الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة :

السلام عليكم ورحمة الله ، أيها الأخوة والأخوات أسعد الله أوقاتكم بكل خير ، وأهلاً بكم في حلقة جديدة في برنامج : "الإسلام منهج حياة".

ضيف البرنامج هو فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، الداعية الإسلامي ـ حفظه الله ـ أهلاً بكم فضيلة الدكتور .

الدكتور راتب :

بكم أستاذ جميل جزاك الله خيراً .

الأستاذ جميل :

دكتور ، جاءت الأوامر الإلهية نظاماً متكاملاً حتى شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم عمله وعمل الأنبياء من قبله كمثل رجل بنى داراً فأحسنها وجملها ، ما هو خط السير الذي وضع للإنسان حتى يسير عليه في حياته فيسعد ويكون من الراضين المرضيين ؟.

معرفة الله أصل في نجاح الإنسان :

الدكتور راتب :

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

أستاذ جميل كأنني أتمنى أن أوضح معالم هذا البرنامج ، وأبعاد هذا البرنامج فالذي انطلقنا منه أن هذا الإنسان أعقد آلة في الكون ، وتعقيده تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز ، ولهذه الآلة بالغة التعقيد صانع حكيم ، عليم ، عظيم ، ولهذا الصانع الحكيم العليم العظيم تعليمات التشغيل والصيانة ، فالإنسان انطلاقاً من حبه لذاته ، ومن حرصه على سلامته ، ومن رغبته في سعادته ، يطبق تعليمات هذا الصانع العظيم ، خالق السماوات والأرض رب العالمين .

لذلك انطلقنا في هذا البرنامج من أن علاقة الإنسان بربه تكون بمعرفته أولاً ، وبحمل نفسه على طاعته ثانياً ، وعبادته ثالثاً ، والتقرب إليه بالعمل الصالح رابعاً ، عندئذٍ تسلم هذه النفس وتسعد ، وتتصل نعم الدنيا بنعم الآخرة .

فلذلك أول فقرة ، أو لنسميها محطة ، أول محطة من محطات هذا البرنامج الذي أرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لتوضيح معانيه الدقيقة ، وأبعاده الطليقة ، أننا جعلنا المحطة الأولى في هذا البرنامج علاقة الإنسان بربه ، معرفة ، وعبادة ، وطاعة في التفاصيل وتقرباً إليه ، من أجل أن نسلم ونسعد ، لأن كل إنسان جبل على حبّ وجوده ، وعلى حبّ سلامة وجوده ، وعلى حبّ كمال وجوده ، وعلى حبّ استمرار وجوده ، نعرفه من آياته الكونية خلقه ، ومن آياته التكوينية أفعاله ، ومن آياته القرآنية كلامه ، أما المنهج فقد جاء في القرآن الكريم ، وبيّنه النبي المصطفى عليه أتم الصلاة والتسليم ، هذه المحطة الأولى .

فإنك إن عرفت الله عرفت كل شيء ، وإن غابت عنك معرفة الله غاب عنك كل شيء ، ولعل معرفة الله أصل في نجاح الإنسان ، إن كان هناك فصول في حياته فنجاحه في فصل معرفة الله أصل كل نجاح ، وسبب كل نجاح .

النجاح لا يكون نجاحاً إلا إذا كان شمولياً :

أما المحطة الثانية : أهله وأولاده أقرب الناس إليه .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ﴾

( سورة التحريم الآية : 6 )

كيف تكون العلاقة بالزوجة علاقة ناجحة ؟ علاقة حب ؟ علاقة وئام ؟ علاقة نصح ؟ علاقة تعاون ؟ علاقة تفاهم ؟ علاقة سلامة ؟ علاقة سعادة ؟ هناك منهج ، منهج من عند خالقنا ، لأنه خبير .

﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

( سورة فاطر )

وسوف نقف في محطة ثانية في العلاقة الزوجية متى تكون مسعدة ؟ متى تصحح؟ متى تعالج ؟ لأن الله سبحانه وتعالى يقول :

﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾

( سورة الروم الآية : 21 )

فالمودة والرحمة من خلق الله عز وجل ، وهذا هو الأصل ، فهناك أسباب للسعادة الزوجية ، وهناك أسباب للشقاء الزوجي ، وسوف نقف في المحطة الثانية ملياً إن شاء الله نتحدث عن أسباب السعادة ، وعن أسباب الشقاء ، نأخذ بأسباب السعادة ونبتعد عن أسباب الشقاء ، هذه المحطة الثانية .

في هذا البرنامج ننطلق قبل أن أتابع من أن النجاح لا يكون نجاحاً إلا إذا كان شمولياً ، أنا لا أصدق أن ينجح الإنسان في كسب ماله ولا ينجح في بيته ، أو أن ينجح في بيته ولا ينجح في عمله ، أو أن ينجح في بيته وعمله ولا ينجح مع صحته .

فالآن المنطلق الجديد في النجاح ، النجاح لا يكون نجاحاً إلا إذا كان شمولياً .

المحطات الكبرى في النجاح :

1 ـ علاقة الإنسان بربه :

بدأنا في المحطة الأولى في معرفة الله ، وطاعته ، وعبادته ، والتقرب إليه .

2 ـ علاقة الإنسان بأهله و أولاده :

ثنينا في المحطة الثانية علاقته بأهله وأولاده ، فالإنسان حينما يربي أولاده تربية إسلامية يسعد بهم ، ويسعدون به ، بل إن الله عز وجل يقول :

﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾

( سورة الطور الآية : 21 )

قال علماء التفسير :

﴿ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ﴾

أعمال ذريتهم ، كل أعمال ذراريهم إلى يوم القيامة في صحيفة الآباء والأمهات .

3 ـ علاقة الإنسان بعمله :

أما المحطة الثالثة : الإنسان له أهل ، له أقارب ، له جيران ، له أصدقاء ، له زملاء ، هناك عامة الناس كيف تكون العلاقة مع هؤلاء ناجحة ؟ كيف أسعد بمن حولي ؟ كيف يسعد بي من حولي ؟ هذه محطة ثالثة ، فضلاً عن محطته معرفته بالله وعنايته بأهله وأولاده ، الآن أن تكون علاقته طيبة مع من حوله .

(( إياكم وفساد ذات البين فإنها الحالقة ، حالقة الدين لا حالقة الشعر ))

[ من الجامع الصغير عن الزبير بن العوام ]

4 ـ علاقة الإنسان بمن حوله :

أما المحطة الرابعة : الحقيقة هذه المحطة قد تبدو بعيدة عن محور برنامجنا ولكنني أراها من أشد المحطات لصوقاً بالبرنامج .

مسلم يعيش العصر الحديث ، هناك حروب ، و اجتياحات ، و ظلم في العالم لا يعلمه إلا الله ، قال عليه الصلاة والسلام :

(( تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً ))

[ ابن ماجه عن عبد الله بلفظ قريب منه ]

يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ، ولا يستطيع أن يغير ، دول تُحتل ، ثروات تُنهب ، شباب يقتلون ، الدماء تسفك كل يوم بالمئات ، بالألوف ، المسلم كيف يفسر هذا ؟ لا بد من التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .

أنواع الجهاد :

ولا بد من أن يعلم علم اليقين ما الجهاد ؟ هناك جهاد نفسي ، جهاد النفس والهوى، وهناك جهاد دعوي :

﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾

( سورة الفرقان )

وهناك جهاد بنائي :

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾

( سورة الأنفال الآية : 60 )

وهناك جهاد قتالي ، إذاً في الموضوع الذي سميناه الشأن العام ، موضوع الجهاد، موضوع النصر ، موضوع التوحيد ، موضوع ـ قد يبدو العنوان غريباً ـ المستحيلات ، أي مستحيل وألف ألف مستحيل أن يسمح الله لأمة قوية ، جبارة ، طاغية ، أن تنجح خططها على المدى البعيد ، مستحيل وألف ألف مستحيل أن يتخلى الله عن عباده المؤمنين .

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾

( سورة الأنفال الآية : 36 )

هذه المحطة الرابعة .

5 ـ علاقة الإنسان بالشأن العام :

لكن المحطة الخامسة هذا الجهاد ، وذاك النصر ، يجب أن يتوج بالدعوة إلى الله، لأن الله عز وجل اختار هذه الأمة لتكون وسيطة بينه وبين عباده ، فكيف ندعو إلى الله ؟ ندعو بالقدوة قبل الدعوة ، وبالإحسان قبل البيان ، وبالأصول قبل الفروع ، وبمخاطبة القلب والعقل معاً ، ندعو إلى الله بالمضامين لا بالعناوين ، بالمبادئ لا بالأشخاص ، هناك قواعد رائعة سوف نفصلها إن شاء الله في محطتها : محطة الدعوة إلى الله .

ولكن هذا الإنسان يكسب رزقه من عمله ، فكيف ينجح في عمله ؟ كيف يسلم في عمله ؟ كيف يكون عمله عبادة ؟ بالمنطلق الأساسي عمل الإنسان الذي يرتزق به إن كان في الأصل مشروعاً ، وسلك به الطرق المشروعة ، وابتغى به كفاية نفسه وأهله ، وخدمة الناس، ولم يشغله عن عبادة أو عن واجب ، أصبح عبادة لله عز وجل .

لذلك قالوا : عادات المؤمن عبادات ، وعبادات المنافق سيئات ، هذه محطة سادسة العمل الذي ترتزق منه .

6 ـ علاقة الإنسان بصحته :

وأما المحطة السادسة محطة الصحة ، هناك الطب النفسي ، هناك الطب الطبيعي، وهناك الطب الوقائي ، وهناك الطب العلاجي ، لأن الإنسان مرتكز لنفسه ، والوقت وعاء عمله ، أن يمضي العمر لا طريح الفراش ، بل قائماً على قدميه ، وسائل الرياضة ، وتنظيم الغذاء والمتابعة للأمور الصحية ، هذه لا تطيل العمر في عقيدة المسلمين ، ولكنك تعيش هذا العمر نشيطاً ، معطاءً ، تستطيع أن تحقق ذاتك في هذا العمر .

فلذلك يمكن في هذه المحطة الأخيرة أن نتحدث ملياً عن الطب الطبيعي ، وبذل الجهد مع راحة النفس ، وكأن أجدادنا حياتهم كانت شاقة ، وكانوا يتمتعون بعلاقات إنسانية رائعة ، وهذا سبب صحتهم ، بينما أهل هذا الزمان راحة ما بعدها راحة ، كل شيء جاهز ، وشدة نفسية ما بعدها شدة .

ولعل مؤتمراً عقد في أوربا يؤكد أن الكسل العضلي ، والشدة النفسية ، وراء تفاقم أمراض العصر ، فنحن في محطة علاقتنا بالله جلّ جلاله ، ومحطة علاقتنا بأسرتنا وأولادنا ، ومحطة علاقتنا بمن حولنا ، ومحطة علاقتنا بالشأن العام ، ومحطة علاقتنا بأعمالنا التي نرتزق منها ، ومحطة أخيرة علاقتنا بصحتنا .

وهذا البرنامج بهذه الأبعاد وتلك المحطات أسأل الله سبحانه وتعالى أن نوفق لتوضيح دقائقه ، وجزئياته ، وبيان أبعاده .

خاتمة و توديع :

الأستاذ جميل :

إن شاء الله ، إذاً هي محاور ومحطات نسعى في هذا البرنامج إلى أن نلقي الضوء عليها مع فضيلتكم ، شكراً لكم فضيلة الدكتور ، شكراً لك أيها الأخوة على حسن المتابعة ، نترككم في أمان الله وحفظه .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

والحمد لله رب العالمين