بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أهلاً بكم وربنا يتقبل. ماذا عمّا اتفقنا عليه في أول يوم من أيام رمضان كخاتمة الأسرة وصلاة القيام سوياً وذكر الله سوياً والدعاء سوياً؟ فلنشدد الهمة وليفتح الله علينا ويتقبل منا جميعاً.
حديثنا للآباء والشباب:
اليوم نتحدث عن طرف من أطراف العائلة، فهدفنا كما تعلمون هو كيفية إيجاد وإعادة الترابط الأسري. ولكي يتم ذلك، فهناك طرف في غاية الأهمية وهو من أكثر الأشخاص القادرين على إعادة هذا الترابط الأسري إذا بذل له المجهود وهو الأب. ففي هذه الحلقة نتكلم عن دور الأب وقد سميناها – ليس "أهمية دور الأب" – وإنما "جوهرية دور الأب"! وهذا الموضوع سوف نتناوله على حلقتين: الحلقة الثانية منهما نتوجه بالحديث فيها إلى الآباء والشباب أيضاً باعتبارهم آباء في المستقبل ولمساعدتهم في التعامل مع آبائهم عند نهاية الحلقة.
تَحوُّل في دور الأب:
نريد أن نقول اليوم أنه قد حدث تغيراً خطيراً في الخمسين سنة الأخيرة في النظرة لدور الأب، ليس في بلادنا العربية فحسب وإنما في العالم أجمع. ففي الماضي، كانت النظرة للأب هي نظرة المربي، الناصح، مصدر القيم والأخلاق والأمان، المثل الأعلى، من يضبط عقلانية التعامل مع الأولاد بجانب عاطفة الأم فتستوي وتتوازن الأمور، حتى حدث هذا التَحوُّل! ونحن اليوم نريد أن نغير هذا الافتراض الخاطىء الذي تسبب في مصائب كثيرة. فقد تحوَّل دور الأب إلى أنه شخص يقوم بعمل بتوكيل عام أو تفويض شامل بتربية الأولاد للأم على أن يكون هو ممولاً مالياً. فلكلٍ منهما مسئوليته الخاصة، الأب يسعى على رزق الأولاد والأم تقوم بتربيتهم. ومع واقع الحياة الصعبة، قد يضطر الأب إلى العمل ليلاً ونهاراً وإلى كثرة السفر -وأنا مُدرِك لهذا الكلام لأنني أحد الآباء الذي يضطره عمله إلى كثرة السفر- ولكن اسأل نفسك: "لماذا أنجبتهم؟ هل يصح هذا التفويض؟"
إلغاء التوكيل:
هدف اليوم هو "إلغاء هذا التوكيل"! فحقيقة الأمر هو أن الأب قام بتوكيل الأم لتربية الأولاد، والأم قامت بتوكيل المربية، والمربية مزقت هذا التوكيل، فلم يجد الأولاد من يقوم بتربيتهم! حرام هذا! ليس حرام من أجل أولادك فقط، وإنما حرام من أجل المسلمين أيضاً ومن أجل بلادنا ومن أجل أن يكون هناك فائدة مرجوة منهم. فأنت بهذا التوكيل تكون قد قضيت عليهم!
ففي حياتنا اليومية، إذا أنحرف ولدٌ ما، تجد أن الأب يتشاجر مع الأم قائلاً: "أين كنتِ وقتذاك عندما تجرع المخدرات؟! فقد كنت أشقى ليلاً نهاراً لتربي أنتِ ولكنك لم تفعلي!" ولا تستطيع الأم الدفاع عن نفسها آنذاك لأنها مدركة أنه قد وكَّلها وقد قبلت هي هذا التوكيل.
القارب يحتاج إلى اثنين:
الواقع هو أن الأم لا تستطيع وحدها تربية الأولاد خاصة في زماننا هذا! القارب يحتاج إلى اثنين يقومان بالتجديف به، أحدهما من جهة اليمين والآخر من جهة الشمال. فمثل هذا الأمر كمثل الأم تركب قارباً مع ابنها وتقوم بالتجديف به وحدها من جهة اليمين، فهى بالتأكيد لن تصل إلى هدفها لأن القارب بهذا الشكل يدور حول نفسه، فيشعر الولد بالدوار وعندئذٍ أول ما يفكر به هو كيف له أن يقفز من القارب! ما حدث في الخمسين سنة الماضية كان خطأً وإن كنا قد شَهِدناه ونشأنا عليه والدليل على ذلك التزايد في الانحراف في ظل غياب الأب، فقد خلق الله كلاً منا ليؤدي دوره في تربية أولاده. أيها الأب، لا أعني أن تترك عملك ولكن هناك دوراً آخر لك، فيجب عليك أن تُوجِد لابنك الوقت وتقوم بتربيته مادمت باختيارك قد آتيت لهذه الحياة بانسان جديد يحمل اسمك.
أشياء أم أوقات؟
لك أن تمنح أولادك إما أشياء مادية أو أوقات. فأيهما أغلى وأعمق وأكثر إفادة؟ الأوقات. فالأوقات لأولادنا تعني وجود المثل الأعلى ومصدر القيم والرجولة. فمن تَبِعات القوامة أن تعمل صباحاً وترعى أولادك مساءً، فهم أولى بالوقت الذي قد تقضيه مع أصدقائك هنا وهناك، وسوف تجد في هذا الوقت لذّة ما بعدها لذّة ويكون من أحلى الأشياء التي تستمتع بها كأب إذا كنت صديقاً لهم. أريد منك قبل أن تدخل بيتك أن تضغط على مفتاح التفاعل وتذكر نفسك أن لكلٍ من زوجتك وأولادك حقاٌ عليك وأن تنوي محاولة إسعادهم رغم إرهاقك وتتذكر أنك عندئذٍ سوف تشعر بالسعادة. فمن الآباء من يقول إنه موجود مع أهل بيته ولكن يشعر الآبناء أنه متواجد معهم جسداً فقط بلا روح أو تركيز، فهو متواجد وليس موجوداً لأن "موجود" مشتقة من "الوجد" أي موجودٌ بك، أحبك، متفاعل معك.
الأنبياء الآباء:
أحاول هنا أن أحرك في قلوبنا كآباء مسئوليتنا تجاههم، فهم أولادنا، فهو يحمل اسمي ومن لحمي ودمي. كيف استطعت ببساطة أن تمنح مثل هذا التوكيل؟! كيف استطعت أن تعود إلى بيتك ليلاً وهم نائمون وأن تخرج نهاراً وهم نائمون وأن تمر أيام وشهور وسنوات على هذا الحال؟ كيف لا تكون لحظة عيد وفرحة عند عودتك للبيت وركض الأولاد نحوك؟ إن مِن الآباء الآن من يدخل البيت فيكتئب من بداخله، ومن يخرج من البيت فيفرح من بداخله! حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إن شر الرجال من إذا دخل بيته اهتمَّت زوجته وهرب أولاده، فإذا خرج من بيته، فرحت زوجته وفرح أولاده".
أيها الآباء، لاحظوا الأنبياء. سوف تجد أن الله يذكر الأبوة مع أغلب الأنبياء في القرآن. فهم مثال للأنبياء الناجحين كآباء، مع العلم أنه لا يوجد من هم أكثر انشغالاً من الأنبياء، فمهمتهم كانت إصلاح أمم! انظر إلى سيدنا داوود وسليمان، "وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ..." (النمل:16)، فقد منحه داوود العلم حتى ورث سليمان داوود وصارت مملكته أقوى من مملكة داوود لأن أباه قد علمه. انظر إلى إبراهيم وإسماعيل، "فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ..." (الصافات:102) أي كَبُرَ إسماعيل أمام أعين أبيه ومعه وليس بعيداً عنه، ونظراً لصداقتهما وقربهما من بعضهما البعض سوف يساعد إسماعيل أباه، يقول سيدنا إبراهيم: "يا بُني، إن الله أمرني أن أبني له بيتاً" (الكعبة)، قال: "يا أبتِ، أطِع ربك"، فقال: "يا بُني، وتُعينُني؟" من الآبناء الآن من يهرب من العمل مع والده ومساعدته في نفس الشركة، قال: "وأُعينُك". تخيل مَن بنى الكعبة بيت الله الحرام؟ إنها قصة أب وابنه، فلم تُذكَر الكعبة في القرآن إلا مع ذكرهما سوياً، "وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ..." (البقرة:127)، ورد ذكر "إسماعيل" في آخر الأمر كي لا تنسى أن ابنه كان يساعده. "وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (البقرة:127)، وردت كل الآيات بعد ذلك بصيغة المثنى، فلا تطوف بالبيت إلا وتتذكر قصة أب وابنه ساعد وأحب أحدهما والآخر وتذكر أيضاً دورك كأب!
أسباب إلغاء التوكيل:
يجب أن تقوم بإلغاء التوكيل لأسباب ثلاث:
أولاً: ابنك وابنتك في حاجة إليك.
ثانياً: أنت تحرم نفسك من ألذّ نعمة في الدنيا.
ثالثاً: سوف تُسأل عنهم أمام الله يوم القيامة.
أكثر وقت يحتاج إليك ابنك أو ابنتك فيه هو في مرحلتين. فمنذ وقت الولادة وحتى سن 4 سنوات تكون أمه هي مركز حياته وتمثل أنت له نقطة جانبية كأب.
ومن سن 4 سنوات حتى سن 7 سنوات يحتاج إليك الولد والفتاة ولكن احتياج الولد إليك يكون أكثر، ففي تلك المرحلة عند الولد تبدأ أولى المحاولات الفطرية عند الذكر لتشكيل شخصيته كرجل، فهو يريد أن يستشعر أنه رجل ويريد أن يتعرف على عالم الرجولة، فيسعى للتخلص من عالم الأنوثة شيئاً فشيئاً ويبتعد عن أمه ويسعى نحو عالم الذكورة ويتقرب من أبيه، فيستكشف هذا العالم في والده، لذلك يحتاج لك ابنك في هذا الوقت. وستجده يقوم بتقليدك بمنتهى الدقة ولفت انتباهك بأية طريقة، فإذا حرمته أنت من غريزة رؤية الذكر والأب تبدأ المعاناة بداخله: "هذا الشخص هو الوحيد الذي يستطيع منحي استكشاف هذا العالم، لماذا لا يريد منحي إياه؟!" هذا أول سن يحتاج ابنك إليك فيه، ولذلك فالمطلقة التي تربي ابنها دون وجود أب تعاني ويعاني الولد أيضاً معانة نفسية شديدة، وكذلك يعاني اليتيم لأنه بلا أب. ولأن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يتيماً، فكان في حاجة إلى تحضين شديد، تقول الآية: "أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى" (الضحى:6)، ولذلك كان لدور جد النبي- عبد المطلب- أهمية كبيرة حيث أنه كان يأخذه لمجالس الرجال في ظل الكعبة ويضع له رداءه، فمثل هذا القرب قد منح النبي شعوراً بوجود رجل كبير في حياته، وعند وفاة جده ظهر عمه أبو طالب.
سن دخول المراهقة هو الوقت الآخر الذي يحتاج إليك أولادك فيه لافتقادهم للأمان والاطمئنان، ولكن هنا تحتاج الفتاة إليك أكثر من الولد لما يحدث في تلك الفترة من إضطرابات نفسية وجسدية ولأنها أضعف، حتى وإن لم تؤدِ عملاً جلياً لها، فوجود الأب فحسب وحضنه وتقبيله لها على جبهتها هي في حاجة له في ذلك الوقت. فالقبلة على جبين الفتاة لها شأن عظيم.
النبي الأب:
كان من غير الممكن أن يدخل النبي الأب على ابنته فاطمة إلا وينهض ليقبلها على جبهتها حتى أنها علمت يوم وفاته بوفاته عندما لم يستطع أن يقبلها لما دخلت عليه. انظر إلى النبي مع ابنته، وخاصة الفتيات لأنها تبحث عن حضن الأب، فإن لم تجده فسوف تبحث عنه خارج البيت، فتندم أنت بعذ ذلك على زواجها عرفياً! أنت مسئولٌ (هذا ليس عفواً للفتيات) ولكن امنحها العطف والحنان والصداقة والقرب منك، كان النبي لا يخرج من المدينة إلا بعد أن يمر على فاطمة أولاً ولا يعود إلى المدينة إلا ويدخل بيت ابنته أولاً. انظر إلى النبي الأب الذي يلاحظ ابنته ويهتم بها؛ عندما ذهب إليه علي بن أبي طالب ليخطب يد فاطمة دخل علي البيت ولم يتكلم بل ظل ينظر إلى الأرض، فقال له النبي: "ما الذي جاء بك يا علي؟"
فقال: "لا شيء يا رسول الله".
فقال النبي: "لعلك جئت تخطب فاطمة؟"
قال: "نعم يا رسول الله".
قال: "هل معك شيء تتزوج به؟"
قلت: "لا يا رسول الله".
قال: "أليس معك درعك الذي حاربت به؟"
قلت: "نعم، ولكنه لا يساوي شيئاً يا رسول الله، 400 درهم".
قال: "زَوَّجتُك عليه يا علي بشرط أن تُحسِن صُحبتها". هذا نموذج للنبي الأب الذي لم يشترط كتابة قائمة بالأثاث ولم يكتشف أنه لم يشترِ رجلاً في الموقف ككل، ولكن النبي اشترى رجلاً لم يكن يملك الكثير ولكنه رجلاً يلتزم بكلمته وعلم أنه سوف يصونها.
انظر إلى النبي الأب يوم الزواج بعد أن أوصلهما إلى بيتهما، يقول لعلي: "لا تُحدِث شيئاً حتى آتيك"، يقول: "فجلست في ناحية من الدار وجلست فاطمة في ناحية من الدار، فجاء النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: "يدك يا علي، يدكِ يا فاطمة"، فأخذ أيدينا..." انظر هنا إلى النبي الأب وكيف يتعامل مع أول لحظة لابنته التي يملؤها الحياء فهو يأخد أيديهما ويضعهما على بعضهما البعض حتى يزيل رهبة واضطراب اللحظات الأولى ويفعل ذلك بإيمان "...اللهم إن فاطمة ابنتي وأحب الناس إلي، اللهم إن علي أخي (انظر كيف يصف زوج ابنته) وأحب الناس إلي، اللهم بارك لهما وبارك عليهما وأجمع بينهما في خير. يا علي، ضع يدك على رأس فاطمة وقل معي اللهم إني أسألك خيرها وخير ما هي له وأعوذ بك من شرها وشر ما هي له. يا علي، يا فاطمة، قوما سوياً فصليا ركعتين"، ثم يخرج النبي ويقول عند الباب: "أستودعكما الله وأستخلفه عليكما".
انظر إلى فعل النبي الأب عندما سكن علي وفاطمة بعيداً عن بيته نظراً لإمكانيات علي، لم يشترط عليهما السكن بقربه حتى جاء حارثة بن نعمان (وهو رجل غني وكان له قطعة أرض بجانب المسجد وكان قد أعطى النبي من قبل قطعة أرض يسكن بها مع زوجاته) وقال: "يا رسول الله، لعلك تشتاق لقرب فاطمة؟"، كان جميع الناس يعلمون حب النبي لفاطمة،
فقال النبي: "نعم، ولكننا أكثرنا عليك يا حارثة".
قال: "يا رسول الله ما تأخذه مني أحب إلي مما تتركه لي. هذه الأرض لك".
فقال له النبي: "ولكن استأذن علياً أولاً". فانتقلت فاطمة لأن كل المدينة تعلم حب النبي لفاطمة.
دخل النبي الأب على فاطمة ذات يومٍ فوجدها وحدها فقال: "أين علي؟"، قالت: "هو غاضب وترك البيت"، مما يدل على أن بيوت الصحابة كانت بيوتاً عادية طبيعية بها مشاكل ولكن بها ألفة وترابط في نهاية الأمر، فقال النبي: "ابحثوا لي عن علي!"، قالوا: "هو في المسجد نائم"، فترك النبي ما يشغله وذهب لزوج ابنته فوجده نائماً ومتقلباً في التراب من شدة سوء مزاجه على ما يبدو، فكان يوقظه بإزاحه التراب من فوقه قائلاً له: "قم أبا تراب! قم أبا تراب!" فنظر إليه النبي وابتسم –لاحظ أنه لم يسألهما عن سبب خلافهما- وقال: "يا علي دعنا نعود إلى البيت".
يستيقظ النبي الأب ليلاً قبل الفجر ويخرج من بيته متجهاً إلى بيت ابنته ويقول لهما: "يا علي، يا فاطمة، ألا تصلون ركعتين قبل الفجر؟" هذا مثال للنبي الأب الذي يعلم أن الإيمان هو العاصم من المخدرات والزواج العرفي ويشجع أولاده على الإيمان لا الفساد.
هذا هو النبي الأب الذي ذهبت له السيدة فاطمة وزوجها يشتكيان، فيقول سيدنا علي: "آه من ظهري!" (من كثرة حمل المياه أثناء عمله) وتقول فاطمة: "آه من يدي!" (من الطحين والعجين) "يا رسول الله اؤمر لنا بخادم"، فقال: "نحن لا نأكل الصدقة ولكن اسبقاني إلى البيت"، يقول: "فعدنا إلى البيت، فإذا بالنبي قادم بالليل وأنا في فراشي فقال: "مكانكم"، فدخل معنا في الفراش..." لأن فاطمة غاضبة حيت أنه لم يأمر لها بخادم فيجب الآن أن يمنحها حناناً منه لأنه أبٌ حنونُ، "...فدخل معنا في الفراش بيني وبين علي حتى شعرت ببرد قدمه في قدمي وجمع رؤوسنا وقال "يا فاطمة، يا علي، ألا أدلكما على خيرٍ من الخادم؟ تسبحون الله 33 وتحمدون الله 33 وتكبرون الله 34 قبل النوم، يكفيكما الله الخادم"، يقول علي: "فوالله، قوَّانا الله وما تركتها منذ ذلك اليوم" قالوا: "ولا يوم صفّين؟" قال: "ولا يوم معركة صفّين".
مثالٍ آخر لرجل بلغ من العمر 35 عاماً يقول كنت ابناً في الثانوية العامة وكان لدوري كرة القدم للمدارس في ذلك الفترة شأن كبير، وصلت فرقتي للمباراة النهائية وطلبت من والدي الشخصية المهمة أن يحضر المباراة. كنت حارس المرمى لذلك الفريق وأثناء تدريبات ما قبل المباراة لمحت أبي بين الحضور ففرحت لذلك فرحاً شديداً، فأشار هو لي ثم جلس وبدأ في الكلام مع من حوله من دون أن يعير اهتماماً جاداً بابنه بالرغم من محاولاتي لفت انتباهه والاستعراض بمهاراتي أمامه حتى يصفق لي الناس ويشعر هو بذلك، وبعد 10 دقائق من بدء المباراة جآءه من همس له في أذنه ثم خرج معه. يقول الابن لقد أتممت المباراة ولكن باكياً! ومازلت أتذكر هذة الواقعة إلى اليوم. لم أسأله ماذا كان أهم مني ولكنني شعرت أن كل شيء كان أهم مني. تُوُّفيَّ الوالد بعد أن عاش عمره كله مع هذا الابن بهذه الطريقة، فقال له ابنه وهو واقفٌ على قبره: "لم أعرفك! ولم أفهمك! ماذا كان أهم مني عندك؟ لماذا تركتني؟ من أنت؟ أنت أبي وأنا أحمل اسمك ولكنني لا أعرفك!"
قاعدة اليوم الأسرية للتآلف الأسري وعودة التربية لبيوتنا وشبابنا وأولادنا هي "جوهرية دور الأب". أيها الأب لك دور جوهري، فقم بإلغاء التفويض للأم، فأولادك في احتياج منك إلى أوقات أكثر من احتياجهم منك إلى أموال. أرجو ألا يُفهَم من كلامي أنني أُقَلِّل من أهمية العمل وإنما أطلب منك التوازن، فالصحابة شاهدوا رجلاً كثير الحيوية والنشاط ساعياً على رزق أولاده فقالوا: "لو كان هذا في سبيل الله!" فقال لهم النبي: "إن كان قد خرج سعياً على أطفاله صغاراً فهو في سبيل الله، وإن كان قد خرج سعياً على شيخين كبيرين فهو سبيل الله، وإن كان خرج ليعف نفسه بالعمل فهو في سبيل الله". قيمة العمل كبيرة في ظل ظروفنا المادية وإنما المطلوب التوازن.
قاعدة اليوم هي فكرة جديدة نريد أن نغير بها مفهوم نتبعه منذ سنوات طويلة. ولنكمل معاً غداً في شرح الثلاث معانٍ الذين قمنا بذكرهم بمزيد من الحرص على التآلف الأسري وقوة العائلة وجوهرية دور الأب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصدر: http://www.amrkhaled.net/articles/articles2689.html