السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.. أما بعد:
فمرحبًا بإخواني وأخواتي وأهلي وأحبابي مرحبًا بكم مرة أخرى مع "مسك الختام".
أظن الختام قرب، النهاردة 18 رمضان فاضل 12 يوم أو 11 يوم وأسأل الله عز وجل أن يجعلها لنا مسك ختام، ويكون رمضان هذا أجمل رمضان قضيناه في عمرنا، وأحلى أيام قضيناها كلها في طاعة الله، ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولا.
أخي وحبيبي، أخبار قلبك إيه؟ أخبارك وأحوالك إيه مع ربنا سبحانه وتعالى، القرآن أثر فيك؟ صلاة التراويح عملت فيك إيه؟ الاستغفار، الصيام، يا ترى حسيت كده إن الإيمانيات عندك بتعلى، حسيت أنك فعلا قربت تكون إنسان تقي وورع، حسيت فعلا بفضل الله سبحانه وتعالى أنه أنت عايش في نشوة ولذة حلاوة الإيمان .. حسيت أنك دخلت جنة الدنيا اللي قال عنها بن تيمية إنه في الدنيا جنة من لم يدخلها فلن يدخل جنة الآخرة، قالوا ما هي يا إمام؟ قال أنها جنة الإيمان.
أسأل الله عز وجل أن يرزقني وإياكم مسك الختام، واسم جميل قوي أتمنى أن حياتنا كلها تكون مسك ختام، يومنا يبقى مسك ختام، ساعتنا تبقى مسك ختام، حياتنا كلها تبقى مسك ختام، حتى يُحسن لنا الختام ويكون مسك الختام بلقاء النبي وصحبة النبي في جنة الحق جل وعلا التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر .. اللهم أمين يا رب .. أعتق رقابنا الليلة الليلة من النار، يا أرحم الراحمين ..
أخي وحبيبي مسك الختام النهاردة مع رجل حينما تذكره وحينما تسمع أسمه تتذكر العدل والزهد والتقوى والوروع والخشية والبكاء .. إنه "عمر بن عبد العزيز" الخليفة الراشد الخامس.
عمر بن عبد العزيز تعالى نشوف مسك الختام بتاعه كان عالم ازاي، عمر نام على فراش الموت، في بداية السكرات .. فبكى بكاء شديد جدًا، عمر اللي حكم الأمة، حكم 26 دولة لمدة سنتين وخمس شهور وخمس أيام .. ملأ الدنيا كلها زهدًا وورعا وعدلا وحكمة وخشية وإنابة يعني ملأ الدنيا كلها بالخير .. رضي الله عنه وأرضاه ..
نام على فراش الموت فبكى، قيل ما يبكيك؟ لقد أحيا الله بك سننًا، واظهر بك عدلا، فبكى وقال: ألا أوقف يوم القيامة بين الله جل وعلا وأُسأل عن كل هذه الرعية، فإن كنت قد قمت بحقها فأخشى ألا تقوم لي حجة، فما ظنك بي وقد فرطت، عمر بن عبد العزيز يقول أنه فرط، عمر بن عبد العزيز رغم كل الله عمله ده يقول أنه فرط، عمر بن عبد العزيز اللي ملأ الدنيا كلها بالزهد والعدل والورع يقول أنه فرط، ثم دخل عليه ابن عمه، فقال يا عمر يا أمير المؤمنين، لقد أفقرت أولادك في عهدك، الا تكتب لهم شيئًا، عيشتهم عيشة التقشف والزهد والحرمان والفقر والضيق، أكتب لهم حاجة بعدك، فتبسم وقال: وهل أملك من المال شيئًا، إن المال مال المسلمين، وأنا خادم لهؤلاء المسلمين، ثم قال لابن عمه، يا بن عمي، إن أولادي بين رجل من اثنين، إما أن يكونوا صالحين والله عز وجل يتولى الصالحين، وإما أن يكونوا غير ذلك فأنا أرفض أن أعطيهم مالا يستعينون به على معصية الخالق جل وعلا.. ثم نادى على أبنائه، وقال أي أبنائي، إن آباكم قد خير بين أمرين، لا ثالث لهما، إما أن تستغنوا ويدخل النار، وإما أن تفتقروا ويدخل الجنة، وقد اختار أبوكم الجنة، انصرفوا ..
ثم نادى على زوجته وعلى حاشيته، وقال: دعوني واتركوني ساعة من الزمن، فإني أرى في الغربة أو في المكان ملأ ليسوا جن ولا بأنس، يقصد الملائكة، فخرجوا، فبمجرد ما خرجوا سمعوه وهو يتلو قول الله عز وجل: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.. (القصص:83) .. ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .. ومات عمر بن عبد العزيز، مات عمر الخير، مات عمر الجود، مات عمر الفياض، مات الورع التقي النقي الخفي الذي عرف قدر الله وعرف قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وقام بحق الله عز وجل في عباده، فأدى ما عليه رحمه الله رحمة واسعة.
أريد أن أقول لك أخي وحبيبي كلمتين يمكن ورب الكعبة أول مرة تسمعهم مني، بل ويمكن تكون لأول مرة تسمعهم في حياتك، عمر بن عبد العزيز لما مات بكى راهب من الرهبان، من رهبان النصارى، بكى لموت عمر بن عبد العزيز، فتقدم إليه رجل مسلم، فقال عجبا لك: تبكي من أجل عمر وهو ليس على ملتك؟ قال: أبكي لأن نورًا كان في الأرض فطفئ الليلة بعدما مات عمر بن عبد العزيز، والأعجب منها ورب الكعبة لما مات عمر بن عبد العزيز بكى من أجله بكاءًا مريرًا شديدًا من يا ترى؟ إمبراطور الروم.. ليو الثالث، بكى بكاءًا عجيبًا فتعجبت حاشيته وقالوا يا سمو الإمبراطور تبكي من أجل موت عدوا من أعدائنا، عمر بن عبد العزيز حاكم من حكام المسلمين وعدو من أعداء النصارى .. كما يظنون ذلك .. بل بالعكس عمر بن عبد العزيز من أكثر الناس الذين أكرموا أهل الكتاب، وسترون ماذا فعل مع أهل الكتاب وأكرمهم وأغدق عليهم .. فقال أبكي لأن هذا الرجل كان ملكا عادلا ليس لعدله مثيل، لقد مات ملك عادل ليس لعدله مثيل والله لقد كان حريا أن يموت وأن يرحل فأهل الخير والصلاح لا يلبثون إلا قليلا بين أهل الشر والفساد، والله ثم والله .. الكلام للإمبراطور .. والله ثم والله لو كان رجل يحيي الموتى بعد عيسى بن مريم لأحياهم عمر بن عبد العزيز ..
ما هذا؟ إيه الحب ده كله، إيه المكانة دي كلها، إيه مسك الختام ده كله، على أن عمر بن عبد العزيز طبق الشعار اللي احنا بنقوله، وماذا أعددت لها؟ وطبق الآية اللي المفروض كلنا نتزود ونعيش من أجلها {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}.. (البقرة: من الآية197).
عمر بن عبد العزيز هذا كان ثمرة من ثمرات مراقبة الله عز وجل، ارجع معي بالذاكرة أخي وحبيبي وأختي الفاضلة نرجع بالذاكرة لأكثر من 1400 سنة، عمر بن الخطاب كان أمير المؤمنين، ونهى الناس جميعا عن مزج اللبن بالماء، يعني عن غش اللبن بالماء، وعمل قانون، وبدأ يراقب الناس، وهو بيسعى ويطوف بين بيوت الناس وفي شوارع المدينة حتى يطمئن على أحوال الرعية، رضي الله عنه وأرضاه، كان مقسم ليله ثلاثة أثلاث، ثلث الأول ينام فيه، والثلث الثاني يصلي قيام ليل والثلث الثالث يمر على الرعية يطمئن على أحوال الرعية ..
سبحان الملك، فمر فسمع حديث عجيب جدا يدور بين اثنتين، أم وابنتها، الأم تقول هيا يا بنيتي، ائتني بالماء، كي نمزج اللبن بالماء، فقالت يا أماه ألم ينهى أمير المؤمنين عمر عن مزج اللبن بالماء؟ قالت: وما يدري أمير المؤمنين إن أمير المؤمنين الآن نائم في فراشه، فقالت البنت التي تراقب الله عز وجل وتخشاه في السر والعلن قالت: يا أماه إن كان أمير المؤمنين عمر لا يرانا فرب أمير المؤمنين عمر يرانا، أُعجب عمر بن الخطاب بهذه الكلمة، وراح على البيت وطلب من أولاده الثلاثة أي واحد فيكم لازم يتزوج هذه البنت، فأني أرجو الله أن يخرج من نسلها رجلا يوحد الله به صفوف الأمة .. وكان عمر ملهما، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عنه كما عند أحمد بسند صحيح، إن الله أجرى الحكمة على قلب ولسان عمر، وكما عند أحمد بسند صحيح قال صلى الله عليه وسلم .. "لو كان نبي بعدي لكان عمر بن الخطاب" .. الله أكبر ..
يتزوجها عاصم بن عمر، يتزوج ابنة بائعة اللبن، وهو من؟ ابن أمير المؤمنين، يا جماعة ياللي بتقولوا احنا ما ينفعش نناسب الأسرة دي، دول مش من مستوانا، أمير المؤمنين بيحكم 26 دولة يزوج ابنه عاصم بن عمر لبنت بائعة اللبن، فتزوجها، فأنجبت له بنتا سماها ليلى، وكنوها بأم عاصم، ليلى أو أم عاصم تزوجت حاكم مصر في ذلك الوقت عبد العزيز بن مروان، فأنجبت له الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز، فجدة عمر بن عبد العزيز هي ابنة بائعة اللبن، يا الله .. ثمرة من ثمرات المراقبة لله سبحانه وتعالى عمر بن عبد العزيز رضيى الله عنه وأرضاه.
تعالوا نشوف صفحات من عدل أمير المؤمنين عمر، تعالوا نشوف سبب مسك الختام اللي هو عاشه أو نهايته مسك الختام كان سببها إيه؟ ماذا قدم؟ ما احنا بنقول الشعار ماذا أعدت لها؟ هو أعد إيه بالضبط عشان ربنا يكرمه بمسك الختام، تعالى نشوف بس في بداية حكمه عمل إيه؟
عمر بن عبد العزيز بمجرد أن تولى رجع ورد كل المظالم إلى كل إنسان كان له مظلمة عند الذي قبله، رد كل المظالم للبشر، لم يترك لأحد مظلمة أبدا، طلب من الناس أن يجمعوا زكاة المال ومن أراد أن يتصدق فوق الزكاة فليؤدي، فأدى الناس زكاة أموالهم عن طيب خاطر، ليه؟ لأنهم يعرفون أنهم مأجورين عند ربهم سبحانه وتعالى والأجر سيصل إليهم بفضل الله سبحانه وتعالى.
امتلأت خزانة المال، وامتلأ بيت مال المسلمين حتى فاض المال، كان باب بيت مال المسلمين لا يغلق من كثرة الأموال، كانت الأموال أمام الباب ولا أحد يجرؤ أن يأخذ مليم واحد لأنه كما قال الناس عف أمير المؤمنين فعفت الأمة كلها تبعا لعفة أمير المؤمنين.
فأرسل من ينادي في 26 دولة، قال لهم نادوا في كل مسجد في الـ 26 دولة نادوا على الناس، أين اليتامى، أين الأرامل؟ أين الفقراء؟ أين المساكين؟ من كان في حاجة إلى مال فليأت إلى بيت مال المسلمين، يرجع المال كله إلى بيت مال المسلمين كما هو، فيتعجب أمير المؤمنين، أما ناديتم على الناس يقولون نادينا، فماذا حدث؟ ما أخدوش فلوس ليه؟ قالوا عففت يا أمير المؤمنين فعفت الأمة كلها، قال لهم فنادوا مرة ثانية من كان عليه دين فسداد دينه من بيت مال المسلمين، فسد ديون المسلمين كلهم في 26 دولة وفاض المال، وبقيت البركة باركة على باب بيت مال المسلمين، الله أكبر .. فسد ديون المسلمين، ثم قال من بلغ سن الزواج من الشباب والفتيات فزواجهم من بيت مال المسلمين، زوج الشباب بدل ما يجروا يتكلموا على الشات، وبدل ما يجري يكلم واحدة ويحلم بيها وتحلم بيه يتزوجوا في الحلال ويفرغ عقله ومخه وحياته وقلبه لله سبحانه وتعالى، سبحان الملك.
ثم قال من أراد أن يحج ولم يستطع فحجه من بيت مال المسلمين، فحج من لم يستطع في 26 دولة من بيت مال المسلمين، قال لهم أئتوني بالحبوب وابدروها في الصحراء، لما يا أمير المؤمنين، قال كي تنعم الطير في عهد المسلمين .. يا الله .. القمح اليوم الذي يلقى في المحيطات حتى يضبطون أسعار القمح وملايين المسلمين مش لاقين يأكلوا يموتون من الجوع ودولة ترمي القمح في المحيط، افتراء والعياذ بالله .. وهو يقول ائتوني بالحبوب وابدروها في الصحراء، ليه؟ عشان الطير ده ليه حق علينا يعيش في عهد العدول كي تنعم الطير في عهد العدول، لسه فيه فلوس وفيه خير وبركة، فيقول: ما تبقى من مال فتصدقوا به على فقراء أهل الكتاب، يا الله .. والله ما لاقي كلام أعلق به .. قول أنت لو أنت مكاني تقول إيه من الموقف اللي باحكيه ده ..
طيب ده أها ها حكيلك موقف أعجب من كده، كان فيه واحدة ست عجوزة كبيرة في السن سوداء اسمها فرتونة السوداء، كانت تسكن في مدينة الجيزة في مصر، أرسلت رسالة إلى عمر بن عبد العزيز (بالله عليك اسمع هذه الحكاية بقلبك وقولي بماذا تعلق على هذا الرجل العظيم) فرتونة السوداء ست فقيرة جدا عايشة في بيت بتربي فيه شوية فراخ، حياتها كلها على الفراخ أو البيض اللي بيطلع من الفراخ، وهذه كل حياتها .. اللصوص كل يوم يقفزون فوق السور لأن السور قصير ويسرقون إما بيضة أو فرخة فأرسلت رسالة، مش للمحافظ ولا لرئيس القسم أو الشرطة، بل لأمير المؤمنين مباشرة، فقالت لأمير المؤمنين أنا فرتونة السوداء واللصوص يسرقون دجاجي فأريد منك أن تعلي جدار بيتي حتى لا يستطيع اللصوص أن يتسلقوا الجدار .. لو أنت مكان أمير المؤمنين ها تقول هو احنا فاضيين لفراخ وهذه الأمور، أنا أمير المؤمنين وتطلب مني أن أعلي سور للفراخ؟ .. لكن مش أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز اللي يردها، فأول ما وصل الخبر على طول راح باعت رسالة لأيوب بن شرحبيل حاكم مصر في هذا الوقت قال له إذا وصلتك رسالتي يا أيوب، فاخرج بنفسك لا تعطي أمر لأحد لوزير أو غيره بل أنت بنفسكن فاخرج بنفسك وابحث عن بيت فرتونة السوداء وأعلي لها جدار البيت حتى لا يسرق اللصوص دجاجها، .. وذهب أيوب بن شرحبيل سأل عنها حتى وجدها في زقاق جوه حارة جوه شارع في محافظة الجيزة، وأعلى لها الجدار بنفسه ثم أرسل إليها عمر بن عبد العزيز لقد أرسلت لأيوب بن شرحبيل كي يعلي لك الجدار حتى لا يسرق اللصوص دجاجك يا فرتونة، ووصلت الرسالة إلى فرتونة السوداء من عمر بن عبد العزيز.
إيه العدل وإيه الزهد وإيه الورع وإيه التقوى وإيه ده كله ده مين، ده عمر بن عبد العزيز.
عمر بن عبد العزيز أخي الحبيب اللي في يوم من الأيام سمع أنهم في مصر يحملون الجمال أحمال فوق الطاقة فأرسل إلى والي مصر وقال له لقد بلغني أن الحمالين عندك في مصر يحملون على الجمال أحمالا فوق طاقتهم، فإذا وصلتك رسالتي فلا يحملن على ظهر بعير أكثر من 600 رطل، لا يحمل أحد أكثر من ذلك أبدا، وإلا أنا سأعاقبه، شوف رحمته حتى بالحيوان رضي الله عنه وأرضاه.
في يوم من الأيام يخرج متنكرا هو ورجل كان معه، مولاه، فقابله التجار الناس اللي جايين القوافل اللي جايه من الشام ومن اليمن ومن كل مكان، فسألهم كيف تركتم الناس، فقال أجمل لكم القوم أم أفصل؟ تحب أجمل لك القول وأقول لك المختصر، ولا أحكي لك .. قال له لا أجمل، قال تركت فيهم الظالم مقهور، والمظلوم منصور، والغني مجبور، والفقير موفور، فبكى عمر بن عبد العزيز وقال لغلامه والله لأن يكون ما قاله الرجل حقا أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، يا الله .
يستأذنه أحد الولاة ويقول له يا أمير المؤمنين لقد خربت مدينتنا، فإن أردت أن ترسل إلينا مالا حتى نعلي جدار المدينة وحتى نرمم أماكنها ودورها وغير ذلك وأرصفتها وشوارعها، فافعل، فقال لقد وصلتني رسالتك، فأما بعد، فحصن مدينتك بالعدل، ونقي طرقها من الظلم فتلك مرمته والسلام، أنت بس حصن المدينة بتاعتك بالعدل، ونقي الطرق بتاعتها من الظلم ما تخليش فيه ظلم، فهذه هي المرمة الحقيقة للمدينة، وليس الجبس والزلط والطوب ... لا هذه المرمة الحقيقية للمدينة.
أحد الولاة في خراسان يستأذنه ويقول له الرعية عندي يحتاجون إلى شدة في المعاملة، وإلى قسوة وأنهم لا يصلحهم إلا السوط، فقال: لا والله بل يصلحهم العدل والحق واللين والرحمة.
عمر بن عبد العزيز، عمر بن عبد العزيز اللي فعلا بيضرب به المثل في العدل والرحمة، يأتيه رجل راعي غنم، ويقول يا أمير المؤمنين شيء عجيب يحدث عندي، قال ما هو؟ قال: في كل يوم يأتي الذئب وينام في حضن الغنم، يعني الذئب .. ده مش ممكن، ده الذئب خطره على الغنم أشد من الأسد، الأسد يقتل غنمة ويأكلها ساعتين ثلاثة وانتهى الأمر، أما الذئب فيقتل 50 غنمة ويأكل فيهم مثلا ثلاثة شهور، فقال عمر بن عبد العزيز: لا عجب في ذلك، كيف ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال والله لقد أصلحت ما بيني وبين ربي فأصلح الله ما بين الذئب والغنم.
إيه ده، لا هناك مفاجأة أعجب من الخيال، وماذا أعدت لها؟ مفاجأة أرسل هذه المفاجأة لكل أقطار الأرض ولكل أهل القرى الأرضية حتى يعلموا ما هو الإسلام ومن هم المسلمون .. مفاجأتين .
المفاجأة الأولى أن المسلمين في عهد عمر بن عبد العزيز قد أرسل قتيبة بن مسلم يفتح مدينة سمرقند، الأصل في مسألة فتح المدن الكافرة دي الأصل فيها التوجيه الذي وضعه النبي صلى الله عليه وسلم والأساس الذي وضعه النبي صلى الله عليه وسلم أن تدعو أهل المدينة للإسلام، فإن أبوا فالجزية، وإن أبوا فالحرب، ولا تبدأوهم بالقتال حتى يبدأوكم، وهذه قاعدة وضعها النبي عليه الصلاة والسلام .. قتيبة بن مسلم وجد أن أهل سمرقند ناس اقوياء، وليس من السهل أن تحتل هذه المدينة، وليس من السهل أن يدعوهم، فماذا فعل؟ من غير ما يدعوهم ولا يعمل أي حاجة دخل واحتل المدينة على حين غفلة، فالناس بعضهم قال يا جماعة احنا سمعنا أن نبيهم وضع لهم قانون معين أنه يجب أن يدعونا أولا للإسلام، وهؤلاء دخلوا على طول غرة، فماذا نفعل؟ قالوا نرسل واحدًا للمدينة المنورة عند أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ونرى بماذا يأمر؟ .. فنزل رجل يسأل عن قصر أمير المؤمنين، قالوا ما فيش قصر، طيب فين بيته؟ قالوا بيته هناك .. فدخل وجد رجل عجن عجين الطين يرمم جدار بيته، من هذا؟ هذا أمير المؤمنين عمر يرمم جدار البيت لأنه فيه بعض الأماكن قد تصدعت، فجلس يرممها بالطين، فرجع الرجل فقال يا رجل قلت لك دلني على أمير المؤمنين فدللتني على هذا الرجل، فقال له هو أمير المؤمنين، فرجع وقال له أأنت أمير المؤمنين، فقال أجل، فقال أنا من أهل سمرقند وقد حدث كذا وكذا والقائد بتاعك دخل البلد من غير ما يدعونا للإسلام .. فغسل يديه وجففها وكتب له ورقة إلى قتيبة بن مسلم، وقال إذا وصلتك رسالتي فعين قاضيا يحكم فيهم بحكم الله وبحكم رسول الله .. الرجل بيقول أنا نفسي قلت مش ممكن هو ده الرجل اللي كان بيطين بيته بالطين هو ده اللي ها يغير الوضع اللي احنا فيه، لكن مش مشكلة هاوصل الرسالة حتى لا يقولوا أني ما أتيت .. فذهب هناك فكان قتيبة بن مسلم قد مات رحمه الله، فأعطى الرجل الورقة لمن مسك مكان قتيبة بن مسلم فعين قاضي، فالقاضي قال لا، هو حكم ربنا وحكم نبينا صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة أن نخرج ثم ندعوهم إلى الإسلام فإن استجابوا وإلا فالجزية وإن رفضوا الجزية فالحرب، فتركوا البلد، هو فيه حد في الدنيا يحتل بلد ثم يتركها، حصل ذلك، لأنهم وقافين عند الحق، فتركوا البلد وخرجوا ولسه ها يدعوهم إلى الإسلام، فوجدوا أهل سمرقند جميعا قالوا لا يمكن أن يكون هناك دين أعظم من هذا الدين، بعد ما احتلوا بلدنا يخرجوا حتى يطبقوا شرع ربنا، أكيد هذا دين عظيم وخرجوا جميعا يلبون ويشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ..
المفاجأة الأخيرة، الوليد بن عبد الملك كان قبل عمر بن عبد العزيز، الوليد بن عبد الملك كان قد أخذ جزء من كنيسة اسمها كنيسة يوحنا، وضمها للمسجد الأموي حتى يوسع المسجد، فلما جاء في عهد عمر بن عبد العزيز جاء القساوسة واشتكوا لعمر، قالوا له أخذ جزء من الكنيسة حتى يوسع المسجد، هل الكلام ده يرضي الله، فقال لهم لن أعتدي على حقوقكم، فأصدر أمر بهدم جزء من المسجد الأموي حتى يرجع ويصبح جزء من كنيسة يوحنا، ويكون هذا حقهم وهذه أرضهم، هل هناك حاكم يفعل ذلك، أرأيت العدل وصل لدرجة إيه، ثم بعد ذلك فجأة العلماء كانوا خايفين كيف نهدم مسجد حتى يكون تبع الكنيسة، فقال خلاص تصالحوا مع هؤلاء وإلا الأمر خلاص صدر وحددت موعد الهدم .. فلما رأى النصارى عدل هذا الحاكم المسلم تنازلوا عن حقهم ورضوا أن يأخذوا بدلا منه مالا ويستعينون به على أي عمل دنيوي ..
هل رأيت عدلا بهذا الشكل، هذا عمر بن عبد العزيز اللي دخل عليه واحد عند موته، وقال جزاك الله عن الإسلام خيرا، فقال له عمر، بل جزى الله الإسلام عني خيرا.
عمر بن عبد العزيز اللي ملأ الدنيا كلها زهد وعدل، عمر بن عبد العزيز اللي الطير عاش أجمل عيشة في عهده، عمر بن عبد العزيز اللي أهل الكتاب يشهدوا أنهم لم يعيشوا في حياتهم في عصر أجمل من عصره، وما أخدوش حقهم في عصر أحد أكثر من عصر عمر بن عبد العزيز اللي ملأ الدنيا بزهده وورع ..
إذن فله حق ليو الثالث ملك الروم أن يقول: مات رجل حاكم عادل ليس لعدله مثيل، وقال لقد كان حريا ألا يلبس بيننا أكثر من هذا فأهل الخير والحق والصلاح لا يلبسون إلا قليلا بين أهل الشر والفساد، والله لو كان رجل يحيي الموتى بعد عيسى بن مريم لأحياهم عمر بن عبد العزيز، له حق أن يقول هذا .. لأنه شاف منه أشياء ما تخطر على قلب بشر.
عمر بن عبد العزيز يا ترى هل سنجد فينا واحد ها يكون عادل، مش لازم يكون حاكم، أنت في بيتك خليك عادل بين أولادك، أنت في مصنعك عادل بين عمالك، أنت في مدرستك عادل بين تلاميذك، كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، ومن أول الذين سيكونون في ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله أول واحد إمام عادل، والإمام العادل مش شرط أنه يكون حاكم، الأصل يكون حاكم، لكن برضه لابد أن يكون كل إنسان ربنا يسترعيه رعية فيكون عادل ورحيم ورفيق ويكون لين عشان ربنا يكرمه ويكون في ظل عرش الرحمن ..
ده كان مسك الختام في يومنا وأسأل الله عز وجل أن يرزقني وإياكم بمسك الختام .. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصبحه وسلم .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=2011_0_2_0