بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة :
السلام عليكم ورحمة الله ، أيها الأخوة والأخوات أسعد الله أوقاتكم بكل خير ، وأهلاً بكم في لقاء جديد في برنامج : "الإسلام منهج حياة ".
وأرحب بضيفي فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامي ـ حفظه الله ـ أهلاً بكم فضيلة الدكتور .
الدكتور راتب :
بكم أستاذ جميل جزاك الله خيراً .
الأستاذ جميل :
ما زال الحديث عن الأخوة والجماعة ودائرة النفع العام ، لعموم الناس وخصوصية المسلمين ، كيف علم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه هذه الأخوة ، وكيف كانت قدوة لهم في أن الناس سواسية ؟.
للنبي الكريم مهمتان كبيرتان ؛ التبليغ و القدوة :
الدكتور راتب :
أستاذ جميل ، في الحقيقة أن النبي صلى الله عليه وسلم له مهمتان كبيرتان الأولى هي التبليغ ، والثانية هي القدوة ، التوجيه الأول يقول الله عز وجل :
﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾
( سورة الحشر الآية : 7 )
توجيهاته النصية ، أحاديثه ، هذه منهج لنا .
﴿ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾
( سورة الحشر الآية : 7 )
التوجيه الثاني متعلق بمهمته الثانية أنه قدوة ، قال تعالى :
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾
( سورة الأحزاب )
أنا أتصور أن التبليغ سهل ، أما البطولة في التطبيق ، والآن الدعاة كُثر ، من هم الذين وفقهم الله ؟ الذين طبقوا في حياتهم ما قالوه للناس .
مرة زرت الشيخ الشعرواي ـ رحمه الله تعالى ـ سألته أن يقدم نصيحة للدعاة ، توقعت أن يتحدث طويلاً ، فإذا به يتكلم جملة واحدة ، قال : "ليحذر الداعية أن يراه المدعو على خلاف ما يدعو " ، تكفي هذه .
القدوة هي المهمة التي كانت أكبر سبب لانتشار هذا الدين العظيم :
مهمة النبي الثانية هي المهمة البطولية ، هي المهمة التي كانت أكبر سبب لانتشار هذا الدين ، كان قدوة ، ما قال شيئاً ما فعله ، ولا نهى عن شيء وفعله .
فلذلك كان مع أصحابه في سفر ، أرادوا أن يعالجوا شاةً ، فقال أحد أصحابه : يا رسول الله عليّ ذبحها ، وقال الثاني : عليّ سلخها ، وقال الثالث : وعليّ طبخها ، وقال عليه الصلاة والسلام : وعليّ جمع الحطب ، معقول ؟! سيد الأمة ، زعيم الأمة ، نبي الأمة ، رسول الله ، وقائد الجيش يساوي نفسه مع أخوانه تماماً ؟ .
بالمناسبة : دخل أعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم ، وتأمل بهم جميعاً وقال : أيكم محمد ؟ ولا ميزة إطلاقاً ، واحد من أصحابه ، يوجد روايتان ؛ الأولى تقول : قال له : أنا ، وفي رواية يقول أحد الصحابة : ذاك الوضيء .
فكان عليه الصلاة والسلام مع أصحابه ، قال : وأنا عليّ جمع الحطب ، هم لم يحتملوا ذلك ، هو سيدهم ، ونبيهم ، قال : يا رسول الله نكفيك ذلك ، قال : أعلم أنكم تكفونني ، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه ، هذا موقف .
ما الذي جعل الصحابة يلتفون حوله ؟ ما الذي جعلهم يفدونهم بأرواحهم ؟ ما الذي جعلهم يؤثرونه على كل شيء ؟ هذا الصحابي الذي أراد القرشيون قتله ، قال أبو سفيان : أتحب أن يكون محمد مكانك ؟ قال : والله ما أحب أن أكون في أهلي وولدي وعندي عافية الدنيا ونعيمها ، ويصاب رسول الله بشوكة .
وهذا درس للدعاة ، ولكل منصب قيادي للأب ، والأم ، والمعلم ، و مدير المستشفى ، ومدير المؤسسة ، أنت حينما تكون مع من حولك متواضعاً لهم يلتفون حولك .
فلذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال : "أعلم أنكم تكفونني ، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه" .
مهمة القدوة أعظم بكثير من مهمة التبليغ :
هناك ومضة أخرى : في بعض المعارك الصحابة كانوا ألفاً ، والرواحل ثلاثمئة، أعطى رسول الله أمراً لقائد الجيش ، قال : كل واحد على راحلة ، وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة ، سوى نفسه مع أقل جندي ، فركب الناقة في نوبته ، فلما جاء دوره في المشي توسلا صاحباه أن يبقى راكباً ، فقال عليه الصلاة والسلام ، والله هذه المقولة لا أرتوي من تردادها فقال عليه الصلاة والسلام : "ما أنتم بأقوى مني على السير ، ولا أنا بأغنى منكم عن الأجر".
حينما سوى نفسه مع أصحابه كواحد منهم فدوه بأرواحهم ، وهذا مذهب في القيادة ، إن أردت أن تكون قائداً ناجحاً سوي نفسك مع من حولك ، أما إذا أخذت ميزات كثيرة ولم تقدم للآخرين شيئاً فلن تنجح في القيادة .
لذلك النبي الكريم قال :
(( من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم))
[مسند أبي يعلى عن أبي هريرة]
وفي رواية :
(( مَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ ))
[مسلم عن أبي هريرة]
أما هو ماذا قال عن نفسه ؟ قال :
(( لو دعيت إلى كراع بالغميم لأجبت ))
[أخرجه الطبراني عن عبد الله بن عباس ]
في الغميم مكان بعيد في المدينة ، يمكن أبعد مكان في المدينة ، قال :
(( لو دعيت إلى كراع بالغميم لأجبت ))
هو حينما يأمرنا بمكارم الأخلاق ، بكل ما من شأنه أن يمتن العلاقة بين المؤمنين كان قدوة لنا ، لذلك أنا أرى أن مهمة القدوة أعظم بكثير من مهمة التبليغ .
الأستاذ جميل :
دكتور ، هنالك أسس كيف لنا أن ننمي هذه الأخوة ؟ وكيف نحافظ عليها إن وجدت ؟.
أكبر مفتاح لقلب الأخ أن تحسن إليه و تنصحه و تعينه على حلّ مشاكله :
الدكتور راتب :
أستاذ جميل ، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن بنود كثيرة جداً من شأنها أن تبعد العلاقة بين الأخوين ، أن تسيء العلاقة بينها ، بالمقابل أمرنا بأشياء كثيرة تنمي هذه العلاقة ، من هذه الأشياء ، ورد في الأثر :
(( يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم ، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها ))
[ورد في الأثر]
فأنت حينما تحسن لأخيك ليحبك ، وتفتح قلبه بإحسانك ، يفتح لك عقله لبيانك ، والإحسان قبل البيان ، والقدوة قبل الدعوة .
فهذا توجيه نبوي :
(( يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم ، فإن النفوس جبلت على حبّ من أحسن إليها ))
[ورد في الأثر]
أكبر مفتاح لقلب الأخ أن تحسن إليه ، أن تنصحه ، أن تقدم له هدية ، أن تعينه على حلّ مشكلة ، أن تقف معه في أزمته ، هذا الذي ينمي العلاقات ، هذا الذي ينشئ الحب بين المؤمنين ، الخدمة ، الإحسان ، الاهتمام .
إفشاء السلام وإطعام الطعام يقوي العلاقة بين المسلمين :
شيء آخر ، يقول النبي الكريم :
(( أَفْشُوا السلامَ ))
[أخرجه الترمذي عن عبد الله بن سلام ]
اجعل السلام شيئاً اعتيادياً ، لا تسلم على من تعرف ، سلم على من تعرف وعلى من لم تعرف .
(( أفْشُوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصَلُّوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنةَ بسلام ))
[أخرجه الترمذي عن عبد الله بن سلام ]
فإفشاء السلام ، وإطعام الطعام ، يقوي العلاقة ، أنا حتى أقول أحياناً إطعام الطعام ينمي العلاقة بين المؤمنين ، أنت حينما تجلب لهم الطعام ، ويأكلون ، تنشأ مودة زائدة عن المودة الطبيعية من خلال هذا الطعام .
شيء آخر :
﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ ﴾
( سورة النساء الآية : 86 )
فردوا السلام ، إذا كان إلقاء السلام سنة مؤكدة فرد السلام فرض ، فقال الله تعالى :
﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾
( سورة النساء الآية : 86 )
موضوع الإحسان ، موضوع الإكرام ، موضوع تلبية الدعوة ، موضوع أن تنصح أخوانك ، أن تكون معهم ، هذا كله موضوع أن ينمي العلاقة المؤمنين .
المؤمن الصادق لا يكره الآخر بل يكره عمله :
ورد في بعض الأحاديث : أن بعض الصحابة سأل النبي الكريم ، أي الإسلام خير ؟ فقال عليه الصلاة والسلام :
(( تُطعِمُ الطعامَ ، وتَقْرَأُ السلامَ على مَنْ عَرَفْتَ ومَنْ لم تَعرِف ))
[أخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]
نحن ألفنا أن نسلم على من نعرف ، أما هنا التوجيه على من عرفت ومن لم تعرف ، السلام يحمل معه المودة والطمأنينة ، تمشي في الطريق قل للذي تراه : السلام عليكم، وهذا السلام تحية الإسلام .
مرة عمير أراد أن يقتل محمداً عليه الصلاة والسلام ، فقال لصفوان : والله يا صفوان لولا ديون ركبتني ما أطيق سدادها ، ولولا أولاد أخشى عليهم العنت من بعدي ، لذهبت وقتلت محمداً وأرحتكم منه ، فقال صفوان : ديونك عليّ بلغت ما بلغت ، وأولادك أولادي ما امتد بهم العمر ، فاذهب وافعل ما تريد ، فسقى سيفه سماً ، وانطلق على راحلته إلى المدينة ، رآه عمر رضي الله عنه ، قال : هذا عدو الله جاء يريد شراً ، فأخذه إلى النبي وكتفه بحمالة سيفه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا عمر فك أسره ، أطلقه ، وابتعد عنه ، ادنُ مني يا عمير ، قال : سلم علينا ، قال : عمت صباحاً يا محمد ، قال : قل السلام عليكم ، قال : هذا سلامنا ، بمنتهى الغلظة ، فسأله النبي الكريم : ما الذي جاء بك إلينا ؟ قال له : والله جئت أفدي ابني ، قال له : وهذه السيف التي على عاتقك ؟ قال له : قاتلها الله من سيوف ، وهل نفعتنا يوم بدر ؟ قال له : ألم تقل لصفوان بن أمية كذا ، وكذا ، وكذا ، فوقف ، و قال : أشهد أنك رسول الله ، لأن هذا الذي بيني وبين صفوان لا يعلمه أحد إلا الله ، وأنت رسول الله ، وأسلم .
البطولة ، يقول سيدنا عمر : دخل عمير على رسول والخنزير أحبّ إليّ منه ، وخرج من عنده وهو أحبّ إليّ من بعض أخواني .
هذا ملمح دقيق جداً ، هذا المؤمن الصادق لا يكره الآخر ، يكره عمله فقط ، فإذا عاد إلى الله فهو أخي في الله .
الأستاذ جميل :
دخل في قوله :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾
( سورة الحجرات الآية : 12 )
دكتور هل هنالك من حقوق واجبة للمسلم على المسلم ؟ .
حقوق واجبة للمسلم على المسلم :
الدكتور راتب :
طبعاً ، الحقوق كثيرة جداً .
(( حقُّ المسلمِ على المسلم خمس : ردُّ السلام ، وعِيادةُ المريض ، واتِّباعُ الجنازة ، وإِجابةُ الدَّعْوَةِ ، وتشميتُ العاطس ))
[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة ]
وفي رواية :
(( وإذا استنصحك تنصحه ))
هناك حقوق ، فأنا حينما أعرف حقوق الأخوة عليّ ، وحقوقي عليهم ، هذا مجتمع متماسك ، الحقيقة هذه التوجيهات والله كل ما أتمناه أن تنقلب إلى واقع نعيشه نحن ، أي المجتمع الإسلامي ما شاء الله في تقدم علمي ، وحضاري ، ومساجد رائعة ، ومؤتمرات دقيقة، وكتب مؤلفة ، ومحاضرات ، وفضائيات ، نحتاج إلى الحب ، نحتاج إلى المودة التي كانت بين الصحابة ، أصحاب النبي الكريم كان بينهم من الحب ما لا يوصف ، كان أحدهم إذا افترق مع أخيه عقب صلاة العشاء يلتقي به مع صلاة الفجر ، يعانقه ، ويقول له : واشوقاه يا أخي ثلاث ساعات غاب عنه .
هذا كان الحب ، نحن بحاجة إلى حب ، والحب هو علامة الإيمان .
خاتمة و توديع :
الأستاذ جميل :
جزاكم الله خيراً فضيلة الدكتور وأحسن إليكم ، شكراً لكم أيها الأخوة على حسن المتابعة ، نترككم في رعاية الله وحفظه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والحمد لله رب العالمين
http://nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=2551&id=189&sid=799&ssid=808&sssid=838