سنحكي في برنامجنا ولمدة 30 يومًا عن بيوتنا وعائلتنا، لن نتحدث بصيغة الفرد، سنقول لنقترب كعائلة من الله، ونترابط كعائلة، ونعيد الحب بيننا؛ أنت وزوجتك وأولادك. يتحدث برنامجنا عن لمّ الشمل للأسرة والعائلة، كفانا جزر منعزلة والعيش بمفردنا حيث يجلس كل منا في حجرته الآن ومعه جهاز الكمبيوتر، أو ألعاب الكمبيوتر، أو الأصحاب في الخارج. نريد تغيير كل هذا، ولا يوجد أقوى من رمضان لنُعيد فيه الأُلفة، وسنجعله هدف رمضان هذا العام؛ وهو تجميع شمل الأُسرة، لنصاحب ونُرضي آباءنا وأمهاتنا، ونفوز بهم: بالنجاح في الحياة، وبليلة القدر، وبالعتق من النار.
برنامجنا موجه لكل أفراد الأسرة؛ للشباب كيف يعاملون، والديهم ويختارون أصحابهم؟ والآباء كيف يعاملون الأبناء؟ وكيف يستخدمون لغة العاطفة؟ وما اللغة التي كان يستخدمها النبي في التعامل مع الشباب؟ والأم وكيف تعامل أبناءها؟ وقدرها الغالي بينهم، والزوجان اللذان ابتعدا عن بعضهما، وكيف يقتربان ثانيةً؟ والأخوة المنعزلون عن بعضهم على الرغم من وجودهم في الحجرة نفسها!
أعرف أخًا لم تربطه علاقة بأخيه حيث كان أصحابه هم كل حياته، حتى مات أخوه في حادث سيارة، فأفاق وبكى ودخل حجرته فوجد صورته فقال له: "لم أعرفك، ولم أفهمك على الرغم من كونك معي في الحجرة نفسه. خسارة ! كم تمنيت أن أعرفك!" ثم قرر أن يعرف أخوه بأن يرسل له حسنات ربما يشعر به، وبالفعل شعر به لكن بعد موته.
أقول للبنات: أنتن أهم من في العائلة؛ فكل العائلة ستسمع لك، فأنت التي ستجمعين الشمل وتقترحين عليهم الصلاة سويًّا، أو أن يخرج والداك سويًّا وتُعدين أنت الإفطار لأخوتك.
لن نتحدث في المشكلات، فكل منا حياته بها تجارب أسرية ومشكلات صعبة جدا ومؤلمة، بل سنتحدث عن المبادئ والقيم السهلة لكن الأساسية، والتي لابد أن يكون الانطلاق منها لإصلاح الأسرة. سنضع في كل حلقة قاعدة، وإذا حاولت حل مشاكلك بدون الأخذ بهذه القواعد ستدور في حلقة مُفرغة، وبالتالي فلن ندخل في تفاصيل المشاكل اليومية، بل سنُعطي مفاتيح عودة لم شمل الأسرة وعودة الحب بداخلها.
أسمينا برنامجنا الجنة في بيوتنا وذلك؛ لأن الكثيرين أصبحوا لا يطيقون الحياة بسبب مشكلاتها وصراعتها، فجئنا نقول: إن الله رحيم، فأعطانا شيئا جميلا لا نراه وهو البيت، به كل السعادة والطمأنينة والسكن. قال سبحانه وتعالى: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً..." (النحل:80)؛ بيتك هو مكان السعادة الأساسي في الأرض حتى تدخل جنة الله تعالى، وهو الجنة التي أعطاها الله لك في الدنيا: "جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ(23)سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ" (الرعد: 23،24 ).
البرنامج له علاقة شديدة بالنهضة، فالأسرة لدينا هي ميزة نسبية نسبق بها العالم، فهم سبقونا في الكثير، لكننا مازلنا نسبقهم بدفء العلاقات الأسرية، فمازال الشاب ذو الثلاثين عاما يحترم أمه ويُقبل يدها ويطلب رضاها ودعاءها، ومازال الجد هو كبير العائلة، على الرغم من أننا في تدهور لكن مازلنا متفوقين على العالم في هذه النقطة.
فقد قال الله: "...وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا... "(الحجرات:13) فليس لدينا ما نُقدمه الآن مثل الأسرة، فهي نموذج لا يعرفه العالم فليس لديهم صلة الرحم مثلنا، فهذه ميزة نسبية نُريد الحفاظ عليها فهي من بدايات النهضة فنحن لدينا ما نُقدمه للعالم. وليكن هدف رمضان هذا العام الحفاظ على العائلة قبل أن تتدهور مننا، فالأُسر بدأت تنفرط مثل المسبحة - . سنتناول ذلك في حلقات قادمة- فقد سقطت منا حوائط كثيرة كانت تحافظ على بلادنا وإسلامنا، فلنحافظ على الأسرة التي إذا سقطت يضيع مستقبل أُمة.
فانظر لبيتك اليوم واشهد الله أن تحافظ عليه من أجل الله تعالى حتى لو كنت بداخلك تريد الهروب منه أو خيانته. اعبدوا الله بالمحافظة على البيت وكأنها محافظة على الإسلام، فأعظم ما تقدمه لأبنائك أن تُحب أمهم فيخرجون للحياة أسوياء، وهذه نية رمضان هذا العام، حتى لو تآلف عشرون ألف عائلة بداخلهم.
وأسهل قاعدة أن تنوي لم الشمل من أجل الله تعالى، وتعاهده وتشترط على نفسك، "وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ، فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ" (التوبة:75،76).
ربط الله تعالى النهضة والإصلاح باستقرار الأسرة، فعباد الرحمن الذين يصفهم الله للعالم أجمع: "وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا "(الفرقان:74)، لنقود المؤمنين للإصلاح في الأرض، وهذا لن يحدث دون وجود الحب والاستقرار في البيت. لن تحتاج للخيانة إذا ارتبطت واكتفيت ببيتك وبهذا تصلُح أن تكون للمتقين إماما.
القاعدة الأولى: العبادة المشتركة:
سنضع القواعد البسيطة والهامة التي ستبني عليها حل مشاكلك العائلية، فالقاعدة الأولى إيمانية وملائمة لليوم الأول من رمضان وهي وصفة سحرية لمن يريد أن يعود الحب والدفء لبيته، بينه وبين زوجته وأبنائه ووالديه، وهي عبادة الله تعالى سويا.
كل شخص في بيته يعبد الله وحده، وسبب ذلك الخجل أحيانا من المشاركة في العبادة والتجمع للدعاء سويا مثلاً. تخيل إذا قرر رجل وزوجته الاشتراك في عبادة الله سويا في رمضان بصلاة ركعتين قيام، ماذا سيحدث في بيتهم؟ وكيف ستكون العاطفة بينهم؟ أيعقل أن يستيقظوا للعراك على (زرار) مفقود أو ملح زائد في الطعام؟ استحالة بعد عبادتهم الله سويا، وإذا قالت الابنة لأبيها: لنقرأ القرآن سويا، وإذا دعت الأم مع أبنائها قبل الإفطار بدقيقتين، فماذا إذن يحدث في هذه القلوب؟ ينظر الله سبحانه وتعالى في عليائه فيجد عائلة مجتمعة من أجله، أو قلبين يعبدانه سويا، كل هذا وأنت تدعو في سرك أن يجمع الله هذا البيت ثانيةً.
تخيل زوج وزوجة وهما في السيارة ذاهبين لمكان ما، بدلاً من العراك لأنه لا يُحدثها وأنه منشغل عنها، ماذا لو ذكرا الله سويا طوال الطريق بحمد الله وتذكر نعمة مع كل حمد، وتعميم ذلك على العائلة لمجرد دقيقتين يقولا فيها لا إله إلا الله وهما في السيارة، فكيف ستصبح قوة الإيمان في قلوبهم بعدها؟ رهيبة! وماذا سيحدث في البيت؟
اعبدوا الله سويا، وانظروا للرحمة والنعمة التي ستدخل البيت، والملائكة التي ستملأ البيت والشياطين التي ستخرج من البيت. فالمرأة الذكية التي تريد ربط زوجها بها تطلب منه الاشتراك في العبادة سويا فقط. فليست الهدايا والخروج سويا يغنيا عن هذا على الرغم من أهمية وجوده. يقول الله تبارك وتعالى: "وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى" (النجم:43)، فالسعادة بيديه سبحانه.
لي صديق لم يكن يطيق زوجته، فاقترحت عليه أن يصلي معها ركعتين كل يوم خميس لمدة شهر واحد، وبالفعل أصلح الله بينهما وزرع بينهما الحب. وأعرف شابًّا كانت علاقته بوالده شبه مدمرة فنصحته النصيحة نفسها، أن يصليا سويا في كل وقت صلاة يتواجدان فيه في المنزل، ألم أقل لكم أنها وصفة سحرية!
كيف تكون المشاركة:
خمس عبادات نريد عملهم في رمضان:
' * ' قراءة القرآن سويا ولو ربع واحد.
' * ' الصلاة سويا ولو ركعتان خفيفتان.
' * ' ذكر الله سويا ولو خمس دقائق.
' * ' الدعاء سويا ولو بالعامية.
' * ' إفطار عائلة صائمة سويا.
إذا قمتم بالخمسة فمبروك عليكم حضن الأسرة. كانت هناك عائلة متآلفة حريصة على عبادة الله سويا، فزارهم النبي فقال لهم: (( يا بني فلان، إن الله أخرج الشيطان من بيتكم بطاعتكم له، فلا تعيدوه إليه)). سلسل الله لكم الشياطين في رمضان فلا تعيدوه بعد رمضان، وذلك بالخمس عبادات الذين اتفقنا عليها وبمشاركة الأولاد. ولنغير شعار رمضان هذا العام، ما رأيكم في: أسرتي أعبد بها ربي، أسرتي حتى ألقى ربي، أسرتي معها أدخل جنة ربي، أسرتي حتى نهضة بلدي.
لأنك إذا قمت بالثلاثة أجزاء من الشعار بالفعل؛ اطمئن سيكون بعد رمضان عزة للأمة، وعلى الموقع أيضا جدول محاسبة للخمس عبادات لمدة الثلاثين يوما في رمضان، وهو للأسرة وليس الفرد، ولو لم توافق كل الأسرة على المشاركة أسمعهم هذه الحلقة، وإذا لم يوافقوا ابحث عن أحدهم ليبدأ معك وربما يشعر الآخرون بكما في نصف الشهر، وبدعائك لهم طول الشهر، فهذا العام: لا ترى نفسك، بل عائلتك كلها بأن تنقذوا سويا من النار بعمل ختمة الأسرة.
أعرف رجلا خفيف الظل كان كلما أغضبه أحد في أسرته - من زوجة أو أبناء- هددهم بدخولهم النار إذا استمروا، حتى ملوا من حديثه، وفي مرة وجد آية في القرآن تقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ..." (التحريم:6) فقال لنفسه: "أيقول لنا الله أن ننقذهم من النار وأنا أهددهم بدخولها بدلاً من الأخذ بيدهم!" يقول: "فبدأت أُغير الطريقة وأقترح أن يشاركوني العبادة وأشهدت الله أني أُنفذ قوله، فاسترحت واستراحوا هم".
حديث جميل للنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (( إن الشيطان ينفر من بيت تقرأ فيه سورة البقرة ))، فتخيل لو البيت يختم سوياً! يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( إذا صليتم في المسجد فاجعلوا لبيوتكم نصيبًا من صلاتكم، يكن خيرًا على أهل بيتكم))، وتقول الآية: "وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ..." (طه:132)، ما علاقة الرزق؟ البيت الذي يصلي سويا دائما يكن مرزوقا، أي لا تجعل الرزق حجتك لعدم التفرغ.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مثل البيت الذي يذكر فيه الله والبيت الذي لا يذكر فيه الله كمثل الحي والميت))، حي: أي الترابط الأسري، وميت هي الجزر المنفصلة والتفكك الأسري، يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: ((من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في مل خير منه))، فمبروك للعائلة التي تذكر الله سويا فسيُذكر اسمها في السماء كعائلة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( من فطر فيه صائما كان عتقا لرقبته من النار، وكان له مثل أجر الصائم من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئا)) فقالوا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يُفَطِر عليه الصائم، فقال النبي: ((يُعطي الله هذا الأجر لمن فطر صائما على شربة ماء أو مُسقة لبن))، فمن يقول سنشترك في إفطار عائلة كاملة طوال رمضان سويا؟
يا رب تكون هذه فاتحة خير، ولم للشمل وطرد للشياطين، وعزة ونهضة، ونجد أولادنا وأزواجنا أصبحوا لنا بعد رمضان قرة أعين بسبب عبادة رمضان.
المصدر: http://www.amrkhaled.net/articles/articles2666.html