بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أحب أن أُذكّر بنقطتين قبل أن نبدأ:
أولهما: لمن هبطت عزيمته ونيته في رمضان أو إيمانياته والإقبال على الله فأنا أُذكّر بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه" فتخيل هذا الثواب لمن يحرص على القيام ثلاثين يوماً، وما أجمل أن يكون هذا القيام مع العائلة أو الأخ أو الزوجة أو الجد أو الجدة.
ثانيهما: هو أننا نسمي برنامجنا الجنة في بيوتنا؛ فالكثير من الآباء والشباب ينظرون إلى العلافات الأسرية على أنها حمل وعبء وأن العلاقات الزوجية هي حقوق وواجبات! فنحن نقول لهم: لا، انتبهوا، فالأمر ليس كذلك، فالأصل فيها أن الله قد خلقها جنة للاستمتاع والسعادة، فالواجبات والحقوق ليست الزاوية الوحيدة التي ننظر من خلالها بل هناك زاوية أخرى وهو النظر لهذه الأمور على أنها نعمة وسعادة وفرحة، ولكي نساعدك على هذا المعنى جئنا كل يوم بقاعدة أسرية نتعاهد على تنفيذها فتعود بيوتنا جنة ويعود التآلف الأسري، لهذا سمينا البرنامج: الجنة في بيوتنا وأيضا لأسباب أخرى كثيرة.. لأن الجنة تحت أقدام الأمهات، ولأن الله تعالى حين قال لآدم "..اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ.." (البقرة:35) لم يقل له اسكن وحدك بل كان لابد من ذكر العائلة؛ أنت وزوجتك، ولأن أحد العلماء قال كلمة جميلة: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة"، ونحن نقول: أن جنة الدنيا جنة العائلة ولم شمل العائلة وليس حمل ثقيل أو عبء أو قفص زوجية كما يقال.
قاعدة الأمس تقول: "جوهرية دور الأب"، وهي استكمال لقاعدة اليوم، فدورك أيها الأب مهم جداً وهو ليس مسؤولية الأم فقط. أنت يا أب أكثر شخص قادر على إعادة الترابط للأسرة. وهناك ثلاثة محاور وأسباب تجعلك تلغي توكيل أن عملك في البيت هو ممول مالي وأن الأم عملها التربية، وهذه المحاور والأسباب هي:
أولاً: احتياج ابنك لك. فالدراسات في الماضي كانت تقول إن السبب الأساسي في دخول أطفال الأحداث – الذين يرتبكون الجرائم ويدخلون إلى الأحداث - السبب فيه هو شعورهم بالاضطهاد والظلم من المجتمع، ولكن العلم الحديث أثبت العكس! فالسبب الأساسي هو غياب الأب. هناك شخص يعمل في الرعاية الاجتماعية في السجون يحكي لي أنه قد عمل في السجون لمدة 25 سنة قابل فيها آلاف المسجونين، لم يجد فيهم من يقول له أإنه يحب أباه.
في أمريكا يحتفلون بعيد الأب، وهم يهتمون به كالاهتمام بعيد الأم ويفعلون تماماً كما نفعل في عيد الأم، ففكرت إحدى الشركات التي تنتج بطاقات المعايدة أن تقوم بعمل بطاقات لعيد الأم أرسلت بعضها إلى المساجين كي يقوموا بإرسال بطاقات معايدة إلى أمهاتهم، فأقبل المساجين بشدة على هذا الأمر لدرجة أن الشركة اضطرت لطبع المزيد من البطاقات كي يقوم المساجين بإرسالها إلى أمهاتهم، وعندما جاء موعد عيد الأب قاموا بتجهيز كميات كبيرة ولكن لم يرض أي مسجون أن يرسل بطاقة في عيد الأب! إن بداية الانهيار والانحراف هي في الغالب تكون بسبب غياب الأب، إن ابنك وابنتك في حاجة إليك.
كمان يا بابا كمان..
لقد قرأت قصة عجيبة جداً، لقد كان هناك أب عنده ولد وبنت، عندما أنجب الولد لم تكن مشاغله كثيرة فكان يجد وقتاً للخروج معه والسفر وللاهتمام به، ولكن بعد أن أنجب البنت كان قد انشغل في عمله بشدة، فشعرت البنت التي في الرابعة أن أخاها أهم منها عند أبيها، يحكي الرجل أن زوجته ظلت تلح عليه أن يأخذ ابنته لينزهها وأن يهتم بها وأنها تفتقد لحنانه، فيقول لها: "أنت مصدر الحنان وليس أنا"، يقول الرجل من كثرة إلحاح زوجتي خرجت مع ابنتي لتناول طعام الفطور خارج المنزل كي ينتهي الأمر وأتابع ما ورائي من مهام، وأنا أجلس معها في المطعم تحركت عواطفي، فهي ابنتي، وأثناء وضعي للشوكة في قطعة الكيك التي أمامي قلت لها: على فكرة يا منى أنا أحبك جدا، وبدأت أمد يدي للطعام لآكل فأمسكت يدي وقالت لي: كمان يا بابا كمان، ففوجئت وارتبكت يدي، لقد أمسكت ابنتي يدي كي أتكلم، وشعرت حينها أنها هي الكبيرة وأنا الصغير، واكتشفت أنها مدركة لكل شيء وأنا الذي لا أفهم شيئا! فقلت لها: أنا لا أستطيع الاستغناء عنك وأحبك ثم قبلتها، فتاة بريئة تعبر عما بداخلها، أما فتاة في الخامسة عشرة لن تقول لك كمان يا بابا كمان بل ستختفي، وأنت المسؤول، وبعد ذلك ستحزن وتقول: لم يكن عندي وقت، فتضطر عندما يقع ابنك أو ابنتك في مصيبة أن تعطي وقتاً أكبر من الوقت الذي كان من المفترض أن تعطيه، فأنت حتى لم تحسب الأمر على طريقة الإدارة لأنه أصبح من المطلوب منك أن تعطي وقتًا غير طبيعي وأنت أصبحت في مأساة.
ممكن بدون بابا؟!..
نحن لا نتخيل أحيانًا يا آباء أن أبناءنا محتاجون إلينا، والأبناء مدركون أنهم بحاجة إلينا أكثر مما نتخيل نحن! يحكي لي شخص قصة ظريفة جداً؛ يقول: إن ابنة مات أبوها فانتقلت هي وأمها من بيت لبيت، وقد كانت هذه الابنة تبلغ حوالي 18 أو 19 سنة، وقد كان بجوارهم جيران عائلة مكونة من أب وأم وابنة صغيرة، فذهبت ابنة الجيران الصغيرة إلى الفتاة التي عندها 18 سنة وأخذت تسألها أسئلة كثيرة.. "أين أبوك؟" فقالت الكبيرة: "والدي غير موجود" فقالت الصغيرة: "أين؟" فقالت الكبيرة: "ليس موجودا"، فقالت الصغيرة: "فمتى سيأتي؟"، فقالت الكبيرة: "حبيبتي إنه لن يأتي أبدا"، فقالت لها:" هل ينفع أن تكوني من غير بابا؟!" فسكتت البنت الكبيرة، فقالت الطفلة: "عموماً أنا والدي حلو جداً؛ أنت ممكن أن تشاركيني في بابا"، لهذه الدرجة الفتاة الصغيرة غير متخلية أنه من الممكن أن يعيش أحد من غير والده!! وأنا أقول لك: يا أب هل من الممكن أن تكون الحياة بدون بابا؟!.
ثانيا: أنت تحرم نفسك من أحلى شيء في الدنيا وألذ نعمة في الدنيا، لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً وجاء الحسن والحسين فمنهم من يطلع على كتفه ومن يتعلق ببطنه ومن يقفز عليه ومن يتعلق في رقبته، فاستغرب الصحابة هذا الأمر، فقالوا: "ما كل هذا يا رسول الله، أتحبهما كل ذلك؟" قال:"كيف لا؟ وهم ريحانتي من الدنيا"، هم رزقي من الدنيا.
آدم والوردة..
سأحكي لكم قصة كما قرأتها في أحد الكتب، أنجب الأب ابنًا معاقًا سمّاه آدم، وقد كان عنده ثلاثة أولاد غيره وهذا الطفل أصغرهم، وقد كانت عضلات فمه لا تتحرك إلا بصعوبة، وذهنه لا يتقدم إلا بصعوبة ولكن جسده يتحرك، يقول الأب إنه قد كره نفسه والحياة وتمنى موته ويكفيه الثلاثة الآخرون، فمتى يموت؟ وبدأ يتجنبه ويركز على أبنائه الآخرين، يقسم الأب ويقول: بدأنا نعالجه وفي مرة أخذت الأبناء الأربعة وذهبنا لشراء بعض الحلوى، فالثلاثة الكبار اشتروا الحلوى والصغير أخذ وردة فهو لا يفهم لأنه معاق، فقلت له يا حبيبي هذه لا تؤكل اذهب وخذ حلوى، فرجع وأحضر وردة موجودة في المحل فأخذتها من يده ووضعتها في مكانها، فعاد وأحضرها! فاستسلمت للأمر ودفعت الحساب وعدت إلى المنزل ودخلت سريري، ونام الأولاد الثلاثة وإذا به يدخل علي وقد وضع الوردة في زهرية -ولا يستطيع أن يقول لي تفضل لأن لسانه لا يتحرك- ويعطيها لي. يقول الأب كالتالي: أحسست يومها أني أب، شعرت أنه يعتذر لي عن كل الآلام التي سببها لي وأنه يقول لي أنا أحبك رغم كل عجزي، ومشى وتركني، لقد كانت هذه لحظة ميلادي الجديدة، لقد خرجت من عالم كنت أعتقد أن معنى الرجولة هو الإنجازات والتباهي والتنافس إلى عالم جديد قائم على الحب والسعادة، عالم يكون فيه أساتذة الجامعة هم من يعانون من بطء التعلم والأطفال المعاقون هم الأساتذة البارعون في تعليمهم الحب والسعادة. يقول: أنا أحاول الآن أن أتعلم من آدم، وجدت أن آدم معي منذ أربع سنوات ولكني حرمت نفسي من التمتع بحبه لمدة أربع سنوات، سأحاول أن أتعلم رغم أني بطيء التعلم، ولكني واثق من أن آدم سيساعدني على فهم عالم الحب والعاطفة.
ثالثا: المسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها" سوف تشقى وتتعب ولكن هذه هي القوامة لها متطلبات، وكلمة راع جاءت من الراعي، فما هو مفهوم الرعاية عندك أيها الأب؟ أن تأتي لهم بالمال فقط، انظر كيف يحوط راعي الغنم على غنمه! إن كلمة الرعاية جاءت من الراعي. يقول الله تبارك وتعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ.." (التحريم:6) وإذا كان الشعور بالمسؤولية سوف يغضبك فاتركه ولننظر إلى الثواب كم هو كبير، ثوابك أن تربي ابنك عند الله، انظر لهذا الحديث العظيم عن جابر بن سمرة يقول: "لئن يؤدب الرجل ولده خير عند الله من أن يتصدق بصاع"، أن تفطر صائما كل يوم "من فطر صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق لرقبته من النار" فأن تؤدب ولدك خير من ذلك، لأنك عندما تفطر صائماً كل يوم أو تتصدق فأنت تعطي واحدًا ولكن عندما تقدم ابنك للمجتمع فأنت تهدي المجتمع كله فثوابك أكبر، وحديث آخر ربما لم نسمعه من قبل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا نظر الوالد إلى ولده فسره كان للوالد عتق نسمة" أي عندما تعجبه أخلاقه وتصرفاته وعبادته فكأنه أعتق رقبة، وعتق الرقبة أي 4000 درهم في وقتهم! لأنه تربيتك وغرسك، ألا يقول النبي صلى الله عليه وسلم:"ما من مسلم يغرس غرساً فيأكل منه طير أو بهيمة أو إنسان إلا كان له صدقة وأجر عند الله" فأنت قد غرست في المجتمع رجلا، وفتاة كلها عاطفة وحنان وأنوثة، غرست شخصًا يده نظيفة لا يأكل من حرام، فأنت إذا ربيت ابنك تدخل الجنة وضمنت مفتاحاً من مفاتيحها، "..قلنا يا رسول فإن نظر إليه في اليوم مائة مرة، قال: الله أكبر"، لأنه طالما أن تصرفاته نعجبك فحصالة الثواب مستمرة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب والله لا يقبل إلا طيباً، فإن الله يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوة – كما تربي المهر حتى يصبح حصاناً كبيراً - حتى تلقى الله يوم القيامة واللقمة كجبل أحد"، هذا في اللقمة، فماذا عن ابنك عندما تقدمه للمجتمع فماذا تأخذ يوم القيامة؟! فلنتكلم بمنطق الثواب ورمضان، أليست الحسنة في رمضان بسبعين؟ فلماذا نجعل هذا الأمر في العبادات فقط "من أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه" فماذا عن تربية ابنك؟ أهي سنة أم نافلة أم فريضة؟ أم هي من أكبر الفرائض؟ فكل ما ستفعله مع ابنك يُضاعف سبعين مرة، فلنجعل مفهوم الجنة في بيوتنا بأبنائنا، إن الأب والأم هما مجدافا التربية، إن سيدنا يوسف يقول "..يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ.." (يوسف:4) الكواكب هم إخوته، وفي نهاية القصة عرف أن أباه وأمه هما الشمس والقمر وهذا مراد الله، فلا يكفي القمر وحده ولا يمكن أن تعيش به وحده ولا بالشمس وحدها، نحن لسنا في مشاجرة لمعرفة من أفضل، الرجال أم النساء؟ فأبناؤكم يحتاجون إلى الشمس والقمر وأنتم الشمس والقمر لأولادكم.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:"من كانت له ثلاث بنات فيؤدبهن ويرحمهن ويكفلهن وجبت له الجنة البتة -مؤكد-. قلنا: وإن كانتا اثنتين يا رسول الله؟ قال: وإن كانتا اثنتين، قلنا: والله لو سألناه وإن كانت واحدة لقال ولكننا استحيينا"، وأيضا يقول: "من كانت له ابنة فيحسن إليها ويسبغ عليها من النعم التي أسبغها الله عليه كانت له ميمنة وميسرة تحجبه عن النار إلى الجنة" فماذا تريدون أكثر من ذلك؟!.
ولدان مخلدون..
أريد أن أحكي لكم رؤية يحكيها أحد التابعين اسمه أبو خالد الأحول، وقد تربى على يد ابن مسعود وقد كان من الزهاد العباد، يقول هذا التابعي إنه كان متزوجاً وليس له رغبة في الإنجاب لكي يظل متفرغاً لعبادته ولكي يسعد هو زوجته بدون مسؤولية الأبناء، يقول: "فنمت ليلة فرأيت رؤيا، رأيت أنني يوم القيامة والزحام شديد، ودنت الشمس من الرؤوس فلم يبق بينها وبين رؤوس الناس إلا ميلاً واحداً وزاد العطش حتى شعرت أنني ستقطع رقبتي، والناس في عرقهم: فمنهم من يصل العرق إلى كعبيه، ومنهم من يصل العرق إلى ركبتيه، ومنهم من يصل العرق إلى سرّته، ومنهم من يلجمه العرق إلى شفتيه، ومنهم من يغرق في عرقه، ومنهم من يسبح في عرقه، والعطش شديد وإذا بأطفال من لؤلؤ معهم مناديل من نور، معهم أباريق من فضة وأكواب من ذهب بها ماء بارد جميل يزيد العطشان عطشًا على عطشه يمرون بين زحام الناس، ينظرون في الوجوه فيجدون أبًا أو يجدون أمًا فيقفون ويسقونهم، فمر بي أحدهم فقلت: "اسقني فأنا عطشان"، فقال: "من أنت؟" فقلت: "أبو خالد الأحول تلميذ ابن مسعود" فقال لي: "ألك ولد مات بين يديك فاحتسبته عند الله؟" فقلت: "لا" فقال لي: "ألك بنت كبرتها في طاعة الله؟" قلت:"لا" قال لي: "ألك ولد أتعبك وعاندك فصبرت عليه وعلى تعبه حتى كبر؟" قلت:"لا" قال: "ألك ولد صالح كان يدعو لك؟" قلت:"لا" قال: "فلم أسقيك؟ أنا هنا أسقي من كان له أطفال في الدنيا تعبوا لأطفالهم في الدنيا فنتعب لهم اليوم " بقول أبو خالد: "فقلت له: إذن افعل لي شيئا!" فقال له: "أما سمعت حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من الذنوب ذنوبًا لا يكفرها إلا الغم بالعيال –العيال المتعبين- أو السعي على العيال". يقول: "فاستيقظت من النوم أقول لزوجتي نريد أن يكون لنا أولاد"، "يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ*بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ" (الواقعة:17-18).
نحن نريد الأب الحنون، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة عن جملها الصغير: "يا عائشة أدبي وارفقي" هذا الكلام على جمل فكيف بأبنائنا؟!. لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لحنظلة عندما قال إنه يريد أن يظل متديناً عابداً ولكنه عندما يعود لبيته يلاعب أبناءه ويمازحهم: "ساعة وساعة" وهذا هو حال الدنيا.
رسائل سريعة:
وصلتني رسالة عبر البريد الإلكتروني من أم أرملة توفى زوجها وكان يعمل طياراً في إحدى شركات الطيران المصرية، وحكت لي الكثير عن أنها ربت ابنها وتعبت وأنها اضطرت أن تستعين بجده كي يكون هناك رجل في حياة ابنها، رسالة طويلة لكنها ختمتها بسطر مؤثر جداً هزني بشدة، تقول: "أرجوك قل لكل أب: لا تجعل ابنك يشعر بشعور اليتيم وأنت حي"، ثم مضت في النهاية: "أم لطفل يتيم".
الرسالة الثانية للمطلقات؛ أقول لك أنا أشعر بألمك وتعبك وبمسئوليتك وبنظرات الناس، وأشعر أنك تتعبين جداً، وأنك ترين أنني أقول لك لا فائدة، ومن المؤكد أن الموضوع صعب كي أكون صادقًا، ولكن هناك فائدة، فما هي؟ أرجوك ابحثي عن أحد في العائلة حنون وطيب ومرب، من الممكن أن يكون عمه أو جده أو والدك أو أخوك، واجعلي الولد يقترب منه جداً فهو محتاج لرجل في حياته.
الرسالة الثالثة: رسالة أوجهها للشباب، ساعد أباك على أن يكون أباً عظيماً وصديقاً، يعجبني جداً شاب هجره أبوه عرين سنة، وعندما نجح واشتهر ظهر في حياته مرة أخرى مع أنه ترك أمه عشرين سنة، يقول لي الشاب كلمة جميلة جدا: "لم أشعره للحظة أنه قصر في حقي عشرين سنة بل احتضنته ولم أرض أن أسأله أين كنت يا أبي، لأنني لو قلت له ذلك سوف أجرحه"، يا شباب لا تأخذ هذا الكلام وتذهب للشجار مع أبيك بل خذها واحضن أباك واكسر الحواجز، اذهب وقبل يده ولا تنتظره بل بادر أنت، قد يكون يريد أن يبدأ معك ولكنه لا يعرف كيف ذلك فاذهب له أنت ولتكن رجلاً، إذا كان ثوابه هو كما ذكرنا، فكيف عن ثوابك أنت إذا ذهبت إليه وقلت ها أنا يا والدي خذني في حضنك وربني.
الرسالة الأخيرة: هي رسالة إلى أب مات ابنه، وهذه الرسالة ليست للأب فقط ولكنها للأب وللأم، أنا أريد أن أهديكم حديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث في صحيح مسلم، لقد كان هناك صحابي عنده ابن ولا يرضى أن يجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا ومعه ابنه، فيجلس الولد مع أبيه ويظل يقفز عليه ويقفز من ظهره إلى حجره والنبي يبتسم له ولا يقول أخرجوا العيال من الجامع كما نرى الآن بل بالعكس فنحن نريد أبناءن في أحضاننا في الجوامع ليأخذوا الإيمان، وكان هذا الولد يقوم ببعض الضوضاء ولكن في حضن أبيه، وفجأة اختفى الأب والابن لمدة أسبوع وسأل النبي صلى الله عليه وسلم: "أين فلان؟" قالوا: "مات ابنه يا رسول الله" فقال: "قوموا معي، كيف لم تخبروني؟" فقام إليه، فذهب إليه في بيته، فقال:"يا فلان أيسرك أن يعيش معك ابنك ما عشت أم تلقاه يوم القيامة كلما وقفت على باب من أبواب الجنة وجدت ابنك يسرع ليفتح لك الباب" فقال: "يا رسول الله بل يفتح لي أبواب الجنة" فقال: "أنا ضامن لك بذلك"، ابنك الذي مات أرسل له حسنات، إن مستقبل ابنك بين يديك الآن، لقد كنت تؤمن مستقبله وهو حي بالمال أما مستقبله في الجنة فابن له قصوراً بأن ترسل له حسنات، فأربع أمور تصل للميت في قبره: الحج والعمرة والصدقة والدعاء والقرآن يأتي مع الدعاء، ادع لابنك أو أمسك سبحة وقل اللهم اغفر له اللهم ارحمه ومع كل تسبيحة قبر ابنك سيزداد نوراً ويفرش من الجنة وتبنى القصور.
لقد قلت في مرة لامرأة مات ابنها: لا تنهاري، فابنك محتاج لك الآن أكثر من احتياجه لك وهو حي، ففي يدك أن تبني له مستقبله في الجنة وتجعلي قبره قطعة من الجنة.
قطّع التوكيل وقل للأم: أنا عائد للعمل معك وسنربي أبناءنا سوياً وسوف أعمل عملي، وهذه هي القوامة المطلوبة.
المصدر: http://www.amrkhaled.net/articles/articles2698.html