بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
قانون التغيير :
أعزائي المشاهدين ... أخوتي المؤمنين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ولازلنا في قوانين القرآن الكريم ، والقانون اليوم ( قانون التغيير )
إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ : هذه الآية تعد أصلاً في التغيير :
أيها الأخوة الكرام ، المجتمعات الإنسانية تتطلع إلى التغيير ، تتطلع إلى تغيير الحال ، من التفرق إلى التجمع ، من التنافس إلى التعاون ، من الضعف إلى القوة ، ولكن هذا التغيير بيد من ؟ وثانياً ما أسبابه ؟ ما القوانين التي تحكمه ؟ لو اطلعنا على القرآن الكريم لنبحث عن قانون يتحدث عن التغيير ، لوجدنا هذه الآية التي تعد أصلاً في التغيير ، الله عز وجل وكتابه كتاب عظيم يقول :
﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ﴾
( سورة فصلت الآية : 42 )
(( فَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى كَلَامِ خَلْقِهِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ ))
[أخرجه الدرامي عن شهر بن حوشب ]
الله عز وجل يقول :
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
( سورة الرعد الآية : 11 )
هذه الآية على إيجازها ، وعلى تماسكها ، تسطر حقيقة صارخة ، ثابتة ، قطعية ، لا تتبدل ، ولا تتغير ، ولا تطور ، ولا تعدل ، ولا تلغى .
من أراد التغيير نحو الأحسن ينبغي عليه أن يبدأ من نفسه بالصلح مع الله عز وجل :
إن التغيير ينبغي أن يبدأ من الداخل ، وأي تغيير يأتينا من الخارج لا يسهم في حلّ مشكلاتنا ، ولا في تحسين أوضاعنا ، ولا في تماسكنا ، ولا في قوتنا ، إن الله عز وجل يقول
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
كيف ؟ :
لو تتصور أن إنساناً في كرة يحكمها ، هو وهذه الكرة ضمن كرة كبيرة لا يحكمها ، بل تحكمه قوى كبيرة تملك من أنواع الأسلحة والقوى ما تفرض رأيها عليه ، فكيف ينجو من هذه القوى ، أو كيف ينتصر عليها ؟ الله عز وجل يقول :
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
هذه الكرة التي تملكها ، والذي يعد أمرك نافذ فيها ، هذه الكرة حينما تقيم فيها أمر الله ، يأتي الجواب : أقم أمر الله فيما تملك يكفك ما لا تملك ، إن أردنا التغيير نحو الأحسن ، نحو القوة ، نحو التماسك ، نحو الغنى ، نحو السمو ، ينبغي أن يبدأ التغيير من أنفسنا ، ينبغي أن يبدأ التغيير بصلحنا مع الله .
(( إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السماء والأرض أن هنؤوا فلاناً فقد اصطلح مع الله ))
[ورد في الأثر]
عظمة هذا الدين أنه دين جماعي فردي :
أيها الأخوة الكرام ، مشاريع كثيرة للتغيير لم تنجح ، لأنها لم تبدأ من الداخل ، من الذات ، من الخارج ، أو من استيراد نظم هجينة عن واقعنا ، وعن قيمنا ، وعن مبادئنا ، فالله عز وجل
﴿ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
هذه الحقيقة الأولى .
هناك حقيقة أخرى : يمكن أن تكون هذه الحقيقة تشمل الأمة بأكملها ، أو تشمل أحد أفرادها ، وعظمة هذا الدين أنه دين جماعي فردي ، فإذا أخذت به الجماعة قطفوا ثمار هذا الدين ، إن لم تأخذ به الجماعة وأخذ به الفرد قطف وحده ثمار هذا الدين ، الأولى أن تأخذ الجماعة بأكملها بهذه الحقائق .
هذه الحقيقة أيها الإنسان على المستوى الفردي : إذا كنت في راحة نفسية ، إذا كنت في بحبوحة ، إذا كانت أسرتك متماسكة ، إذا كان دخلك يغطي حاجاتك ، إذا كان أولادك أبراراً ، إذا كانت سمعتك طيبة ، هذا الوضع المريح الذي أنت فيه إن لم تغير فالله لا يغير اطمئن .
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾
( سورة التوبة الآية : 51 )
بطولة الإنسان لا أن يصل إلى المجد بل أن يبقى به :
إن لم تغير فالله لا يغير ، ينبغي أن تثق بالله عز وجل ، وأن تثق أن المستقبل وأنت مستقيم على أمر الله لا يخبئ لك إلا كل خير ، وهذا معنى قوله تعالى :
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾
إن كنت في بحبوحة ، إن كنت في رفعة ، إن كنت في راحة ، لا تغير فالله لا يغير ، ابقَ متواضعاً .
ودائماً وأبداً من السهل أن تصل إلى قمة المجد ، ولكن البطولة لا أن تصل ، بل أن تبقى ، لأن طرق المجد طريق وعر ، فيه أكمات ، فيه عقبات ، فيه صعوبات ، فيه صعود حاد ، ويمكن بعد جهد جهيد ، جهيد أن تصل إلى القمة ، ولكن البطولة لا أن تصل إليها ، بل أن تبقى فيها .
لذلك إذا كنت على خلق ، وعلى ورع ، وعلى استقامة ، وعلى طاعة ، وعلى عطاء ، وعلى أعمال صالحة ، لا تغير هذه الأعمال فالله عز وجل متكفل لك ألا يغير ما أنت فيه .
تجاوز مرحلة الهزيمة إلى مرحلة النصر لا يكون إلا بنصر الضعيف و تعليم الجاهل :
الآن يقابل هذه الحقيقة الرائعة حقيقة مرة : إن كنت أيها الإنسان في ضائقة ، في مشكلة ، في خلاف داخلي ، في ضعف سمعة ، في مشكلات خارجية ، إن كنت تعاني ما تعاني ، ارجع إلى نفسك لأن الله عز وجل يقول :
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾
( سورة النساء الآية : 147 )
إذاً إن لم تغير فالله لا يغير ، غيّر حتى يغير ، وإن لم تغير فالله لا يغير ، فهذه الآية على إيجازها قانون دقيق جداً تحتاجه الأمة بأكملها ، ويحتاجه الفرد المسلم ، إن كنت في راحة لا تغير فالله لا يغير ، وإن كنت في ضائقة غيّر حتى يغير ،
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
لذلك ورد في بعض الأحاديث :
(( هل تُنصَرون وتُرزَقون إِلا بضعفائكم ))
[أخرجه البخاري والنسائي عن سعد بن أبي وقاص ]
من أجل أن تنتقلوا من الضعف إلى القوة ، من أجل أن تتجاوزوا مرحلة الهزيمة إلى مرحلة النصر :
(( هل تُنصَرون وتُرزَقون إِلا بضعفائكم ))
[أخرجه البخاري والنسائي عن سعد بن أبي وقاص ]
فالضعيف ينبغي أن تطعمه إن كان جائعاً ، وأن تكسوه إن كان عارياً ، وأن تعلمه إن كان جاهلاً ، وأن تؤويه إن كان مشرداً ، وأن تنصفه إن كان مظلوماً ، إنك إن فعلت هذا كافأك الله بمكافئتين ، المكافأة الأولى أن ينصرك على من هو أقوى منك بحكم التوحيد ، والمكافأة الثانية مكافأة تكتيكية ، أنت حينما تنصر الضعيف تتماسك هذه الأمة ، ويصعب اختراقها .
إذاً :
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
نصر الله له ثمن و ثمنه أن تنصر دينه و تقيم شرعه :
أيها الأخوة ، من الآيات التي تؤيد هذا الأصل في التغيير أن الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾
( سورة محمد الآية : 7 )
نصر الله له ثمن ، ثمنه أن تنصر دينه ، أن تقيم شرعه ، أن يكون الأمر عندك مهماً ، أما حينما ترى أن الله تخلى عن المؤمنين هو في الحقيقة أدبهم ، لأنه هان أمر الله عليهم فهانوا على الله ،
﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾
وأحياناً تكون شدة الأقوياء تأديباً لهؤلاء المذنبين الضعفاء ، قال تعالى :
﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
( سورة الأنعام )
حقّ العباد على الله إذا هم عبدوه ألا يعذبهم :
أيها الأخوة ، لا تنسوا أن الله سبحانه وتعالى حينما يقول :
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
( سورة النور الآية : 55 )
الثمن :
﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾
( سورة النور الآية : 55 )
لذلك حقّ العباد على الله إذا هم عبدوه ألا يعذبهم .
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية : 33 )
منهجك مطبق فيهم ، إذاً هذه آية دقيقة جداً
﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾
تمكين الدين الإسلامي في الأرض لا يكون إلا بفهمه و التطبيق الصحيح له :
قال بعض العلماء في قوله تعالى :
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
( سورة الشعراء )
القلب السليم القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله ، والقلب السليم هو القلب الذي لا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله ، والقلب السليم هو القلب الذي لا يحتكم إلا لشرع الله ، والقلب السليم هو القلب الذي لا يعبد إلا الله .
أيها الأخوة ،
﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾
فإن لم يمكن دينهم معنى ذلك أن فهمهم لهذا الدين ، وتطبيقهم له ، ودعوتهم إليه لا ترضي الله عز وجل .
إذاً ينبغي أن نراجع أنفسنا ، والكرة في ملعبنا ، وفي أية لحظة نصطلح مع ربنا ، ننتصر على أعدائنا ، وتتحسن أحوالنا ، ويغير ما بنا إن غيرنا ما بأنفسنا .
أيها الأخوة الكرام ، إلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله رب العالمين