بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
مقدمة : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، قال يا رسول الله أوصني، فقال له صلى الله عليه وسلم "لا تغضب قال زدني قال لا تغضب قال زدني قال لا تغضب". نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن الغضب، ومع ذلك وقع من النبي صلى الله عليه وسلم غضب ووقع من الأنبياء غضب! ما هو الغضب الذي نزل بموسى عليه السلام حتى جعله يلقي الألواح من يده ويأخذ برأس أخيه يجره إليه ؟ لماذا غضب حتى صارت التوراة المعظمة ملقاة من يده على الأرض ؟ كيف غضب نوح عليه السلام على قومه فدعا عليهم ؟ كيف وصف الله تعالى يونس عليه السلام '' وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا '' ما هو سبب الغضب الذي نزل بيونس عليه السلام؟ لماذا يغضب الأنبياء ؟ وما هي المواقف التي يغضبون فيها ؟ هل نحن نغضب كغضب هؤلاء الأنبياء؟ كيف تعامل الأنبياء مع غضبهم؟ ما هي الأسباب التي دعتهم أصلا إلى هذا الغضب ؟ هذا موضوع جديد نناقشه معكم اليوم في برنامجكم مسافرون، ولعلكم تجدون فيه شيء من الفائدة، فمرحبا بكم.
غضب الأنبياء
طبعا الاقتداء بالأنبياء أمر متفق عليه، يعني الله سبحانه وتعالى لم يجعل الرسل من الملائكة لأننا لا نستطيع أن نقتدي بمخلوق آخر ليس بشرا ، مثلا لما يُقال لك اقتدي بهذا الملك في طريقة أكله وشربه! طيب الملائكة لا يأكلون ولا يشربون، يا ربي كيف اقتدي به؟!! ، أو اقتدي بهذا الملك في ابتعاده عن الزنا أو الفواحش ! طيب الملائكة أصلا ليس عندهم غريزة، لذلك الله تعالى قال: قالوا '' لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ'' ثم قال الله :'' وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا'' لو الله جعل الملائكة رسلا كان يجعل الملائكة تنقلب رجل حتى تستطيعون الاقتداء به ،كيف يمشي ونمشي مثله، كيف يأكل ونأكل مثله، لما يغضب كيف يتعامل ونتعامل مثله ، ""وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا'' ثم قال الله تعالى: '' وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ'' يقع عندهم اللبس ويظنون أنه رجل فيقولون نريد ملكا ،فجعل الله تعالى الرسل من البشر حتى يصح الاقتداء بهم وأمر الله تعالى بالاقتداء بهم، الاقتداء بالرسل عموما قال الله تعالى: '' أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّـهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ'' و قال الله سبحانه وتعالى: '' لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ'' ..الخ.
الأنبياء كان عندهم غيرة على الدين وحماية لجنابه، ولم يكن الواحد منهم يغضب لنفسه إنما كان يغضب لربه ، لذلك يمكن الواحد من الأنبياء ربما أحد الأنبياء يُسخر به ويُستهزئ به ومع ذلك لا يغضب لنفسه، لكن إذا اُنتهكت شيء من محارم الله غضب ، خذ مثلا موسى عليه السلام أقبل ووقف أمام فرعون وقال له فرعون وهو يستهزئ بموسى يقول : (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ﴿52﴾ فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ﴿53﴾ سورة الزخرف،يعني يستهزئ بموسى يقول يا موسى أنت حتى لسانك ما تستطيع أن تتكلم ، وقد ذُكر في سبب ذلك يقال أن موسى عليه السلام في صغره اتهم فرعون موسى أنه يريد به كذا وكذا وقالت له امرأته إن موسى صغير لا يفرق بين التمرة والجمرة فوضع له التمرة والجمرة وقيل حمل الجمرة ، وهذا بعيد عموما لأنه لا يعقل أن يحمل جمرة تحرق يده حتى تصل لسانه ،لكن عموما موسى عليه السلام كان عنده ثقل في اللسان لذلك قال الله تعالى لما أمر موسى بالرسالة قال موسى عليه السلام "" وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ﴿34﴾ سورة القصص، فهو عليه الصلاة والسلام كان هارون أفصح لسانا منه مع إنه متحدث، فلما استهزئ فرعون وقال: هذا لا يعرف حتى يتكلم، ما غضب موسى عليه السلام من ذلك ،لكن لما كفر فرعون وتجبر وطغى، رفع موسى يديه وقال :'' وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖرَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴿88﴾ سورة يونس، دعا عليه لما رأى منه الكفر التام لم يغضب لنفسه إنما غضب لله.
تقول عائشة رضي الله تعالى عنها ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده أحدا قط لا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله ،ثم قالت وما غضب لنفسه قط ، يدخل يجد مثلا الغداء غير جاهز، يقول أعطوني الطعام فيتأخرون عليه، يستهزئ به هذا يقول يا مجنون يا ساحر يا كذا،ما غضب لنفسه قط ، قالت: إلا أن تُنتهك حرمة من محارم الله،إذا اُنتهكت محارم الله تعالى ،شيء يخص الدين يغضب النبي صلى الله عليه واله وسلم، لكن لم يكن يغضب لأشياء متعلقة به مباشرة عليه الصلاة والسلام ، وذلك أن غضبه هو صلى الله عليه وآله وسلم كان غضبا لله ولم يكن غضبا لنفسه عليه الصلاة والسلام.
كذلك نوح يقولون نوح عليه السلام كان يصنع السفينة وكان يمر به قومه كما قال الله تعالى: '' وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ﴿38﴾ سورة هود، يسخرون أنت أصبحت نجار تصنع السفينة بالبر، لم يكن يغضب ،لكن لما أوحى الله تعالى إليه: '' وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ'' ترى خلاص يا نوح فترة رسالتك انتهت، من يؤمنوا آمنوا وانتهوا والبقية لن يؤمنوا، وغضب ورفع يديه وقال: '' وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ﴿26﴾ إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ﴿27﴾ سورة نوح، فدعا عليهم وغضب لما علم إنهم لن يؤمنوا أبدا ،كذلك غيره من الأنبياء يونس عليه السلام مثلا يقول الله سبحانه تعالى : '' وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا '' مغاضبا لماذا؟!! يقولون لبث فترة طويلة عند قومه يدعوهم إلى الله ويُعَبِدهم له، ومع ذلك يعارضونه ويتوجهون إلى أصنام فلما رأى منهم ذلك غضب وجاء وأشار إلى قارب في عرض البحر وركب معه قال الله تعالى '' وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ '' (نقدر عليه) يعني نضيق عليه مثل ما قال الله تعالى : '' وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ '' يعني من ضُيق عليه رزقه، فظن أن لن نقدر عليه ، طبعا أُلقي في البحر والتقطه الحوت ""فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ""، لم يغضب يونس لأنهم أخذوا من أمواله، أو لأنه لم يزوجوه امرأة حسناء يريدها ، لا، غضب لما رأى كفرا منهم.
كذلك محمد صلى الله عليه وآله وسلم بل حتى السماوات والأرض تغضب للدين، يقول الله سبحانه وتعالى : '' وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَـٰنُ وَلَدًا ﴿88﴾ لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ﴿89﴾ سورة مريم، شيئا عظيما كبيرا، كيف الله يتخذ ولد؟!! الله تعالى غني عن الأولاد، نحن نفرح بالولد لأننا نحتاج إليهم، لدينا فراغ عاطفي نحتاج إلى ولد يملأه، الشخص يكبر يحتاج إلى ولد يسنده، الله جل وعلا غني سبحانه وتعالى لا يحتاج أولادا، قال الله سبحانه وتعالى : '' وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَـٰنُ وَلَدًا ﴿88﴾ لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ﴿89﴾ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا﴿90﴾ أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدًا ﴿91﴾ سورة مريم السماوات والأرض والجبال كلها تكاد تنهد غضبا لله سبحانه وتعالى ، النار تغضب ، انظر هذا الغضب الآن كله لله، ليس غضبا للنفس يقول الله تعالى عن النار : '' تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ '' - تكاد النار تتقطع من شدة الغضب على الكفار - '' تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ۖ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ﴿8﴾ قَالُوا بَلَىٰ قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا ..'' إلى أخر الآيات.
يقول ابن زيد أحد المفسرين : التميز هو شدة الغضب على أهل المعصية ، نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول له لا تغصب للذي يستشيره الذي يطلب وصيته ، ورأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوما رجلين يتلاحيان، ما معنى يتلاحيان؟- يتناقشان يتجادلان –ارتفعت أصواتهما بالسب أنت من فعلت كذا وأنت من صنعت كذا ،قال وإذا أحدهما قد غضب غضبا شديدا حتى أزبد ، ما الذي جعله يزبد؟ أنت مثلا لما يغضب منك أبوك ويأتي و يبدأ يخاصمك غالبا يبدأ يتفل ولا لأ أنت ما تفهم أنت .... لأنه من شدة الغضب ليس عنده وقت لبلع الريق وهذا واضح عندما يغضب الواحد ، وبالتالي يجتمع الريق مع اللسان ويبدأ يخرج مع الكلام، فالصحابي رضي الله عنه من شدة الغضب فجعل يزبد فقال النبي عليه الصلاة والسلام وهو يراه غضبان – يعلم أن الغضب سيء وإنه ربما أدى بالإنسان إلى ما لا يُحمد عقباه – فقال عليه الصلاة والسلام : ""إني أعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لذهب عنه ما يجد""، وذلك النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول : ليس هناك داعي إلى أن تغضب على أمر دنيوي الذي بيننا أكبر من ذلك ، اغضب على وقوع شرك، اغضب على وقوع كفر، اغضب على تضييع في الدعوة لكن تغضب على شيء مثل هذا الحال ، النبي عليه الصلاة والسلام جاءته مواقف كان يستطيع أنه يُشفي غضبه لكن لما كانت هذه المواقف الغضب لنفسه كان يمسك نفسه ،خذ مثالا لما خرج النبي عليه الصلاة والسلام من الطائف إلى مكة ،طبعا هو خرج من مكة بعد ما كذبه قومه وأيضاً خرج من مكة في ظرف شديد ماتت زوجته خديجة التي كانت سنده في البيت كان يأتي متضايقا للبيت وهي تقف معه وتصبره، ثم مات عمه أبو طالب الذي كان ينصره أيضا في خارج البيت، قريش تحترم أبا طالب ولا تستطيع أن تتعرض للنبي عليه الصلاة والسلام ما دام أبو طالب معه، إذا بخديجة رضي الله عنها تموت وأبو طالب يموت أيضا ، فالنبي شعر أن مكة لا مقام له فيها فخرج يبحث عن نصرة للطائف، فعلم أهل مكة أن النبي خرج إلى الطائف ليبحث عن نصرة،وإذا بأهل الطائف يردون عليه صلى الله عليه وسلم وآله دعوته ولا يستجيبون له صلى الله عليه وآله وسلم ويرمونه بالحجارة فيذهب، ولما جلس تحت شجرة ليستريح - وهو غضبان من فعل الطائف، وغضبان من فعل مكة ولا يدري أهل مكة الآن كيف يتعامل معهم وهو لا يدري – وينزل إليه في هذه اللحظة جبريل ويقول يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، الله سمع قول قومك أو الآن عليه الصلاة والسلام لم يهمه أهل الطائف، الطائف كانت محاولة ثم لم يستجيبوا له ورجع عليه الصلاة والسلام، لكن الآن هؤلاء قومي الذين أنا داخل عليهم وبيتي عندهم وأبنائي موجودين هناك فاطمة وزينب وأم كلثوم بناته، فأنا ليس لي مرد عن مكة، فالآن المشكلة من أهل مكة ليس من أهل الطائف فنزل جبريل والنبي منشغل وغضبان على أهل مكة، قال : إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث معي ملك الجبال لتأمره بما شئت، هذه الآن لحظة ليتشفى النبي عليه الصلاة والسلام من قريش قد لا تكرر الآن فرصة الآن، فقال له ملك الجبال: السلام عليك يا رسول الله، عليكم السلام، ثم ملك الجبال لم ينتظر من النبي عليه الصلاة والسلام أن يطلب منه شيئا إنما بدأ هو يقدم اقتراحات، ولم يقول ما رأيك يا رسول الله ما ذا تريد أن أفعل بهم؟ لا ،بدأ ملك الجبال يقدم اقتراحات قال إن شئت هذا واحد من الأشياء التي ممكن أن أفعلها: إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين ، الأخشبان يا جماعة الجبلان ،هل رأيت الجبل الأول جبل أبي قبيس إذا جئت أنت من حي أجياد مكة وجئت تدخل من باب الملك عبد العزيز يأتي على يمينك القصور الملكية تعرفونها المدخل الملكي وغيرها هذه على جبل أساسا دُك الجبل وبنيت القصور لكن لا يزال مرتفع الجبل هذا هو أبو قبيس وفيه جبل مقابل له قيعقعان مقابل له بينهم الوادي وادي مكة الذي به الحرم طبعا ،الآن تغيرت المعالم وبعض الأشياء الجديدة وبدءوا تكسير الجبال وغيره، فيقول له ملك الجبال:أنا ممكن أعطي أمر للجبل هذا أبو قبيس والجبل الثاني ويصبحون جبل واحد وانتهينا ولن يعود هناك أبو جهل، أبو لهب، أمية بن خلف، هؤلاء كلهم تنساهم، كانت لحظة للنبي صلى الله عليه وسلم يقول: نعم، بعد ذلك يشفى صدره، ما هما كان أبو جهل هذا كان وأنا ساجد يضع رجله علي والله لأخليه يدكه الآن، وأبو لهب هذا يقول لي تبت يداك، ألهذا جمعتنا؟ تبت يداك ألهذا جمعتنا؟ دعك وزوجتك أم جميل أيضا التي كانت تأتي وتلقي الشوك عندي ،حمالة الحطب هذه والله لأؤدبها وتصبح مثل النمل بين الجبال، وهذا أمية بن خلف الذي عذب بلال والله نفعل بك كذا وهذا .... لا هي فرصة لكنه يشعر أنها غضب للنفس ليست بغضب لله، فقال عليه السلام: لا بل أستأني بهم لعل الله يُخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا، ما الذي جعل النبي صلى يا جماعة يتعامل بمثل هذا التعامل لأنه يقتدي بمن قبله من الأنبياء فالله تعالى يقول له: '' فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ''
والحكمة أيضا في التعامل مع قومه لذلك حتى انظر مثلا موسى عليه السلام، موسى عليه السلام فرعون يقول له : ""مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ '' يمسك نفسه، يمشي مع قومه فيقول له قومه '' اجْعَل لَّنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ '' فيمسك نفسه، لكن لما علم قومه التوحيد ودعاهم إلى التوحيد ثم ذهب غاب عنهم ليكلمه الله تعالى ويعطيه التوراة، غاب عند جبل طور قال الله تعالى : '' وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا '' فإذا هم يعبدون عجلا حيث كان عندهم ذهب كان بقي معهم- الذهب الذي أخذوه من المصريات - بنو إسرائيل من النساء أخذن الذهب من المصريات، فلما جئن قال السامري رجل عندهم قال لهم أنتم أخذتم ذهب أهل مصر و كيف ستعيدونه ؟تدرون تعالوا أشعل نار وأذاب الذهب وصنع منه عجل على صورة عجل وجعل للعجل فتحة من خلفه وفتحة من أمامه ووجهه على الريح وصارت الريح لما تدخل من دبره وتخرج من فمه تطلع صوت صفير عادي، فقال الله تعالى : '' فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ '' فقال لهم "هَـٰذَا إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ "" ، أصلا موسى نسي الإله عندنا وذهب يبحث عن إله ،فرجع موسى أنا تركتكم على التوحيد وتركت نبيا عندكم وهو هارون ، قال الله تعالى : '' وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ '' ألقى الألواح هي التوراة ، وفي الآية أخرى قال : '' أَخَذَ الْأَلْوَاحَ ۖ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ '' ألقاها من شدة الغضب وأخذ برأس أخيه يجره إليه، كيف مسك أخاه هارون؟ هارون كان له لحية وله شعر فجاء ومسك لحيته بيد و مسك شعره بيد وصار يهزه، "" قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ﴿92﴾ أَلَّا تَتَّبِعَنِ ۖ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي"" ، لماذا لم تأتي تخبرني؟ لماذا لم تنكر عليهم؟أفعصيت أمري هارون كان أكبر من موسى سنا،"" قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ""، أنا هناك سبب جعلني ما أتصرف، واني اسكت عنهم، هناك سبب"" إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي"" ، أنا خشيت أقول لا تعبد العجل وتصبح مجموعة تعبد العجل ومجموعة تاركين عبادته ويقع بينهم حرب، فقلت أنا أسكت كي لا تقع حرب و أنتظر لما يرجع موسى،فقال : '' إنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ﴿94﴾ قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ "...الخ،أخذ موسى العجل طبعا وألقاه في البحر ، ""وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا '' فالمقصود إنه لم يغضب موسى عليه السلام لنفسه إنما غضب لله .
أحمد: طيب الآن أنت تقول غضب الأنبياء دائما يكون للدين ، غضب النفس لهم نفسهم، أو التصرف الذي يعتبر عند الناس خاطئ، والأنبياء معروف أنهم معصومين عن الخطأ، أريد أن أسالك فقط عن أية '' عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ '' أنها كانت منزلة على أساس ، في التفسير البعض يفسرها أن المقصود النبي صلى الله عليه وسلم، وأن رب العالمين أدبه لما زجره بعد ذلك، هذا الغضب أو هذا النفور من الشخص الأعمى هذا ما يعتبر بالضبط؟
سماحة الدكتور محمد العريفي : أه جميل،طبعا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون فيما يبلغونه عن الله تعالى ومعصومون عن الكبائر ،هذا باتفاق أهل العلم ،أما في الأفعال البشرية فهم بشر غير معصومين، النبي عليه الصلاة والسلام لما مر بالنخل وإذا هم يؤبرونه يعني يأخذون من النخلة الذكر ويلقحون النخلة الأنثى حتى يكون فيه تمر فقال عليه الصلاة والسلام لو لم تؤبروه أبره الله، قال وجهة نظر شخصية ، ليست وحيا، إنما وجهة نظر، قال يعني: لو ما أبرتوه يطلع تمر ،قال فترك بعضهم تأبيره فلم يخرج تمرا، قالوا يا رسول الله أنت قلت كذا وما طلع تمر، فقال عليه الصلاة والسلام: إنما إذا حدثتكم عن أمري عن شأني عن رأيي فخذوا به إن شئتم ون شئتم لا تأخذوا، أنا أعطيتكم رأيي وصار رأيي غير صحيح ،لكن إذا حدثتكم عن الله فخذوه، فهو فيما يبلغ عن الله لا يخطئ، لكن تصرفاته البشرية مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم : '' أيها الناس إنما أنا بشر اغضب كما تغضبون'' وفي الحديث الأخر: قال عليه الصلاة والسلام : '' فمن كنت سببته أو أخذت له مالا فهو مغفرة '' أو كما قال عليه الصلاة والسلام ،هنا عندما كان يتكلم مع مجموعة من كبار قريش، جاء ابن أم مكتوم وهو أعمى ولا يدري أن النبي عنده ناس وأنهم مهمون وأن هذه فرصة لا تتكرر ،لا يدري جاء الأعمى رضي الله تعالى عنه وجلس، يا رسول الله يا رسول الله والنبي يتكلم الإسلام...، وكأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول الحمد لله إنكم اجتمعتم لي، متى اقدر أجمعكم ،وهذا يا رسول الله علمني مما علمك حفظني- طبعا كونك تحفظ أعمى، هو ما جاء يسأل ما قال يا رسول الله فاتتني الصلاة ماذا؟ أفعل ويقول أعد صلاتك وانتهى – معناه أني أحفظك القرآن أُرددها لك حتى تحفظ ،هذا التعليم يحتاج وقت ، فالنبي عليه الصلاة والسلام يتكلم معهم وهو رضي الله تعالى ما يعلم يا رسول الله علمني مما علمك الله، قال فتغير وجه النبي عليه الصلاة والسلام ، ليس بغضا له وحبا لهم، لا، هذا المؤمن يساوي قبائل من هؤلاء الكفار، لكن هذا الموقف فيه شيء أهم، كلامي معهم أهم من كلامي معك، أنت باقي لي ،هؤلاء سيذهبون فأنزل الله تعالى عليه: '' عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ ﴿1﴾ أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ ﴿2﴾ سورة عبس، سبحان الله، وانظر أيضا إلى معاتبة الله تعالى الرفيقة ، اللينة، الرحيمة، للنبي عليه الصلاة والسلام، مع أن ابن أم مكتوم أعمى ما رأى العبوس، ابن أم مكتوم لا يدري النبي مبتسم أو عابس لا يدري لكن الله تعالى بين ذلك في القرآن ، فلا نقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ارتكب إثما هنا إنما اجتهد عليه الصلاة والسلام.
أحمد: لا هذه الآية موضوع خلاف وجدل كبير بين فئات، فكثير يقول كيف الرسول وهو النبي الذي يأمر بالأخلاق الحسنة، كيف يتعامل بهذا الشكل؟
سماحة الدكتور محمد العريفي : يا أخي أنت إذا جئت عند تصرفات الأنبياء، تعلم أن الأنبياء هم بشر ،مثلا لو جاءك يهودي إليك وقال لك مثلا، بل أنا أعطيك حجة أقوى، ذكروا أن الإمام أبى بكر الباقلاني ذهب مرة إلى ملك الروم أرسله خليفة المسلمين لملك الروم، يقولون فلما جاء فإذا ملك الروم كل من جاء لازم يركع له فعلم أن هذا المسلم لن يركع له وإنه سيدخل غير راكع فقال أدخلوه من ذاك الباب وأشار إلى باب صغير حيث أنه إذا جاء يدخل لازم يركع فلما أقبل الباقلاني ورأى الباب قصيرا فهم فأعطاهم ظهره ودخل بدبره حتى يقول له هذا قدرك فلما وقف قال له أحد القساوسة: يا أبا بكر
قال: نعم
قال: ما فعلت زوجة نبيكم التي اتهمت بالزنا؟يقصد أمنا عائشة رضي الله تعالى عنها في قصة الإفك، انظر الجواب المباشر فقال الباقلاني: هما امرأتان اتهمتا بالزنا امرأة أتت بولد وامرأة لم تأتي بولد ، من يقصد، يقصد مريم أم عيسى، اتهمها اليهود أنها وقعت مع يوسف النجار وإنها ولدت عيسى وهو يقول إذا أنتم تذمون زوجة نبينا عليه الصلاة والسلام تتهمونها بهذا نتهم من عندكم وطبعا نحن لا نتهم مريم، ونحن لا نتهمها الله تعالى يقول عن مريم : '' أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا '' لكن أنا أعني عند النقاش عند الحوار مع أصحاب الفرق الأخرى تجد أن عندك من المقابض في دينهم لو أردت أن تتصيد أكثر مما يتصيدوا علينا مثل مثلا لو جاءك يهودي وقال هذا نبيكم أخط، طيب ما هو موسى عليه السلام '' فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ '' ويقول: '' قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا '' كيف يقتل موسى نفس؟ كيف يفعل؟ طبعا هذه كلها اجتهادات من الأنبياء،والأنبياء بشر،و أمور شخصية وأمور يفعلونها دون وحي من الله تعالى، اجتهاد بشري من هذا النبي والله جل وعلا هو الذي يحكم على هذا النبي صوابا أو خطا وإلا فكل هؤلاء الأنبياء لهم شرف ولهم مكانة ومن تنقص أحدا من الأنبياء كفر بالله العظيم خرج من الإسلام والله تعالى يقول: '' كُلٌّ آمَنَ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ '' لا نفرق بين أحد من رسله ،نحن نؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم إيمانا تاما ونؤمن بعيسى عليه السلام إيمانا تاما وبموسى وشعيب وهود ولوط كلهم نؤمن بهم إيمانا تاما ولا يجوز للإنسان يبدأ يحكم بعقله على هؤلاء الأنبياء بالعكس لهم مكانة ،الذي أعنيه أنا من كلامنا عن غضب الأنبياء هو أن الشخص ينظر في نفسه أنا غضبي الذي أغضبه الآن هل هو غضب لله أم غضب لنفسي ،غضب للنفس، أيها أكثرها اغضب لما ولدي ما يحترمني أو لما ينام عن الصلاة؟
أحمد : طبعا لما ينام عن الصلاة.
سماحة الدكتور محمد العريفي : هذا الغضب لله، لما ولدي فرضا ألاحظ أسمعه أو أراه مثلا مشغل أشياء محرمة عنده بالكمبيوتر عنده وينظر إلى أفلام خليعة اغضب أكثر أو لما يكون عندي عشاء ذلك اليوم وولدي لا يأتي لصب القهوة ويضيف الضيوف ، انظر الغضب متى يكون لله ومتى يكون لغير الله،هل أنا اغضب أكثر عندما أعلم أن فلانا قد منع زكاته عن الفقراء؟،فاغضب لماذا يمنع زكاته؟ هل اغصب أكثر أم اغضب لما أكون مدينه 10000 ريال ولم يرجعها لي، هنا يأتي الغضب، متى يكون الغضب لله أو لغير الله؟ وهذا الذي نتكلم عنه لما تقول عائشة : '' ما غضب رسول الله لنفسه قط '' نحن لماذا نذكر هذه القصص لماذا نذكر قصة نوح؟ ما غضب لما استهزئوا به لكن غضب لما كفروا، موسى ما غضب لما استهزأ به فرعون لكن غضب لما رأى العجل يُعبد من دون الله يونس غضب على قومه لما كفروا صلى الله عليه وسلم، السماوات والأرض لماذا تغضب؟كله من أجل هذه الناحية .
سامي : طيب هل صحيح غضب الأنبياء أو أخطائهم هل هي تعليم للبشر، الله تعالى متعمدها لتتعلموا كيف تتصرفون في هذه الحالة.
سماحة الدكتور محمد العريفي : طبعا هي لإثبات أنهم بشر يعني الله جل وعلا يقدر أن يقع من الأنبياء ما يقع من اجتهادات ليثبت أن هؤلاء ترى بشر كما قال الله تعالى : '' قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ '' أنا مثلكم أكل واشرب وأنام والبس وأتزوج ويأتيني أولاد ،بشر مثلكم الفرق بيني وبينكم أنه يوحى إلي، فالفرق بيننا وبينهم هذا ،وإلا فهم بشر ، لكن الله تعالى شرفهم وكرمهم، لذلك يجب أن نحب النبي عليه الصلاة والسلام أكثر مما نحب أنفسنا، لا يجوز الواحد يحب نفسه أكثر مما يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا أحب النبي عليه الصلاة والسلام أكثر مما أحب نفسي، أكثر مما أحب أولادي، أكثر مما أحب أمي وأبي لو أحببت نفسي أكثر من النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتمل إيماني حتى أحبه أكثر من محبتي لنفسي لكن مع ذلك نحن نقتدي بهم فيما ذكر الله هنا في الغضب وما يتعلق به. الله يجزاكم خير يا شباب، ونسال الله أن يجعلنا فعلا ممن يستفيدون من مثل هذا أن لا تكون هذه مجرد معلومات فقط نحن نأخذها، بل تكون فعلا أشياء لها تأثيرها بإذن الله تعالى،الله يجزاكم خير أنتم أيها الأحبة أيضا، اسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياكم مما سمعنا، اسأل الله أن يهدينا جميعا لأحسن الأقوال، والأعمال، والأخلاق، واسأل الله أن يصرف عنا سيئها، اللهم إنا نسألك عيش السعداء وموت الشهداء والحشر مع الأتقياء ومرافقة الأنبياء ونعوذ بك ربنا من جهد البلاء ودرك الشقاء ،وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، بارك الله فيكم وإلى لقاء أخر ،والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .