بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة :
السلام عليكم ورحمة الله ، أيها الأخوة والأخوات أسعد أوقاتكم بكل خير ، وأهلاً بكم في لقاء جديد في برنامج : " الإسلام منهج حياة ".
أرحب بضيفي فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامي ، أهلاً بكم فضيلة الدكتور .
الدكتور راتب :
بكم أستاذ جميل جزاك الله خيراً .
الأستاذ جميل :
تقدم الحديث معنا فضيلة الدكتور في الحلقة الماضية عن الجهاد ، وما بعد الجهاد نصر أو هزيمة ، فما هو النصر ؟ وما هو مبدأ النصر ؟ من هو ذلك المحظوظ الذي يحظى بنصر الله عز وجل ؟.
النصر محبب للإنسان و هو من عند الله وحده :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
الحقيقة أن النصر محبب للإنسان .
﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ ﴾
( سورة الروم )
فالنصر مسعد ، والنصر نجاح ، والنصر في معركة متعلقة بالقيم والمبادئ فلاح، والفلاح أبلغ من النجاح ، النجاح نجاح في الدنيا ، والفلاح فلاح في الآخرة ، فالنصر شيء محبب ، لكن ما حقيقته ؟ الحقيقة الأولى والخطيرة أن النصر من عند الله وحده .
﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 160 )
فحينما نؤمن أن النصر بتحالف مع دولة قوية ، أو بتنازلات لدولة أخرى ، هذا لا يصنع نصراً ، النصر من عند الله وحده .
فحينما ننطلق من التوحيد أن الناصر هو الله ، حينما ننطلق من التوحيد نكون قد مشينا في الطريق الصحيح .
النصر له أسباب ما لم نأخذ بها لن نحوزها إطلاقاً :
بادئ ذي بدء : النصر من عند الله وحده ، هو الذي يهب النصر ، أو يمنع النصر عن الإنسان ، لكن الشيء الدقيق جداً أن أفعال الله لها قواعد ثابتة ، مهما دعونا إن لم ندفع ثمن النصر لا ننتصر ، لذلك أنا درجت على دعاء أقول : يا رب اللهم ارزقنا أسباب النصر حتى نستحق أن ننتصر ، فالنصر له أسباب .
عفواً ، دولة محترمة رسمت لحرفة الطب طريقاً ، فالطريق يبدأ بعلامات معينة في الشهادة الثانوية ، ثم الدخول في كلية الطب ، أول سنة علوم عامة ، ثانية سنة تشريح ، الثالثة فيزيولوجيا ، الرابعة علم الأمراض ، الخامسة علم الأدوية ، فالإنسان إذا قرأ مجلات طبية لن يكون طبيباً ، و إذا صاحب أطباء لن يكون طبيباً ، إذا تمنى أن يكون طبيباً لن يكون طبيباً .
فالنصر له أسباب ما لم نأخذ بها لن نحوزها إطلاقاً ، فأنا أرى النصر ، أولاً : الله عز وجل هو الناصر وحده ، لأن سيدنا عمر عزل سيدنا خالد ، قال له : لِمَ عزلتني يا أمير المؤمنين ؟ قال له : والله إني أحبك ، قال له : لِمَ عزلتني مرة ثانية ؟ قال له : والله إني أحبك ، قال : لِمَ عزلتني مرة ثالثة ؟ قال له : والله ما عزلتك يا بن الوليد إلا مخافة أن يفتتن الناس بك ، لكثرة ما أبليت في سبيل الله ، كأن هذا الإمام الكبير ، الخليفة الراشد ، أراد أن ينقذ التوحيد ، كاد الناس يتوهمون أن خالداً هو الناصر ، هو عبد الناصر وليس هو الناصر ، الناصر هو الله ،
﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾
﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 126 )
من ينصر دين الله عز وجل يستحق أن ينصره الله :
أول حقيقة : الله هو الناصر ، ثاني حقيقة : من ينصر ؟
﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ﴾
( سورة الحج الآية : 40 )
﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾
( سورة محمد الآية : 7 )
أنت حينما تنصر دين الله تستحق نصر الله ، حينما تقيم شرع الله تستحق نصر الله ، حينما ننصر الضعاف نستحق النصر ، لقول النبي الكريم :
(( فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))
<[أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن أبي الدرداء ]
أي هذا الضعيف حينما تطعمه إن كان جائعاً ، تكسوه إن كان عارياً ، تعالجه إن كان مريضاً ، تعلمه إن كان جاهلاً ، تؤويه إن كان مشرداً ، تنصفه إن كان مظلوماً ، هذا الضعيف حقيقة الله سبحانه وتعالى يكافئنا على خدمته بأن ينصرنا على أعدائنا .
شروط النصر :
1 ـ الإيمان :
إذاً الله عز وجل ينصر من ينصره ، لكن لو سألتني هل للنصر شروط دقيقة جداً ؟ الجواب : النصر له شرطان ، كل واحد منهم شرط لازم غير كافٍ ، أول شرط الإيمان ، لقول الله عز وجل :
﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِين ﴾
( سورة الروم )
أي أنشأ الله حقاً عليه ، أن ينصرنا إن كنا مؤمنين ، لكن كلٌ يدعي وصلاً بليلى ، كلٌ يدعي الإيمان ، الحقيقة الإيمان الذي أراده الله بهذه الآية الإيمان الذي يحمل على طاعة الله ، فما دام الإيمان لا يحمل على طاعة الله أنا أسميه إيماناً إبليسياً ، لأن إبليس قال ربي :
﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾
( سورة ص الآية : 82 )
إبليس قال :
﴿ خَلَقْتَنِي ﴾
( سورة الأعراف الآية : 12 )
آمن به خالقاً ، قال :
﴿ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾
( سورة الأعراف )
فالإيمان الذي لا يترجم إلى التزام وإلى سلوك لا قيمة له إطلاقاً ، فالإيمان شرط لازم غير كافٍ ، المشكلة الكبرى أن المسلمين يتوهمون بأنهم مؤمنون و ينبغي أن ينتصروا ، لا ، الإيمان شرط لازم غير كاف ، طبعاً للتوضيح :
رأس الغاز لا قيمة له من دون أسطوانة غاز ، وهذه الأسطوانة لا قيمة لها أيضاً من دون رأس ، هما متكاملان ، نقول : كل من الأسطوانة والرأس شرط لازم غير كافٍ .
أول شرط الإيمان الذي يحمل على طاعة الله .
2 ـ الإعداد :
الشرط الثاني : الإعداد ، قال تعالى :
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾
( سورة الأنفال الآية : 70 )
سمعت بعض قادة المقاومة في حرب غزة أنهم قالوا : يا رب أعددنا ما نستطيع ، هذه الكلمة تأثرت بها كثيراً ، أعددنا ما نستطيع .
يجب أن تؤمن الإيمان الذي يحملك على طاعة الله ، ويجب أن تعد العدة المتاحة لك ، عندئذٍ تكون قد قدمت شرطي النصر ، هذه شروط النصر .
أنواع النصر :
1 ـ النصر الاستحقاقي :
ولكن للنصر أنواع كثيرة ، من هذه الأنواع النصر الاستحقاقي ، أنت حينما تؤمن الإيمان الذي يحملك على طاعة الله ، وحينما تعد للعدو ما تستطيع ، عندئذٍ تنتصر استحقاقاً ، أنت مفتقر ، أنت موحد ، أنت أعددت العدة واستعنت بالله .
أستاذ جميل الموقف الدقيق جداً ، والرائع ، والإيماني الصحيح أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، طبعاً سهل جداً أن تأخذ بالأسباب وأن تعتمد عليها ، وأن تؤلهها فتقع في وادي الشرك كما هم الغربيون ، والأسهل من ذلك ألا تأخذ بها أصلاً ، وتعتمد على توفيق الله الساذج ، تعتمد على التواكل لا التوكل ، ألا تأخذ بها، لكن البطولة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
هذا النصر الأول استحقاقي ، قال تعالى :
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 123 )
2 ـ النصر التفضلي :
أما النصر الثاني هو النصر التفضلي ، أحياناً لحكمة بالغةٍ بالغة ينصر الله من لا يستحق النصر ، لكن الله عز وجل يكشف لنا بعد حين هذه الحكمة ، قال تعالى :
﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ﴾
( سورة الروم )
والحقيقة الدقيقة أن هذه الآية فيها إعجاز إخباري مستقبلي ، فالله عز وجل أخبرنا أن الروم سينتصرون بعد أن انهزموا مع الفرس .
﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾
( سورة الروم )
والملمح الدقيق بالآية أن الله أثبت لصحابته الكرام فرحهم بانتصار الروم ، لأن بينهم قواسم مشتركة ، القواسم المشتركة الإيمان بالله واليوم الآخر ، هناك فوارق لكن هناك قواسم مشتركة .
فالمؤمن ينبغي أن يقف الموقف المناسب في هذه الآية ، هذا نصر تفضلي .
3 ـ النصر الكوني :
وهناك نصر آخر هو النصر الكوني ، كلا الفريقين المتحاربين شارد عن الله الأقوى ينتصر ، الذي يملك سلاحاً إصابته أقوى ينتصر ، الذي يملك سلاحاً مداه المجدي أكبر ينتصر ، الذي يملك الأقمار الصناعية ينتصر ، الذي معه ثلاثين دولة حلفاء ينتصر ، الذي معه أموالاً طائلة ينتصر ، هذا نصر كوني ، الطرفان شردا عن الله عز وجل ، الأقوى ينتصر ، الأقوى عسكرياً ، والأقوى إعداداً ، والأقوى عدة ، وعتاداً ...إلخ .
4 ـ النصر المبدئي :
لكنني أريد أن أبشر هؤلاء الذين ماتوا واستشهدوا في حرب ولم يحققوا النصر ، هؤلاء انتصروا نصراً مبدئياً ، لأن المنية وافتهم وهم موحدون ، مؤمنون ، مستقيمون ، هذا النصر يسمى النصر المبدئي ، وهو ثمين جداً ، والدليل :
﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ ﴾
( سورة البروج )
أصحاب الأخدود لم ينتصروا بل أحرقوا ، لكنهم ماتوا موحدين ، ماتوا مؤمنين ، وماتوا طائعين .
خاتمة و توديع :
الأستاذ جميل :
ختاماً فضيلة الدكتور إن أردنا النصر فعلينا بطريقين ؛ الإيمان والإعداد ، جزاكم الله خيراً ، وأحسن إليكم ، ونشكر لكم ، شكراً لكم أيها الأخوة على حسن المتابعة ، نترككم في أمان الله وحفظه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والحمد لله رب العالمين
http://nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=2553&id=189&sid=799&ssid=808&sssid=838