بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
قانون التيسير والتعسير :
أعزائي المشاهدين ... أخوتي المؤمنين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، لازلنا في قوانين القرآن الكريم ، والقانون اليوم ( قانون التيسير والتعسير)
محبة النفس البشرية للتيسير و كرهها للتعسير :
لاشك أن التيسير شيء محبب جداً للنفس البشرية ، ولا يؤلمها ، ولا يضرها كالتعسير ، فلذلك من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام :
(( اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا ))
[أخرجه ابن حبان عن أنس بن مالك ]
ولكن هذا التيسير الذي يكون تارةً ، وذاك التعسير الذي يكون تارةً أخرى أليس له قانون ؟ أي علاقة ثابتة في القرآن الكريم كي نتعامل مع هذا القانون فنقطف ثمار التيسير ونبتعد عن نتائج التعسير ؟.
الآيتان التاليتان هما قانون التيسير والتعسير :
أيها الأخوة الكرام ، هذا القانون إنه قوله تعالى :
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾
( سورة الليل )
هاتان الآيتان هما قانون التيسير والتعسير ، وأي فهم آخر ، وأي وهم آخر ، وأي تصور آخر فهو باطل لا أصل له ، العوام لهم كلمات كثيرة في أسباب التعسير ، أو التيسير مثلاً في التعسير هذا الإنسان ما له حظ ، ما معنى الحظ ؟ هذا الإنسان قلب له الدهر ظهر المجن ، هذا الإنسان القدر يسخر منه ، هذه الكلمات التي لا معنى لها ، ولا تستند إلى حقيقة تلغيها هذه الآية الكريمة والتي بعدها :
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
ما الحسنى ؟ هي الجنة .
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾
( سورة يونس الآية : 26 )
الحسنى الجنة ، فالذي صدق أنه مخلوق للجنة ، وأن الله سبحانه وتعالى جاء به إلى الدنيا ليتعرف إليه ، وليتعرف لمنهجه ، ويطبق منهجه ، وليترقب إليه عندئذٍ يستحق جنة عرضها السماوات والأرض إلى أبد الآبدين ؟.
من اتقى أن يعصي الله و بنى حياته على العطاء استحق التيسير من الله تعالى :
الإنسان الذي آمن أنه مخلوق للجنة ماذا يفعل ؟ قال :
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ﴾
يتقي أن يعصي الله ، أولى خصائص هذا الإنسان الذي آمن بالحسنى أنه يتقي أن يعصي الله ، خوفاً من أن يغيب عن هذا الهدف الكبير ، والخصيصة الثانية له :
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى ﴾
بنى حياته على العطاء ، يسعده أن يعطي ، يرى الفوز والنجاح في العطاء .
فلذلك من خصائص المؤمن الكبرى أنه يعيش ليعطي ، يعطي من ماله ، يعطي من علمه ، من وقته ، من جاهه ، قال تعالى :
﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
( سورة البقرة )
أي شيء آتاه الله لهذا المؤمن ينفقه في سبيل الله ، بل إن الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ ﴾
( سورة القصص الآية : 77 )
يعني الذي آمن أنه مخلوق للجنة ، فاتقى أن يعصي الله أي استقام على أمره ، وبنى حياته على العمل الصالح ، هذا حقق الهدف من وجوده ، حقق الهدف الكبير الذي خلق الإنسان من أجله ، فلذلك يستحق مكافأة لا تقدر بثمن ، إنها التيسير ، أموره ميسرة ، زواجه ميسر ، عمله ميسر ، مكانته عند الناس كبيرة ، الله عز وجل يحفظ له صحته ، يحفظ له أهله ، يحفظ له أولاده ، يدافع عنه ، يلهمه الخير .
كلٌ ميسر لما خلق له :
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
وقد خُلق الإنسان لليسرى ، كلٌ ميسر لما خلق له ، أنت خلقت للسعادة .
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
( سورة هود الآية : 119 )
هذا هو قانون التيسير ، و أما كلمات الدهر قلب له ظهر المجن ، القدر يسخر منه ، هذا الإنسان ليس له حظ ، هذا شيء يتناقض مع هذا القانون الرائع الذي جاء في القرآن الكريم
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
سمِّ هذا التيسير التوفيق ، سمِّ هذا التيسير النصر ، سمِّ هذا التيسير التأييد ، سمِّ هذا التيسير الحفظ ، هذا كله يصب في خانة واحدة أن الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾
( سورة النساء الآية : 147 )
من أيقن بالدنيا واستغنى عن طاعة الله حبطت أعماله في الدنيا و الآخرة :
أما التعسير ، أما الإحباط ، أما الضياع ، أما السوداوية ، أما التشاؤم ، فتأتي من قانون التعسير ، قال تعالى :
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
كفر بالآخرة آمن بالدنيا ، والدنيا قوامها المال ، فالمال كل شيء ، فكسب المال من حلال أم حرام ، ولم يعبأ بطريقة كسبه ، وأنفقه على ملذاته لأنه آمن بالدنيا ، ولم يؤمن بالآخرة ، ولم ينقل اهتماماته إلى الدار الآخرة ، ألقاها في الدنيا .
الآن من أجل أن يستمتع بالحياة في أعلى درجة لابدّ من أن يعتدي على حقوق الآخرين .
﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾
( سورة المؤمنون )
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
كذب بالجنة ، وأيقن بالدنيا فاستغنى عن طاعة الله ، لم يطع الله عز وجل ، هو يريد الدنيا ، يريد متعها ، مباهجها ، استغنى عن طاعة الله ، وبنى حياته على الأخذ ، هذا مقياس دقيق ، اسأل نفسك هذا السؤال المحرج ، ما الذي يسعدك أن تعطي أم أن تأخذ ؟ إذا كان يسعدك أن تعطي فأنت من أهل الآخرة ، أما إذا كان يسعدك أن تأخذ دائماً فأنت من أهل الدنيا ، فالإنسان حينما يكفر بالآخرة ويؤمن بالدنيا ، بالمناسبة أيها الأخوة ، ليس شرطاً أن تنطق بلسانك أنك لا تؤمن بالآخرة ، أحياناً لغة العمل أبلغ من لغة القول ، أنت حينما تنكب على الدنيا لتأخذ الأموال الطائلة بطريق غير مشروع ، حينما تبني مجدك على أنقاض الآخرين ، حينما تبني حياتك على موتهم ، حينما تبني عزك على ذلهم ، حينما تبني غناك على فقرهم ، حينما تبني أمنك على قلقهم ، أنت بهذا لم تعبأ بمنهج الله ، ولم تؤمن بالآخرة ، بل لم تؤمن بحدود الله ،
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾
الله تعالى غني عن تعذيب عباده وما يسوق لهم الشدائد إلا ليعودوا إلى الطريق المستقيم:
لذلك هذا الإنسان الذي كذب بالحسنى ، وآمن بالدنيا ، واستغنى عن طاعة الله ، وبنى حياته على الأخذ بشكل مشروع ، أو غير مشروع هذا الإنسان يستحق التعسير لا التيسير ، لذلك هذا الذي يندب حظه تارةً ، ويندب ظروفه تارةً أخرى ، ليؤمن إيماناً دقيقاً أنه يدفع ثمن تفلته من منهج الله ، ويدفع ثمن بعده عن الدار الآخرة .
أيها الأخوة الكرام ، كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، الإنسان أحياناً يرفض التفسير التوحيدي لما يصيبه ، يرفض تفسير السماء ، بل يقبل تفسير الأرض الشركي ، لكن حينما يقع في مشكلة ، ويقرأ قوله تعالى :
﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾
( سورة الشورى )
والله سبحانه وتعالى غني عن تعذيبنا لقوله تعالى
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾
﴿ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾
( سورة النساء )
بل إن الله سبحانه وتعالى ينتظر منا أنه إذا ساق لنا مصيبة أن نصحو من غفلتنا وأن نعود إلى ربنا .
﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
( سورة الأنعام )
والظالم صوت الله ، ينتقم به ، ثم ينتقم منه ، وقد ورد في الأثر القدسي :
(( أنا الله لا إله إلا أنا ، مالك الملوك وملك الملوك ، قلوب الملوك بيدي ، وإن العباد إذا أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة ، وإن العباد إذا عصوني حولت قلوبهم عليهم بالسخط والنقمة ، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك ، وادعوا لهم بالصلاح ، فإن صلاحهم بصلاحكم ))
[أخرجه الطبراني عن أبي الدرداء ]
من يفهم على الله سرّ الشدائد التي يسوقها له ينجو من عذاب الدنيا و الآخرة :
أيها الأخوة الكرام ، قانون التيسير والتعسير مهم جداً لحياة المؤمن ولكن لو الإنسان وقع في مشكلة آية واحدة تحل كل مشكلاته ، قال تعالى :
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ﴾
( سورة الطلاق )
يكفي أن تتقي الله ، وأن تصطلح معه ، وأن تعود إليه ، وأن تعمل الصالحات تقرباً له ، عندئذٍ تقطف ثمار هذه العودة تيسيراً لأمورك ، وحلاً لمشكلاتك ، والله عز وجل ينتظرنا ، بل إن الذي نذوق من العذاب الأدنى من أجل ألا نصل إلى العذاب ، قال تعالى :
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
( سورة السجدة )
وحينما يفهم المؤمن على ربه سرّ هذه التصرفات ، وتلك الشدائد ينجو من عذاب الدنيا ، ومن عذاب الآخرة .
وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله رب العالمين