بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحن الآن في العشر الأواخر، حيث يجتهد الناس في الطاعة والعبادة . لذا فهذه الحلقة هي حلقة إيمانية خالصة، خاصة بالعشر الأواخر، فسوف نبتعد اليوم عن قصص القرآن؛ لنعيش إيمانياً وروحانياً مع حالة إيمانية وليست قصة، ولكن لها ضرورة شديدة في رمضان، وقد انتهزتُ هذه الحلقة لتلبية احتياجات رمضان، لذلك فنحن لا نشعر أنا ولا أي ٍ من الجمهور عند تسجيل الحلقة بأننا موجودون في استوديو أو أمام آلات التصوير، بل نشعر أننا في حلقة إيمانية ربانية تحيط بنا الملائكة ونعبد الله سويّاً.
عبادة الدعاء:
عندما سألت نفسي ما هي العبادة المناسبة لنعلمها في ليلة من ليالي رمضان، وتكون مناسبة لهذا البرنامج؟ فتوصلت إلى عبادة الدعاء، على الرغم من ذكري للدعاء في حلقات سابقة ولكنه من احتياجات ومستلزمات رمضان، ونحن ندعوا في نهاية كل حلقة، ولكن اليوم سوف يكون الدعاء كثيراً، فهناك فرق بين أن تدعُ الله وأنت تعرف ماهيةُ الدعاء وبين أن تدعوه وأنت لا تعرف، وهنا يخرج الدعاء من قلبك فتشعر به وبقوته، لذلك فهذه الحلقة حلقة ودية حيث نعيش فيها سوياً في حب الدعاء.
شهر رمضان والدعاء:
جاء رجل إلى رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ فقال : " يا رسول الله أبعيد ربنا فنناديه أم قريب فنناجيه؟ " فنزل قول الله تعالى قبل أن يرد النبي _صلى الله عليه وسلم_ :"وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ... " (البقرة186)، فكل الأسئلة في القرآن الكريم مثل: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ اٌلشَّهْرِ اٌلْحَرَامِ قُلْ.."، "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اٌلْمَحِيضِ قُلْ.."، "يَسْأَلُونَكَ عَنِ اٌلْأََهِلَّةِ قُلْ..." فيجب أن تأتي كلمة قل، أما في هذه الحالة قال:"وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي..."، فلا يوجد واسطة بيننا وبينه فهو الذي يجيب، فانظر إلى الحنان والقرب الذين يتجلى في رده تعالى: "... فَإِنِّي قَرِيبٌ..."، والقرآن كلام الله لذا فأنت تسمعه سبحانه وتعالى يجيبك، ثم يقول أجيب فالإجابة هنا جاءت مبكرة حيث قال: "...أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ..."، ولم يقل أجيب دعوة المؤمن، أو التقي، أو دعوة الحاقد، ثم يقول:"... إِذَا دَعَانِ..."، أي إذا اختار هو أن يدعوني أُجيب دعوته، وقد جاءت هذه الآية في وسط آيات الصيام فجاء قبلها قوله تعالى: " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ...."(البقرة 185)، وجاء بعدها قوله تعالى: " أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ..."(البقرة 187).
ادعوني استجب لكم:
كان الصحابة إذا سمعوا " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ "، اتجهوا بكل آذانهم ليسمعوا الآية، فهل من الممكن عندما تسمع هذه الآية أن تتجه بكل آذانك إليها ؟ وأنت تعلم أن الله هو الذي يكلمك ويقول لك :"وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي..."، فانظر لكلمة عبد فكأنه قرينه فهو قريب منه يجيب دعوته وهذا القرب مرتبط بالصيام، ففي الآية بعدها يقول تعالى:" وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ....."(غافر 60)، فلم يقل أدعوني فقط فهل هناك وعد أكثر من هذا؟ فمن يدخل معركة يقُل له قائده: خذ هذا السلاح واستعن به، فكلمة الدعاء ولله المثل الأعلى كأنما أعطاك الله سلاحاً وقال لك استخدمه إن احتجت شيئاً.
وهناك حديث قدسي يقول:( يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسيته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني اغفر لكم، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجِنَكُم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني فأعطيت كل واحد منكم مسألته ما نَقَصَ ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر)، وانظر لحديث النبي _صلى الله عليه وسلم_ : (الدعاء هو العبادة)، فماذا تعني العبادة؟ العبادة تعني ذلُ وخضوع ُ لله، هي شعور أنك عبد وهو رب، فقد تصلي ولا تشعر بهذا الشعور لعيبٍ في نفسك، أو تصوم ولا تشعر به للهوٍ في نفسك، ولكن من المستحيل أن ترفع يديك وتقل أنا محتاج أعطيني، أنجدني أنا مكروب وخائف ولا تشعر بشعور العبودية، ولذلك الدعاء عبادة لأن الدعاء هو أكثر موقف تشعر فيه بأنك عبد.
يقول النبي _صلى الله عليه وسلم_: (من لا يسأل الله يغضَبُ عليهِ)، وتقول الآية أيضاً:( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)(غافر 60)، فقد اعتبر من لا يدعو أنه مستكبر فالدعاءُ هو ما يعطي الذلَ والخضوعَ، فلماذا لا تدعو؟ ألا يوجد لديك ما تحتاجه؟ وهذا مستحيل، ألست بشراً؟ أم أنت مستكبرُ؟ أم لا تحتاج لله تعالى؟ ولكن الله تعالى قال: (...ادْعُونِي...)، أي أنه فعل أمر يرتبط بنتيجة مضمونة وهي الإجابة.
ويقول النبي_ صلى الله عليه وسلم_:( إن الله يحب الملحّين في الدعاء )، أي الذين يلحون ويعيدون في الدعاء، فإن ذهب أحدهم إلى عمرةٍ مدة أسبوعٍ أَلَحَ وأعاد نفس الدعوات كل يوم، إن سجد وإن شرِبَ زمزم أعاد نفس الدعوات، وإن ذهب لوالدته أوصاها بأن تدعو له بنفس الدعوات.
ويقول النبي أيضا _صلى الله عليه وسلم_:( لا تعجزوا مع الدعاء فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد)، فلا توقف الدعاء فلا أحد يضيع وهو يدعو.
فلماذا كل هذه الآيات والأحاديث عن الدعاء، إن هذا ينطوي عل فكرة مهمة جداً لأنك عبد الله ومن أسمائه الحسنى العزيز، وهو لا يريد عبده العزيز أن يخفض رأسه لأي مخلوق، وكمثال على ذلك (ولله المثل الأعلى) عندما يقول خالُ أو عمُ لك وأنت في الغربة أو فاقد لوالديك إن احتجت أيَ شيءٍ لا تلجأ لأي أحدٍ طالما أنا حيُ أُرزق.
فأنت عبد فلا تخفض رأسك لعباد مثلك بل الجأ لي، فإذا لم تأتني لغضبت عليك، كان هناك أحد التابعين يُدعى حماد بن مسلمة، كان يمشي في إحدى الليالي المطيرة في بغداد وسمع صوت إحدى السيدات تتحدث من داخل منزلها وتقول: "يا رفيق ارفُق بنا، يا لطيف الطف بنا، يا مُغيث أغثنا"، فشعر أنها لا تقدر أن تخرج من شدة المطر، فذهب وأحضر طعاماً وقدمه لها، فقالت: "ومن أنت؟ " قال: "حماد" ومشى، فقالت لها ابنتها: "يا أماهُ لمَ رفعت صوتك فجعلت حماداً بيننا وبين الله"، فقالت: "يا ابنتي ما رفعت صوتي ولكن الرفيق رفق بي فأتى به إلى الكوخ"، وهذه قصة بسيطة تعبر عما أريد قوله، ومن أكثر ما يميز الدعاء أنه يدخلك بسرعة إلى الله لأن فيه ذل وخضوع وبقدر ما تتذلل يستجاب الدعاء، فاذهب إليه بضعفك يُمدك برزّقه، اذهب إليه بِذُلّك يمدك بعزّه، اذهب إليه بفقرك يُمدك بغناه، واحكي معه قُل له ياغني من للفقير إلا أنت، يا قوي من للضعيف إلا أنت، يا عزيز من للذليل إلا أنت، و ندعوا أيضاً ونقول: "اللهم إنا نسألك بعزك وذلنا، وقوتك وضعفنا، وغناك وفقرنا أن ترحمنا".
وانظر إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ كيف كان يدعو الله، فقد كان يبسط يديه ويفتحهما وهو يدعو، وإذا كان الأمر جليا كأمر يهم المسلمين أو معركة كان يرفع يديه حتى يظهر بياض إبطيه.
ويقول النبي _صلى الله عليه وسلم_:" إن الله حيّيُ كريمُ يستحي أن يرفع العبد يديه ثم يردهما صفراً خائبتين"، فالكريم هو من يعطي دون أن يُسؤل فكيف إذا سُؤل. والحديث القدسي يقول:" أنا عند ظن عبدي بي فليظن عبدي بي ما شاء"، فكيف هو ظنك بالله؟ فليكن ظنك به أنه سيغفر لنا، وسيحقق لنا الدعوات الخاصة التي كنا ندعوه بها سابقاً فليكن لديك ثقة في الله، فهذا الموضوع من أكثر المواضيع التي وُجدت فيها الأحاديث والآيات واضحة لا تحتمل التأويل.
وهناك حديث قدسي آخر يقول: " يتنزل الله تعالى إلى السماء الدنيا في الثُلث الأخير من الليل فينادي هل من مُستغفرٍ فأغفر له، هل من تائب فأتوب عليه، هل هناك من له حاجة فأقضيها له" يقول النبي _صلى الله عليه وسلم_: "وذلك في كل ليلةٍ"، فقد تنام، أو تنسى، أو تسهو، ولكن هو كل ليلة ينادي عليك ليلبي حاجتك، فيا من لديه المشاكل والمصائب، يا زوجة يا من لم تنجبي، يا سيدات يا من لديكن مشاكل مع أزواجكن، يا شباب يا من لديكم نقص في الرزق، فلتذهب له وتدعوه، كما كان الصحابة يجهزون لشهر رمضان بمجموعة دعوات محددة ويرتبونهم ويعرفون كم مرة سوف يكررنوهم، فيقولون ندعو وندعو وندعو فوالله ينقضي رمضان ولا يأتي رمضان القادم إلا وقد أجاب الله لنا ما دعونا به.
وهذا الكلام مُجرّب، فسوف أحكي عن شيء عشته شخصياً، فكل الأشياء التي حدثت في حياتي كانت بسبب دعوات رمضان، فإنجابي الأولاد وراءه دعوات رمضان، والأعجب من ذلك كما حكيت من قبل أنني ظللت لمدة 10 سنوات لا أُرزق بالأولاد، ولكن الله رزقني بالولد بعد دعاء شديد يوم عرفات، وبعد هذه القصة كلما قابلت أحداً قال لي: لا تظن أنك وحدك ما حدث معه ذلك الموقف فهي ليست خصوصية فأنا أيضاً قد حدث معي ذلك فهذا الولد معجزة من الله وآية في الدعاء.
وانظر لسيدنا زكريا عندما قال :"...وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً"(مريم 4)،أي أنني ما دعوتك قط ولم تستجب لي، فكن متأكداً أن الله سيستجيب دعاءك ويلبي لك طلبك.
القرآن والدعاء:
والقرآن يمتليء بكم هائلٍ من الدعوات وبالأخص الدعوات الصعبة المستحيلة، فانظر لدعوة سيدنا سليمان في عصر لا يوجد به تكنولوجيا، كما في قوله تعالى: " قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي..."، فهل تحققت له أم لا؟ بل تحققت وحتى الآن نراه جميعا بأعيننا، وانظر لدعوة سيدنا إبراهيم كما في قوله تعالى: " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ......"(البقرة126)، فكم عمر هذه الدعوة؟ وكم عاماً تستمر الدعوة؟ إنها تستمر ألوف السنين، فاذهب لمكة لترى الرزق وقل: سبحان الذي يُجيب الدعاء.
ودعوة سيدنا نوح تأخرت لمدة تسعمئة وخمسين عاماً حتى قال، كما في قوله تعالى " فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ* فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ * َوفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ".
ودعوة سيدنا يونس وهو في بطن الحوت "...فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ"(الأنبياء 87)، فاستجبنا له ونجيناه من الغرق.
فعليك بالدعاء وأن تكون على يقين من الإجابة، فانظر لسيدنا زكريا إذ قال كما في قوله تعالى:"قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ..من...."(مريم 4-5) أرأيت الثقة في الدعاء، فمن لديه هذه الثقة؟ ومن يقول أن الدعاء لا يُستجاب؟ فلا توجد دعوة لا تُستجاب فمن أسمائه تعالى المجيب، السميع، والبصير، فلتُحيي الأمل في نفسك مرة أخرى وجهز دعواتك للعشر الأواخر.
يقول عمر بن الخطاب :( أنا لا أحمل هم الإجابة ولكني أحمل هم الدعاء، فإذا أُلهِمت الدعاء، أُلهِمت معهُ الإجابة) وهذا الكلام يحدُثُ فعلاً، فعلى سبيل المثال: تكون مسافراً للعمرة وتقول لنفسك يارب مَكِّني من الدعاء لك كثيراً فقد تدعو الله قليلاً ثم تجد وأن كَمَ الدعاء وتركيزك وخشوعك قد بدأ يقل شيئاً فشيئاً حتى ينتهي، ولذلك يقول رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_:" من فُتِحَ له بابُ الدُعاءِ، فُتَحِت له أبوابُ الجنة"، فقضيتك الأساسية كما قال سيدنا عُمر هي الدعاء وليس الإجابة فهذا أمر مفروغُ منهُ.
يقول أبو هريرة :" كانت أمي ( وهي غير مسلمة) تتكلم عن رسول الله كثيراً وتؤذيني فيه، فذهبت حزيناً إلى رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ لأني لا أعلم ما يمكن أن يحدث لها، فقال : " مالك يا أبو هريرة؟ " قلت: " يا رسول الله أمي كذَّبتك ولم تؤمن بك وآذتني فيك فادعُ الله أن يهدي أمي "، فقال النبي: " اللهم إهد أم أبي هريرة، اللهم إهد أم أبي هريرة "، فقال: " فرجعت مُستبشراً بدعوة النبي _صلى الله عليه وسلم_ ولكن يحدوني الهم، فطرقت الباب فقالت: " من؟ " ، فقلت: "أبو هريرة"، فقالت: "مكانك"، ثم فتحت لي وقالت: " اسمع يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله "، فبكيت وعدت إلى رسول الله وقلت له: " يا رسول الله لقد استجاب الله دعائك فقد أسلمت أمي "، فقال: " الحمد لله"، فقلت: " يا رسول الله اُدعُ الله أن يُحببني أنا وأمي إلى المؤمنين ويُحبب المؤمنين إلينا "، ثم يقول: " فما سمع بي مؤمن في المدينة إلا وأحبني منذ ذلك اليوم ".
الشيطان والدعاء:
وهنا يأتي السؤال هل تتذكر كم دعوةٍ دعوتها وأجيبت لك؟ فالمشكلة الكُبرى أن الشيطان يُنسيك، فقد كنت سابقاً تدعُ الله ويُستجاب لك ليس في الحال، ولكن بعد مرور عدةِ أيامٍ ولكن الشيطان قد أنساك هذا، ولماذا ينسِك الشيطان هذا؟ لأنه يعلم أن معك سلاح قوي جداً فلو علمت أن دعوتك تُستجاب تكون قد عرفت الطريق للمجيب السميع البصير، لذا ينسيك ويوهمك بأن أحداث الزمن هي التي حققت لك دعائك.
أوقات إجابة الدعاء:
نحن الآن في أيام إجابة الدعاء وهي العشر الأواخر من رمضان، والتي من أوقاتها أيضاً الثُلث الأخير من الليل، وليلة القدر، والصائم عند فطره، وأثناء العمرة والحج، فها أنت لديك خمس أسباب تجعل من دعوتك دعوة مستجابة هذه الأيام، فاللصائم عند فطره دعوة لا تُرد ، وتتجلى عظمة الخالق في ناحية أخرى، فلو جئت الآن وطلبت منك أن تفعل شيئاً لي وجاءك شخص آخر أثناء حديثي معك يطلب منك طلباً آخر سوف تقول له أن ينتظر حتى تنتهي من حديثك معي ثم يستطيع أن يطلب منك ما شاء، فسبحان الله الذي لا يشغله سمعٌ عن سمع ، والذي في هذه الليالي العظيمة يطلُب الملايين منه طلبات مختلفة ويلبيها جميعاً، وهنا ترى العقيدة التي اكتسبها المسلمون بالفطرة فلا تجد أن أحداً يطلب من الآخر أن لا يدعو الله حتى يدعوَ هو فقط لأن كلنا موقنون أنه يسمعنا جميعاً.
هل تعرف أن أكثر طريقة تذل بها نفسك لله تعالى هي الدعاء، وأكثر طريقة تُشعرك بقربك منه هي أيضاً الدعاء.
شروط إجابة الدعاء:
هل تريد أن يُستجاب لدعائك؟ إذن فاحفظ هذه الأشياء الأربعة والتي علّمها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اليقين في الإجابة: فكيف تريد المجيب أن يستجيب لك إن كنت لا تصدق أنه يستطيع فعل ذلك، فالرسول _صلى الله عليه وسلم_ يقول: " ادعوا الله وأنتم موقنون في الإجابة " مهما كان ما تريده بعيداً وصعب المنال، لذا أريد منك أن تزيد نسبة يقينك فلا تكون أقل من 99% فالرسول _صلى الله عليه وسلم_ يقول:" إن الله يقول إذا دعا أحدكم فلا يقل ربي لو شئت " فلا تدعو الله وتقول إن شئت أعطيتني سيارة كذا وكذا بل اعزم في المسألة.
الخشوع أثناء الدعاء: فالنبي _صلى الله عليه وسلم_ يقول:" إن الله لا يستجيب من قلب غافل لاهٍ" فلتتخيل شخصاً يريد أن يرمي سهماً ولكن القوس مرتخي فسوف يسقط السهم تحته مباشرةً، لذلك يقول الله تعالى:"أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ...."(النمل 62)، فلماذا المضطر؟ لأنه خاشع ولديه نائبه، وفي هذا يقول عبد الله بن عمر:" أنا أعلم متى يُستجاب دعائي"، فقالوا له:" كيف ذلك "؟ قال:" إذا خشع القلب واهتزت الجوارح ودمعت العين أقول هذا وقت إجابة الدعاء" يقول أحد الصالحين:" مثل المؤمن حين يُستجاب دعائه كمثل رجل في بحر هائج تحطمت به سفينته فتعلق بخشبة، يريد النجاة من الأمواج فيقول:" "يارب، يارب"، فهكذا مثل المؤمن حين يُستجاب دعائه".
عدم الاستعجال: فالنبي _صلى الله عليه وسلم_ يقول:" يُستجاب لأحدكم ما لم يستعجل" فكيف يستعجل؟ بأن يقول دعوت الله ودعوت ودعوت فلم أرَه يُستجب لي فيترك الدعاء فلا يُستجاب له، وهذا كأن يقوم شخص ما بزراعة نبتة تحت الأرض فيسقيها ويرويها المرة تلو الأخرى حتى يَمَلّ بعد مرور أسبوع لأنها لم تنبت خارج الأرض بعد، فهناك بعض الأشجار تنبت بعد مرور عشرين عاماً فيتركها على الرغم أنها كانت على وشك الخروج ، لذا فإياك والاستعجال فهناك بعض الدعوات يدعوها الفرد عشرة أعوامٍ حتى يُستجاب لها ، فقد تتأخر الإجابة لمصلحتك وقد تتأخر لأن زمانها لم يأتِ بعد، وقد تتأخر لأن الله يريد أن يسمع صوتك فهو يريد أن يعلمك أن ترجع إليه كثيرًا، فربما إن أجابك سريعاً لن تأتِ إليه غداً، لذا فأنت تحتاج إلى بعض التدريب على القرب منه، فيسأل سبحانه وتعالى الملائكة:" يا ملائكتي أدعاني عبدي؟ يقولون: نعم ياربي، يا ملائكتي هل ألحّ علي عبدي؟ فيقولون: نعم ياربي، يا ملائكتي أخروا مسألة عبدي فأني أحب أن أسمع صوته"، فالدعاء عبادة جميلة وهي من أحلى وأرق العبادات، ففي بعض الأحيان خمس دقائق دعاء بقرب وذل شديدين تُعادل صلاة تراويح، فأحياناً تخاطبه وأنت ساجد وتقول يارب فتحس كأنك مالكٌ للدنيا وما فيها، وتحس بأن قلبك هو الساجد وبأنك لا تريد القيام من السجدة.
أكل الحلال: فقد ذهب سعد بن أبي وقاص إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ وقال:" يا رسول الله ادعُ الله أن أكون مُستجاب الدعوة "، قال: " يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة" فبدأ في التركيز أكثر فأكثر في أكل الحلال فكان لا تُرَدُّ له دعوة "، بعض الناس يقولون لقد صعّبت هذا الأمر علينا فنحن لدينا بعض الشكوك، أقول لهم تصدّقوا كثيراً هذه الأيام، ولذلك يوصي بعض العلماء أن تجعل قبل دعائك صدقة حتى يتطهر مالك، يقول النبي _صلى الله عليه وسلم_:( إن الله طيب لا يقبل إلا الطيب، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث، أغبر- ودعوة المسافر مستجابة، فهو مستوفي لكل الشروط- فيرفع يديه ويقول يارب يارب- عشر مرات- ولكن مأكله حرام وملبسه حرام وغُذّي بالحرام فأنّى يُستجاب له)، لذلك يكفيك مع أكل الحلال القليل من الدعاء فيستجاب لك.
فلتحافظ على الشروط الأربعة لتضمن الدعاء والإجابة إن شاء الله، فكلما وجدت لحظات خشوع وعينك تدمع فعليك بالدعاء، فهذه لحظات إجابة، ولتنظر لقصة سيدنا زكريا، فكان كلما دخل على السيدة مريم المحراب وجد لديها رزقاً، إما طعام أو نعم من عند الله أو خضوع وخشوع وبكاء وكل هذا رزق من عند الله ، فالآية تقول: " هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ...."(آل عمران 38)، فعندما رأى آيات من الله وقرب من الله رغم أنه ليس معه ولكن أحياناً عندما ترى شخصاً يعبد الله يرق قلبك وفي هذه اللحظة دعا زكريا ربه عندما رأى معجزات وآيات من الله "...... قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ"(آل عمران 38-39)، فأينما تجد هذه اللحظات ادعو الله وقد تجدها في ليلة 27 من رمضان أو الليال الوترية من شهر رمضان أو وأنت تقرأ القرآن أو وأنت تقود السيارة ويرق قلبك فجأة فانتهز الفرصة وأدعو الله ولا تقل يجب أن أكون جالساً بل تكلم مع الله بما يجول في قلبك وليس من الضروري أن يكون الكلام مُسترسلاً مُنمقاً بل يكفي أن تناجي الله بما في قلبك باللغة العامية وليست الفصحى بالضرورة، فقد أتى رجل إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ وقال: "يا رسول الله أنا لا أجيد دندنتك ولا دندنة معاذ"، فقال له:" فماذا تقول أنت يا رجل؟ قال:" أقول اللهم إني أسألك الجنة، اللهم نجني من النار "، فقال النبي: " حولها أدندن أنا ومعاذ ".
المصدر: http://dostor.org/ar/index.php?option=com_content&task=view&id=3988&Itemid=88