بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
قانون الولاء والبراء :
أعزائي المشاهدين ... أخوتي المؤمنين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ولا زلنا في قوانين القرآن الكريم ، والقانون اليوم ( قانون الولاء والبراء)وهذا موضوع دقيق جداً وخطير في الدين .
الولاء والبراء أحد أركان الدين و أصل من أصوله :
أنت من ؟ تنتمي لمن ؟ هل تنتمي لهذه الأمة ؟ إن كنت كذلك ينبغي أن يؤلمك ما يؤلمهم ، ينبغي أن يفرحك ما يفرحهم ، ينبغي أن تسعى جاهداً لحمل همومهم ، للتخفيف عنهم ينبغي أن تسعى جاهداً لتكون قوياً بين الأمم ، الولاء والبراء أحد أركان الدين ، الذي يعد أصلاً في الدين ، كي تتوضح الحقيقة نضرب هذا المثل :
إنسان له أب يحبه ، يحترمه ، ويقدره ، سمع قصة عن أبيه لا تليق بأبيه ، لأن ولاءه لأبيه يسعى إلى فهم الحقيقة ، يسعى إلى التدقيق ، لعلها قصة مفترات ، لعل قصة مبالغ بها ، لعلها قصة لم تقع أصلاً ، يسأل أباه ، يستوضح ، يأتي بالدليل ، شدة ولائه لأبيه يجعله يتريث في قبولها ، بل يسعى إلى نفيها مع الدليل ، لأنه يؤلمه أشد الألم أن يكون أبوه في هذا المستوى وهو يظنه بعيداً عن هذا المستوى ، ولاء هذا الابن لأبيه جعله يتريث ، ويبحث ويدرس ، ويعلل ، لأنه يحب أباه .
أما العدو حينما يسمع قصة مؤلمة عن إنسان يقبلها سريعاً من دون دليل ، بل يروجها ، بل يفرح لها .
هذه النقطة الدقيقة في حياة المؤمن ، المؤمن ولاؤه لأمته ، ولاؤه لدينها ، ولاؤه لمستقبلها ، يؤلمه ما يؤلمها ، يفرحه ما يفرحها ، يدافع عنها ، قد يسعى إلى تبرير سلبياتها لا مبالغة ولكن واقعاً ، قد يسعى إلى كشف الحقائق التي تخفى عن أعدائها ، هو يروج لماضيها الذي شرفت به .
بطولة الإنسان أن يكون ولاؤه لأمته و للمؤمنين :
أيها الأخوة ، موضوع الولاء والبراء موضوع دقيق هو موضوع الانتماء في الحقيقة ، فحينما ينتمي الإنسان لأمته فإذا ذهب إلى بلاد الغرب هناك إيجابيات ، وهناك سلبيات ، لا مانع من ذكر الإيجابيات ، ولكن الذي ينتمي لأمته يرى أيضاً السلبيات ، يرى الأشياء المؤلمة جداً ، فإذا عاد إلى بلده ذكر الإيجابيات والسلبيات ، أما هناك أناس انعتقوا من أمتهم ، وذهبوا إلى بلاد الغرب لا يرون إلا الفضائل ، والدقة ، والنظام ، والتفوق ، والتقنية ، ويتعامون عن كل الرذائل التي صادفتهم هناك ، فإذا جاؤوا إلى بلدهم نسوا فضائل هذه الأمة ، نسوا تماسك الأسرة ، نسوا الرحمة التي بين أفرادها ، نسوا إيجابياتها ، وروجوا سلبياتها .
فالبطولة أن يكون لك ولاء لأمتك ، هذا الولاء لا يعني أن تسكت عن الخطأ ولكن يعني أن تحاول إصلاح الخطأ ، هذا الولاء لا يعني أن تنتقص من أعدائها بلا مبرر ولكن إذا كان هناك أخطاء فادحة عند أعدائها ينبغي أن تبينها ، من أجل التوازن ، فالولاء والبراء تؤكده آيات كثيرة في القرآن الكريم ، من هذه الآيات :
﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾
( سورة النوبة )
وهناك آية ثانية :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾
( سورة الممتنحة الآية : 13 )
ليكن ولاؤكم للمؤمنين ، ليكن ولاؤكم لأمتكم ،
﴿ لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾
على الإنسان أن يكون رجل مبدأ لا يُغيّر قناعته أبداً :
لذلك الإنسان حينما يكون رجل مبدأ ، حينما تحكمه القيم ، ويحتكم إليها ، لا يسخر منها ولا يسخرها ، حينما تحكمه القيم ، ويحتكم إليها ، ولاؤه للحق ، ولاؤه للمبادئ ، ولاؤه للقيم ، لا يباع ، ولا يشترى ، هو يسمى الآن رقماً صعباً ، وأي إنسان غيّر قناعته بمبلغ من المال مهما كان كبيراً سقط من عين الله ، وسقط من منظومة القيم الإنسانية .
أيها الأخوة الكرام ، مرة كان أبو حنيفة النعمان عند المنصور ، وعنده قاض من ألد أعدائه ، أراد هذا القاضي أن يحرجه حرجاً شديداً ، سأله إذا أمرني الخليفة بقتل امرئ أأقتله أم أتريث ؟ لأن ولاؤه للحق ألهمه الله إجابة رائعة ، قال له : الخليفة على الحق أم على الباطل ؟ فوقع هذا القاضي بحرج شديد ، قال : الخليفة على الحق ، قال له : كن مع الحق حيثما كان ، فلما خرج من مجلسه قال أبو حنيفة النعمان رحمه الله تعالى : أراد أن يقيدني فربطته .
يعني المؤمن ولاؤه للحق ، لا ينطق بكلمة تسبب له متاعب مع الله عز وجل ، ولا ينطق بكلمة لا تكون واقعية ولا صحيحة .
ولاء النبي عليه الصلاة والسلام إلى قومه و التماس الأعذار لهم :
أيها الأخوة الكرام ، هناك ولاء مؤلم جداً ، النبي عليه الصلاة والسلام وهو في الطائف ، يدعو أهل الطائف إلى الإسلام ، إلى سعادة الدنيا والآخرة ، كذبوه ، وسخروا منه وبالغوا بإيذائه ، فجاءه ملك الجبال ليمكنه أن ينتقم منهم ، قال ملك الجبال : أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك :
(( إن شئت أطبق عليهم الأخشبين ، قال : لا يا أخي ، اللهم اهدِ قومي ـ هذا الولاء الصعب ، هذا الولاء الذي معه الوفاء ـ اللهم اهدِ قومي إنهم لا يعلمون ، أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ))
[متفق عليه عن عائشة]
معنى ذلك أنه انتمى إلى قومه ، ودافع عنهم ، والتمس لهم العذر ، إنهم لا يعلمون وتمنى أن ينجبوا أولاداً صالحين موحدين ، هذا الولاء الصعب الذي كان فيه النبي عليه الصلاة والسلام ، وكان في قمة الكمال .
أيها الأخوة الكرام ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنا ـ تطبيقاً للولاء ـ ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ))
[ أخرجه أبو داوود والترمذي عن أبي سعيد الخدري ]
أريد أن أنوه إلى أن علاقات العمل علاقات مشروعة ، ولكن العلاقات الحميمة الحميمة جداً هذه ينبغي أن تكون مع من تواليه بقلبك وقالبك .
أيها الأخوة الكرام ، مرة التقيت بإنسان ، له مكتب فخم جداً ، قال : إن عملي عمل قذر ، استغربت من هذه الكلمة ، يبدو أن عمله مبني على الإساءة للآخرين ، هذا العمل لا يؤكد انتماء الإنسان لأمته ، الإنسان حينما ينتمي لأمته يكون سبب خير لها ، سبب رشد لها ، سبب إكرام لها ، فالإنسان حينما يستخدم كأداة رخيصة تجاه مصالح أمته هو كمنديل مُسحت به أقذر عملية ثم يلقى في المهملات ، فالإنسان ينبغي أن يكون موالياً لأمته ولمجتمعه ولبلده ، حتى يكون ولاؤه للحق ، وحتى يكون ولاؤه لخير هذه الأمة .
على المؤمن أن يوالي المؤمنين و لو كانوا فقراء و يتبرأ من الكفار و لو كانوا أغنياء :
أيها الأخوة الكرام ، نحن مع آية دقيقة جداً ، أرجو الله سبحانه وتعالى ، أن يمكنني أن أوضحها لكم ، الله عز وجل يقول :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾
( سورة الأنفال الآية : 72 )
هذه حقيقة أولى ، أي ولاؤك أيها المؤمن للمؤمنين ، ولاؤك للمؤمنين ولو كانوا ضعافاً وفقراء ، وينبغي أن تتبرأ من أعداء الأمة ولو كانوا أقوياء وأغنياء ، هذا هو الولاء والبراء ، ثم يقول الله عز وجل في آية دقيقة جداً :
﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ﴾
( سورة الأنفال الآية : 72 )
أي أن الانتماء الحقيقي انتماء عملي ، الانتماء الحقيقي التزام ، أما هذا الإعجاب السلبي بالإسلام دون التطبيق لا يقدم ولا يؤخر .
من لم يجاهد بأمواله و نفسه في سبيل الله ستصيبه فتنة و شقاء كبير :
لكن الملمح الدقيق الدقيق في تتمة هذه الآية :
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾
( سورة الأنفال الآية : 73 )
﴿ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ﴾
( سورة النساء الآية : 104 )
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾
الآن دقق :
﴿ إِلَّا تَفْعَلُوهُ ﴾
( سورة الأنفال الآية : 72 )
ضمير غائب مفرد .
﴿ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾
( سورة الأنفال )
أيها الأخوة ، من أدق ما فسر العلماء هذه الآية أن هذا الضمير يعود على الآية السابقة :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا ﴾
إن لم تؤمنوا ، وإن لم تهاجروا ، وإن لم تجاهدوا ، وإن تؤمنوا ، وإن لم تنصروا سوف تكون هناك فتنة ينتج عنها شقاء كبير ،
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾
الولاء والبراء من لوازم الإيمان :
أيها الأخوة الكرام ، من لوازم الإيمان الولاء والبراء ، من لوازم الإيمان أن توالي أخوانك المؤمنين ، ولو كانوا ضعافاً وفقراء ، تدافع عنهم ، تأخذ بيدهم ، تحمل همومهم وأن تتبرأ من أعداء الأمة ولو كانوا أقوياء وأغنياء .
أعزائي المشاهدين إلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله رب العالمين