمة الأسرة.
3. تعامل برحمة.
4. ارسم حلما جميلا لأسرتك.
5. تذكر نعمة الأسرة كي تظل محافظا عليها.
6. جوهرية دور الأب.
7. الأب القدوة.
هيا بنا نعبد الله في هذا العام بعودة تلك القيم وإحيائها، وننتقل في منازل العبودية إلي الله ومنزلة عبودية هذا العام تكون بـ (إحياء الأسرة)، ولقد كانت منزلة عبودية رمضان قبل الماضي (حب رسول الله) في برنامج "على خطى الحبيب"، ومنزلة عبودية رمضان الماضي (أسماء الله الحسنى)، ومنذ ثلاث أو أربع سنوات هي (الصلاة والقيام لن يسبقني إلي الله أحد)، وفي هذا العام سوف نعبد الله بمنزلة عبودية جديدة حتى لا تصاب النفس بالملل أبدا تحت مظلة الأسرة، فنعبد الله سويا وسوف يؤلّف الله بين قلوبنا "وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِم وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ْ ....." (الأنفال63). تتحدث هذه الآية عن المؤمنين عامة فهيا ننظر إليها على إنها للأسرة بأننا سوف نعبد الله في رمضان هذا العام. أدعوك أن تؤلف شمل الأسرة.
وسوف نتناول اليوم قاعدة جديدة وهي الأب الصديق، فهذا أفضل شيء وأحلى لذة في الدنيا، وهى تبدأ من خمس سنوات إلى عشرين، وخمسة وعشرين، وثلاثين، وأربعين، وخمس وأربعين. مازالت أذكر إلى اليوم أن أبى كان يصحبني لمشاهدة مباريات كرة القدم وكانت تؤدى لعلاقة حميمة جدا بيني وبين أبى لدرجة إنني أكرر ما فعله أبى معي في الماضي مع ابني الآن.
تحكى فتاة أنه عندما كانت تفقد أتوبيس المدرسة كان والدها يوصلها للمدرسة في حوالي ساعة ونصف الساعة وكانوا يتحدثوا طيلة هذه المدة، وتقول إنها كانت تتعمد أن تفقد أتوبيس المدرسة لأن أحلى لحظات هي التي تتحدث فيها مع والدها.
هناك مثل مصري يقول: "إن كبر ابنك خاويه". (يعنى كونوا أصحاب)، أحلى وأغلى شيء أن تخرج أنت وابنك وتسافرا مع بعضكما، أو تخرج مع ابنتك وتفطرا سويا.
كيف تصبح الأب الصديق؟
1. الأب الصديق يشارك ابنه اهتماماته في الصغر فيظل ابنه شريكه وصديقه في الكبر:
مثال: يحكى شاب: عندما كان عمري عشر سنوات بدأت أفلام الكاراتيه وجاكى شان وبروسلي وكنت أحب جدا هذه النوعية من الأفلام، وذات مرة، كنت خارجا مع أبي وهو لا يحب السينما فقلت له: يا أبي، أريد أن أطلب منك طلبا، فرد أبى قائلا: ما تريده اليوم مجاب. فقلت له: أريد أن أدخل فيلما لبروسلي، وذهبنا إلي السينما وأخذت أخبره بالأحداث قبل حدوثها، فسألني: هل شاهدت الفيلم قبل ذلك؟ فقلت: إنني شاهدته مع عمتي وخالتي ولكنني كنت أريد أن أدخله معك. وبعد انتهاء الفيلم احتضنت أبي وقلت له: شكرا يا أبي. بعدها بأسبوعين، جاء أبي وقال لي: هل تريد الذهاب للسينما؟ وتكرر ذلك حوالي خمس أو ست مرات وأنا عمري عشر سنوات. وعندما أصبح عمري ثمانية عشر عاما كنت أذهب إلى السينما مع أصدقائي، وكان ثمة فيلم ناجح جدا شاهدته حوالي مرتين مع أصحابي، و ذات مرة كنت عائدا إلي البيت ووجدت أبي جالسا مع أمي فتذكرت الأيام الحلوة فقلت له: أبي هناك فيلم جميل في السوق منذ فترة لم لا نذهب إلى السينما؟ فتردد، ولمعت عيناه، ولم يصدق وقال: موافق. وذهبنا أنا وأبي فلقد علمني هذا وأنا صغير، وكان أحلى يوما وتذكرت كل الذكريات الحلوة ووجدت أن فرحتي وأنا مع أبى مثل فرحتي وأنا مع أصحابي وربما أكثر، ووجدت أبى يقول: هل نحن أصحاب؟ فقلت له إننا أكثر من الأصحاب أنت أبي وصديقي.
2. الأب الصديق الذي يشعر باحتياجات أولاده ويفهمهم بعينيه:
*مثال: حما موسى عليه السلام، فقد جاءت ابنته إليه قائلة: "... اسْتَأْجِرْه...ُ "(القصص26)، فعندما سقى لهما الماء ورأت قوته وأمانته "... ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ... "(القصص24)، فذهبت إلي والدها قائلة:"....يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين..."(القصص26)، وفهم والدها إعجابها بموسى- وهذا ليس عيبا- فذهب الأب إلي موسى وقال: "قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ...."(القصص27)، قصد طبعا الأب ابنته التي تكلمت عن موسى، إننا في مجتمعنا الآن نريد هذا الأب، الذي يفهم ابنته التي تلمح بأدب واستحياء ويفهمها جيدا. بالمناسبة، لم يزوج حما موسى إلا بعد جلوسه معه وتأكد من صدقه وأخلاقه "... وَ قَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ... "(القصص25)، وكان مهر ابنته "... عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ ...."(القصص27)، على عكس ما يحدث الآن من تعقيدات قبل الزواج مثل كتابة القائمة التي تؤدى لفشل زيجات عديدة قبل إتمامها، فلا داعي لها إن تزوجت من شخص أمين، لكن نرى موسى بعد زواجه "...فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَل..."(القصص 29)، أي وفَّى بعهده مع حماه وذلك لأنه شخص أمين وربته أمه تربية جيدة.
3. الأب الصديق يبحث عن الأنشطة المثيرة التي تجمع أولاده:
مثال: أعرف أبًا لديه ابن يحب كرة القدم فبحث عن موعد مباراة هامة، وحجز تذاكر له وولديه وسافروا جميعا، ولم يفكر أن يسافر مع أصحابه ويقول إنها كانت أفضل ثلاثة أيام في حياته، وقال وإنه وهو عائد وجد أولاده يحكون معهم عن مشاكلهم.
مثال: النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأبناء العباس مادًّا يده: من يسبق من أبناء العباس إلي رسول الله؟ ويجري الأولاد والنبي صلى الله عليه وسلم فاتحا ذراعيه ومن يصل أولا فقد فاز ثم يحتضنهم جميعا.
مثال: النبي صلى الله عليه وسلم يجمع الأولاد لرمى النبال ويقول: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا، وجعلهم فريقين فريق يرمى وفريق يصد، بينما انضم صلى الله عليه وسلم للفريق الثاني، فقال لهم: ارموا، فلم يرموا. فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ما لكم لا ترمون؟ فردوا: كيف نرمى وأنت معهم يا رسول الله، قال: ارموا وأنا معكم جميعا.
مثال: كان سيدنا "رافع بن خزيج" ذاهبا إلى معركة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فيأتي "سمرة بن جندل" وكان- وكان عمره 13 أو 14 سنة، ويقول له: أخذت رافع بن خزيج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فماذا تجيد أنت؟ فقال يا رسول الله لو تركتني على رافع أصارعه لصرعته، فقال النبي: قم فصارعه، يقول فقمت فصرعته فأجازني النبي.
4. الأب الصديق الذي يعرف متى يمسك يد ابنه ومتى يتركها؟
يعرف متى يترك فرصة راحة لابنه ومساحة حرية.
5. الأب الصديق لا يخجل أن يعلم ابنه من أخطائه:
فهو يحكى الأخطاء ولا يحكى المعاصي
مثال: قصة "كعب بن مالك" الذي كان واحدا من الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يخاصموهم لمدة خمسين يوما ونزل القرآن يحكى قصتهم لكن تفاصيل القصة ومشاعرهم حكاها كعب بن مالك لولده عبد الله بن كعب بن مالك القصة مكتوبة في صفحتين ونصف الصفحة في كل كتب السيرة، ولقد رواها عبد الله بن كعب بن مالك.
هذه الطريقة تجعل ابنك صديقك، لأنك واقعي ومنطقي. يفرض الأب الصديق سيطرته بالحب وليس بالخوف حيث إن الأب الصديق أكثر تأثيرا من الأب المرعب.
مثال: يوجد فتاة كانت هي ووالدها أصدقاء وكان يقول لها احكي لي أي شئ ولا تخجلي. وعندما أصبحت 16 سنة لم تحكِ وصاحبت ولد من غير علم أبيها وأمها، ورآها أخوها في الشارع، فأخذت تجرى كي تختبئ في بيت خالتها، ورجع أخوها البيت واخبر أبيها، تقول البنت أنا كنت أبكى بكاءً رهيبا، وأتذكر أبى وهو يقول لي لا تداري شيئا فأننا أصحا.، تقول شعرت أنني خنته فلم أخف من الضرب أو من أخي لكن من خيبة أمل أبى، وتستكمل حديثها: إن أخوها أتى لبيت خالتها وكان ثائرا ومعه والدتها وهى تبكى، ودخل أبى ولم يلقِ السلام على خالتي وعندما رأيته بكيت بحرا من الدموع، وتقسم أنها لم تكن خائفة من الضرب قائلة: "ما أوجعني إنني وضعته في هذا الموقف، ولا أستطيع أن أتحدث وكنت منتظرة أن يضربني على وجهي لكني فوجئت به يحتضنني، ويقول لي في أذني أنا بحبك وزعلان جدا، فتقول أوجعني أكثر من الضرب، ثم قال للجميع اتركونا وحدنا وخرجنا سويا وقال لي كلاما كأنه صديقي حيث قال: يا بنيتي، يقولون الشباب على البنات هذه للزواج وهذه للعب، فماذا تريدين أن تكوني للزواج أم للعب؟ فتقول: شعرت إنه يفهمني، وأنني محترمة فرددت عليه: للزواج، فقال: يا بنيتي، اصبري والله سيزوجك، وأنا سأساعدك وسنرجع أصحاب، فتقول: والله لم أصاحب ولد منذ هذا اليوم حتى تزوجت.
6. الأب الصديق يجعل مرافقة ابنه له أساسية في كل حياته:
كي يكون ولدك نابغة اجعله يرافقك في كل مواعيدك؛ خذه للمسجد، وللعمل إن أمكن.
مثال: كان والد "جابر بن عبد الله" -"عبد الله بن حرام"- ذاهبا إلي بيعة العقبة، وهى موضوع خطير وقريش متربصة، يقول فصحبني أبى وكان عمره 12 سنة، فقالوا له ألم تخف عليه؟ فقال والده عبد الله بن حرام: لا أفوت على ابني مثل هذا الأمر.
7. الأب الصديق يقيم علاقة خاصة مع أولاده:
أي الصداقة والأسرار الخاصة. يقوي هذا الموضوع العلاقة بين الابن وأبيه.
مثال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم وفاته لفاطمة: ادنو مني يا فاطمة – وجميع زوجاته جالسات- وتقترب منه فيقول لها كلمة في أذنها فتبكى السيدة فاطمة، وعندما يراها تبكي قال لها: ادنو مني يا فاطمة، فيقول لها كلمة في أذنها فتضحك، فتسألها السيدة عائشة: ماذا قال لك؟ فترد: ما كنت لأفشى سر أبي. انظروا معنا كيف فعلها النبي صلى الله عليه وسلم لدرجة أن السيدة عائشة أثيرت بالموضوع، فبعد موته صلى الله عليه وسلم سألتها السيدة عائشة: ماذا قال لك؟ قالت: قال لي في الأولى إني ميت الليلة، وفي الثانية قال أنتِ أول أهلي لحاقا بي فضحكت.(ضحكت مرحبا بالموت لحاقا بأبي ورسول الله).
مثال: ونرى النبي صلى الله عليه وسلم وهو متزوج تسع سيدات ولذا يراعي ابنته قائلا: إن فاطمة بضع مني يؤذيها ما يؤذيني، ويؤذيني ما يؤذيها.
أيضا يقول لها: يقول لفاطمة: أتحبين ما يحب أباك؟ قالت: نعم، قال: فأحبي عائشة.
ولا تظن أن الأب الصديق أبًا يدلل أبناءه لكنه أبًا حازما، فنجده صلى الله عليه وسلم يقول: "والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يد فاطمة".
فالأب الصديق هو: أب حازم، عادل، حنون، صديق، متوازن. مطلوب من الآباء: الأب المتفقد، الأب القدوة، الأب الصديق.
المصدر: http://www.amrkhaled.net/articles/articles2700.html