بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
قانون النية الحسنة :
أعزائي المشاهدين ... أخوتي المؤمنين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ولازلنا في قوانين القرآن الكريم ، والقانون اليوم( قانون النية الحسنة )
علة وجود الإنسان في الأرض أن يعبد الله والعبادة نوعان عبادة القلب وعبادة الجوارح :
أيها الأخوة ، الحديث الأصل في هذا الموضوع قول النبي صلى الله عليه وسلم :
(( إِنما الأعمال بالنيات ))
[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عمر بن الخطاب ]
ولكن بادئ ذي بدء : ينبغي أن نعلم أن علة وجود الإنسان في الأرض أن يعبد الله ، والعبادة في حقيقتها طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .
العبادة نوعان : عبادة الجوارح ، وعبادة القلب ، عبادة الجوارح أن تنصاع الجوارح لمنهج الله ، طاعة ، والتزاماً ، ولكن عبادة القلب الإخلاص لله .
فالعمل لا يقبل عند الله إلا إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وفق السنة ، فكأن النية الحسنة التي وراء العمل تقيّمه ، بل إن قيمة العمل الصالح تتحدد قطعاً بنيته .
(( إِنما الأعمال بالنيات ))
أما الآية الأصل في هذا الموضوع قوله تعالى :
﴿ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً ﴾
( سورة الزمر الآية : 2 )
عبادة القلب الإخلاص ، عبادة الجوارح الانصياع ، لذلك الحديث الشهير :
(( إِنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى . فمن كانت هجرته إِلى الله ورسوله ، فهجرته إِلى الله ورسوله . ومن كانت هجرته إِلى دنيا يُصِيبها ، أو امرأة يتزوجها ، فهجرته إِلى ما هاجر إِليه ))
لذلك بعض الأشخاص أحب امرأة من المدينة المنورة ، فاشترطت عليه من أجل أن تقبل بالزواج منه أن يهاجر إليها ، فهاجر إليها ، فهذا هجرته إلى امرأة لا إلى دين الله ولا إلى الشرع الحكيم .
أصل العمل النية الطيبة :
أيها الأخوة الكرام ، أصل العمل النية الطيبة ، لكن هذه النية لا تكون تقليداً ، النية الحسنة محصلة معرفة الله ، محصلة طاعته ، محصلة جهاد النفس والهوى ، محصلة الالتزام بأمره ، محصلة كل أعماله ، تتوجها هذه النية الحسنة ، أما أن نقلد نية حسنة ونحن لا نملك مقوماتها ، هذا شيء مستحيل .
على كلٍ بشكل أو بآخر القلب عبادته النية الحسنة ، عبادته الإخلاص ، ولكن قد يسأل أحدكم : ما علامات الإخلاص ؟ قضية داخلية ، قضية لا تظهر ، قضية يعاني منها القلب ما يعاني .
الإخلاص لله عز وجل له علامات واضحة منها :
1 – أن يكون باطن الإنسان كظاهره :
كيف نعرف ما إذا كنا مخلصين ، أو غير مخلصين ، العلماء قالوا : عملك الصالح ، عباداتك إذا تساوت في خلوتك وفي جلوتك ، فهذه علامة طيبة لإخلاصك ، العبادات ، والأعمال الصالحة ، لا تتأثر لا أمام الناس ، ولا في خلوتك ، إن كانت خلوتك كجلوتك ، وإن كانت سريرتك كعلانيتك ، وإن كان سرك كجهرك ، وإن كان باطنك كظاهرك ، العمل هو هو ، الورع هو هو ، الاستقامة هي هي ، ما دامت الأعمال والعبادات متساوية في سرك كجهرك فهذه علامة نيرة على إخلاصك ، هذه علامة .
2 ـ عمل الإنسان لا يتأثر ولا يزيد ولا ينقص في المدح أو الذم :
علامة ثانية : حينما لا يتأثر العمل لا بالمديح ، ولا بالذم ، إنك تبتغي وجه الله .
﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً ﴾
( سورة الإنسان )
فلذلك المخلص لا يتأثر عمله لا بثناء الناس عليه ، ولا بذم الناس له ، هو يبتغي بهذا العمل وجه الله .
استجداء المديح يضعف شخصية الإنسان بسبب عدم الإخلاص :
لذلك أحد أسباب قوة شخصية المؤمن أنه لا يعلق أهمية على مديح الناس ، ولا على ذمهم ، مع الأولى أن الإنسان ينبغي أن يبتعد عن كل شبهة ، وينبغي ألا يورط نفسه بسمعة هو بريء منها ، من عرف نفسه ما ضرته مقالة الناس به ، فحينما لا يتأثر العمل لا بمديح الناس ولا بذمهم هذا دليل الإخلاص ، وهذا يورث قوة الشخصية .
هناك أناس كثيرون حينما يقومون بعمل يستجدون المديح ، فحينما يستجدون المديح تضعف شخصيتهم ، لأنه بعيد عن الله عز وجل ، يبتغي من هذا العمل السمعة والرياء ، إذاً هو يدعو الناس إلى أن يثنوا على عمله ، فاستجداء المديح يضعف شخصية الإنسان وهذا بسبب عدم الإخلاص ، فإذا كنت مخلصاً لا تعبأ أأثنى الناس عليك ، أو لم يثنوا ، سيان عند الله ، وعند الناس .
3 ـ من ثمار الوصول إلى الله السكينة التي يمنحها الله للمؤمن :
أيها الأخوة ، علامة ثالثة ، الأولى أن يستوي العمل في السر والجهر ، والثانية أن يستوي العمل في المديح وفي الثناء ، أو في عدم المديح ، وعدم الثناء ، ولكن العلامة الثالثة :
أنك إذا كنت مخلصاً أورثك إخلاصك سكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء ، مستحيل وألف ألف مستحيل حينما يرتفع عملك إلى الله مع إخلاصك ، حينما تبتغي وجه الله ، حينما تؤثر طاعة الله ، حينما لا يعنيك أن تتحدث للناس عن هذه الأعمال فأنت مخلص ، إذاً مكافأة الله لك أنه يلقي في قلبك سكينة تسعد بها أيما سعادة ، بل إن هذه السكينة التي ألقاها الله في قلب المخلص لو وزعت على أهل بلد لكفتهم .
إذاً عبادة القلب الإخلاص ، والإخلاص له علامات واضحة ، بل إن الإخلاص يهب المؤمن قوة الشخصية ، وحكمة بالغة لو وزعت على أهل بلد لكفتهم .
من بدأ بعمل و لم يستطع أن ينهيه كتب الله له الأجر كما لو أنه أكمله :
أيها الأخوة ، من علامات الإخلاص أيضاً ، أو من خصائص الإخلاص أنك إذا بدأت بعمل ، وحالت ظروف بينك وبين أن تنهيه كتب الله لك الأجر كما لو أنك أكملته ، هذا شيء رائع جداً ، هذا الشيء لا يطبق في علاقات الناس ، هذا الشيء تؤكده هذه النصوص الرائعة ، الله عز وجل يقول :
﴿ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾
( سورة النساء الآية : 100 )
في عالم الدنيا ، وفي عالم الناس لا تنال الأجر إلا بالإنجاز ، لكن عند الله عز وجل يكفي أنك بدأت بعمل ، وكنت فيه مخلصاً فوصلت إلى النهاية ، أو لم تصل ، الأجر هو هو ، وهذا من كرم الله جلّ جلاله .
النية الطيبة تحول العادات إلى عبادات والنية السيئة تحول العبادات الصرفة إلى سيئات :
أيها الأخوة ، الأعمال تستوي في ظاهرها ، وتختلف في نواياها ، أضرب على ذلك مثلاً :
إنسان يمشي في الطريق ، وجد في الأرض ليرة ذهبية ، فانكب عليها وأخذها ووضعها في جيبه ، وصورناه ، إنسان آخر وضعنا في الطريق ليرة مشابهة للأولى ، فانكب على هذه الليرة وأخذها وصورناه ، لو عرضنا الصورتين ، الصورتان متشابهتان مئة بالمئة لو أن الأول في نيته أن يبحث عن صاحبها ، لكان عمله صالحاً ، والثاني في نيته أن يأخذها لكان عمله سيئاً ، إذاً قد تتشابه صور العمل ، وقد تختلف النوايا بين حسنة وبين سيئة .
مثل آخر : إنسان قدم أرضاً لبناء مسجد ، هذا عمل عظيم ، ومحسن كبير ، إنسان جاء من يهمس في أذنه أنك إذا تبرعت بأرض لمسجد ربما اضطرت البلدية لتنظيم أرضك ، وجعلها مقاسم مقاسم ، عندئذٍ ترتفع أسعارها ، هو لا يعنيه موضوع الجامع إطلاقاً أما أمام الناس قدم أرضاً لمسجد ، أما الأول والثاني في الظاهر أعمالهما متشابهة تماماً لكن العمل تحكمه النية .
أيها الأخوة الكرام ، بل إن النوايا الطيبة تحول العادات إلى عبادات ، فالمؤمن عاداته ، أي أكله ، وشربه ، وثيابه ، وحركته ، وزياراته كلها عبادات ، لكن غير المؤمن تعد عباداته التي يرائي بها الناس سيئات ، فبالنية الطيبة تتحول العادات إلى عبادات ، وبالنية السيئة تتحول العبادات الصرفة إلى سيئات .
أيها الأخوة الكرام ، إذاً أبخل الناس من بخل بنية طيبة يسأل الله بها عملاً صالحاً يقربه إليه .
أخوتي الكرام إلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله رب العالمين