بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
مقدمة : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، في عام سبعة عشر من الهجرة وقع ما يسمى بعام الرمادة ،جوع شديد ،حاجة شديدة، نزح الناس إلى المدينة حتى صار عدد سكانها بالآلاف ،كيف تعامل عمر رضي الله عنه مع هذه الأزمة؟ ما يسمى اليوم بفن إدارة الأزمات، كيف تعامل عمر رضي الله عنه مع هذه الأزمة؟ كيف كان يتعامل مع الأموال؟ هل حرص على أن يشبع هو ومن حوله حتى لو جرى بمن حوله الطوفان؟ كيف كان يتعامل مع الأموال التي تأتيه من خارج المدينة ؟كيف تعامل مع نفسه و مع أولاده ؟ هذه المجاعة التي وقعت مباشرة على الناس، كيف تم التعامل معها؟ تعالوا اليوم نتحدث عن ذلك في برنامجنا مسافرون.
ومن يعي التاريخ في صدره *** يزيد أعمارا إلى عمره
عام الرمادة
سماحة الدكتور محمد العريفي : طبعا النظر في التاريخ والتأمل في أحداث التاريخ يزيد الإنسان خبرة ، أنت بدل ما تبدأ تجمع خبرات الحياة، كما يقال: إن الخبرة هو مشط تُهديه إليك الحياة بعد ما يتساقط شعرك، فتضطر إلى أنك تمشط به شعور الناس لو كنت مخلصا أو ترميه، فكذلك أحيانا الجلوس مع الناس الذين لهم خبرة وتجربة في الحياة ، مثلا أنت تريد الزواج فجئت إلى شخص متزوج مند 30 سنة أو 40 سنة ،وقلت له: أعطيني توجيهات ، أعطني الأشياء التي فعلتها وندمت أنك فعلتها، والأشياء التي فعلتها وسررت أنك فعلتها، أعطيني توجيهات، حتى ما اضطر أنا أني أقع في نفس الأخطاء ثم أتعلم من جديد.
النظر في التاريخ ،وسبحان الله، وأنا حُبب لي القراءة في التاريخ كثيرا ، يعطيك خبرات أشخاص ربما لو أردت أن تشتري هذه الخبرات بمال ما استطعت، فعلا خبرات أشخاص تعاملوا مع زوجاتهم، مع أولادهم ، خبرات محاربين كبار، خبرات جيوش إسلامية،خبرات حكماء وعلماء كيف تعاملوا مع الأزمات عندهم ؟ كيف تعاملوا أحيانا لما يتردد الكلام بينه وبين إنسان ؟القراءة في المناظرات أيضا تعطيك سعة أفق كيف يكون عندي بديهة سريعة في الرد وكيف عندي تفكير سريع ونحو ذلك .
نحن اليوم مع أزمة من الأزمات، الآن تقام دورات تدريبية في فنون الإلقاء، فنون التفاوض، فنون الحوار، هناك دورات تدريبية تقام اليوم في فن إدارة الأزمات ،مثلا فرضا السيول التي تقع في بعض البلدان، لا نعلم إنه يأتي سيل الصبح عادي الناس متوجهة إلى مدارسها و عملها، وفجأة سيل وسيارات تجري بها الطرقات، هذه أزمة كيف تتعامل معها بسرعة؟ هذا يحتاج إلى إدارة يحتاج إلى فن ، إنسان فرضا فجأة وقع حريق في مستودعات كبيرة وهذه المستودعات بها الأطعمة الخاصة بنصف السوق مثلا أرز أو طحين أو غيره ، فارتفع السعر فجأة طيب أنت أيها الحاكم هذه الأزمة التي نزلت فجأة ، كيف تتعامل معها ؟ وقع جرب أو حرب مفاجئة في بلد أخر ثم نصف هذا البلد نزحوا حتى نزلوا عندك ،مثل ما وقع قبل فترة لما وقع ما وقع في سوريا فنزح كثيرا من إخوتنا من جراء ما وقع عليهم من ظلم بسوريا والحرب وسكنوا بتركيا نزلوا ضيوفا بهم ،طيب هذه الآلاف التي جاءت هل عندك قدرة على أن تدير هذه الأزمات وتتعامل معها ؟
النبي عليه الصلاة والسلام وقعت في عهده عدد من الأزمات وأحسن إدارتها ، لكن لن نتكلم عن ما وقع في عهده صلى الله عليه وسلم، فإننا نتكلم عنه مرارا حتى أوصلنا الفكرة من خلاله تعالوا نتكلم عن حدث وقع في عام السابع عشر للهجرة الموافق لعام 596 للميلاد في هذا العام انقطع المطر وأجدبت الأرض ، في عهد عمر رضي الله عنه ، وصارت الآبار تحفر ويعمقوا أكثر ما يستطيعون فلا يجدون ماء ،فماتت الزروع وبدأت الدواب التي عندهم تموت أيضا، قحط شديد، حتى أن الرجل يذبح الشاة ليأكلها هو وعياله من شدة الجوع، فإذا رأى هزالها وسلخ منها الجلد، ورأى العظم والهزال واللحم أسود من شدة الجوع الذي أصاب الشاة تطيب نفسه عنها وتعافها ويرميها للكلاب، حتى اللحم لم يستطيعوا أن يأكلوه عافته أنفسهم من شدة الجهد و الجوع الذي وقع عندهم ، من شدة ما وقع أيضا لأنه سمي عام الرمادة ،قيل لأن الناس من شدة الجوع والغبار وغيره سمُرت أجسادهم حتى صارت ألوانهم كلون الرماد، قيل لأنه من شدة الجهد والغبار والشمس أصبحوا يرفعون أبصارهم فيرون كأن السماء مليئة بالرماد ، وقيل لأن الأرض أصبحت جدباء،والعشب احترق حتى أصبح كأنك تمشي على رماد، بدل ما تمشي على أخضر تمشي على رماد، هذا من شدة ما أصابهم ، قالوا حتى بدأ الناس ينزحون إلى المدينة، يقتربون من عمر، قالوا دبرنا يا عمر نموت من الجوع بالبر ،وإلا كانوا في السابق هذه قبيلة كذا وهذه قبيلة كذا ، عندهم دوابهم، عندهم غنمهم، عندهم بئر ،وعندهم زراعة وبالتالي المدينة فيها مثلا عشرة ألاف أو خمسة عشر ألفا ،هنا في قبيلة مثلا فيها عشرة ألاف، و هناك بلد أخر فيه خمسة ألاف وهنا بلد فيه ثلاثة ألاف ، فتجمع هؤلاء حتى نزح إلى المدينة أكثر من ستين ألفا، وجاء الناس إلى المدينة عند عمر رضي الله عنه ، عمر كيف تعامل مع هذه الأزمة ؟ هل قال دبروا أنفسكم ألا ترون الوضع سيء ،أهم شيء أنا ملئت بيتي بالدقيق والطحين والتمر ، أهم شيء أنا وأولادي والخدم الذين عندي نأكل ونشرب ، الناس أنتم تحت رحمة الله هل انزل المطر بالغصب؟!! ، لا يشعر عمر أني أنا مسئول عنهم، لا يشعر أني أنا ما دام الرئيس على الدولة معناه أنا أهم شيء أبقى حي وحاشيتي، كما أن الناس مطالبون بأن يسعوا للدولة ويبحثوا عما يغنيها، كذلك أنا مسئول عنكم ، أو يا أخي أترككم ويأتي أمير أخر بدلا مني.
لذلك ابن تيمية رحمه الله لما أقبل التتار وغزوا الشام ، مضى شيخ الإسلام إلى أمير الشام في وقتها وقال له اسمع أيها الأمير – انظر الكلام الساخن- إما أن تجيش الجيوش وتحمي الشام، وإلا فانزع عن نفسك الإمارة، ونولي نحن شخصا أخر يفعل ذلك، نحن إنما وضعناك أميرا على الشام لسبب واحد ، إنك تحمي البلد وتصبح أنت المدير عليها ، إذا أنت ليس عندك استعداد تفعل ذلك، من الآن بالله عليك انزع نفسك من الولاية وتقاعد ونعين أخر بدلا منك، ومع الأسف يا جماعة ترى هذا موجود بالغرب أكثر من عندنا ، بالغرب لما يأتي واحد سيبحث عن الانتخاب لينتخبوه يعطيهم وعودا معينة فانتخبوني وأنا مستعد أن أفعل كذا وأن أقضي على البطالة في غضون كذا وخلال كذا ...، أشياء معينة يعدهم بها ، إذا لم يوفي بها يصح للناس أن يشتكوه بالمحكمة وينزعوه يقولون أنت تعهدت خلال ستة أشهر أن تقضي على البطالة أن تقضي على المستنقعات المسيئة في البلد التي يخرج منها البعوض ، أن تقضي على السرقات أن تقضي على كذا ، إذا أنت ما عندك استعداد تقوم بذلك فمن الآن ننزعك من هذا المكان ونعين غيرك ، وهذا هو العدل يا أخي.
فعمر رضي الله عنه كان يشعر إذا أنا ما أستطيع أن أقوم بالأمارة فأنا مباشرة أترك هذه الأمارة ويولى غيري ، جعل عمر رضي الله عنه جعل يأخذ من بيت المال ويطعم الناس بنفسه، وعين أشخاصا حتى يضبطوا الطعام ، لم يقل للناس أوزع عليكم الدقيق و أوزع عليكم التمر الموجود، لأنه قد يوزع عليهم ثم يأتي شخص والله أكلناه في يوم واحد كنا جائعين، لا ,يعطيهم البلغة من الطعام الذي يبقيك حي ، ليس من اللازم أن تشبع حتى تسمن، لا نعطيك البلغم من الطعام، النبي عليه الصلاة والسلام يقول : '' من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، احتجب الله عنه دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة ''
ومع الآسف اليوم كثير ممن يتولون الولايات على الناس، يحتجبون دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، وتجد الناس في جوع وفي شغف وفي حاجة وفي مرض ،والشخص لا يجد ربما سرير بالمستشفى حتى يعالج فيه، وهذا إذا دخل المستشفى فإذا هو جناح كامل وربما يستأجر في مكان واسع أكثر مما يحتاج هو إليه.
عمر أول شيء جعل يأخذ من بيت المال وينفق على الناس،وكان في كل خطبة يدعو الله تعالى ويبكي، ويبكي الناس، يقول عنه عبد الله بن عمر: رأيت أبي يوما خرج من صلاة العشاء قال فدخل إلى بيته فكبر يصلي، قال وأخذ يبكي ويقول اللهم لا تهلك أمتك بسببي- يظن إنهم معاقبين بسببه- اللهم لا تهلك الناس بسببي اللهم لا تهلك الناس، انظر أول شيء البذل بالارتباط بأسباب السماء، ثم خرج عمر بالناس يستسقي، يصلون صلاة الاستسقاء ،ونادى العباس رضي الله تعالى عنه قال: اللهم كنا إذا أجدبنا استسقينا بنبيك صلى الله عليه وسلم، يعني بدعاء النبي عليه الصلاة والسلام، اللهم إنا اليوم قد أجدبنا فإننا نستسقي إليك بعم نبينا عليه الصلاة والسلام ،قم يا عباس فادعوا الله فقام عباس ودعا: اللهم اسقينا، اللهم اسقينا، اللهم اسقينا، فكان عمر يبذل الأسباب الشرعية أولا ،ترى بعض الناس يبذل الأسباب الشرعية ولا يبذل الدنيوية ، أنت مطالب أن تبذل الشيئين، مثل الصحابي الذي قال يا رسول الله أنا جئت و أبركت ناقتي عند المسجد هل أعقلها ؟ أربطها حتى لا تهرب أو أتوكل على الله؟ فأمره النبي عليه ببذل الشيئين ،ماذا قال له ؟ قال: '' أعقلها وتوكل على الله '' فكذلك أنت لما تقول والله ولدي مرض هل يا شيخ أتوكل على الله إنه يشفيه ؟ أم أعالجه ؟ يا أخي عالجه وتوكل، أنت أعطيه الدواء ،واسأل الله تعالى أن يطرح البركة في هذا الدواء.
فكذلك عمر رضي الله تعالى عنه هنا، عمر جاء وبذل الأسباب الشرعية، الدعاء اللجوء إلى الله سبحانه تعالى وصلاة الاستسقاء ،فلما بدل كل دلك وانتهى ما كان عندهم في المدينة من طعام في بيت المال، عمر ليس مباشرة بدأ يشحت من الأمراء الذين عنده هو عنده أمير اسمه عمرو بن العاص بمصر ،وعنده معاوية في الشام رضي الله عنهم جميعا ،وعنده في العراق لكنه مع ذلك لم يبدأ من الأول بدأ يقول أعطونا، لا نعتمد على أنفسنا وهذا أيضا يا جماعة إداري ناجح أن لا تعتمد الدولة دائما في طعامها وخاصة الأشياء الأساسية أن لا تعتمد على الدول الأخرى يعود نفسه بالاكتفاء الذاتي حتى لو قل الطعام نعود أنفسنا على تقليل الطعام والتوازن مع مقدار الدخل الذي بالبلد .
ناصر: حتى لو ما سد الحاجة؟
سماحة الدكتور محمد العريفي : حتى لو ما سد الحاجة ، أهم شيء يمشينا لكن إذا وصلنا إلى مرحلة أننا كلما نقص قلنا أعطونا طيب سيأتي وقت ما يقدرون يعطونك لأنه ما يكفيهم ،أنت عود نفسك أن تتكيف حسب اللبس، كل حالة لبوسة إما نعيمها وإما بؤسها '' قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ '' بحسب الحاجة التي عندك فعمر رضي الله عنه لما فني الطعام الذي عنده وبدأت القبائل العربية تأتي إليه، و بدؤوا ينزلون بنواحي المدينة ينصبون خيامهم عند عمر بالطرقات، يا عمر نموت من الجوع، فأرسل عمر رضي الله تعالى عنه إلى مصر إلى عمرو بن العاص قال: أغثنا، أغثنا الناس يموتون من الجوع الغوث الغوث قال فأرسل إليه عمرو بن العاص رضي الله عليه أرسل إليه أبا عبيدة معه 400 راحلة مليئة بالطعام واللباس بكل ما يحتاجونه، طبعا لما يرسل 400 راحلة بعير لكن عدد الذي عندك يا عمر ليس ألف أو ألفين بل ألاف أنت عندك عشرات ألاف من الناس ثم أصلا سكان المدينة كانوا قليل لكن هؤلاء الذين نزحوا من الخارج فلما جاء أبو عبيدة وزعها على الناس قال له عمر أول ما جاء وزعها على نواحي المدينة ليس على داخل المدينة لأنه يقول من داخل المدينة أنا مدبرهم ومنذ زمان وهم عندي أنا مدبرهم وأطعمهم لكنه هناك عوائل وقبائل خارج المدينة ابدأ بهم فبدأ يعطي الناس خارج المدينة حتى وصل إلى عمر ما معه ولا شيء حتى الإبل التي تنقلها نحرناها وأطعمنا الناس لحم فدخل عمر إلى بيت المال وأعطى أبا عبيدة 4000 درهم كمكافأة على تعبك، فقال آبى عبيدة: والله يا أمير المؤمنين ما جئت وأنا وأريد بها شيء من الدنيا، قال :خذ؟ قال: والله لا أخذها، قال عمر :خذ فإني قد وليت لرسول الله شيء من ذلك -يعني مرة النبي كلفني اعمل شيء قريب من هذا- إني قد وليت لرسول الله شيء مثل ذلك فأعطاني فأبيت فقال لي:" ما أتاك من هذا المال من غير طلب ولا مسالة فتناوله خذه رزق ساقه الله إليك"، قال: فأخذه أبو عبيدة ويوم من الأيام ليلة من الليالي عمر رضي الله تعالى عنه أمر فصُنع الطعام للموجودين قال فأحصوا لما انتهوا قال أحصوا من هاهنا قالوا قد أحصيناهم فإذا هم 7000 ألاف كلهم أكلوا اليوم من طعامك قال فكم غاب قالوا قد غاب 30 ألف أهاليهم الذين هم اخذوا وأرسلوا إلى أهاليهم قال فلما كان في الليلة الثانية أمر بأن يصنع طعام كثير فوزع طعام كثير يمكن خبزه وتمرتين ليس ذبائح ورز ومرق.
أحمد : شيء فقط حتى يبقى الشخص حي.
سماحة الدكتور محمد العريفي :لا يموت، يسد الجوع، يقول: فلما عدهم فإذا هم بالليلة 12 عشرة ألاف، قال: فكم غاب قالوا غاب 40 ألفا انظر الأعداد التي الناس يكادون أن يموتون من الجوع لأجلها.
عبد العزيز : هل كان عمر رضي الله عنه يتنعم ويترفه في هذه المحنة ؟
سماحة الدكتور محمد العريفي : طبعا عمر رضي الله عنه كان قد أقسم على أن لا يشبع من خبز شعير حتى تنقشع هذه المحنة عنهم قالوا حتى إنه يوما من فراغ بطنه - انظر البطن إذا كان فارغا من الطعام يكون فيه هواء - فسمع صوتا في بطنه مثل القرقرة فقال: قرقر أو لا تقرقر والله لا تشبع حتى يشبع يتامى المسلمين، يقولون وأمر عمر يوما فنحر – انظر يا أخي محاسبة النفس – فنحر بعير قالوا وزع على الناس وأقبلوا إلى السنام - السنام عادة هو الذي فيه الدسم - أقبلوا إليه ومعه خبز قالوا هذا طعامك يا أمير المؤمنين فقال: أكل الناس أعطيتهم مثل هذا ؟ يسأل الخادم: كلهم أعطيتهم قطعة لحم ودهن وهبر وخبز؟ فقال: لا إنما أعطينا الناس من نواحيها – يعني من الصدر ومن كذا وجئناك - قال سبحان الله تطعمونني من أطيبها وتطعم الناس من كرابيسها اذهب به إلى أل فلان فإنهم جوعى، قالوا وأخذ خبزا وأكله تلك الليلة.
والله يا أخي لو يطبق اليوم الحكام الذين يحكمون الناس لا أقصد الحكام رؤساء الدول فقط يا أخي الأمراء المسئولين على المحافظات، لو الواحد منهم فعلا شعر إني لا ينبغي أن أشبع وفيه جائع، لا ينبغي إنه ولدي لما يكح أقول المستشفى على طول والطبيب والاستشاري ، ما هو فيه أولاد لهم شهرين يكحون يكحون دم لا أحد أخذهم المستشفى أو عالجهم لأنه ليس عنده واسطة، ولما زوجتي تمرض وأذهب بها المستشفى وتفضل طال عمرك تفضلوا ويدخلونني على طول، بينما غيري من المساكين ربما زوجته تمرض وتستمر في مرضها بالبيت لا أحد يعالجها، طيب لماذا؟أنت كنت مسئولا، فالأصل أن الشخص إذا نزلت مثل هذه الأزمات أن يشعر بحاجة الناس.
أحمد : أنا أستغرب يا أبو عبد الرحمن أحيانا بعضهم يستميت كي يصل إلى هذا المنصب ويكون مسئول ولا يوفي حاجة الناس ، يعني يوعد وكذا ويخلف بالنهاية.
سماحة الدكتور محمد العريفي : أحسنت .
أحمد: وينحاز عن الناس لا يطلع يواجههم، أستغرب هذه الاستماتة ما السبب فيها ؟
سماحة الدكتور محمد العريفي : هو طبعا انظر، طبيعة الإنسان عموما إنه كما قال الله تعالى:" وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴿8﴾ سورة العاديات، وقال الله جل وعلا : ""وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴿20﴾ سورة الفجر، من الطبيعي أن الإنسان المال له بريق، والذهب والفضة والأموال، كما قال الله تعالى: '' زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّـهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴿14﴾ سورة آل عمران، فمن الطبيعي أن الإنسان يحب الاستكثار من ذلك هذا ليس فيه كلام، هذا النبي صلى الله عليه وسلم ،جيء إليه يوما بمال، في صحيح مسلم ،قال فلما جيء إليه به هذا المال مثل ما يجيء من الغنائم وغيره، فطُرح بين يديه عليه الصلاة والسلام، فجاء العباس رضي الله تعالى عنه، قال: يا رسول الله إنك قد وعدتني أن آخذ من المال فأعطني ، فقال عليه الصلاة والسلام"" احمل من هذا المال""، قال: فبسط العباس رداءه- العباس عم النبي وله شرف بسط رداءه - وجمع من هذا المال فيه ثم جمع الثوب ليقله - ما معنى ليقله؟ أي ليحمله- فلم يستطع لأنه الذهب، ما استطاع يحمله، فقال العباس: يا رسول الله مر بعضا من هاهنا أن يعينني، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لا والله لا يعينك أحد، اطرح منه، ما تقدر تحمله اطرح منه- طبعا أنت كلما طرحت معناه إنك خسرت من المال تريد أن تحمل أكثر شيء تقدر عليه- قال :اطرح منه، قال : فطرح منه شيئا ثم ذهب ليقله فلم يستطع فقال مُر بعض من هاهنا أن يساعدني فقط يرفع على كتفي ، قال النبي عليه الصلاة والسلام:" لا ،اطرح منه" للمرة الثانية، قال فطرح منه فلم يزل يقول اطرح منه حتى استطاع أن يقله على ظهره ومضى بالمال،قال وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يتبعه بصره متعجبا ، متعجبا من حب الناس عموما للمال، العباس رضي الله تعالى عنه هو حبيب رسول الله وهو عمه وله شرف، لكن هذا يدلك على حب الناس عموما للمال سواء كانوا صحابة غير صحابة كانوا مسلمين كانوا كفار، لكن متى يكون المال حلالا ؟إذا كان بالضوابط الشرعية فلما يكون الإنسان مسئولا على بلد معين أو أمير أو على أي مجال نحن لا نلومه على إنه يحب المال إنما كيف تتعامل مع هذا المال؟!! والأعظم من ذلك يا أخي لما تكون أنت تنعم نفسك وتجلس على المائدة وترى هنا لحم غنم وهنا لحم إبل وهنا لحم بقر وهنا حمام مشوي وهنا دجاج مقلي و.....وأنت تدري ربما على بعد كيلو أو كيلو ونصف منك هناك أقوام لا يجد البلغة من الطعام وهذا واقعنا.
سامي: أريد استفسر طال عمرك،الآن كثرت الجمعيات الخيرية يعني التي تعيل العوائل الفقيرة الأرامل فقراء اليتامى المساكين، مثل هذا لكن تجدهم يبذلون جهدا كبير حتى يقيمون هذه الجمعية جيد لكن ليس هناك أناس تتبرع لهم بفائض الطعام و الولائم ،حتى لو كان فيه هناك تبرع تجد الناس فقط محتاجة المادة تحتاج فقط زكاة ،تحتاج فقط المادة.
سماحة الدكتور محمد العريفي : أحسنت ، هو طبعا انظر إذا كانت المسالة مرتبة، يعني مثلا عن طريق جمعيات خيرية، وناس يوصلون المال إلى أهله، فهذا أحسن بلا شك، هذا نجمع على إنه أحسن من غيره، وإذا كان هناك جمعيات تتولى حفظ الفائض من الطعام، أيضا لإعطائه للمحتاجين، هذا أحسن، إنما الكلام ليس هنا، الكلام عن يعني إن صح التعبير اذهب إلى أسلوب أخر، العدل في توزيع الثروة، العدل في توزيع ثروة البلد، عمر رضي الله عنه عنده الآن نازلة بالناس وحاجة شديدة وعنده ثروة، بيت المال فيه طعام وفيه شراب وفيه كذا،ويرى الناس أقواما محتاجين هل أمسك عمر المال والطعام لنفسه ولولده؟ وقال الذي خلقهم هو الذي يرزقهم، أم إنني أنا عندي عدل في توزيع الثروة وأشعر إني أنا مسئول عن أمثال هؤلاء.
هذا الذي عليه الكلام وهذا الذي أعنيه أنا بالكلام ،عمر رضي الله عليه كان يقول لغلامه "يرفا" غلام عنده يقول يا غلام احمل معي الطعام فيحمل عمر الطعام ويحمل الغلام ويذهب عمر يتفقد بعض الجوعى بالمدينة، يا أخي من يفعله اليوم ممن يتولون على الناس يعني مع الأسف صراحة يعني أصبحت تتألم لما تسمع عن... النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الروم مثلا، قال عليه الصلاة والسلام :في صحيح مسلم في حديث أبو هريره قال أبو هريرة: يوما سمعت رسول الله صلى يقول:"" تقوم الساعة والروم أكثر الناس"" تقوم الساعة والروم أكثر الناس، فقال له عمرو بن العاص- عمرو بن العاص داهية ليس بلعب حتى انه مرة جلس مع معاوية فقال له معاوية: من تظن يا عمرو أدهي أنا أو أنت؟
كلاهما دهاة العرب،
فقال عمرو: أنا للأناة وأنت للبديهة يعني أنت تعرف تتصرف في الشيء في البديهة مباشرة بسرعة تطلع نفسك وأنا لا، أنا اطلع نفسي لكن أتأنى قليل،
قال معاوية:ما أظن أنا للأناة والبديهة، قالوا وكانوا لوحدهم بالغرفة،
فقال له عمرو: طيب يا معاوية تعال أسامرك تعال أكلمك سر ،قال فقرب إليه معاوية أذنه، فقال له عمرو: لماذا قربت أذنك ولا يوجد أحد كأنه يقول له: اصطدتك فعمرو بن العاص كان داهية.
فالشاهد قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه لعمرو يحدث الناس قال: سمعت رسول الله يقول:"" تقوم الساعة والروم أكثر الناس""، فقال له عمرو قال: ويحك ما تقول انظر ما تقول، الروم يكونون أكثر منا في أخر الزمان فقال أبو هريرة: والله هكذا سمعت النبي يقول، فقال له عمرو: أما إذ قلت ذلك فان فيهم خمس خصال : أحناهم على صغيرهم في صغره أي يرأفون بالصغار لذلك عندهم لو تضرب ولدك يتصلون على 911 ويأتون يسجنونك يقول أرأفهم – أنا ولدي عبد الرحمن كنت أسافر قريب لبريطانيا كان يتوعدني يقول والله هناك ما تقدر تضربني أو تحركني أخذ حقي من الحين – يقول إنهم أحنهم على صغيرهم بصغره ،وأرأفهم بكبيرهم في كبره وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة وأسرعهم كرة بعد فرة ،ثم قال: وخامسة حسنة جميلة و أمنعهم من ظلم الملوك ، وهذا الواقع الآن، وتجد فعلا يعني لما تتكلم أحيانا عن عدل عمر عن عدل أبي بكر عن عدل من هو خير منهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم تنظر في بعض من يتولون حكم المسلمين مع الأسف ما تجد شيء من ذلك مطبق يا أخي في أكل أموال وأخذ الهدايا وغير ذلك، وتجده يتولى على مكان وهو يسكن شقة ويملك سيارة مشي حاله فإذا به يملك برجا ويسكن قصرا ،من أين لك هذا؟
أحمد: لو أنهم طبقوا شريعة الإسلام والقوانين الإسلامية لساد النعيم والنظام الذي بالغرب الآن موجود، لكنهم يتعاملون بتعامل العرب مع بعضهم .
سماحة الدكتور محمد العريفي : أحسنت هو هذه القضية هو أيضا إنه ليس هناك من يحاسبه، ترى عمر رضي الله تعالى عنه لم يكن هناك أحد من الناس يحاسبه، لكن كان الناس جريئين في إعطائه النصيحة وكان هو يقبلها لم يكن إذا كان أحد ينصحه يقول خذوه فغلوه أقرب سجن- لا ـ رقى عمر يخطب يوما ويقولون كان جاءه ثياب قطع قماش فوزعها على الناس فالقطع قليلة والمفروض يعطي كل واحد قطعتين إزار و رداء مثل ما تلبس أنت ثوب و غترة فلم يكن كثير وأعطى كل واحد قطعة فصار الواحد يلبس إما إزار جديد ورداء قديم أو إزار قديم أو رداء جديد، فرقى عمر يخطب الناس وإذا إزار جديد ورداء جديد كله جديد حلة كاملة فقال'' أيها الناس أما بعد إن الله قد فرض الله عليكم السمع والطاعة لمن ولاه عليكم'' فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين أما اليوم فلا سمع لك ولا طاعة قال لما – طبعا بخطبة الجمعة يجوز إنك تكلم الإمام أو يكلمك أهم شيء ما تكلم الذي بجنبك – قال :لما؟ فقال إنك قد أعطيتنا ثوبا وأنت تلبس ثوبين، فأين العدل ؟ فقال و الله إن الثوب الأخر لابني عبد الله بن عمر لأخطب به الجمعة بحلة حسنة أتشهد بهذا يا عبد الله بن عمر؟ قال نعم أشهد ،فأكمل الخطبة .
انظر كون الرجل أصلا يتجرأ أن يقول هذا لعمر لأنه يعلم أن عمر يقبل النصيحة، وكون عمر أيضا يقبل من الرجل هذه النصيحة، يعلم عمر إني لو اعمل شيء يحاسبني الناس وأوقفوني ونصحوني وبالتالي عمر من البداية عنده وازع ديني من رب العالمين والأمر الثاني أيضا الناس ينكرون عليه .
أحمد : حتى هنا قصة عن عمر في التواضع لما جمع الناس وتوقعوا إنه هناك أمر خطير جمعهم لأجله وصعد المنبر وقال: إنما أنا عمير إنما أنا عمير إنما أنا عمير أرعى الغنم ونزل ، فاستغربوا لماذا قال :حدثتني نفسي أني أنا أمير المؤمنين و أنا كبيركم وكذا ، لكن طلعت كي أهين نفسي وأرجع .
سماحة الدكتور محمد العريفي : قال حتى أضع منها قال إني كنت بالجاهلية أرعى غنما للناس طبعا هو تواضع عمر أيضا هو أمر أخر تماما ،ويدلك أيضا على أخلاقه رضي الله تعالى عنه وعلى حسن ظنه بالناس .
إنما الذي أريد أن نرسله من هذه الحلقة لكل من يتولى ولاية على الناس لكل من يعيشون في أزمات لكل من ربما يكون في بلد فيه فقر وحاجة إلى أن يشعر بفقر الفقير ومرض المريض وحزن الحزين وحاجة المحتاج وإلا سيحاسبه الله تعالى عنهم كلهم مثل ما قال النبي عليه الصلاة والسلام لأبي ذر قال : ""إنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا لمن قام بحقها""
اسأل الله تعالى أن يُعيذنا من الخزي والندامة آمين الله يجزيكم بخير يا شباب ورضي الله عن جميع صحابة النبي أرجو أن تكون الرسالة وصلت أيها الأحبة الكرام و أن لا يفرح الإنسان بتوليه الولاية وإنما يفرح إذا عدل في هذه الولاية وقام بحقها،أسال الله أن ينفعنا وإياكم بما قلنا، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .