بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
قانون معرفة الله :
أعزائي المشاهدين ... أخوتي المؤمنين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ولازلنا في قوانين القرآن الكريم ، والقانون اليوم ( قانون معرفة الله )
أصل الدين معرفة الله :
الحقيقة الصارخة والدقيقة والمهمة : أن أصل الدين معرفة الله ، والإنسان إذا عرف الآمر وهو الله ، ثم عرف الأمر وهو المنهج ، تفانى في طاعة الآمر ، أما إذا عرف الأمر ولم يعرف الآمر تفنن في التفلت من الأمر .
ولعل مشكلة المسلمين الأولى أنهم عرفوا الأمر ، لكن معرفتهم بالآمر ضعيفة لذلك تفننوا في التفلت من منهج الله عز وجل .
أيها الأخوة الكرام ، الآية التي هي أصل في معرفة الخالق ، المربي ، المسير ، الإله ، العظيم ، الآمر ، هي قوله تعالى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ ﴾
( سورة النحل الآية : 104 )
فكأن الطريق إلى الإيمان بالله أن تؤمن به من خلال آياته .
تقسيم العلماء آيات الله إلى أنواع ثلاثة :
1 – الآيات الكونية :
قسّم بعض العلماء الآيات التي هي علامات في طريق الهدى إلى أنواع ثلاثة ، آيات كونية ، هي خلق الله ، السماوات ، والأرض ، والجبال ، والسهول ، والأنهار ، والشمس ، والقمر ، والنبات ، والحيوان ، والجماد ، وخلق الإنسان ، آيات الله عز وجل في الآفاق ، قال تعالى :
﴿ سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾
( سورة فصلت الآية : 53 )
وخلق الإنسان هو جرم صغير ، ولكن انطوى فيه العالم الأكبر .
إذاً الآيات الأولى آيات كونية ، أساسها الآفاق والإنسان ،
﴿ سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾
2 ـ الآيات التكوينية :
هناك آيات أخرى ، هي آيات تكوينية أفعال الله ، أفعال الله آيات تكوينية ، خلق الله آيات تكوينية .
3 ـ الآيات القرآنية :
الآن كلام الله آيات قرآنية ، فالطريق إلى معرفته يمكن أن يكون سالكاً من خلال آياته الكونية ، والتكوينية ، والقرآنية ، ولنضرب على ذلك بعض الأمثلة .
أيها الأخوة الكرام ، كلنا يعلم أن العالم الكبير أينشتاين وصل إلى حقائق قلبت مفاهيم الفيزياء ، من أبرز هذه الحقائق وصل إلى سرعة الضوء ، إلى السرعة المطلقة في الكون ، إنها سرعة الضوء ، ولكن عقد مؤتمر للإعجاز العلمي الخامس في موسكو ، وقد أُلقيت في هذا المؤتمر محاضرة دقيقة جداً حول سرعة الضوء ، فكان من حقائق هذه المحاضرة أن الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾
( سورة الحج )
والعرب تعد السنة القمرية ، والقمر يدور حول الأرض دورة كل شهر وبحساب بسيط :
لو وصلنا خطاً بين مركز الأرض ومركز القمر ، هذا الخط نحسبه سريعاً من خلال نصف قطر الأرض ، مع نصف قطر القمر ، مع المسافة بين الأرض والقمر ، هذا الخط هو نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض ، لو ضربنا هذا الرقم باثنين ، لكان القطر ، لو ضربنا بالبي 3.14 ، لكان المحيط .
إذاً نعرف محيط الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض ، لو ضربناه بـ12 لكان في العام ، لو ضربناه في ألف عام فالجواب بحساب بسيط ، بآلة حاسبة ، مع معطيات دقيقة يمكن أن نحسب كم هي المسافة التي يقطعها القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام ، المفاجأة التي قد لا تصدق أننا إذا قسمنا هذه المسافة ما يقطعه القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام على ثواني اليوم ، ثواني اليوم ستون ، بستين ، بأربع وعشرين ، لكانت المفاجأة الصاعقة أن الجواب هو سرعة الضوء الدقيقة ، 652 299 ، هذه السرعة ، سرعة الضوء التي تعد السرعة المطلقة في الكون من أين جئنا بها ؟ يعني ما يقطعه القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام ، يقطعه الضوء في يوم واحد ، لو قسمنا على ثوان اليوم لكانت السرعة التي تنتج عن هذا التقسيم سرعة الضوء ،
﴿ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾
آيات الكون آيات دالة على عظمة الله :
لكن هناك آية ليس فيها مما تعدون :
﴿ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾
( سورة الحج )
قالوا هذه سرعة الملائكة .
﴿ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾
( سورة الحج )
أيها الأخوة الكرام ، آيات الكون آيات دالة على عظمة الله ، آيات الكون لا تعد ولا تحصى .
الله عز وجل أتقن كل شيء صنعه :
أيها الأخوة ، من هذه الآيات :
﴿ سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾
الله عز وجل يقول يخاطب الإنسان :
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴾
( سورة البلد )
لقد خلق الله في العين الطبقة الخارجية ، هي طبقة القرنية ، طبقة شفافة ، وكيف كانت شفافة ؟ لأن كل الأنسجة في الجسم تتغذى عن طريق الأوعية الشعرية ، فلو غُذيت هذه الطبقة القرنية في العين عن طريق أوعية الشعر الدقيقة للدم لرأينا ضمن شبكة ، لأن خلق الله متقن .
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
( سورة التين )
إذاً تتغذى القرنية في العين بطريقة فريدة ، تسمى هذه الطريقة التغذية عن طريق الحلول ، أي أن الخلية الخارجية تأخذ غذاءها ، وغذاء جارتها ، وتنقله عبر الغشاء الخلوي ، صنع من ؟ دقة من ؟ وأن في شبكية العين في الميليمتر ، وقبل أن أقول الرقم إن أحدث آلة للتصوير احترافية ورقمية ، فيها في الميليمتر الواحد عشرة آلاف مستقبل ضوئي ، أما العين فيها بالميليمتر الواحد مئة مليون مستقبل ضوئي ، لذلك :
﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾
( سورة النمل الآية : 88 )
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
( سورة فاطر الآية : 28 )
هذه العين فيها ماء ، والإنسان حينما يسافر إلى بلاد باردة هناك الحرارة سبعون تحت الصفر ، بإمكانه أن يغطي رأسه ، ويرتدي الجوارب الصوفية ، والقفازات في يده والمعطف ، والألبسة الداخلية الصوفية ، ولكن ليس بالإمكان أن يغطي عينيه ، إذاً لابدّ لمن يقطن في هذه البلاد من أن يفقد بصره ، لأن السبعين تحت الصفر تجمد ماء العين ، ويفقد الإنسان البصر ، من أودع في ماء العين مادة مضادة للتجمد ؟
﴿ سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾
حتى يتبين لهم أنه الحق .
آيات الله عز وجل تدل على سر الوجود و غايته :
إذاً الآيات الكونية هي خلق الله عز وجل ، وهي مبثوثة في الآفاق ، وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد ، والكون كله ينطق بوجود الله ، ووحدانيته ، وكماله ، بل إن الكون قرآن صامت ، وإن القرآن كون ناطق ، وإن النبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي ، هذه الآيات في خلق الله ، فماذا في أفعال الله ؟ الآيات التكوينية ؟
باخرة عملاقة صنعت في مطلع هذا القرن ، وقد جاء في نشرتها أن القدر لا يستطيع إغراق هذه السفينة ، إنها التاي تنك ، لكن فعل الله عز وجل كان درساً قاسياً لهذا التطاول على الذ ات الإلهية فغرقت في أول رحلة لها بين بريطانيا وأمريكا .
أيها الأخوة الأحباب ، هذه آية من آيات الله التكوينية ، أفعاله ، وهذا المرض العضال الإيدز الذي تحدى العالم كله ، الذي هو بسبب الانحراف والشذوذ آية من آيات الله أفعاله .
من عرف الله عز وجل عرف كلّ شيء :
أيها الأخوة ، الله عز وجل نصب الآيات الكونية كي نتفكر بها .
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾
( سورة آل عمران )
ونصب الآيات التكوينية لننظر بها ، إذاً هناك آيات كونية ، هناك آيات تكوينية ، والآيات القرآنية هي تدلنا على سرّ الوجود ، وغاية الوجود ، والأمر بالعبادة ، وماذا بعد الموت .
إذاً إن أردنا أن نعرف الله فينبغي أن نتفكر بآياته الكونية ، وأن ننظر إلى أفعاله آياته التكوينية ، وأن نتدبر القرآن فهو آياته القرآنية ، وحينما نعرف الله نعرف كل شيء .
(( ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ))
[ تفسير ابن كثير]
أيها الأخوة الأحباب ، إلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله رب العالمين