بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته "وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ﴿١﴾وَطُورِ سِينِينَ﴿٢﴾وَهَـٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴿٣﴾لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴿٤﴾ سورة التين ويقول الله عز وجل: '' وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴿٧٠﴾'' سورة الإسراء.
عزة الإنسان واعتزازه بنفسه وعدم انسياقه أو قبوله للذل ،طبيعة وفطرة في كل الإنسان، يمارس بعض الناس أحيانا خلال تعاملهم مع الآخرين، أنواعا وأساليب يذلون فيها الناس، لأجل مثلا أن يعطوهم من أموالهم أو أن يعالجوهم أو يعلموهم، أو لأجل أن يتفضلوا عليهم بشيء، فيمارسون معهم أنواعا من الإذلال، ما حكم هذا الإذلال الذي يقع؟ كيف كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتعامل عندما يريد أن يحسن إلى أحد؟ ما هو الفرق بين العزة وبين الكبر والغرور؟ وبين الذل وبين التواضع؟ كل هذه الأشياء في الحقيقة تحتاج منا إلى نقاش، تحتاج إلى أمثلة ،تحتاج إلى ربطها بواقعنا اليوم، نناقشها اليوم بإذن الله تعالى في برنامجنا مسافرون ، لعلنا نحاول أن نوصل الرسالة إليكم واضحة جلية.
بين العزة والذل
سماحة الدكتور محمد العريفي : طبعا من الأشياء التي يتفق عليها جميع العقلاء أنه هناك أخلاق معينة كل الناس يحبونها ،وهناك أخلاق أخرى كل الناس يكرهونها، يعني مثلا كل الناس يحبون الابتسامة - كل الناس يحبون أنك تعطيهم هدية مثلا ، كل الناس في أشياء يتفقون عليها ، في أشياء يكرهونها مثل مثلا الإهانة ،الإذلال مثلا والكذب ونحوه ، هذه كلها أشياء يتفق الناس، سواء كان مسلما أو كافر، كبيرا أو صغيرا ، عاقلا أو مجنونا، غنيا أو فقيرا ،كلهم يتفقون على بغض هذه الأشياء .
النبي عليه الصلاة والسلام كان يحرص على أن لا يذل الآخرين، ويحرص أيضا أن الإنسان لا يذل نفسه ، أحيانا يا أخي أنت لا تريد أن تذل الإنسان، لكن هو يأتي ويذل نفسه لك، فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحذر من ذلك ، خذ مثلا يقولون أنه هناك ثلاث غرائز في كل إنسان: غريزة الأكل والشرب ،لازم أنه يأكل ويشرب سواء كان مسلما أو كافرا ، كبيرا أو صغيرا ، كلهم لازم أنهم يأكلون أو يشربون ، وغريزة الجنس، الرغبة في الجنس الأخر سواء كانت امرأة ترغب في الرجل أو رجل يرغب في المرأة ، والثالث غريزة الاعتزاز بالنفس لذلك تجد أنه أحيانا ربما حتى لو كان صغيرا يقول لك لا تضربني ، لا تبصق في وجهي لا تفعل ... يا أخي كأنه يقول لك احترمني، يا أخي أنا أسف أنا إنسان لابد إنك تحترمني وتعرف لي قدري، لذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحذر من أن يذل الإنسان نفسه.
مثال : حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه كان يأتي أحيانا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان النبي عليه الصلاة والسلام حريصا على أن يحفظ العزة عند الناس ،ولا يريد أحد يذل نفسه، فكان يقول حكيم يا رسول الله أعطيني نقودا وجاءه بعد أيام فأعطاه ثم جاءه في مرة ثالثة فأعطاه، ثم قال له: "يا حكيم إن هذا المال حلوة خضرة المال"،المال حلو كل شخص عندما يأتيه مال من دون تعب يقول الله... أحسن شيء، قال إن هذا المال حلوة خضرة فمن أخذه بإشراف نفس، يعني وجاء وأعطوني وأرجوكم والله يخليكم، يعني أذل نفسه لم يبارك له فيه، ومن يأخذه بعزة نفس، بتعبه وجهده بيع وشراء بورك له فيه، وفي حديث أخر قال النبي عليه الصلاة والسلام '' اليد العليا خير من اليد السفلى '' يعني إنك تكون أنت من تعطي أحسن من إنك تمد يدك للناس وتكون أنت الأسفل لا ،كن أنت الأعلى، قال: اليد العليا خير من اليد السفلى، هذا شيء من الأشياء، قال عليه الصلاة والسلام لما بايع الصحابة - تعرف انه لما يأتي ويبايع أناس إنهم يدخلون بالإسلام- معناه أن الجلسة التي هي جلسة البيعة سيختار فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهم الأشياء أهم الرسائل التي يرسلها إليهم ،يقول الصحابي: بايعنا رسول الله على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم ،يقول ثم أسر كلمة ، النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لهم: " بايعوني على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم" ثم في كلمة ذكرها بصوت منخفض لأنه يعلم أنهم قد لا يستطيعون أن يلتزموا بها، ما الذي قال؟ قال: '' وتبايعوني على أن لا تسألوا الناس شيئا '' لا تطلب من الناس شيء ممكن ، ليس كل مرة والله تعطيني القلم اكتب به، الله يسلمك يا أخي تعرف أحد بالمستشفى ممكن يدبرموضوعنا...، إيه نعم قال: يا أخي ممكن آخذ سيارتك كي أنهي بها مشوار ...،أحمد ممكن تعطيني جوالك اعمل به اتصال.... يا أخي لا تقعد أنت شحات للناس النبي عليه الصلاة والسلام يقول :'' على أن لا تسألوا'' كن عزيز يا أخي ، ''على أن لا تسألوا الناس شيئا '' وقال النبي لهؤلاء الصحابة، يقول الصحابي: لما قال النبي هذا الكلام لنا فبايعناه عليه، يقول: فلقد والله رأيت هؤلاء النفر- المجموعة- الذين بايعهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،أن لا يسألوا الناس شيئا والله إن أحدهم لا يكون على بعيره فيسقط سوطه- العصا التي معه تسقط على الأرض- وأنت تعلم البعير رفيع فأنت حتى تنزل من البعير يحتاج إنك تُنيخ البعير وتأخذ العصا و بعده تركب البعير وبعده البعير يبدأ يقوم مرة ثانية شغل طويل، البعير ليس مثل الحصان ، يقول الصحابي فو الله إن سوطه أو عصاه لا يسقط وهو فوق البعير والناس يمرون فلا يقول لأحد ناولني عصاي ،مع إنه سهل يقول لشخص لو سمحت ناولني العصا مثل مثلا لو أنا اكتب بالقلم ووقع وأقول ناصر انظر القلم عند رجلك أعطيني إياه ، لا، الله لا يذلني لك يا رجل ولا يجعلني أحتاج لك.
فالمقصود هؤلاء صار عندهم مثل هذا الاعتزاز بالنفس، ولماذا أطلب حاجتي، أنا أنزل وآخذ عصاي بنفسي،بل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما وصى الصحابة وصى الصحابة بأشياء وأعطاهم وصية تحفظهم أعزاء ، قال: '' وإياك مما يعتذر منه ،وإياك مما يعتذر منه '' كيف؟ يعني إياك و فعل شيء وفيما بعد تأتي وتعتذر ،مثلا أنا قال لي ناصر أنا اليوم أريد أن أراك يا شيخ الوقت الفلاني خلاص أصلي معك العشاء، قلت: خلاص، قال: أكيد لأن هذا الأمر فيه مشقة مشوار بعيد من البيت، أصلي معك موجود أنا عندي شك هل أنا موجود العشاء أم لا ،قلت أجل تجدني عند صلاة العشاء أصلي بالمسجد الذي بجوار بيتي، ثم بعد ذلك جاء ولم يجدني، فأخذت أعتذر: آسف يا ناصر وسامحني يا ناصر وجالس أذل نفسي من أجل يسامحني من البداية يا أخي لا تواعده ، أو مثلا شخص جاء واقترض مالا وبدأ يقول آسف ما قدرت أسددك يقول النبي أن الأشياء التي إنك تحتاج انك تبدأ تعتذر وسامحوني وأرجوكم وهذه المرة وخلاص الأشياء التي تحتاج تعتذر منها لا تفعلها منذ البداية وكن عزيز.
ناصر : وإذا عملت خطأ هل أيضا.....
سماحة الدكتور محمد العريفي: لا انظر إذا وقع الخطأ منك من دون قصد أو اضطررت إليه هذا يعتذر منه الناس، لكن أنا أقصد إنك لا تتعمد القيام بأشياء خطأ شخص مثلا عنده اختبارات ويعلم أنه إذا لم ينجح بالاختبار معناه أن أباه يبدأ يصرخ به، أنت لا تفهم نحن نصرف عليك مال حتى تنجح ، كيف تكون نظرة الناس لنا ... من البداية ما دام أنا أعلم أنه إذا رسبت بالاختبار أنه سيلحقني ذل، أجتهد وأكون عزيز يا أخي، هذا مثل لما أنا كنت أقول لطلابي أحيانا وأحيانا بعض الشباب الذي بالثانوي، التقي بهم يقولون يا شيخ أنت أين تدرس؟ أقول: والله يا ولدي أنا أدرس بجامعة الملك سعود، يقول عادي يا شيخ لا تنسانا نريدك أن تتوسط لنا إذا انهينا الثانوية وكذا وجئنا إليك ندرس عندك بالجامعة، أقول له كلمة واحدة ،أقول له: نعم يا ولدي لكن أريدك إذا جئتني بشهادتك للسنة الثالثة ثانوي تأتيني وأنت رافع راسك، إذا قلت لك كم معدلك كم نسبتك؟ لا تقول لي 67 ، لا ،أريدك تقولي 99 أو 98 وأنت عزيز لا تأتيني وأنت ذليل، هذا ما معنى كلام النبي صلى الله عليه وسلم : '' إياكم ومما يعتذر منه '' بدل ما تقول يا شيخ ما عليه أنا نسبتي 67 لكن والله صار لنا ظروف وأبي دائما عنده ولائم بالبيت ، دعني من الأعذار.
ناصر : شغل الواسطات بين قوسين .
سماحة الدكتور محمد العريفي: هذه القضية لذلك كلما صار الشخص له عزه وابتعد عن الأشياء التي تذله وفق إلى هذا الحديث ،خذ مثلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضا دخل المسجد يوما فرأى رجلا يتعبد يصلي، شخص يحب الصلاة جزاه الله خير يصلي ودخل بعدها بوقت فإذا الرجل يصلي، ودخل بعدها بوقت فإذا هو يصلي يا جماعة هذا من يؤكله ويشربه ؟فقال عليه السلام: من هذا ؟ قالوا: هذا فلان يا رسول الله، والصحابة معجبين بعبادته ، فقال صلى الله عليه وسلم :طيب هذا من ينفق عليه ؟قالوا أخوه ينفق عليه يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام :أخوه خير منه ، ما دام هو يذل لأخيه ، أرسل لي غدائي... أرسل إلي عشائي... والله ثيابي قديمة اشتري لي ثوب وأرسله لي، ما دام إنه يحتاج إلى أن يذل لأخيه، أخوه خير منه مع إنه على عبادة لكن أخوه خير منه ،هذا هو حفظ الإنسان لعزة نفسه ، عزة نفسه أنه في وظيفته يصبح أحسن واحد والله ما يبدأ يقول آسف أنا والله لم افهم أنا أخطأت لأني كتبت بسرعة، لا خليك عزيز وإياك مما يعتذر منه الأشياء .
أحمد : هناك شباب سبحان الله تجده بعد التخرج من الثانوية لا يريد أن يتوظف مادام والدي موجود و الحمد لله الأمور متيسرة خلاص اعتمد على أموال والدي واجلس بالبيت.
سماحة الدكتور محمد العريفي: أحسنت وهذه أيضا مشكلة، هذه يا أخي من إذلال النفس للآخرين، والأصل أن يكون عندك عزة أنت من تأتي للبيت بالطعام والشراب ليس تأتي مثل الإنسان العاجز الجالس أكلوني وشربوني ولبسوني ،ويا أبي أعطيني اشتري حذاء أعطيني بالله شحن رصيد عشرة ريال يا أبي أرجوك انهي مكالمة .
ناصر : لكن والده هو ملزم به.
سماحة الدكتور محمد العريفي:ما هي مشكلة ،لكن إذا كان كبير المفروض يعتمد على نفسه، أنت الآن ترضى أن أبوك يكد عليك وينفق عليك ؟يصلحك ويعدلك و...
سماحة الدكتور محمد العريفي: لكن أعني أن الشخص يدبر نفسه وهذا كلام كنت أقوله لبعض الشباب، أنا يعني التقيت قبل كم يوم بشخص بالمناسبة يعني كنت في المطار ،وجاء وسلم علي وكيف الحال أبو عبد الرحمن، فأنا لا أذكره، أحيانا يأتي بعض الناس يسلم عليك بأسلوب، إنه يعرفك من زمان وأنت ما تذكره أنا أعطيته حقه من الترحيب ومرحبا أهلا كيف حالك وما اذكر اسمه، وبعد ذلك قال لي: شكلك لم تعرفني، قلت والله يا أخي الله يحييك ويا مرحبا الوجه الطيب لكن والله يا أخي أقابل ناس كثير ما أذكرك بصراحة، فقال لي طيب يا شيخ: أنت كنت تأتي عندي بالمحل وتشتري قبل 15 سنة ، يا أخي والله لو رأسي كمبيوتر قلت والله يا أخي ما أذكرك قبل 15 سنة قال نعم أنت كنت ساكن بالحي الفلاني قلت نعم صح قبل 15 سنة كنت بالحي الفلاني ، قال لي وأنا كنت صاحب محل خضار ، محل بسيط،خضار يبيع كوسة وطماطم و.. يقول كنت تأتي وتشتري مني ، أنا يعني أتذكر شخص صاحب محل، ويقول كنت تضحك وتمزح معي قلت الحمد لله ،الشاهد قلت له: الآن ما أخبارك؟ أنا أعرف أنه صاحب محل خضار بسيط يعني هو لم يعتمد على أبيه بالمناسبة وهذه لا دخل لها بالموضوع لكن بمناسبة الشخص أبوه يكد عليه أو كده، محل خضار معناه إنه يشتري بالجملة مثلا 20 كرتون كوسة مثلا يشتري بريالين ويبيع مثلا بخمسة ريال ومحل يعني بسيط لم يكن عنده سوبر ماركيت كبيرة تذكرته، فقال لي: والله يا شيخ ، فقلت له الحين ما أخبارك؟ هل توظفت؟ بوظيفة رسمية أو لا، قال: لا والله أبشرك الحمد لله المحل وفقت فيه وبعده فتحت محل ثاني معه وبعده الحمد لله أصبح عندي رأس مال اشتريت أرض وبعده بعتها وبعده، أنا الآن تاجر عقار ،قلت: ما شاء الله الآن تاجر عقار ظننت إنه اليوم عنده خمسمائة ألف ستمائة ألف قال أنا أبشرك أملك مجمع صناعي في مدينة كذا قيمته 35 مليون إيه والله يقول وأنا مؤجر هذا الموقع مجموع الإيجار آت للورش مليونين وثمانمائة ألف .
سماحة الدكتور محمد العريفي: قلت يا مرحبا أنا أعرفك يا أخي من زمان سبحان الله العظيم
سماحة الدكتور محمد العريفى : أنا أعني فقط أن الشخص ما يذل نفسه ،انظر هذا لما لم يكن عنده وظيفة، لم يجلس الرجل يقول: دبروا لي وظيفة ويدور بالملف ،وأرجوكم وأنا ما أفعل وأنا تخرجت أنا معي كدا لا، الرجل لما رأى باب الوظيفة مسدود وباب كذا مسدود، فرأى باب مفتوحا وأقبل عليه فوفق فيه، فهذا الذي يجعل الإنسان يعز نفسه ويكون له قيمته .
عبد العزيز : تعتقد يا شيخ هذه من النشأة داخل البيت أو المجتمع الذي يعيش فيه، من إمكانه أن يكون عزيز نفس أو يذل نفسه .
سماحة الدكتور محمد العريفي: هو بلا شك تعامل الناس معك ، تعامل الأبوين مع أبنائهما هذا أيضا يجعل ينشأ الولد على العزة لذلك يا أخي سبحان الله تعامل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه كان يشعرهم بالعزة والاعتزاز بالنفس وإنكم كما قال الله تعالى لموسى: "قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ "﴿طه ٦٨﴾ أنت عزيز "وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ " (المنافقون8) يعني إنه عندك عزة.
لذلك لما جاء جابر من الشام سلم على النبي ثم سجد له فقال النبي ما هذا يا جابر ؟!!يعني غريبة إنك تسجد ما هذا يا جابر ؟!!قال يا رسول الله رأيتهم في الشام يسجدون لملوكهم وأنت أحسن والله من أولئك الملوك ،فسجدت لك، فقال صلى الله عليه وسلم :"لا يا جابر، لا تذل نفسك لبشر ،لا يا جابر لو كنت أمرا احد يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" لا تسجد يا جابر، كن عزيز لا تسجد.
عكرمة ابن أبي جهل جاء النبي وفتح مكة ،عكرمة لما علم بقدوم المسلمين هرب من مكة كلها يركب البحر ويذهب لإفريقيا يذهب للحبشة ويذهب ... خرجت ورائه امرأته وأدركته في جدة قبل أن يركب البحر حاولت فيه وأرجعته - في جدة- جدة نعم مكة وجدة كانت معروفة منذ القدم ،فجاءت وأعادته من جدة فلما علم النبي أن عكرمة ابن أبي جهل طبعا أبو جهل فرعون هذه الأمة هو الذي حارب الإسلام وضيق على المسلمين ، فلما أقبل عكرمة قال النبي عليه الصلاة والسلام – انظر يا أخي حفظ العزة عند الإنسان وعدم إذلاله- قال : '' إنه يأتيكم عكرمة فإذا جاء فلا تسبوا أباه'' ، لا أسمع شخص منكم يقول الله يلعن أبى جهل ، لا ، أبو جهل يستحق إنه يلعن لكن لا تسبوه احتراما لابنه قال :"لا تسبوا أباه فان سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت" - يقول أنتم لو تسبون أبى جهل من اليوم للغد لن يدري عنكم ، أبو جهل في قبره والله ما يدرى عنكم لكن الذي يتأذى هو عكرمة، قال: لا تسبوا أبى جهل لا تسبوا أباه ،حتى يبقى عكرمة عزيز ،حتى لا يأتي عكرمة ويقول: آسف والله أبي لم يكن مضبوطا أنا ماذا أعمل ، لا تذلونه لا تعرضونه لهذا الموقف المحرج ، بل النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القيام على رؤوس الملوك ،لأنه مرة النبي كان جالسا وإذا بعض أصحابه قائمين عنده ،قال:'' اجلسوا لا تقوموا كما تقوم الأعاجم عند ملوكها" لا اجلسوا ، أنا بشر مثلكم وأنتم بشر.
ناصر : لكن بعضهم للحراسة .
سماحة الدكتور محمد العريفي: يعني إذا الحراسة انظر إذا قام لأجل سبب معين حراسة أو هناك حر واحد يمسك مروحة عادي لكن كونه يقول إنك لا تستحق أن تجلس وأنا قائم هذا الذي فيه الكلام.
ناصر: حتى لا يجوز وأنا جالس، يأتي شخص و أنا جالس في مكاني أني أقوم وهو يجلس في مكاني.
سماحة الدكتور محمد العريفي: أحسنت، إلا إذا كان قمت أنت باختيارك إكراما واحتراما له ، لكن إنه يقول: قم ويأتي ويجلس مكانك ، لا بل حتى لا يجوز شخص بالصف الأول بالمسجد ويأتي شخص ويقول ارجع وتعال يا طويل العمر في الأمام
ناصر : في المسجد مثلا يقول أنت صغير ارجع ودع شخص شايب كبير يجلس .
سماحة الدكتور محمد العريفي: أحسنت ،الأصل أن يبتعد عن هذا تماما.
عبد العزيز: إذا فعلها أبي معي وقال لي قم !
سماحة الدكتور محمد العريفي: يعني أنت ومالك لأبيك والمفروض الشخص أن يكون عنده ذوق يا أخي ،يعني أنت مثلا جالس بمجلس وجاء شخص كبير بالسن أو له هيئته أو له مقامه فمن البداية أنت احترمه وأتفضل هنا يا فلان ، أما أن الشخص يجلس وكذا ، أيضا أنا عندي هنا لفتة بسيطة دائما إذا جئت إلى مجلس وأنت تعلم أنه سيأتي إلى هذا المجلس من هو أكثر عند الناس وجاهة ،أو أكبر سنا، أو أكبر علما ، أنت من البداية اختر المكان المناسب لك ،اجلس يمين ولا تجلس في الصدر حتى ما تحتاج إنه إذا جاء يقال لك قم ،والله أحيانا يا جماعة يعني أنا أتحدث عن شيء يقع لي أحيانا ادخل على بعض كبار المسئولين ، مثلا في شيء معين ثم يقول تفضل، تفضل يا شيخ هنا بجانبي ، أنا أعلم إني لو جلست بجانبه، بعد قليل يكون مثلا اجتماع مع العلماء مثلا، بعد قليل يأتي مثلا سماحة المفتي وسأضطر إني أقوم ويجلس المفتي مكاني لأنه هو من يجلس بجوار المسئول فأنا من البداية أحفظ كرامتي لأني لو إني جلست ثم قمت لأجل المفتي أتورط لا وجود لمكان ،فأنا من البداية أقول الله يسلمك هنا قريب يقول تعال بجواري، الله يسلمك ،الله يسلمك واجلس بعيد في مكان محدد أعلم أنه يمتلئ بما هو قبل حتى الشخص لا يذل نفسه أيضا .
انظر كيف كان النبي حتى إذا أراد أن يحسن إلى الآخرين، لم يكن يذلهم حتى يحسن إليهم، خذ مثالا لطيفا على ذلك: رجع النبي مرة من سفرة من السفرات، فكان أحيانا يرجع في أخر الجيش،ويجعل الجيش يمشي أمامه ،حتى إذا كان هناك شخص ضعيف أو أحد لا يمشي يساعده فكان جابر رضي الله تعالى عنه على جمل ضعيف يمشي تارة ويقف تارة فالنبي صلى الله عليه وسلم قال يا جابر امشي قال: يا رسول الله هذا الجمل والله أتعبني، فقال له النبي: ناولني عصا من شجرة فأعطاه عصا فجاء النبي وأخذ العصا ودعا الله وضرب الجمل وانطلق الجمل ما شاء الله يمشي فركبه جابر وفرحان جابر الجمل بدأ يمشي فقال النبي لجابر يا جابر :هل تزوجت؟ قال: نعم يا رسول الله تزوجت ،قال: ما شاء الله بكرا أم ثيبا؟ - جابر شباب عمره 21 سنة – قال: بل ثيبا فالنبي عليه الصلاة والسلام تعجب! أنت يا جابر أول مرة تتزوج وتتزوج امرأة كبيرة في السن ومطلقة أو متوفى زوجها أو كذا فقال له عليه الصلاة والسلام: هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك، قال : يا رسول الله إن أبي توفي استشهد في معركة أحد وترك عندي تسع أخوات بنات أنا الراعي الوحيد لهم فكرهت إني أتزوج بنت مثلهن وتكثر المشاكل فتزوجت واحدة كبيرة في السن حتى تكون أمهم، انظر ضحى بمتعته من أجلهم، النبي صلى الله عليه وسلم سكت ثم مشوا ثم أراد أن يلاطف جابر قال: يا جابر، قال: نعم، قال: لعلنا إذا اقتربنا من المدينة أن ننزل في سرار - سرار موقع قبل المدينة بقليل- أن ننزل في سرار فتسمع زوجتك بنا وأنت عريس لا تزال فتفرش الفراش وتجعل عليه النمارق - النمارق الوسائد- يعني يقول حتى لو كنت متزوج امرأة كبيرة ترى زوجتك تجهز الفراش وتحط الوسائد وتفرح، فقال جابر : نمارق يا رسول الله ،والله ما عندنا نمارق والله ما عندي وسائد في البيت، أنا من شدة فقري حتى وسادة ما عندنا وسادة ، سكت النبي عليه الصلاة والسلام ثم أراد أن يحسن إلى جابر ، لكن لم يخرج المال وقال خذ يا جابر هذه صدقة ، مساعدة لا ، انظر الأسلوب حتى لا يذله به، حتى أنت يا أخي عندما تريد أن تتصدق على فقير فرضا عندكم مثلا في مطعم أحيانا يبقى بقايا طعام نظيف، شباب طلبوا أكثر من اللازم فتقول أعطيه لنا نأخذه سفري يعني نأخذه معنا تيك أواي، يعني أيضا أنت عندما تهيئه لتعطيه الفقير هيئه يا أخي بأسلوب جميل حتى ابنك لما مثلا في رمضان في بعض الناس يعطون مثلا بعض الفقراء عند الباب طعام يعطونهم طعام عند المغرب أعطه يا أخي بأسلوب مناسب ، ضعه في طبق ضعه في صحن ضع معه عصير ، احترمه يا أخي ،لا تقول في نفسك يا أخي هذا اخلط له الرز مع المكرونة ، تضعه في كيس كده وارميه عليه، حتى وأنت تتصدق علي تصدق علي باحترام يا أخي لا تذلني .
انظر هنا النبي أراد أن يحسن إلى جابر فقال له – ما هو الأسلوب ، كيف نعطيه النقود – فقال يا جابر قال لبيك يا رسول الله ، قال: هل تبيعني جملك؟ قال: أبيعك جملي ! قال: يا رسول الله ما عندي إلا هذا الجمل ، هذا الذي نسافر عليه و نجاهد عليه وننقل عليه الحطب أنا ما عندي إلا هذا الجمل ، بعني ! قال هيا طالما رسول الله أقول لك لا! ،قال: بكم تشتري؟ قال: بدرهم، قال: جمل بدرهم ، تغبنني يا رسول الله والله تظلمني بيع وشراء لا لكن جمل بدرهم قال بدرهمين - النبي يريد أن يوسع صدر جابر ،ويمزح معه- قال ثلاث قال لا يسوى أكثر، أربع، لا عشرة ، قال هل بعت بعشرة؟قال لا يا رسول الله لا قيمته أكثر ، الآن يمشي لو بعته في السوق أبيعه بأكثر من ذلك ، فلازال به حتى وصل إلى أربعين درهما يعني أوقية من ذهب قال نعم لكن اشترط عليك يا رسول الله أن أظل عليه إلى أن نصل إلى المدينة لا تطلب مني أنزل وأكمل مشيا، قال :طيب وبقي جابر عليه إلى أن وصلوا المدينة فلما وصلوا مضى جابر وأنزل متعاه وجاء الجمل للنبي ما أنا بعت الجمل خلاص وأعطى النبي جمله وربط النبي الجمل قال يا بلال اربط الجمل في النخلة ثم قال خذ يا بلال أعطي جابر هذا المال فأعطى جابر أربعين درهما ، ثروة حلوة مضى جابر بالمال هذا أشتري به نمارق أو أشتري ملابس لأخواتي أو أشتري جمل آخر فإذا النبي يقول يا بلال خذ الجمل وأعطه جابرا وقل له المال والجمل لك فأخذه ومضى به فلما جاء بلال وقال خذ الجمل قال كيف هل البيعة ألغيت؟ فرجعه !
قال يا رسول الله لا تريد الجمل؟ قال بل المال والجمل لك ثم قال: '' يا جابر أتراني'' – هل تتوقع – ''أتراني ماكستك ''– يعني فاصلتك في السعر نزل نزل – ''أتراني ماكستك لأخذ جملك'' – كأنه يقول أنا قصدي إني أعطيك المال هدية وأقول لك خذ درهم يا رجل وأنت تقول لا زودني ودرهمين تقول زودني ، فانظر يا أخي سبحان الله النبي - طبعا جابر أخذ المال والجمل – النبي عليه الصلاة والسلام وهو يحسن للفقير بطريقة حلوة يعني ما أذله يعني لم يقل له هيا يا جابر أنت مجاهد وأبوك مجاهد خذ.
ناصر : يوجد هنا بعض الوظائف في جميع دول العالم مثلا في العسكرية يكون فيها مثلا في البداية عند دخولك للدورة أو التدريب ، فيها نوع من المذلة.
سماحة الدكتور محمد العريفي: انظر طبعا إذا كانت لأجل التدريب على العسكرية التدريب على الطاعة والتدريب على الوقوف بالشمس والتدريب على سماع الأوامر هذا لا بأس فيه لكن إذا كان فيه نوع من الإذلال مثلا بعضهم يقول مثلا امسح حذائي الآن، صلح كذا ،اجلس على كذا ،لا يا أخي النبي يقول لا ينبغي لأحدكم أن يذل نفسه، لا تذل نفسك كن عزيز ، أنا لا أدعو لعصيان عسكري وبعده تورطني تعرف الآن عصر ثورات ... عموما ترى كثير من البروتوكولات هذه العسكرية لم تؤخذ من الإسلام ولم تؤخذ من الطبائع العربية ، أكثرها أخذت من الثورات الفرنسية ومن غيرها وبالتالي هي بقايا من أحكام بشرية ليست أحكام شرعية .
اسأل الله أن يوفقنا ، واسأل الله أن لا يذلنا ويديم عزنا بإذن الله تعالى أيها الأحبة هي رسالة أنا حرصت أن أوصلها إلى إخوتي وأخواتي يعني أول شيء الاعتزاز بالنفس وعدم إذلالها قدر المستطاع الأمر الثاني عدم ممارسة الإذلال للناس حتى عند الصدقة عليهم حتى من فضلت عليه بمال فضلت عليه بنسب بجاه بصورة حسنة تحاول أن لا تذله بل من تواضع لله رفعه ، اسأل الله أن يوفقنا وإياكم لأحسن الأقوال والأعمال اللهم اهدنا لأحسن الأقوال والأعمال والأخلاق لا يهدينا إلى أحسنها إلا أنت اللهم واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت بارك الله فيكم والى لقاء أخر، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .