أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه ، يا سيدي يا رسول الله ، صلاة وسلاماً متلازمين إلى يوم الدين .
أما بعد : أحبتي في الله أحييكم جميعاً أينما كنتم في الأرض بتحية الإسلام والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، تحدثنا في الحلقة السابقة عن الاستقامة ورأينا أن هذا الأمر يحتاج منا إلى عمل وليس بأمانيكم ، والإيمان ليس بالتمني ولكن الاستقامة تحتاج إلى جهد كبير يبنى على أسس مستمدة من كتاب ربنا وكلام نبينا صلى الله عليه وسلم .
الربط بين التوحيد و العقيدة و بين الاستقامة على أمر الله عز وجل :
أريد في مقدمتي هذه أن أربط بين التوحيد والعقيدة وبين الاستقامة ، وأن الاستقامة لا تقوم إلا على توحيد خالص ، ولما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة كان ممكن لبعض المفكرين أو الذين يُعملون عقولهم أن يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالمشكلة الداخلية لتوحيد القبائل ويصير زعيماً ، يوحد القبائل وبعد ذلك يبدأ بقضية الرسالة ، أو يبدأ بالقضية القومية وهي إخراج الفرس والروم من أرض العرب ، وكان ممكن أن يجد له أتباعاً من باب العنصرية أو من باب القومية أو الغيرة العربية لإخراج المستخرب أو الأجنبي عن أرض العرب ، أو يحل المشكلة الاجتماعية ؛ قضية الطبقية والعبيد والأسياد والأثرياء والفقراء والطبقية الموجودة في المجتمع وسوف يجد من الفقراء الكثر في مجتمع مكة ومجتمع قريش من يؤيده في هذه المسألة ، لكن ظل ثلاثة عشر عاماً يدعو إلى لا إله إلا الله ، فلما دخلت قضية التوحيد هذه وأمرهم رب العباد كفوا أيديكم ، الأمر هنا جاء استقام الصحابة على هذا المنهج منهج لا إله إلا الله ، وظهرت الاستقامة في ألسنتهم ونظرتهم وعقولهم وأفكارهم وتصرفاتهم وسلوكياتهم ، وتحملوا هذا ، فأقاموا قضية الاستقامة مقام الكيان العملي الموجود في الحياة وليس كلاماً نظرياً تجريدياً ، بعد هذه الأعوام الثلاثة عشر وتمكن التوحيد في قلوب الصحابة ، رأينا مجتمعاً واقعياً مثالياً ارتقى بالإنسان إلى أرقى ، بحيث النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب المصحف على ورق وإنما كتب بمداد من نور على سطور قلوب الصحابة عقيدة لا إله إلا الله فاستقامت أعمالهم عملاً خلاقاً أضاؤوا به العالم كله وكانوا خير أمة أخرجت للناس .
ترحيب حارٌ من الدكتور عمر بالأستاذين الكريمين :
قد تكون هذه المقدمة أطلت بها لكن أردت أن أمهد بين يدي الضيفين الكريمين والعالمين الجليلين اللذان أسعد أنا بهما وتسعدون أنتم بهما وأنا أدرك هذا تصلني مئات وآلاف الآراء والأفكار تثمن هذا البرنامج ، وهذا من فضل الله علينا أن يكون معي في الاستديو الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي مرحباً بك دكتور راتب بارك الله بك .
الدكتور راتب :
بكم أيها العالم الجليل أنت أستاذنا .
الدكتور عمر :
وأرحب أيضاً بأخي الدكتور عربي الكشاط ، مرحباً بك في هذا المجلس لأنني أعتبره مجلس علم تحيط به الملائكة وتتواصل الملائكة ، من هذا الأستوديو إلى كل المشاهدين بأرض الله مرحباً بك دكتور عربي في مجلسك .
الدكتور عربي :
شكراً لك دكتور عمر ولك أجر ثمار مثل هذه المجالس .
الدكتور عمر :
الدكتور راتب نبدأ إن شاء الله ونكمل ما أوقفنا أنفسنا عنده في الحلقة السابقة ونتحدث عن خصائص الاستقامة ونحن نريد أن نعطي منهجاً مبسطاً للمستمعين ولي أنا شخصياً ، كي ندرك منهجاً عملياً نستقيم به على طريق الله عز وجل ، حتى في علم الرياضيات أقصر الطرق المستقيم بين نقطتين :
معالجة الأنبياء أعراض الإعراض عن منهج الله عز وجل :
الدكتور راتب :
لابد لي من التعليق على هذه المقدمة الرائعة ، الحقيقة إذا طفل صغير ارتفعت حرارته وأخذه أبوه إلى طبيب أعطاه خافض حرارة ليس هذا طبيباً ، يجب أن يرى أن هذا الارتفاع عرض لمرض آخر ، لذلك الأنبياء الكرام العظماء ما عالجوا أعراض الإعراض عالجوا الإعراض نفسه ، كما تفضلت هناك مشكلات كثيرة جداً ما بدأ بها النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بأصل العلة ، أصل العلة الإعراض عن الله عز وجل .
الدكتور عمر :
لم يحجمها في قضية اجتماعية قضية قومية .
الدكتور راتب :
فكلما تعاني الأمة الإسلامية الآن أنا أراها أعراضاً للإعراض عن الله ولو استقمنا على أمر الله لحلت مشكلاتنا جميعاً بل عن الله عز وجل يقول :
إله عظيم يصف مكر هؤلاء بأنه يزيل الجبال ومع ذلك وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ .
بطولة الإنسان أن يعرف علة وجوده في الدنيا :
أنا أقول إذاً المعصية مع الصبر طريق إلى القبر ، أما الطاعة مع الصبر طريق إلى النصر ، فالأنبياء العظام وعلى رأسهم النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده على أصل المرض ، بدأ بمعالجته وما لم نهتدِ بهذا الهدى لن نفلح ، أنا أقول النبي صلى الله عليه وسلم له سنتان سنة افعل ولا تفعل ، أما هو كيف دعا إلى الله ما الموضوعات التي بدأ بها ؟ هذا اسمه السنة الدعوية ، والدعاة إلى الله ما لم يقلدوا النبي في سنته الدعوية فلن يفلحوا ، أما حسب ما طلبت مني جزاك الله خيراً في موضوع خصائص الاستقامة أنا أرى أن أمتن علاقة بين علة وجود الإنسان ، إنسان ذهب إلى باريس بلد أخينا الكريم الدكتور عربي لينال الدكتوراه فقط فيها مجامع علمية فيها مسارح فيها ملاهٍ فيها دور سينما فيها حدائق فيها متاحف فيها جامعات فيها مصانع مدينة عملاقة ، له في هذه المدينة هدف واحد أن ينال الدكتوراه نسمي نيل الدكتوراه علة وجوده ، البطولة أن أعرف أنا ما علة وجودي في الأرض ، من أجل أن تأتي الاستقامة مرتبطة ترابطاً تفاعلياً مع فهم العلة ، أولاً الله عز وجل قال :
مثل آخر ذهب إلى باريس قال إلى أين أذهب ؟ نقول له لماذا جئت إلى هنا ؟ إن كنت جئت طالب علم فاذهب إلى المعاهد والجامعات ، وإن جئت تاجراً فاذهب إلى المعامل والمؤسسات ، وإن جئت سائحاً فاذهب إلى المقاصف والمتنزهات .
ما م نعرف علة وجودنا في الدنيا لا يصح عملنا ، إن عرفنا علة وجودنا صحّ عملنا ، الآن طالب في عنده امتحان مصيري يبنى على نجاحه في هذا الامتحان مصيره ، لو أن أصدقاء أخذوه إلى مكان جميل قبل الامتحان بيومين واستمتع بأجمل المناظر وأطعموه أطيب الطعام لماذا يشعر بالكآبة ؟ لأن هذه العمل لا يتناسب مع الهدف الذي أمامه ، فلو قبع في غرفة قميئة ، وقرأ الكتاب المقرر ، يشعر براحة ، إذاً تصح حركتنا إذا عرفنا سر وجودنا ، ونسعد إذا جاءت حركتنا مطابقة لهدفنا .
الدكتور عمر :
السلف الصالح لما استهانوا بالدنيا واعتبروها معبراً وليست مقراً ونظروا إلى الهدف الأسمى هانت الشدائد عليهم ، ولكن فضيلتك أشرت إلى قضية خطيرة وهي أنك تريد أن تقول لنا أننا في حالة من الإعراض عن الله وهو المرض المستشري .
الطاعة القسرية ليست عبادة لأن العبادة طاعة طوعية تفضي إلى سعادة أبدية :
الدكتور راتب :
ومشكلاتنا أعراض الإعراض عن الله عز وجل .
الدكتور عمر :
نريد أن نصف الدواء .
الدكتور راتب :
إذا كان الداعية طبيباً يجب أن يعالج أصل هذه الأعراض ، الآن القرآن الكريم كلام الله عز وجل ، بآية صريحة قطعية الدلالة يقول :
والعبادة تفهم فهماً ساذجاً وضيقاً جداً أنها العبادة الشعائرية أما العبادة في أدق تعريفاتها طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية ، هي طاعة ، الطاعة القسرية ليست عبادة ، الأقوياء يطاعون قسراً .
طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، لأن الله أراد علاقتنا به علاقة محبوبية فما عبد الله من أطاعه ولم يحبه وما عبد الله من أحبه ولم يطعه ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية ، في التعريف صار جانب معرفي وجانب سلوكي وجانب جمالي ، الجانب السلوكي هو الأصل :
يعني ما تحرك ، السلوكي هو الأصل ، المعرفي هو السبب ، الجمالي هو الثمرة ، في أصل وفي سبب وفي ثمرة .
أول خطوة إلى الله عز وجل أن نستقيم على أمره :
الآن كما قلت في لقاء سابق إذا اختفت الاستقامة لا يبنى عليها شيء أضيف هذا المثل ، الاستقامة واحد مع العمل الصالح صفر صار عشرة ، مع رعاية الأولاد صفر ثان ، مع خدمة المجتمع صفر ثالث ، مع إنفاق المال صفر رابع ، فإذا ألغيت الواحد الباقي أصفار .
(( استقيموا ، ولن تحصوا ))
[ ابن ماجه عن ثوبان ]
علاقة الاستقامة بعلة وجودنا أن أول خطوة إلى الله أن نستقيم على أمره وبعدها يبدأ الحساب .
الدكتور عمر :
الخاصية الأولى التي فهمتها أنا الآن وفهمها المشاهدون أن العبد يجب أن يدرك لماذا هو موجود ، ومعنى العبودية العامة المختصة بالشرع وليست العبودية الساذجة المحصورة في طقوس معينة يذهب إلى العمرة أو يعمل مناسك معينة .
علة وجود الإنسان في الأرض هي طاعة الله عز وجل :
الدكتور راتب :
هناك دليل قوي جداً لما سأله النجاشي سيدنا جعفر عن الإسلام قال :
هذا المضمون الأخلاقي لذلك الإيمان هو الخلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان .
الدكتور عمر :
الآن فهمت أنني موجود بعلة ، علة وجودي هي طاعتي لله عز وجل .
الدكتور راتب :
المبنية على علم ينتج عنها سعادة .
الدكتور عمر :
الأمر الثاني أن العبد كلما رأينا منه خلقاً قويماً هو أكثرنا استقامة ، أو أقرب إلى خط الاستقامة .
كل إنسان مصمم لمعرفة الله عز وجل :
الدكتور راتب :
شيء ثالث الإنسان مصمم إن صحّ التعبير لمعرفة الله ، نفسه لا يقنعها هدف محدود ، فلمجرد أن يختار الإنسان هدفاً أرضياً محدوداً يبدأ شقاؤه بعد بلوغه ، لو رأى المال كل شيء بعد أن يملكه يشعر بالملل والسأم والضجر ، رأى المرأة كل شيء بعدما قضى حاجته منها يشعر بالملل والسأم والضجر ، أي شيء دون الله جعله هدفاً يشقى به لأنه أكبر من ذلك ، لذلك الإنسان حينما يعرف الله لا يشيخ أبداً شاب حتى الموت شاب في التسعين ، ما تعريف الشباب ؟ الشباب أن لك هدفاً كبيراً تسعى إليه إذاً أنت شاب ، ما دام الهدف أرضي مادي محدود استوعبته أحطت به يبدأ السأم ، وأنا أفسر انحراف العالم الغربي بسبب الملل وصلوا إلى كل أهدافهم المادية بدؤوا بالانحراف ، بالشذوذ ، كل ألوان الانحراف في العالم الغربي سببها أن أهدافهم مادية محدودة فلما أحاطوا بها شعروا بالفراغ أما المؤمن ، مرّ أحد علماء دمشق على مقهى قال يا سبحان الله لو أن الوقت يشترى من هؤلاء لاشتريناه منهم .
الأمن و الحكمة من صفات المؤمن الحق :
والله أنا أرى أن المؤمن أمامه طموحات وأعمال لا يكفي له العمر كله هذا يجعله شاباً دائماً ، مرة في دمشق كرموا قراء القرآن الكريم كانوا سبعة فيما أذكر كلهم فوق التسعين وكان في عالم من علماء دمشق بلغ السادسة والتسعين وقامته منتصبة وبصره حاد وأسنانه في فمه وكان يقول يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر ، من عاش تقياً عاش قوياً .
وأنا أقول الداعية أحياناً حينما يستعين بحاجات الإنسان الأساسية ، الإنسان بحاجة إلى الأمن والأمن من صفات المؤمن :
لهم وحدهم ، يحتاج الإنسان الحكمة ، ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ، يحتاج إلى الرضا أن يرضى عن الله ، كان أحدهم يطوف حول الكعبة فقال : " يا رب ، هل أنت راضٍ عني ؟ كان وراءه الإمام الشافعي ، قال له : يا هذا ، هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك ؟ قال له : سبحان الله ! كيف أرضى عن الله ، وأنا أتمنى رضاه ؟ قال له : إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله عز وجل .
طمس حقيقة التوحيد أدت إلى تخبط المسلمين :
الدكتور عمر :
الدكتور راتب هذا مقياس صعب ، نحن في واقع الأمر إذا أصابتنا نتيجة قلة المناعة الإيمانية الموجودة ، أضعف فيروس من فيروسات الشك أو الابتلاء أو إلى آخره يؤثر على مناعتنا الضعيفة هذه ، على كل أنت فتحت لنا طريقاً واسعاً ، أريد أن ندخل إلى طريق الدكتور العربي وهو يكمل لنا هذا الأمر الجميل ، قلنا في مقدمة العرض أن النبي صلى الله عليه وسلم كما أكّد معي الدكتور راتب جزاه الله خيراً ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أدرك حقيقة الأمر في أمر العقيدة ، ونحن تحدثنا مع فضيلتكم في الحلقة الماضية عن غياب هذه الحقيقة عن إخواننا في الإنسانية في الغرب ، لما طمسوا حقيقة التوحيد تخبطوا في الدنيا خبط عشواء وجعلوا يتلمسون المفاتيح هنا وهناك وأرادوا أن يعمقوا بعض التافهين ، أصحاب العقول الكبيرة أو غير ذلك ، وبعد كان لهم حصاد الهشيم وصل الأمر بهم إلى الانتحار والاكتئاب ودور المسنين والعجزة ، ولا ننكر كما قلنا حتى لا نغبط القوم حقوقهم ، لا ننكر تقدمهم التقني والعلمي لأنهم استخدموا العقول فيما أمر الله بها ، ولكن استخدموا الأهواء فيما نهى الله سبحانه عنه ، لماذا صادموا الاستقامة مع أن الرجل الجاهلي في الجاهلية السابقة قبل اقرأ كان عنده شيء من منظومة القيم أو شيء من بقايا فطرة إنسانية ، كيف أكسر على محمد بابه وتقول العرب هتك عمرو بن هشام حرمة بيت محمد ، أبو سفيان يقول أنا لولا أن يؤثر عني أني قد كذبت لكذبت ، حاتم الطائي وكرمه ، معن وحلمه ، الأحنف ، هؤلاء إذا قيس عظماء الجاهلية قبل الإسلام بالجاهلية الحديثة في القرن الماضي والذي قبله جرحت هذه المقارنة ما قبل اقرأ ، ما أدري هل فكرتي وضحت ؟
الاستقامة ذات بعدين بعد عقدي وبعد وجودي :
الدكتور عربي :
فكرة جد عميقة ولكي نفهمها يجب أن نستفكر ما ذكرتنا به والذي يتمثل فيمايلي ، التوحيد وآثاره ، إذاً أنت ذكرتنا بأن الاستقامة ذات بعدين ، بعد عقدي بعد وجداني وبعد وجودي ، الإيمان يمثل البعد الوجداني الداخلي ، وتجسيد الاستقامة يمثل البعد الوجودي ، الوجود الخارجي وهذا ما يشير إليه قوله تعالى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ﴾
( سورة فصلت الآية : 20 )
هذا البعد الأول ، قالوا ربنا الله ، القول يشمل الشعور القلبي واللفظ اللساني قالوا ربنا الله :
﴿ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾
( سورة فصلت الآية : 20 )
كلمة ثم هذه كلمة عجيبة ، تراخي رتبي وتراخي زمني ، كيف ؟ تراخي رتبي يعني أن القول يستسهله كلنا بسيط ، الغرب مثلاً قال بأنه ليس بحاجة إلى الله عز وجل وليس بحاجة إلى ما يسميه المفارقة ، الذي يفارق السطح البشري البعد عن المحسوس .
التوحيد شجرة طيبة و لكن علة المسلم في قلبه :
نحن عندنا أكثرنا يردد كلمة التوحيد لفظياً لكن أين مدلولها الاجتماعي واقعياً ؟ وهنا المشكلة ، فالتوحيد شجرة طيبة ، والشجرة الطيبة كما ذكر الله عز وجل تؤتي ثمارها :
الحضارة الغربية اجتثت من تربتها هذه الشجرة من واقعها ما لها من قرار ، نحن الشجرة موجودة لكننا نفتقد ثمارها ، إذاً أين الخلل ؟ كما تفضلت قبل قليل ؟ الخلل في التربة ونعني بها القلب .
ارتباط الاستقامة بالتفاعل مع الآخر و عدم ارتباطها بالفرد فقط :
إذاً هنا أصحاب الدعوة الإسلامية أمتنا يجب أن تراجع منشأ أو البيئة التي تنمو فيها هذه الشجرة ، الشجرة لا نقاش في صلاحيتها و دواميتها والقدرة على الإثمار هنا البعدين الداخلي والخارجي ، ويقول السيد المسيح عليه الصلاة الشجرة تُعرف من ثمارها ، الثمار تتمثل فينا ، تتمثل في نوعية العلاقات ، لا نستطيع أن نتحدث عن الاستقامة مرتبطة بفرد منعزل ، متى تذكر الاستقامة ؟ تذكر الاستقامة في سياق العلاقات ، التفاعل مع الآخر والمؤمن يستقيم في علاقته مع الله عز وجل ، الله تبارك وتعالى يقول :
﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ (40)﴾
( سورة البقرة)
الوفاء من طرف الإنسان وفاء بعهد العبودية ، والوفاء من طرف الله عز وجل وفاء بعهد الربوبية ، فعهد الربوبية متفتح معطي دون انقطاع ، المشكلة هناك عطب في عهد العبودية ، الحب من الله عز وجل متحقق والحب من طرف العبد لله موجود في خانة القوة ، يحتاج إلى أن يبرزه العبد ، أن يفعل ، أن يصبح حقيقة ملموسة .
ركائز الاستقامة :
الملاحظة الثانية الاستقامة من جهة أخرى ذات ركائز ثلاثة ، استقامة فكر تنبته العقيدة ، واستقامة كلمة ، واستقامة جهد ، النبي صلى الله عليه وسلم رأى مرة شخصاً قد حفر قبراً فلم يتقنه فقال له فيما معناه هلا جملته ؟ هلا أحسنت طريقة الحفر (أتقنت)؟ الاستقامة ليس لفظة فارغة وإنما هي دستور لمضمون العلاقات الاجتماعية ، تتبعت موارد كلمة الاستقامة في القرآن الكريم فوجدت التالي ، الاستقامة فيما تدل عليه على الشيء المستقيم ، ذكرتنا بالجملة التي نحفظها أقصر مسافة بين نقطتين هو الخط المستقيم ، تذكرت الكلمة العربية الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله قال : تعلمنا في المدرسة أن أقصر مسافة بين نقطتين إنما هو الخط المستقيم وعندما خرجنا إلى واقعنا وجدنا أن أقصر مسافة بين ما تريد هو التواء .
إذاً في عالم اللفظ نردد الاستقامة ولكن في حياتنا الواقعية يعني الخط الملتوي هو الذي يوصل الإنسان ، إذاً هناك خلل في المفهوم الاجتماعي .
الدكتور عمر :
واقع التربة التي منغرسة فيها الشجرة .
كل إنسان مسؤول عن شجرة الإسلام :
الدكتور عربي :
أنت سيد العلماء ، في علم النبات هناك علاقة بين نوعية البذرة والبيئة المحيطة بها ، هناك مثلاً أشجار لا تنبت إلا في بيئة معينة ، فشجرة الإسلام التي تمثل الطيبة لا بد لها من بيئة مناسبة ، والإنسان هو المسؤول عن ترقية هذه البيئة ، الله عز وجل خلق الإنسان ذا استعدادين القدرة على الارتفاع والقدرة على الهبوط :
فالإنسان عندما يفقد ، عندما تضعف وتيرة التوتر ، مثلما يتوتر إلى الخير فيصبح ينتج القوة التي يتطلبها الجهد ، عندما ينخفض توتره ينزل ، السلف الصالح كان يأخذ الكتاب بقوة ، ما معنى بقوة ؟ كان يهتم أول ما يهتم بإعداد جهاز استقباله ، يصفيه يرقيه حتى يصبح ذا قدرة على الالتقاط والتأثر ، ثانياً كان يوجهه نحو مصدر النور ، قطعة من الأرض عندما يستدبر الشمس يظلم هل العيب عيب الشمس أم عيب هذا الجزء من الأرض الذي استدبر الأرض ؟ شمس الإسلام لا تغرب ، مرت على المسلمين عصوراً كانوا دائماً لا يتحركون إلا حيث مصدر النور وعندما بعامل من العوامل يستدبرون هذا النور تظلم .
الاستقامة هي روح الأعمال الصالحة :
إذاً أنا أقول بأن حياتنا الإسلامية ونحن المسلمون بمثابة الأقمار ، القمر لا يستمد ضوءه من ذاته يستمد الضوء من الشمس ، والإسلام هو شمسنا إذا ما ظللنا أوفياء في علاقاتنا لهذه الشمس استنرنا وتمثلت استنارتنا في استقامتنا .
إذاً الاستقامة على مستوى القلب ويعجبني قول أحد الصالحين يقول : الاستقامة يجب أن تستقيم إسراراً(سراً)كما استقمت إقراراً .
وأضيف استقامة الإسرار واستقامة الإقرار لا أهمية لهما إلا إذا تشكلت استقامة استقرار ، ما معنى استقرار ؟ يستقر كلهم على أن الاستقامة هي روح أعمالنا ، هذه العملة مثل شخص يخرج عنده درهم يذهب إلى البنك يكشف أنه مزور ، أو كما تفضلت أمس لا رصيد لك لا أعطيك شيئاً ، فالاستقامة هي رصيد الأعمال الصالحة ، أنت تفضلت وقلت إن الاستقامة تساوي الأعمال الصالحة .
الاستقامة على أمر الله واجب كل إنسان :
الدكتور عمر :
الدكتور عربي الآن أنت تنكأ جرحاً كبيراً وهو أن التربة مغروسة فيها الشجرة ، الشجرة لا غبار عليها لأن أصلها ثابت وفرعها في السماء ، الكتاب والسنة ، إذاً الخلل في التربة والتربة أن نقوم نحن بتنقيتها ، وبمناسبة الشجرة يعجبني بيتين من الشعر لسيدنا علي ابن أبي طالب يقول :
ثم نقى بعد جهد حجر وسقاها إثـر ما أودعها دمع العين بدمع فَجرها
وإذا ما رأى طيــــراً مفسـداً حائماً حــــول حماها زجره
نمت في ظل ظليل تحتها روح القلب ومحا ضجره ثم بايعت إلهي تحتها
* * *
وهذه بيعة الرضوان ، نريد أن توجد هذه الشجرة وهذا الظل الوارف وهذا الحنان الإلهي الذي يتمثل في أن الشجرة لا غبار عليها ، ونحن بأيدينا أن نجيد أو نحسن سقيها ورعايتها وإزالة الحشائش الضارة من حولها ، و إلا كيف يستقيم قلب الإنسان ؟ يوجد حقد وحسد و كبر ، لو وجهنا دكتور عربي فيما أظن كل شخص منا وأنا أول الناس على تنقية قلوبنا مما علق منها من الارتكاس إلى الأرض ولكنه أخلد إلى الأرض هذا الإخلاد إذا نزعناه من قلوبنا استشرفت الروح وصعدت واستقامت على طريق الله .
عدم تحقق إنسانية الإنسان إلا إذا ربط بين الأرض والسماء :
الدكتور عربي :
يعني ما تفضلتم به يذكرني بضرورة استشعار العلاقة بين استقامة الإنسان من الناحية البدنية واستقامته الفكرية ، نفس الجذر الذي اشتقت منه كلمة الاستقامة اشتق منه في أحسن تقويم ، استقامة وتقويم المادة الواحدة القاف ، الواو ، الميم ، في أحسن تقويم تحدث علماؤنا عليهم الرضوان وفصّلوا القول في معنى أحسن تقويم ، الواقع أن أحسن التقويم يشمل البعد المادي للإنسان ، والأهم يشمل البعد مضمون الإنسانية ، التقويم بمعناه المعنوي القدرات التي أكرم الله عز وجل الإنسان من عقل وفكر وقدرة على التصور ، إذاً الإنسان خلق مهيئاً لأن يبدع إبداعاته بشكل مستقيم ، ولا حظ الملاحظون أن المخلوقات كلها ذات بعد مادي أفقي ، قالوا في استثناءات بعض الباحثين في بعض الكائنات البحرية ممكن تقف على فترة بشكل ، لكن الكائن الوحيد الذي ينتصب قائماً بين السماء والأرض هو الإنسان ، في آية تدع الحد الفاصل بين التصورات الغربية والتصورات الإسلامية :
هذه الآية تصور لنا الإنسان مستقيماً بين الأرض والسماء ولا تتحقق إنسانية الإنسان إلا إذا ربط بين الأرض والسماء حتى من الناحية المادية ، يعني الإنسان يستمد الطاقات من الأرض ويستمد الطاقات من السماء ، ومن الناحية المعنوية يستمد الإنسان طاقاته من الأرض بأن يبذل كل ما في وسعه ليتمكن وأريد أن أفتح قوس أنا ، كل البشر سبع مليارات الآن ولا واحد اختار المكان الذي ولد فيه هذا يسمى مكان لكن المكان عطاء إلهي ، لكن المطلوب من الإنسان أن يحقق مكانته ، يقال إنسان ذو مكانة كيف نحقق مكانتنا ؟ المكان الجغرافي لا قيمة له إلا إذا ملأ بخير المكانة الإنسانية ، عنده مكانة اجتماعية من أين أشتق مفردات مكانتي الاجتماعية ؟ من استقامتي على أمر الله .
الاستقامة ليست فردية و إنما تترجم عن قيمة الفرد من خلال علاقته بالآخرين :
لذلك روي أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما نزل قوله تعالى
إذاً الأمة الإسلامية أمة مستقيمة ، وألاحظ كلمة أخيرة الاستقامة ليست استقامة فردية ، الفرد يستقيم لكن الاستقامة تترجم عن قيمة الفرد من خلال علاقته بالآخرين ، وهناك علاقة بيانية وعلاقة نفسية اجتماعية بين مستوى الباطن ومستوى الخارج ، إذا صفت السريرة استقامة السيرة ، فالتوحيد الذي أشرت إليه هو صفاء السريرة والاستقامة هي فاعلية السيرة .
الدكتور عمر :
دكتور عربي شكر الله لك هذا توضيح جميل ، دكتور راتب لا أدري من أين أقطف الثمار ؟
على كل إنسان أن يحيط نفسه ببيئة إيمانية :
الدكتور راتب :
أنت تمنيت علينا أن نجري مداخلات فيما بيننا ، معلوماتي الدقيقة أن نجاح البذرة يرجع إلى بيئتها ثمانين بالمئة ، نجاح أي نبات يعد نوع البذرة يمثل عشرين بالمئة من نجاحها والبيئة ثمانون بالمئة ، لذلك أي إنسان يشكو لي ضعف إيمانه وضعف اتصاله بالله أقرأ عليه قوله تعالى :
ما لم يحط الإنسان نفسه ببيئة إيمانية ، بأناس يحبون الله ، يرغبون في طاعته .
الدكتور عمر :
أو أهل الكهف .
الدكتور راتب :
نحن مشكلتنا تحتاج إلى بيئة إيمانية ، لا تصاحب إلا مؤمناً ، علاقات العمل علاقات مشروعة ، أنا أقول الحميمة هذه ينبغي أن تكون مع المؤمنين .
كل خطأ في تصور الإنسان يقابله خطأ في سلوكه :
لذلك أنا أرى أن الإنسان لماذا لا يستقيم ؟ تحليل نفسي والله أعلم ما من حركة إلا وراءها تصور ، مهما بدت صغيرة أو كبيرة وراءها تصور لماذا العقيدة في الإسلام لا تقبل تقليداً ؟ لا تقبل إلا تحقيقاًَ والدليل قوله تعالى :
بالمناسبة ولو قبل الله عز وجل العقيدة تقليداً لكانت كل الفرق الضالة عند الله ناجية لأنهم سمعوا من هو فوقهم يقول شيء فقالوا ، لذلك الخطأ في التصور يقابله خطأ في السلوك ، ولو لم يكن هناك علاقة بين التصور والسلوك اعتقد ما شئت ، لكن لأنه ما من شيء تعتقده إلا يترجم إلى سلوك ، أصل الخطأ في التصور .
الدكتور عمر :
لتترجم لنا في واقعنا ، واحد جاء للدكتور راتب قال أنا أريد أن أستقيم ، أريد أن أكون من الذين استقاموا وسمعتك في الخطبة الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ، أعطني منهجاً أستقم به وأنا حولي من الآفات والعوائق والحواجز ما يمنعني عن هذه الاستقامة ، كما الرجل الذي ذهب إلى الراهب وقال له لا توبة لك بعد أن قتل التسعة والتسعين ، ذهب إلى العالم قال له انتقل إلى بلد آخر .
نواصل بعد هذا الفاصل .
مرحباً بكم أحبتي في الله ونحن نتواصل في هذه الحلقة ، الاستقامة عمل صالح ونحن نسعد جميعاً وأنا أولكم بوجود العالمين الجليلين الدكتور راتب النابلسي والدكتور عربي القشاط مرحباً بكم مرة أخرى ، دكتور راتب كنا نتحدث قبل الفاصل عن شاب جاء وسأل عن منهج واضح سهل بسيط كيف يستقيم وكيف يصبح من أهل الاستقامة ؟ وكيف يفعل هذه الاستقامة عملياً في حياته .
من صحت رؤيته صحّ عمله و من فسدت رؤيته فسد عمله :
الدكتور راتب :
دكتور عمر جزاك الله خيراً لا يمكن إنسان يتحرك إلا منطلق من تصور فإذا صحت الرؤية صح العمل ، وإذا فسدت فسد العمل ، ولأن الله عز وجل لا يقبل اعتقاداً بالتقليد لأنه لو قبل اعتقاداً بالتقليد لكانت كل الفرق الضالة ناجية عند الله لذلك قال تعالى :
الدكتور راتب في هذه الآية نريد توضيحاً ، هذه الآية تخيفنا جميعاً وكل من قرأها تهزه هزة نفسية ، قد يكون الإنسان من ضمن هؤلاء فكيف أسلم من ألا تطبق عليّ هذه.
الجهة الوحيدة في الكون التي ينبغي أن تتبع تعليماتها هي الخالق سبحانه :
الدكتور راتب :
لا بد من إتباع منهج الله .
الدكتور عمر :
الدكتور راتب كل يدعي وصلاً بليلى .
الدكتور راتب :
لكن ليلى لا تقر لهم بذاك .
الدكتور عمر :
الادعاء شيء وحقائق الأمور شيء ، كل فرقة من الفرق تقول نحن الفرقة الناجية .
الدكتور راتب :
لو أن إنساناً اقتنى كومبيوتر بمستوى رفيع جداً وأصابه عطب وإلى جانبه بقال يحبه كثيراً هل يدفعه إليه ليصلحه له ؟ مستحيل يبحث عن الخبير ، قال تعالى :
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
( سورة فاطر )
الله عز وجل خالق عظيم له تعليمات ، أنا ما لم أتبع تعليمات الخالق لا أكون فالحاً في حياتي ، الأرض الآن ملأى بالتعليمات ملأى بالأطروحات ملأى بالمناهج الأرضية فأنا حينما أتبع تعليمات الخالق الذي خلقني قال تعالى :
الجهة الوحيدة في الكون التي ينبغي أن تتبع تعليماتها هي الخالق جل جلاله ، أنا حينما أمشي على منهج الله عز وجل لكن بفهم صحيح لا بفهم شخصي وفق علم الأصول .
الدكتور عمر :
ما زال الشاب جالساً أمامك يستمع إلى منهج الاستقامة .
منهج الخالق سبحانه هو أساس كل استقامة :
الدكتور راتب :
يقول لي أنا أعتقد كذا أقول له الحقيقة الأولى ، ما كل ما يعتقده الإنسان صحيحاً قد يعتقد شيئاً لا أصل له .
الدكتور عمر :
ولكن أنت تتركه وليقول لك ما يعتقد وأنت تشخص له داءه ومرضه .
الدكتور راتب :
لكن أريد أن أقنعه أولاً أن الإنسان قد يعتقد شيئاً ما له أصل ، وقد يرفض شيئاً له أصل آتي بمثل ، إنسان أراد أن يقتني مركبة تأخر بشرائها إنسان آخر اشتراها ، سرت في البلد شائعة أن هناك تخفيض بالمئة خمسين من الرسوم الذي لم يشترِ يصدق هذه الشائعة من دون دليل وقد يكون لا أصل له ، لكن هذا التصديق يريحه والذي اشترى المركبة وانتهى ودفع الرسوم العالية يكذبها ، يكذب هذه الشائعة وقد تكون صحيحة لأن التكذيب يريحه ، فأنا أولاً أحذر أخوتي الكرام أحذر أي شاب من أن تعتقد شيئاً لا أصل له ، أن تعتقد شيئاً ليس من منهج الله عز وجل ، هناك طروحات كثيرة ، طروحات علمانية ، طروحات شهوانية ، طروحات لا تعد ولا تحصى أنا متى أنجو ؟ حينما أتبع منهج الخالق .
دائماً وأبداً أنا حينما أعرف المصدر أرتاح له إذا كان المصدر مفكر في مليون مفكر ، مليون ضلالي ، أما حينما أتبع ما في القرآن الكريم وبنص القرآن الكريم وما في السنة الصحيحة ، هذا الذي أريد أن أقوله للشاب .
أما النقطة الذي ذكرتها قبل قليل أنت مخلوق للجنة لا للدنيا ولأنك مخلوق للجنة يجب أن يكون لك مقياس آخر ، هناك مقياس مادي .
الدكتور عمر :
لها تفعيلات أو عمل خاص يوصلك إلى هذا المكان الذي أنت مخلوق لتصل إليه .
الدكتور راتب :
نحن في الدنيا من أجل أن تكون دكتور (طبيب)لك دخل كبير ، لك مكانة كبيرة تحتاج إلى دراسة ، لذلك التصور الصحيح لمستقبل الشاب يدفعه إلى الدراسة وترك الرحلات والنزهات والسهرات الفارغة ، نحن في الدنيا إذا في هدف واضح نسعى إليه ، الحقيقة الأولى أنه يمكن أن نعتقد اعتقاداً خاطئاً أو أن نرفض شيئاً صحيحاً ، البطولة أن أبحث عن المصدر ، المصدر هو الخالق .
الدكتور عمر :
دكتور راتب الشاب يقول أنا رأيت أن الدين وأوامره عبارة عن قيود كبيرة علي تقيد ، تقول لي أيها العالم وأيها الداعية غض البصر ، لا تستمع إلى الأغاني الخليعة ، لا تجلس في مجلس فيه فرفشة وأنس ....إلى آخره أنتم تقيدوننا ، هل الدين إطلاق حرية الإنسان أم ، لأن الشاب يخاف أن يدخل نفسه في زمرة أهل التدين خشية من تحديد ملكات كما يدعي .
أوامر الله عز وجل و نواهيه ما هي إلا ضمان لسلامة الإنسان :
الدكتور راتب :
بارك الله بك على هذا التعليق ، هنا يأتي دور الخطاب الديني أنا حينما أقنع الشاب أن هذه الأوامر وتلك النواهي ليست حداً لحريته ، ولكنها ضمان لسلامته كما لو رأيت لوحة كتب عليها حقل ألغام ممنوع التجاوز ، توتر عالي ، هذه اللوحات تشكر صاحبها ، تراها ضماناً لسلامتك .
دكتور عمر جزاك الله خيراً ، الإنسان في أصل جبلته يحب وجوده ، يحب سلامة وجوده ، يحب كمال وجوده ، يحب استمرار وجوده .
الدكتور عمر :
الدكتور راتب هو لسلامة وجوده فيما يرى لأن الأفق ضيق ، ليس كل الناس معذرة دكتور راتب أو دكتور عربي وإنما في أناس نراهم اترك الرافضين ، أنا أتكلم عن شاب له قدرات علمية يسمع حلال وحرام والآخرة ، الكلام هذا بالنسبة له لا يوافق هواه ، أنا أريد أستنفر به مكاناً من الطاقة التي تحبب إليه الاستقامة وتحبب طريق الاستقامة إليه .
على كل داعية أن يستعين على نشر الدعوة بحاجات الإنسان :
الدكتور راتب :
أنا حينما أستعين بحاجاته الأساسية وأربطها في الاستقامة يأتي إليّ ، حاجته الأساسية بالشعور بالأمن ، أن يرزقه الله عز وجل .
أنا حينما أستعين بحاجات الشاب الأساسية أرى نفسي قد أخذته إلى الله ، أما حينما أعطي له معلومات لا علاقة لها بحياته إطلاقاً وهذا خطأ الخطاب الديني ، الإنسان دائماً هناك ما يسمى بالأدب المهموس ، أنا حينما أهمس في أذن شاب بصوت خفيض أن هناك مبلغاً كبيراً خذه ينطلق إليه وحينما أضع له مكبر صوت لموضوع لا يعنيه لا ينتبه إليه ، لذلك البطولة في الدعاة أن يضعوا يدهم على الجرح ، أن يضعوا يدهم على حاجات الإنسان الأساسية ، أن أستعين على نشر الدعوة بحاجات الإنسان ، الإنسان حينما يتصل بالله عز وجل الله يذكره يمنحه الحكمة ، يمنحه الرؤية الصحيحة ، يلقي في قلبه نوراً يمنحه الأمن ، يمنحه الراحة ، يمنحه السعادة ، يوجد بقلب المؤمن من الأمن ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم .
الدكتور عمر :
الدكتور راتب هو لم يتذوق هذا يقول علماء القلوب من ذاق عرف ، هو لم يتذوق هذا ، هو لم يتذوق بعد ، مثلاً تأتي بكفيف وتقول له هذا أحمر وهذا أبيض ، هذا غير منطقي ، هو لم يتذوق قيام الليل ، تصحبه في الليل الساعة الثالثة قم وستشعر بحلاوة هو لم يتذوق بعد ، كيف أحببه في أن يتقرب إلى الله يضع يده على أول خطوة من خطوات الاستقامة .
كل أسرة تحتاج إلى توجيه صحيح :
الدكتور راتب :
هذا الشاب سيدي ضمن أسرة وضمن مدرسة وضمن إعلام .
الدكتور عمر :
وهذه كلها ضده ، إذا عاد الشاب في الثالثة قبل الفجر من سهرة سواء بريئة أو غير بريئة لا يتمعر وجهه الأب في بعض الأسر ، وإذا نزل إلى صلاة الفجر في بعض البلاد خاف الأب ، هذا الخلل الذي عند الأسرة ، الخلل عند المجتمع نابع من هذه الأسرة ، عوائق كثيرة ، أنا أريد أن أعرض وجهة نظر الذي يستمرئ الإخلاد إلى الأرض وأنا أريد أن أستنهض همته وأن أحببه .
الدكتور راتب :
أنا مهمتي أن أبين أن الأسر تحتاج إلى توجيه صحيح ، إعادة صياغة ، والتعليم يحتاج إلى مناهج تعاد صياغتها ، والإعلام ينبغي أن تعاد صياغة برامجه .
المؤمن إيجابي و منفتح نحو الآخرين :
الدكتور عمر :
إلى أن يحدث هذا أنا أريد أن أكلم المسكين هذا والذي جاء إليك ولا بد أن فيه من الخير وإلا ما جاء ، ويريد ويحب الاستقامة وغير قادر على ....
الدكتور راتب :
ينبغي أن أقنعه أن سلامة وجوده في طاعة الله ، الإنسان يحب وجوده ، دكتور عمر أزمة أهل النار في النار أزمة علم ، الدليل :
أحياناً في كلام يحاصر المستمع ، لو أنت بحاجة إلى حاجة موجودة بمكان بسعر متدنٍ جداً ومعك ثمنها وأنت بحاجة إليها والآن دخلت إلى البيت وأنت متعب جداً فإذا أعطيت مجموعة معلومات ، فبطولة الداعية أن يحاصر هذا المدعو حصاراً فكرياً ، أن يقدم له الإسلام بشكل مغنم كبير ، أن يقدم له الاستقامة بشكل سلامة ، يقدم له العمل الصالح برقي عند الله عز وجل ، ما في طريقة ثانية ، الأنبياء بماذا جاؤوا ؟ بالكلمة ، الكلمة الصادقة شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، لكن الخطاب الديني الآن يحتاج إلى تجديد وبالمناسبة الحقيقة وأنا معكم في هذا ؛ من تعريفات التجديد الذي أؤمن بها أن ننزع عن الدين كل ما علق به مما ليس منه ، لعل الأساليب التقليدية في الخطاب الديني ، لعل سلوك الدعاة أحياناً ، لعل عرض الدين عرضاً أسطورياً وتجريبياً نظرياً ، نحن لا ما عندنا في الإسلام إعجاب سلبي ، ما عندنا مسلم لا يتحرك ، ما إن تستقر حقيقة الإيمان في قلب المؤمن حتى تعبر عن ذاتها بحركة نحو الآخرين ، المؤمن إيجابي ، المؤمن منفتح ، المؤمن له تدخل إيجابي في الحياة .
خوف الغرب من المجهول لبعدهم عن الله عز وجل :
الدكتور عمر :
بارك الله دكتور راتب ، اعذرني بكثرة مقاطعاتي ، دكتور عربي الغرب حقق حاجيات الإنسان ، الغربي إذا كان الدكتور راتب يتكلم عن نعمة الأمن إلى حدّ ما ليكن الغربي سلب نعمة الأمن وعنده الخوف من المجهول ببعده عن الله ، مرت عصور على إخواننا في الإنسانية في الغرب أمن حقوقها ، وهذه الحقوق صارت لما قال لويس لما قامت الثورة الفرنسية ، قيمة الإنسان لا شك أنها أعطيت له ، حاجياته من تأمين المعاشات والضرائب التي يدفعها وما إلى ذلك مؤمنة إلى حدّ ما ، ترك له المجال ليخبط في الدنيا خبط عشواء كما يريد ، طرق كل الأبواب ودخل في كل الأمور بالصواب وبالخطأ ، ولكن ما حقق لا منهج الاستقامة ولا منهج القناعة ولا قضية الرضا وظهر المنتحرون واليائسون والطوابير على العيادات النفسية فهل الإنسان الغربي بعد كل هذه التجارب ألا يعيد كما نحن مطالبون كمسلمين أن نعيد ترتيب أوليات العقل المسلم وأوليات البيت المسلم ، أيضاً هل الغرب أليس هناك من عقلاء وهم كثر أكيد ونحن دائماً نتعامل مع أهل العقل ولا نغلق أبوابنا ، عيادة صياغة للعقل الغربي فيما مضى القرنين الماضين الذي ظن الرجل الغربي أنه سيد العالم ؟
اختلال حياة الغرب منذ أن قطع صلته بالسماء :
الدكتور عربي :
لا شك نحن نتحدث عن الاستقامة باعتبارها ضمان التوازن الاجتماعي في كل الثقافات ، الغرب بعدما قطع صلته بالسماء والعياذ بالله أدرك أن حياته اختلت لذلك لجأ إلى اختراع معوذات ، فمثلاً منذ ما يسمى بعصر النهضة الأدبيات الغربية كادت تخلو من كلمة اسمها الله ، لكن الله ، هذه الكلمة وهذا المفهوم اختفى وحلّت محلها عبارات أخرى ، كل الأدبيات الغربية فالروايات فالشعر المطلق ، قال لي كثير من الأصدقاء اللاهوتيين في أوربا أنتم تشجعوننا على أن نتلفظ الآن بكلمة الله ، نحن متدينون ويدعون إلي المسيحية لكن قال في الفضاء الاجتماعي الذي نتحرك فيه لا نذكر إلا لماماً ، فوجودكم أيها المسلمون في الغرب ذكرنا بهذه الحقيقة المنغرسة في فطرتنا والتي طردناها من واقعنا .
الدكتور عمر :
أنتم تنفضون بفضل الله كوجود إسلامي في أوربا نفض التراب عما علق بالفطرة .
مسؤولية المسلم الآن أن يحقق الانسجام الكامل بين مستوى أقواله ومستوى أفعاله :
الدكتور عربي :
حتى نستطيع أن نؤرخ ظهور كلمة اللاشعور عند علماء النفس ، اللاشعور كلمة تملأ الفراغ ، اللاشعور تنويع لكلمة الغيب ، اللاشعور والمطلق والمحدود .
الدكتور عمر :
تمييع للفظ ، تمييع للمعنى .
الدكتور عربي :
طردوا اللفظ واختفى اللفظ واختفت حقيقته من الواقع الاجتماعي ولكن صرخاته ظلت تنبعث من أعماق الفكر ، وكثير من الكتّاب والمفكرين عندما يتحدثون عن فقدان اليقينيات ماذا يعني ذلك ؟ يعني ذلك أنهم الآن أدركوا أنهم بحاجة ماسة إلى أن يتعلقوا بقوة فوق طاقة البشر ، هذا يقوله الناس بكل صراحة لماذا الآن مثلاً عدد العيادات النفسية في باريس أكثر من عدد عيادات الأطباء ؟ عدد السحرة والمتنبئين بالغيب يتكاثر تكاثراً منقطع النظير ، الإنسان الآن ثار ضد الواقع الافتراضي ويلتفت إلى الداخل ، لكن كما قلنا ونكرر المخزون التصوري للثقافة المهيمنة نفذ .
الدكتور عمر :
لأنه صناعة بشرية .
الدكتور عربي :
لذلك الآن تتكفف مسؤولية المسلمين ، فالمسلم في الشرق و في الغرب أولاً بوصفنا مسلمين يجب أن نحقق الانسجام الكامل بين مستوى أقوالنا ومستوى أفعالنا ومن خلال هذا التحقيق سنساعد أخواننا في الإنسانية على أن نؤشر لهم إلى طريق يصلوا به إلى بر السلام .
الاعتراف بفضل الحضارة الغربية ينشر الحب بين الأطراف :
نحن نعترف بفضل الحضارة الغربية ، مثلاً أنا إذا قلت الآن بمَ تمتاز ألمانيا ؟ تجد آثار ألمانيا في بلادنا العربية والإسلامية متمثل بشكل لافت للنظر في سيارة المر سيدس ، ألمانيا قدمت لنا ما يرقي جانبنا المادي ، تسأل مثلاً ماذا قدمت فرنسا ؟ ما عدا أمريكا ما قدمت لنا إلا الدمار ، إذاً ونحن ماذا نقدم ؟ الحياة أخذ وعطاء ، نحن الآن مطالبون بأن نترك قيم الإسلام تصوغنا صياغة جديدة كي نستطيع من خلال هذه الصياغة أن نقول للآخرين شكراً لكم ، لقد يسرتم لنا كثيراً من جوانب الحياة المادية ، ونحن ديننا يعلمنا أن نقول للمحسن أحسنت وإحساننا يتمثل فيما يلي : عندما لا نقترح عليكم ولا نلزمكم إنما تعالوا لنتناقش حول ما الذي يجب علينا لإنقاذ الإنسان ؟ قضية الأنشطة الإنسانية في الغرب ، الآن في إفريقيا كم عدد المؤسسات الغربية التي تقدم العون للناس ؟ لا أتحدث عن الخلفيات ، واستغلال الظروف والفقر والتبشير ونشر أيديولوجيات الإلحاد ، هذا لا أتحدث عنه لماذا ؟ لأن الطاقة الغربية فاضت ، طاقة الإنسان فاضت ، وطاقة الإنسان لا يشبعها إلا التعلق بالغيب ولا يشبعها إلا حب الله عز وجل ، فلما حيل بين هذه الثقافة وبين هذا النوع من الإشباع امتدت أفقياً لتصنع الخير ، من آثار هذا دليل ليس دائماً حباً في الخير ولكن طاقة فائضة فلا بد أن تنفق .
النبي صلى الله عليه وسلم هو النموذج الأعلى لاستيعاب الاستقامة و تجسيدها :
الإسلام مثلاً المسلم الذي يفرغ هذه الطاقات طاقات الحب خمس مرات في الصلوات ، مرة في رمضان في الحج يجد توازناً داخلياً الطاقات تنصرف ، الغرب أو الإنسان الذي لا يؤمن بالله مثل الفيضانات ، الماء فيه خير ، متى يكون فيه خير ؟ إذا حفرت له قنوات ومجاري يصير ماء يسقي ، أما إذا ما نظمت له هذه المسائل فإنه يهلك الحرث والنسل ، الإسلام كيف يوزِع ؟ كيف يحفر المجاري التي نصرف من خلالها طاقاتنا ؟ ورأس المسائل الأعمال الصالحة إنما هي الاستقامة ، سبحان الله حتى كلمة استقامة السين تذكرنا بالطلب ، المسلم يبذل جهده من أجل أن يستقيم ، في القرآن الكريم ورد الأمر بالمفرد فيما يتعلق بالنبي عليه الصلاة والسلام :
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ (112)﴾
( سورة هود)
لما ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو النموذج الأعلى لاستيعاب الاستقامة وتشكيلها وتجسيدها ، لما ذكر الله عز وجل سيدنا إبراهيم بوصفه أمة ؟ ولكن كان مثل الخلية التي تنطوي على الخلايا التي ستتكاثر فتنشأ منها أمة ، لما نأتي للمجتمع بقية الأماكن التي تحدث بها القرآن عن الاستقامة يتحدث فيها بوصفها فضيلة يصنعها أفراد في مجتمع ، لم يقل إن الذي قال ربي الله ثم استقام قال للنبي صلى الله عليه وسلم فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ، إنما أبرز ودُم على هذه الحالة حتى تدوم إشعاعاتك ، النبي صلى الله عليه وسلم ليس هذا الأمر لإيجاد الاستقامة ، الاستقامة أكرمه الله عز وجل بها فكان وحده .
قيمنا محفوظة بفضل الله عز وجل و قرآنه الكريم :
إذاً الشاب الذي تفضلت بتذكيرنا بموقف مهزوز ، يقول مثلاً أنا أعيش في مجتمع يحفظ أفراده كلمة الاستقامة ، ونرددها في جميع مجالسنا ولكنني إذا مارست الحياة اليومية تعترضني عقبات ما العمل ؟ مثلاً إذا كان هذا الشاب يحمل جميع المؤهلات لينال منصباً من المناصب ، ويطرق الباب وبعد فترة يرجع له ملفه مع هذه الملاحظة طلبك غير مقبول ، فهنا يهتز يقول على أي أساس رفضت وعلى أي أساس قبل زيد من الناس ؟ طبعاً هذه استقامة مرفوضة ، الاستقامة على الورق من يحمل الشهادة الفلانية وله كذا وأمر كذا ، إذاً هناك فجوة عميقة بين شعاراتنا وبين تحقيقاتها .
إذا جاء مثلاً إنسان ، الإنسان مجبول على دفع المضار وجلب المصالح ، في دراسة غربية حديثة صدرت في فرنسا عنوانها نهاية القيم ، يقول صاحب هذه الدراسة كلمة القيم باللغة الفرنسية وفي اللغات الأخرى لا نجدها إلا في قاموس البورصة ، إذا قالوا قيمة يعني كم تساوي هذا الأثاث ؟ كم تساوي هذه الطائرة ؟ لكن القيمة المعنوية ما بقيت موجودة إلا في مقابر المعجمات والقواميس ، نحن ولله الحمد أمتنا بفضل صلاحية قيمنا لأن الله عز وجل حفظ الكتاب :
وهذه الإقامة هي الاستقامة ، يعني حتى تحققوا تكاليف انتسابكم إلى الكتاب علماً وعملاً ، معرفة وممارسة ، ويعجبني قول للإمام محمد البشير الإبراهيمي معلقاً على هذه الآية قال : عندما يقرأ المسلمون هذه الآية يعتقدون بأنهم بمنجى عن هذا اللوم الإلهي ، قال يا أهل القرآن لستم على شيء حتى تقيموا القرآن .
هذا الشاب نقول له إذا كنت في حالة شديدة من الظمأ لا شك أن هذا الإحساس يدفعه إلى أن يبحث عن منبع ماء ، نقول له إن أمتنا لا تخلو من نماذج مازالت تجسد الاستقامة اتصل بهؤلاء فإن الذي يقترب من العطار يتعطر ، فعليك أن تجتنب النماذج التي تقول لك إن الاستقامة لا قيمة لها ، وعليك بمعاشرة الذين تعطروا بالاستقامة فإن معاشرتك لهم ستعطرك وأنت ستصبح عملية تعطير لمن حولك ، وهكذا تصبح الاستقامة عملة رائجة في مجتمعنا .
الدكتور عمر :
بارك الله بك دكتور عربي ومع هذا العطر الجميل نلتقط أنفاسنا مع هذا العطر ثم نعود مع الدكتور راتب ، فاصل ونعود إليكم مرة أخرى لنكمل حوارنا عن الاستقامة عمل صالح كونوا معنا .
مرحباً بكم أحبتي في الله ونحن نتواصل في هذه الحلقة ، الاستقامة عمل صالح ونحن نسعد جميعاً وأنا أولكم بوجود العالمين الجليلين الدكتور راتب النابلسي والدكتور عربي ، دكتور راتب نريد خاصية أخرى من خصائص الاستقامة ونحن نريد أن نبسطها ونبينها لنا وللناس .
الاستقامة منطلق الإنسان إلى العمل الصالح و الجنة :
الدكتور راتب :
إذا عددنا الاستقامة هي المرحلة الأولى التي تأتي قبل العمل الصالح ، إذا عددنا ذلك يذكرني هذا الموقف بأن صحابياً جليلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم ماذا ينجي العبد من النار ؟ فقال إيمان بالله فقال هذا الصحابي وأظنه أبا ذر أمع الإيمان عمل ؟ قال أن تعطي مما أعطاك الله ، قال فإن كان لا يجد ما يعطي ؟ قال فليأمر بالمعروف ولينهى عن المنكر ، قال وإن كان لا يحسن ؟ قال فليعن الأخرق ، فقال فإن كان لا يستطيع ؟ قال أما تريد أن تترك لصاحبك من خير ؟ ليمسك أذاه عن الناس ، فجاء السؤال المحرج أو إن أمسك أذاه عن الناس ينجو ؟ فقال عليه الصلاة والسلام ما من عبد مسلم يصيب خصلة من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة .
إذاً الإسلام ديناميكي بالتعبير المعاصر ومبسط ، أنت حينما تبدأ بالصلح مع الله حينما تستقيم على أمر الله الاستقامة تليها مراحل أرقى وأرقى إلى أن تصل إلى الجنة ، إذاً الاستقامة منطلق ، لأنه لا شيء يعين على النجاح كالنجاح .
أنا أذكر أن كل الذين اصطلحوا مع الله بدؤوا بعمل بسيط ، بعبادة بسيطة ذاقوا طعم القرب ، لذلك : في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة . والدليل :
من طبق الاستقامة قطف ثمارها و لو لم يكن على وعي بخصائصها وأبعادها :
الدكتور راتب :
شيء آخر الإسلام في خاصة دقيقة جداً تنطلق من هذه المقولة : الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به ، أنا آتي بإنسان أمي لا يقرأ ولا يكتب اشترى مكيفاً ضغط مفتاح التشغيل جاءه الهواء البارد ، في إنسان يحمل دكتوراه بالتبريد اشترى مكيفاً ضغط هذا المفتاح جاءه الهواء البارد ، يعني أي مسلم إذا طبق بنود الاستقامة يقطف كل ثمارها ولو لم يدرك حكمتها لماذا ؟ لأن الدين هواء أراده الله هواء لكل البشر ، حتى الأديان الوثنية أنا أعتقد أنها تلبي الحاجة الفطرية في الإنسان ، يحتاج الإنسان إلى قوي يعتمد عليه ، أما المسلم والفضل لله عرفت القوي الحقيقي ، الغني الحقيقي ، أما كل إنسان بحاجة إلى جهة قوية يعتمد عليها .
الدكتور عمر :
دكتور راتب علماء القلوب يعلموننا ونحن صغار لا تقل يا رب عندي هم كبير ، قل يا همي عندي رب كبير ، لإيقاظ شعلة اليقين عند العبد وهذا اليقين هو الذي يثمر الاستقامة .
الدين الإسلامي دين الله عز وجل و يحتاجه كل إنسان :
الدكتور راتب :
أنا حينما أستقيم أقطف ثمارها كلها من دون أن أكون على وعي بخصائصها وأبعادها وحكمتها ، لكن إذا كنت داعية لا بد من معرفة ، أما أنا أفرق بين العباد والعالم ، العابد نجا ، فأي أخ كريم ، أي مشاهد طبق منهج الله لو كان وقته ضيق لا يسمح له بالتبحر لمجرد أن يطبق بنود الاستقامة يقطف كل ثمارها كهذا البدوي الذي ضغط الذر فجاءه الهواء البارد ، ذكرتني هذه في رجل أعرابي بدوي في بلد إسلامي في مدن وفي بادية ، هذا البدوي الذي كان ساكناً بجدة ، عندما توسعت جدة ، واقتربت من أرضه والأرض أصبح سعرها مرتفعاً جداً نزل وباع الأرض لمكتب عقاري خبيث جداً اشتراها بمبلغ أقلّ من ثمنها ، وعمّرها بناية من عشرة طوابق ، وهم ثلاثة شركاء ، أول شريك سقط من أعلى طابق فنزل ميتاً ، والثاني دهسته سيارة ، انتبه الثالث ، بحث عن صاحب الأرض ستة أشهر حتى عثر عليه ، ونقده ثلاثة أمثال حصته ، قال له البدوي : ترى أنت لحقت حالك .
ونحن إذا استقمنا ننجو .
الدكتور عمر :
نلحق حالنا .
الدكتور راتب :
هذه حقيقة ، أنا حينما أدعو إلى الله يجب أن أتعلم ، ما كل عالم بداعية لكن كل داعية ينبغي أن يكون عالماً ، أما أقول للسواد الأعظم ، لعامة المؤمنين أنت حينما تستقيم على أمر الله تقطف كل ثمارها تماماً كي أطمئنه ، هذا الدين إنه كالهواء ولأنه كالهواء لا يمكن لجهة أن تحتكره لا لأرض ولا لمصر ولا لفئة ولا لمذهب هو دين الله ، وهذا الدين يحتاجه كل إنسان كما يحتاج الهواء .
من واجب الدعاة أن يبسطوا هذا الدين :
لذلك أنا أرى أن الدعاة إلى الله من توفيقهم أن يبسطوا هذا الدين ، يعني هذا الذي أسلم على يد شيخ أبقاه ستة أشهر في أحكام المياه ، حكم الوضوء بماء الحمص ، حتى خرج من جلده وترك الدين ، التقى مع عالم جليل قال له هذا العالم الماء الذي تشربه توضأ منه ، أنا الآن أشعر بحاجة كبيرة إلى تبسيط الدين وإلى عقلنته ، العقل أصل في الدين .
الدكتور عمر :
دكتور راتب حتى كبار العلماء محمد بن سيرين رحمه الله لما ذهب إليه رجل يقص عليه في الرؤيا فقابل هذا الرائي رجل في الطريق قبل أن يصل إلى ابن سيرين إلى أين ؟ قال إلى ابن سيرين ، قال لابد أنك قد رأيت رؤيا قال قل وأنا أعبر ، قال رأيت أن أسناني كلها قد وقعت ، قال سوف تموت أنت وأهلك جميعاً ، المهم ذهب إلى ابن سيرين ولم يخبره بما حدث وقال له يا إمام رأيت في الرؤيا ، قال تكون آخر أهلك موتاً ، نفس الرؤية ولكن الألفاظ عبارة عن ملكات ورزق من الله عز وجل .
من خصائص الاستقامة أن العلاقة بين الأمر وبين نتائجه علاقة علمية :
الدكتور راتب :
الشيء الثاني الدقيق جداً أن من خصائص الاستقامة أن العلاقة بين الأمر وبين نتائجه علاقة علمية أي علاقة سبب بنتيجة ، كيف ؟ حينما يضع ابني الصغير يده على المدفأة وهي مشتعلة تحترق ، نقول العلاقة بين وضع اليد واحتراقها علاقة علمية ، علاقة سبب بنتيجة ، أما الأب حينما يقول لأولاده اخرجوا من هذا الباب ، أبقوا هذا مغلقاً ، لو أن أحد أبنائه فتح هذا الباب الذي نهى عنه قد يضربه ، ما في علاقة علمية بين ضرب هذا الطفل وبين خروجه من هذا الباب نقول هي علامة وضعية ، الأب وضعها هو اخترعها ، فلذلك أنا حينما أؤمن أن الطاعة فيها بذور نتائجها والمعصية فيها بذور نتائجها ، أنا أقود مركبة تحمل عشرين طناً وصلت إلى جسر كتب عليه أقصى حمولة عشرة طن أتلفت هل هناك شرطي ؟ لا هذا جهل ، الجسر يعاقبني ينهار ، أنا حينما أصل لهذه المقولة هذا المفهوم أكون فقيهاً .
جاء أعرابي إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال : يا رسول الله ، عظني ولا تُطِل ، فتلا عليه هذه الآية :
ليست بكثرة العلم ولكن بمهمة التطبيق حتى وإن كان الأمر قليلاً ، بارك الله بك دكتور راتب وجزاك الله خيراً ، دكتور عربي في طرفة لأينشتاين وهو رجل ذو عقل كبير ، جاءته امرأة وقالت له اشرح لي قانون النسبية التي وصلت إليها ، قال لها أنت امرأة جميلة عندما تجلسين معي ساعة أشعر أنها دقيقة ، وإذا امرأة قبيحة تجلس معي دقيقة أشعر أنها ساعة ، وإن كان الكلام على عواهنه هكذا ، قضية النسبية ، لماذا أنكر العقل الغربي المفكر طريق الهدى رغم أن الفطرة دكتور عربي مازالت تصرخ في داخله ؟ يريدون إطفاءها وتغطيتها وإغراقها ولكنها تستعصي عليهم لأنها في تكوين الإنسان ، هو قبضة من تراب الأرض ونفخة من روح الله ، هو يريد أن يطمس لكن النفخة ما زالت موجودة هذا التصادم ضد الاستقامة وضد منهج الله أليس هناك نسبية في التعقل ؟
استغناء الغرب عن الله عز وجل بتأليه أنفسهم :
الدكتور عربي :
الثقافة المهيمنة عندما خيل إلى أصحابها أنهم استغنوا عن الله عز وجل وضعوا نفوسهم مكان الله عز وجل ، فهذه حقيقة نفسانية اجتماعية من كفر (أستعمل لغتهم)من كفر بالمطلق اعتبر نفسه المطلق .
الدكتور عمر :
ألهن الإنسان .
الدكتور عربي :
ألهن نفسه ، وعندما اعتبرت هذه الثقافة نفسها الثقافة المطلقة نظرت إلى باقي الثقافات على أنها ثقافات نسبية لا تستمد قيمتها إلا من خضوعها للثقافة الأم .
الدكتور عمر :
دكتور عربي معذرة هل الغرب أخذ الحضارة أو إن قيلت أنها حضارة يونانية بفكرها المشوه ، والإغريقية أيضاً بفكرة العدل الروماني الغريب الذي يرى العدل لليونان فقط أما بقية الناس هم عبيد ، ويتلذذون بقضية قتال العبيد بعضهم مع بعض حتى يقتل أحدهم الآخر أو يقتل الاثنان ، هل هذا مستمد من هذا الفكر المتجبر عندهم في الحضارة اليونانية حتى أنهم أغفلوا في التحقيق المعرفي ، أغفلوا الحضارة الإسلامية لا يذكرونها ؟
الحضارة الغربية الحديثة استمداد للتصورات الإغريقية الرومانية :
الدكتور عربي :
هذه ملاحظة دقيقة جداً ، الحقيقة الحضارة الغربية الحديثة استمداد للتصورات الإغريقية الرومانية ، والدليل ما يسمى بعصر الحداثة كان استحياء لهذه المعاني مرة أخرى ، الرجوع إلى الآداب واستخدام اللاتينية حتى في المؤسسات اللاهوتية ، أخيراً منذ فترات فقط صار الناس يطالبون باستخدام اللغة المحلية إذاً الاستمداد ، أنت ذكرت لنا قبل قليل كنت في زيارة إلى متحف اللوفر مثلاً حتى مفهوم الجماد ، مرة جاءتني صحفية فرنسية لما أثيرت أول مرة قضية الحجاب قالت لي لما ؟ قلت لها لو سمحت لي سأجيبك عن سؤالك بسؤال أنت منذ دخلت بصوت مرتفع لما هذا الزي ؟ أنا أسألك ، أنا وأنت أسألك لما تلبسين هذا اللباس ؟ سكتت . قلت لها أنا ألاحظ أن بعض أجزاء قليلة من جسمك مستورة وبقية الأجزاء مكشوفة قلت ما الذي دفعك إلى أن تستري بعض الأجزاء من جسمك ، سكتت ، قلت لها شعرت أم لم تشعرِ فإن فطرتك هي التي أوحت إليك أن هناك أجزاء من الجسم يجب أن تستر ، قلت لها نحن تعلمنا في المدارس أن الإنسان حينما تطور اخترع اللباس إذاً انعكست الآية .
الدكتور عمر :
حتى دكتور عربي مصداق لقولك بلقيس ملكة سبأ لما دخلت إلى سليمان وحسبته لجة وكشفت عن ساقيها ما هذا التقدم في حضارة سبأ كانت تلبس المجرر الملكة عندما تحضر وتتحرر وتلبس لباس السهرة ، الفطرة التي يريدون طمسها .
الدكتور عربي :
لكن الفطرة الآن تعود من جديد ، فقلت لها مثلاً هل يعجبك أن أقول لك إن لباسك هذا ينقص من جمالك ، قالت : لا ، بأي حق تقولين للتي تريد أن تحتجب إنك لست جميلة ، إذاً مفهومنا للجمال يختلف عن مفهومكم للجمال ، ففي المتاحف مثلاً الجمال في الحضارات القديمة والحديثة عبارة عن كشف للأجسام وإظهار ما ينبغي ألا يظهر .
الدكتور عمر :
دكتور ترى لوحات الإنسان لا يرى فيها شيء من الجمال .
الإنسان كلما ارتفع استطاع أن يستوعب ببصره وبصيرته جوانب الشيء كله :
الدكتور عربي :
الحقيقة هناك فرق كبير بين إظهار العورة وإظهار الزينة ، الحضارة الحديثة تكشف العورات ولا تظهر الجمال ، وفي اللغة العربية الجمال مشتق من الارتفاع ولذلك العرب أطلقوا على الجمل اسم الجمل لأنه مرتفع ، إذاً أينشتاين كان محقاً بلغته الدقيقة قال للمرأة الجميلة الساعات التي مرت معك دقائق لماذا ؟ لأن الإنسان كلما ارتفع كلما استطاع أن يستوعب ببصره وبصيرته جوانب الشيء كله ، هذا الفرق بين النظرة الغربية النسبية ، فالغرب يعتبر نفسه مطلقاً ويستخدم النسبية في استعداد غيره ، ويستخدم النسبية في الأخلاق ما أراه أنا جميلاً جميل وما أراه خيراً خير وما أراه نافعاً نافع ، هذه هي مشكلتنا ، وهذا يؤدي إلى أن نعبر عنه بالصورة التالية ، قالوا إن الضفدعة نظرت إلى الثور فقالت لما الثور أضخم مني جثة ؟ لا يجوز اعتبرت نفسها هي المطلق فانتفخت انتفخت لتصير مثله و إذا بها تنفجر ، فالذي ينتفخ متجاهلاً غيره سينتهي إلى تدمير نفسه .
لذلك دكتور عربي يجب أن يقتنع أبناءنا المسلمين وشبابنا وبناتنا أي أن قضية الفطرة التي أوجدها الله فينا والحقيقة لم تطمس مهما صنع الآخر معنا أو بعض من بني جلدتنا من الطابور الخامس ، يجب أن نعرف عظمة المنهج الذي عندنا ، يقال إن ذبابة قالت للنخلة استعدي فلقد آن لي أن أطير عنك ، قالت أنا ما شعرت عندما حططت فكيف أشعر ؟
الاستقامة هي اللباس الذي يستر عورات مجتمع من المجتمعات .
خاتمة وتوديع :
الدكتور عمر :
بارك الله فيك وشكر الله لكم ، الحقيقة الوقت داهمنا وإن شاء الله نريد متابعة هذا الحوار الثري في لقاءات عن الاستقامة .
شكر الله للدكتور محمد راتب النابلسي ، وشكر الله للدكتور عربي الكشاط ، نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه و شكر الله لعلمائنا و السلام عليكم ، لا تنسونا من صالح دعائكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .