بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
قانون الدعاء :
أعزائي المشاهدين ... أخوتي المؤمنين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ولازلنا في قوانين القرآن الكريم ، والقانون اليوم ( قانون الدعاء )
الدعاء مخ العبادة :
أيها الأخوة ، الدعاء هو العبادة ، بل الدعاء مخ العبادة ، والله عز وجل يقول :
﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ﴾
( سورة الفرقان الآية : 77 )
لولا أنكم تدعونه لا يعبأ بكم ، لماذا ؟ لأن الدعاء يعني أول ما يعني أنك مؤمن بوجود الله ، وإلا لما دعوته ، ما دمت مؤمناً بوجود الله فأنت تدعوه ، وأنت مؤمن أيضاً بأنه يسمعك ، بل إن الله جلّ جلاله إن تكلمت يسمعك ، وإن تحركت يراك ، وإن أضمرت شيئاً يعلمه ، تؤمن بوجوده ، و بأنه مطلع عليك ، ظاهراً وباطناً ، ولولا أنك مؤمن أيضاً بقدرته .
﴿ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
( سورة الأحقاف )
وأمره :
﴿ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾
( سورة يس )
(( ما شاءَ اللهُ كانَ ، وما لم يشأْ لم يكن ))
[أخرجه أبو داود عن بعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم ]
وأن الله :
﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾
( سورة البروج )
وكل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، لو لم يكن الله جلّ جلاله أمره كن فيكون لما دعوته .
قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ : هذه الآية أصل في الدعاء :
أيضاً لولا أنك مؤمن برحمته ، وبأنه يحب عباده ، وبأنه يحب سلامتهم وسعادتهم لما دعوته ، إذاً هذه آية دقيقة جداً :
﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ﴾
يعبأ بكم إذا دعوتموه ، لأنكم إذا دعوتموه آمنتم بوجوده ، وبعلمه ، وسمعه ، وآمنتم بقدراته ، وآمنتم برحمته ، فأنت أيها الإنسان لا يمكن أن تدعو جهة ليست موجودة ، بل لا تدعو جهة لا تسمعك ، بل لا تدعو جهة ليست قديرة ، بل لا تدعو جهة لا تحبك .
إذاً هذه الآية أصل في الدعاء .
الله تعالى يحب الملحين بالدعاء :
أيها الأخوة الكرام ، كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، فالآية الدقيقة هي قوله تعالى :
﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾
( سورة غافر الآية : 60 )
أي أنه ما أمرنا أن ندعوه إلا ليستجيب لنا ،
﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾
هو ينتظر أن ندعوه ، يحب الملحين بالدعاء ، يحب من عبده أن يسأله شسع نعله إذا انقطع ، يحب من عبده أن يسأله ملح طعامه ، يحب من عبده أن يسأله حاجته كلها ، يحبنا أن ندعوه لأنه ينتظر دعاءنا ليسعدنا ويسلمنا في الدنيا والآخرة ، هذا معنى قوله تعالى :
﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾
عدم وجود أي حجاب بين العبد و ربه :
لكن هناك آية دقيقة وهي أن الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾
( سورة البقرة الآية : 186 )
هناك آيات كثيرة ، فيها كلمة قل بين السؤال والجواب :
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ﴾
( سورة البقرة الآية : 219 )
من هذه الآية هناك عشرات ، إلا أن هذه الآية الوحيدة في كتاب الله ليس بين السؤال والجواب كلمة قل ، أي ليس بينك أيها الإنسان وبين الواحد الديان وسيط ولا حجاب .
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾
( سورة البقرة الآية : 186 )
شروط الدعاء المقبول :
أما شروط الدعاء :
1 ـ الاستجابة لله :
﴿ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي ﴾
( سورة البقرة الآية : 186 )
2 ـ الإيمان به :
أن يطبقوا منهجي .
﴿ وَلْيُؤْمِنُوا بِي ﴾
( سورة البقرة الآية : 186 )
بعد الإيمان بي :
﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾
( سورة البقرة)
إلى الدعاء المستجاب ، إذاً تبين من هذه الآية أن شروط الدعاء أن تؤمن بالله أولاً ، وأن تستجيب له ثانياً ، عندئذٍ تعرف ماذا تسأله ، تسأله من خير الدنيا والآخرة إذاً :
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾
من اشتق من كمال الله عز وجل كمالاً تقرب به إليه كان مستجاب الدعوة :
أيها الأخوة ، يقول الله عز وجل :
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
( سورة الأعراف الآية : 180 )
يعني كأن الله سبحانه وتعالى أرشدنا إلى أحد الأسباب الفعالة في استجابة الله لدعائنا ، يعني الله عز وجل صاحب الأسماء الحسنى ، والصفات الفضلى ، فإذا التقطت من كماله كمالاً وتقربت به إليه فإنك عندئذٍ مستجاب الدعوة .
يعني الله رحيم فإذا اشتققت من رحمته رحمة رحمت بها عباده ، إن أردتم رحمتي فارحموا خلقي ، فرحمتك لعباده أحد الأسباب الفعالة في استجابة دعائك .
الله عز وجل عدل إذا كنت منصفاً في معاملة العباد فالله سبحانه وتعالى يستجيب لك ، هذا معنى قول الله عز وجل
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
أي توصلوا بكمال مشتق من كمال الله ، اجعلوه وسيطاً بينكم وبين الله كي يستجيب دعاءكم .
الإخلاص في الدعاء عامل أساسي في الاستجابة لك :
أيها الأخوة الكرام ، الله عز وجل يقول :
﴿ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ ﴾
( سورة غافر الآية : 65 )
لابدّ من الإخلاص أن تدعوه قلباً وقالباً ، أن تدعوه بلسانك وبجنانك ، أن تدعوه ولا ترجو سواه ، أن تدعوه وأنت موقن بالإجابة ، أن تدعوه وأنت مؤمن أنه واحد لا شريك له ، بيده الأمر ، هو المعطي ، هو المانع ، هو الخافض ، هو الرافع ، هو المعز ، هو المذل هذا مما يفهم من قول الله عز وجل
﴿ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ ﴾
آداب الدعاء :
1 ـ التضرع لله عز وجل و التذلل له أثناء الدعاء :
أيها الأخوة الأحباب ، الله جلّ جلاله يبين في بعض الآيات القرآنية آداب الدعاء الله عز وجل يقول :
﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
أولاً يحبك أن تتضرع له ، أن تتذلل له ، لأنه إن خضعت له وتذللت يرفع شأنك ، ويعلي قدرك ، ويعزك ، من هنا كان من آداب الدعاء أن تدعوه متضرعاً ، متذللاً ، أن تمرغ جبهتك في أعتاب الله عز وجل ، الله عز وجل مكافأة لك على عبوديتك لله عز وجل يعلي قدرك ويرفع ذكرك ، وينصرك على من هو أقوى منك .
2 ـ ألا ترفع صوتك بالدعاء :
أدب آخر من آداب الدعاء : ألا ترفع الصوت بالدعاء ، لأن الله عز وجل يسمعك لو دعوته بقلبك ، وهناك شاهد دقيق يقول الله عز وجل يتحدث عن سيدنا زكريا فيقول :
﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً ﴾
( سورة مريم )
يعني بإمكانك أن تدعوه بقلبك دون أن تحرك شفتيك ، فالله عز وجل يسمعك ويعلم ما في قلبك ، ويراك .
إذاً من آداب الدعاء التضرع أولاً وخفض الصوت بالدعاء ثانياً ، أما رفع الصوت ، والتفاصح ، والتقعر في اللغة ، فهذا لا يرضي الله عز وجل ، يريد قلباً خاشعاً يريد قلباً منيباً .
3 ـ أن تجمع بين الخوف و الرجاء أثناء الدعاء :
أدب آخر من آداب الدعاء ، أيها الأخوة الأحباب ، يقول الله عز وجل :
﴿ وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً ﴾
( سورة الأعراف الآية : 56 )
أي ينبغي أن تجمع بين الخوف والرجاء ، لا أن تجعل الخوف يفضي بك إلى اليأس ، ولا أن تجعل من الرجاء سبباً لعدم استقامتك على أمره ، ينبغي أن تعبده خائفاً ، وأن تعبده طائعاً ، وقد ورد في بعض الآثار القدسية أن يا رب :
(( أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك ؟ قال : أحب عبادي إليّ تقي القلب ، نقي اليدين ، لا يمشي إلى أحد بسوء ، أحبني ، وأحب من أحبني ، وحببني إلى خلقي ـ لكن الشاهد في تتمة هذا الأثر ـ قال : يا رب تعلم إني أحبك ، وأحب من يحبك ، فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال : ذكرهم بآلائي ، ونعمائي ، وبلائي ـ أي اجمع بين الخوف والرجاء ـ ذكرهم بآلائي كي يعظموني ، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني ، وذكرهم ببلائي كي يخافوني ))
[ الدر المنثور عن ابن عباس]
استجابة الله للمضطر و المظلوم و لو لم تتوافر فيهما شروط الدعاء لرحمته العظيمة :
أيها الأخوة الكرام ، حقيقة دقيقة جداً : هي أن شروط الدعاء ذُكرت في آيات كثيرة أن تؤمن بالله أولاً ، وأن تستجيب له ثانياً ، وأن تدعوه مخلصاً ثالثاً ، وأن تخفض صوتك بالدعاء ، وأن يكون مع الدعاء تضرع ، وأن تدعوه راجياً ، وخائفاً ، هذه شروط الدعاء وردت في آيات القرآن الكريم ، ولكن رحمة الله العظيمة أن هذه الشروط لو لم تحقق في إنسان كان مضطراً إلى استجابة دعائه ، يقول الله عز وجل :
﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾
( سورة النمل الآية : 62 )
المضطر يستثنى من شروط الدعاء ، الله عز وجل يستجيب له لا لأنه مؤهل بدعائه ، بل لأن الله عز وجل برحمته استجاب له ، أما الشيء الخطير هو أن الله عز وجل يستجيب أيضاً للمظلوم ، فقد قال عليه الصلاة والسلام :
(( اتقوا دعوة المظلوم ولو كان كافراً فإنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا ، وَبَينَ اللهِ حِجَابٌ ))
[ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عبد الله بن عباس ]
فالإنسان يجب أن يعلم علم اليقين أن المضطر ، وأن المظلوم يستجيب الله لهما ولو لم تتوافر فيهما شروط الدعاء .
أيها الأخوة الكرام ، إلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله رب العالمين