|
|
|
| محمود المصري |
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه، وآله وسلم.
أما بعد...
فمرحبا بإخواني وأخواتي، وأهلي، وأحبابي.. مرحبا بكم مع مسك الختام.. مسك الختام عنوان جميل، وأتمنى إن ربنا ينفعنا بهذه الدروس، وإن إحنا فعلا قلوبنا تشتاق، وإن إحنا نرتقي بأروحانا، وإن إحنا ربنا يكرمنا، ونشتاق لحسن الخاتمة، وإن ربنا -سبحانه وتعالى- بشيء يرضيه عنا.
"إن الله إذا أحب عبدا استعمله.. قيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: ييسر له عملا صالحا ثم يقبضه عليه"
ولذلك بعض الناس تسأل أنا بحب ربنا جدا بحبه بجد.. لكن أنا نفسي أعرف أنا ربنا بيحبني ولا لأ.. عندك علامة جميلة أخويا، وحبيبي..
يقول أحد الصالحين: إذا أردت أن تعرف عند الله مقامك فانظر فيما أقامك.. أقامك في إيه؟ أنا بقول لإخواني وحبايبي في الأستوديو دلوقتي ربنا أقامكم على الخير دوه اللي واقف وراء كاميرا، واللي قاعد على الصوت، واللي بيخرج الدرس دوه، واللي مسئول عن الإضاءة، واللي عمل الديكور دوه.. ربنا يقيمك في هذا الخير.. علشان توصلوا كلام ربنا، وكلام رسولك -صلى الله عليه وسلم- هو ده مقامكم عند ربنا -سبحانه وتعالى- وغيركم ممكن يكون قاعد ورى كاميرات علشان يوصل الرقصة ديه، والمشهد ديه، وده، وحاجات يوصلوا بحاجات، والعياذ بالله يفتنوا بها شباب الأمة، ويبعدونه عن دين الله -سبحانه وتعالى- فهو ده مقامكم عند ربنا.
ربنا يجزيكم خير.. ده مقامك عند ربنا.. شوف ربنا أقامك في إيه؟ أقامك في خير.. في بناء مسجد.. في بناء دار أيتام.. في كفالة أيتام.. في بر والدين.. في قراءة قرآن.. في ذكر لله.. في دعوة إلى الله.. هو ده مقامك عند ربنا.
إنما لو كان عكس ذلك ربنا يكرمنا، ويكرمكم، ويرزقنا وإياكم الإخلاص في القول، والعمل أكيد كلكم مشتاقين تعرفوا مين النهاردة.. ضيفنا النهاردة في مسك الختام؟
هو صحابي جليل هو عبد الله بن جحش (رضي الله عنه وأرضاه)..
الحقيقة مسك الختام بتاع عبد الله بن جحش من الختامات اللي تؤثر فيّ جدا، وبدون مبالغة بجد.. يعني ساعات أقول جسمي يقشعر لما أذكر موقف معين.. لأ ده أكثر موقف جسمي يقشعر منه موقف عبد الله بن جحش (رضي الله عنه وأضاه) في غزوة أحد.. اجتمع عبد الله بن جحش مع سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنهما) فعبد الله بن جحش يقول له: يا سعد لقد حضر ما ترى.. أديك شايف بينك، وبين الموت شعرة.
لقد حضر ما ترى.. فادعوا الله -عز وجل- وسل المولى -عز وجل- لعل الله أن يرزقنا الشهادة.
ركز معايا في الحتة ده مهمة قوي.. فرفع يديه سعد بن أبي وقاص، وقال: اللهم إني أسألك أن تلقني اليوم رجلا شديدا حرده.. شديدا بأسه.. أقاتله فيك فأقتله.. ثم أخذ سلبه.. ثم تلقني رجلا ثالثا، ورابعا ثم تلقني رجلا شديدا حرده.. شديدا بأسه أقاتله فيك فيقتلني، ثم قال سعد بن أبي وقاص ركز معايا في الحتة ده مهمة جدا، وحساس قوي.. ثم قال لعبد الله بن جحش تمنى على الله يا عبد الله.. اطلب بقى اللي أنت عاوزه.
قال عبد الله بن جحش: أما أنا فاللهم إني أسألك أن تلقني اليوم رجلا شديدا حرده.. شديدا بأسه.. أقاتله فيك ومش ها أقدر أستنا علشان أقتل واحد، واثنين، وثلاثة.. أنا مشتاق للقائك يا رب.. أقاتله فيك فيقتلني.. ثم لا يكتفي بذلك.. بل يجدع أنفي، ويقطع أذني، ويبقر بطني، ويفقع عيني.. فإذا لقيتك يوم القيامة قلت لي: فيما كان ذلك يا عبد الله؟ أقول: من أجلك.. فتقول: صدقت.. يقول سعد بن أبي وقاص: فلما انتهت غزوة أحد بحثت عن عبد الله بن جحش فوجدته على نفس الميتة التي تمناها.. وجدته مقتولا قد جدع أنفه، وقطعت أذنه، وفقئت عينه، وبقرت بطنه. فقلت: صدق الله فصدقه الله يا الله.
فاكر لما تكلمت عن أنس بن النضر، وبعدين ذكرت معاه واحد ثاني اللي هو كان في غزوة خيبر، وقال للنبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: يا رسول الله ما اتبعتك إلا على أن أرمى هاهنا، وأشار إلى حلقة.. فقتل في الغزوة التي بعدها في نفس الموضع.. فقال النبي أهو هو؟ قالوا: بلى يا رسول الله.. قال: صدق الله فصدقه الله.. اللهم إن عبدك هذا خرج مهاجرا، ومجاهدا في سبيلك، وأنا على ذلك شهيد" يا الله.
الصدق مع ربنا إن أنت تكون عندك من جواك صدق مع ربنا.. إنك تحس إن ملكشي في الدنيا ده غير ربنا.. ربك حبيبك -سبحانه وتعالى- { وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ}.
{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ} لكن أهل الإيمان مش كده خالص { وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ} محدش عندنا أغلى من ربنا.. محدش عندنا أحب إلى قلوبنا من الله -سبحانه وتعالى-
شوف عبد الله بن جحش يقول: يا رب أنا مش ها أقدر أستنا مش ها أقدر أصبر.. أنا مش ها أقدر أستنا إلى أن أقتل واحد واثنين وثلاثة وأربعة، وآخذ السلب بتاعتهم، والغنائم بتاعتهم، وبعد كده.. أقتل: لأ أنا من أول لقاء بأول واحد خلي استشهادي على يده، مش تخليه يقتلني بس أنا عاوزك تخليه يقطع منخيري، ووداني، ويفقع عيني ويفتح بطني علشان لما أقف بين يدك يوم القيامة.. تقول: يا عبد الله هو اللي حصل لك ده حصلك ليه؟
أقول من أجلك فتقول: صدقت، قال سعد بن أبي وقاص فوجدته على نفس الهيئة التي تمناها فقلت: صدق الله فصدقه الله.
معنى جميل، وعظيم.. الحقيقة أنا بستحي لما أذكر قصة عبد الله بن جحش بحس إن الواحد صغير جدا، عارف لما أذكر قصة عبد الله بن جحش، والله بلا مبالغة يا إخوة إن العيش الخبز الحاف ده خسارة في الواحد.. ده عاشوا لله بجد.. الناس ده فعلا صدقت مع ربنا وإحنا يا ترى ها نصدق ولا مش ها نصدق الباب مفتوح {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً } عبد الله بن جحش تعالوا نشوف الثمرة اللي قدمها في حياته.. علشان نشوف مسك الختام.. الشعار اللي ها نفضل نرفعه، ونذكر الناس به حتى في دروس غير دروس مسك الختام ها أفضل أذكر لكم بالكلام ده.
ها أقعد أقول لكل المسلمين، وماذا أعددت لها ارفع الشعار العمر كله عيش حياتك كلها لله ها تبقى أسعد إنسان في الكون ده كله الدنيا بتجري أخويا وحبيبي اسأل أي واحد تمتع في الدنيا اسأله عيشت كام سنة؟ يقول لك: يوم لفيت الدنيا، وعملت، واتمتعت وعشت أحلى عيشة في الدنيا، وبعدين فاكر حاجة من اللي أنت شفته حاسس بالمتعة ده راحت.
كان أحد الصالحين بيقول كلمة جميلة قوي.. كانت من أجمل الكلمات اللي قصرت في حياتي، وكانت من أجمل الكلمات اللي ضبطت لي حياتي كان يقول: بيني وبين الملوك.. يوم واحد والله الكلمة أثرت فيه جدا، يقول: بيني وبين الملوك يوم واحد أما الأمس فلا يذكرون لذته، ولا أذكر مغبته، الملوك والأغنياء والناس امبارح كانوا يأكلوا كباب، وشوارمة، وأنا كنت باكل مش ولا جبنة همه مش فاكرين.. طعم بتاع امبارح، وأنا برده مش فاكر طعم الأكل هو امبارح كان بتفسح، وأنا امبارح كنت مريض بس النهاردة خفيت، والحمد لله هو مش فاكر الفسحة، وأنا مش فاكر المرض هو امبارح كان كسب 100ألف جنيه،
وأنا كسبت 3 جنيه هو مش فاكر كله ده وأنا مش فاكر ، امبارح عدا خلاص وأما الغد.
فهو في علم الله ممكن أنا بكره اللي غني وهو فقير ممكن أبقى أنا اللي صحيح، وهو اللي مريض.. ممكن يبقى أنا اللي منصبي عالي وهو مفيش حاجة خالص، قال: فما بقي إلا اليوم.. فإن أحسنت فيما بيني وبين رب كنت أفضل عند الله من كل ملوك الأرض.
النهاردة إيه؟ النهاردة الأحد، مثلا تقول: بيني وبين الملوك يوم الأحد أحسن فيما بينه، وبين ربي يبقى أحسن يوم؟ يوم الأحد، يوم الاثنين بيني وبين الملوك الاثنين أحسن فيما بيني وبين ربي ييجي الثلاثاء وهكذا ، وهو ده قول أحد الصحابة يقال: إن هو عبد الله بن عمر، ويقال: إن علي بن أبي طالب اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا.
الناس تقول: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا يالا فلوس، ولك علشان يبقى اسمك عالي مش ده المقصود.. المقصود إذا فاتتني لذة من لذائذ الدنيا الحلال ما تستعجلش عليها.. بكرة تأخذها.. سقط السنة ده تنجح السنة اللي جايه، موصلت للمنصب ده السنة دي السنة اللي جاية ربنا يكرمك.. ما بنتشي البيت السنة ده ابنيه السنة اللي جاية.
كأنك تعيش أبدا، اصبر { فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا}.. طيب بالنسبة لأمر الآخرة لأ، {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ}، { فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ}، { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا.. كأنك ميت بكره.. ضبط نفسك، واستعجل مينفعش تأجل عمل الآخرة بتاع النهاردة لبكرة، مينفعش.. لازم تعمله النهاردة.
عبد الله بن جحش بمجرد ما أسلم حبايبي على طول دعا أسرته فأسلمت كلها على يده.. كل الأسرة، والحمد لله.. تحمل الأذى كتير قوي، وتعذب في سبيل الله، وتحمل.. تقدر تتحمل أنت ربع الأذى اللي شافه واحد من الصحابة؟ مع أول قلم تقول: تبت إلى الله مش عاوز التزام ولا أي حاجة.. سبحان الله! إلا من رحم الله -سبحانه وتعالى- أد إيه الدين غالي دينك.. دينك لحمك دمك أغلى حاجة عندك دينك.. لو وصل الأمر إنك تتقطع حتت، أتقطع حتت بس لا أفرط في ديني.. لا أفرط في سنة نبي -صلى الله عليه وسلم- لا أفرط في الخير.. في العز اللي أنا فيه ده كله.
ومما زادني فخرا وتيها
وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي
وأن أرسلت أحمد لي نبيا
عبد الله بن جحش هاجر الهجرتين للحبشة.. الهجرة الأولى، والثانية، وهاجر إلى المدينة.. فكرت أخويا وحبيبي وأختي الفاضلة فكرت مرة تهاجروا؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية" لكن في الحديث الثاني قال إيه؟ "والمهاجر من هجر ما نهى الله -عز وجل- عنه"
شوف المعصية اللي أنت واقع فيها، ومفيش حد معصوم؛ لأن سيدك -صلى الله عليه وسلم- قال: كل بني [وكل ده من أقوى ألفاظ العموم] "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون"، "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ثم لأتى بأناس يذنبون فيستغفرون فيفغر الله لهم"، وقال -صلى الله عليه وسلم- "أذنب عبد ذنبا قال رب إني عملت ذنبا فاغفر لي، فقال جل وعلا علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويؤخذ بالذنب قد غفرت لعبدي إلى أن قال في المرة الرابع فليعمل عبدي ما شاء" هو الحديث ده بيحض الناس على الذنب؟ لأ.. بيحضهم على التوبة اللي بعد الذنب.
شفت المعنى الجميل ده، شفت المعاني الجميلة { إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }.
{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.
فاصل
...............................................................................
عمرك فكرت تهجر معصية؟
عبد الله بن جحش لما هاجر من مكة إلى المدينة أبو سفيان كان ساعتها لسه مشرك.. فعدى على الدار بتاعتهم، واستولى عليها.. فعبد الله بن جحش راح للنبي وهو حزين.. أنت عارف بيت الإنسان يبقى غالي عنده.. قال له: يا رسول الله لقد استولى أبو سفيان على داري.. فبتسم النبي، وقال: أما ترضى يا عبد الله أن يبدلك الله بها دارا في الجنة؟ خير من دارك؟ قلت: بلى يا رسول الله.. قلت: فذلك لك".
سيدنا عبد الله بن جحش جاهد في غزوة بدر، وأبلى بلاء حسنا، وجاهد في غزوة أحد وحصل معاه اللي أنت سمعته ده مات الميتة اللي تمناها اللي كان بيحلم بيها ليه ده كله؟ لأنه كان مشتاق للجنة؛ لأن كان نفسه ربنا يرزقه بمسك الختام..
طيب ما تيجي نشوف المثل حول قوي قوي ، والمثل ده بيعجبني أنا عن نفسي أتأثر به لما بسمعه أو بذكره في يوم من الأيام لما دخل الروم بلاد الشام في عالم جليل اسمه أبو قدامة الشامي غير أبو قدامة المقدسي، أبو قدامة الشامي صعد على منبر المسجد، وبدأ يحض الناس على الجهاد، وعلى أن يعدوا الغزاة، وعلى أن يساعدوهم وا، وا، والكلام ده كلهم..
فاستجاب الناس جميعا.. فمنهم من كتب نفسه في الجهاد، ومنهم من تصدق بمال من أجل المجاهدين، ونزل رجل فرحا مسرورا على استجابة.. فلما أراد أن ينصرف من المسجد، وخرج فسمع امرأة تنادي عليه، وتقول: السلام عليك يا أبا قدامة.. فقلت: وعليك السلام ماذا تريدين؟ قالت: يا أبا قدامة قد سمعتك، وأنت تحض الناس على الجهاد في سبيل الله حتى لقد اشتقت إلى الجهاد، ولولا أن الله -عز وجل- لم يكتب على النساء الجهاد لجاهدت معك يا أبا قدامة، ولكن يا أبا قدامة والله ما رأيت أني أمتلك شيئا من ضفيرة شعري، ولقد قصصتهما لتجعلهما لجاما لفرسك في سبيل الله.
طبعا الفعل ده محرم إن هي تعطيه شعرها.. لكن هي تصرفت من منطلق حبها لهذا الدين، وحميتها لهذا الدين.. طبعا هو لم يقبل الضفيرتين.. لكنه تبسم، وقال امرأة تضحي بضفيرة شعرها لأجعلها لجاما لفرسي في سبيل الله، والله إنها لبشريات النصر.. يقول أبو قدامة: فلما انصرفنا في اليوم التالي لملاقاة الروم فإذا بصبي صغير يعترض طريقي.. قال: السلام عليكم يا أبا قدامة.. قلت: وعليكم السلام ورحمة الله.. قال: يا أبا قدامة سألتك بالله -جل وعلا- أن تجيزني في الجهاد في سبيل الله.. فتعجب أبو قدامة، وقال: يا بني أنت غلام صغير لا تستطيع أن تثبت على الخيل.. بل تطؤك الخيل بقدمها.. فقال: سألتك بالله أن تجيزني في الجهاد.. فلقد احتسبت أمي أبي، وعمي في العام الماضي في الجهاد في سبيل الله فرزقا الشهادة، ولقد قدمتني اليوم هدية لربي -جل وعلا- تحتسب على الله -عز وجل- أن يرزقني الشهادة لأشفع لها عند الله -عز وجل- .
فتبسم أبو قدامة وقال له: أتريد الشهادة؟ قلت: بلى.. قال: أجيزك في الجهاد.. لكن بشرط إذا كتب لك الشهادة أن تشفع لي عند ربي يوم القيامة.. قال: لك ذلك يا أبا قدامة.. يقول أبو قدامة: فانصرفنا إلى أرض الجهاد، وكان هذا الغلام في الطريق يعد لنا الطعام، والشراب، ويعد لنا الزاد، والمتاع، وفي ليلة من الليالي ليعد لنا شاه فلما ذهب، وتأخر ذهبت لأطمئن عليه فوجدته قد أوقد نارا على القدر، ونام بجوار النار فنظرت إليه وهو نائم فأشفقت عليه فوجدته يبتسم ثم يبتسم ثم يضحك ثم يستيقظ.. فقلت له: يا غلام لقد رأيت العجب منك رأيتك نائما بجوار النار، ولقد رأيتك ابتسمت ثم ابتسمت ثم ضحكت ثم استيقظت.. فما هو شأنك؟ قال: هذا أمر بيني وبين ربي.. قال: سألتك بالله -عز وجل- أن تخبرني.. قال: يا أبا قدامة لقد احتسبت أمي أبي، وعمي في العام الماضي، وقد وهبتني لله في هذا العام ترجوا من الله -عز وجل- أن لا أعود إليها، وأن يأتيها خبر استشهادي في سبيل الله فنمت في هذا الوقت حتى ينضغ الطعام.. فرأيت، وكأن القيامة قد قامت، وقد رفع لواء الحمد على رأس النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد أمر الله ملائكته أن يدخلوني الجنة.. فلما دخلت الجنة رأيت باقة عطرة من الحور الحين، والله يا أبا قدامة ما رأيت مثلهن في الحسن، والجمال، وإذا بحوراء تشير علي، وتقول لمن حولها هذا زوج المرضية.. فقلت لها: وما المرضية؟ قالت: إنها زوجتك في الجنة.. قلت لها: وأين هي؟ قالت: أتريد أن تراها؟ قال: أجل.. قالت: هي في هذا القصر.. اترك هذا الباب، وستدخل، وسترى المرضية.. قال: فتركت الباب، ودخلت فإذا بحوراء والله يا أبا قدامه لولا أن الله -عز وجل- لم يكتب العمى في الجنة لعمي بصري من شدة نور وجهها، ولولا أن الله لم يكتب علينا الجنون لجن عقلي من شدة حسنها، وجمالها فسلمت عليها، وقلت لها: أنت المرضية؟ فقالت: أجل يا حبيبي.. أنا أربى لك في خدور الجنة منذ خمسمائة عام.. قال: فلما مددت يدي إليها.. قالت: لا أبعد الله عنك الخنى، والفجور.. موعدي معك غدا يا حبيبي في جنة رب رحيم غفور بعد صلاة الظهر.
قال: فذلك الذي دعاني إلى أن أبتسم ثم أبتسم ثم أضحك ثم أستيقظ.. فقال: والله إنها لبشرى خير يا غلام.. قال: ففي اليوم التالي، وفي نفس الموعد الذي دعته إليه الحوراء موعدي معك في جنة رب غفور بعد صلاة الظهر في جنة الرحمن جل وعلا، قال: فلما بدأ القتال قال الغلام: يا أبا قدامه سألتك بالله -جل وعلا- أن تعطيني ثلاثة أسهم.. قلت: تضيعها؟ قلت: والله لن أضيعها.. سألتك بالله.. فأعطيته ثلاثة أسهم فأخذ سهم وهو على فرسه، وقال: يا أبا قدامه السلام عليكم فضرب سيفا فقتل روميا.. فضرب الثاني فضرب روميا.. ضرب الثالث فضرب روميا.. فانتبه الروم له فقتلوه في مقتله.. فمات هذا الغلام، وسقط صريعا من على فرسه.. فتذكر أبو قدامه فسقط هو الآخر من على فرسه، وجثى على ركبت هذا الغلام، وقال له: يا غلام يا غلام لا تنسى الوصية.. لا تنسى الوصية.. قال: لن أنساها، وسأشفع لك عند ربي -جل وعلا- يوم القيامة -جل وعلا- في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ولكن يا أبا قدامه خذ هذا القميص المضمخ بدم الشهادة، وأعطه لأمي، وقل لها: إن الله قد تقبل الهدية، وموعدي معك في جنة الرحمن -جل وعلا- التي فيها مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.. فتعجب أبو قدامه قال: ومن هي أمك يا غلام؟ قال: أمي صاحبة الضفيرتين.. يا الله.. يا الله على هذا المشهد العجيب.. هذا الغلام الذي احتسبته أمه عند الله -جل وعلا- ليكون شفيعا لها يوم القيامة في يوم لا ينفع فيها مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
يقول أبو قدامة: فأخذت قميصه المضمخ بدم الشهادة، ولما انتهت الغزوة ذهبت إلى أمه، وبحثت عن قريتها فقابلتني فتاة صغيرة قالت: أنت أبو قدامة؟ قلت لها: أجل.. قالت له: هل تعرف فلانا؟ قلت: بلى.. قالت: كيف حاله؟ قال: أوصليني لأمه أولا.. فلما وصل إلى أم هذا الغلام خرجت، وهي تبتسم، وهي تقول: السلام عليك يا أبا قدامة جئت مبشرا أو معزيا؟ فقال لها: وما العزاء، وما البشارة؟
فقالت: إن جئت لتخبرني إن ابني مات مقبل غير مدبر فتلك والله البشارة، وإن جئت لتخبرني بأن ابني مات مدبرا غير مقبل فهذا والله العزاء.. قال: والله إنها البشارة قالت: وما علامة ذلك؟ قال: قميصه، ومضمخ بدم الشهادة، وقد قال لك: يا أماه إن الله قد قبل الهدية، وموعدي معك في جنة الرحمن التي فيها مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.. فسقطت الفتاة ميتا لما سمعت خبر موت أخيها.. فتعجبت الأم، وقالت: الحمد لله الذي لم يخرج من نسلي نسلا إلى نار جهنم.. يقول أبو قدامة: فانصرفت، وأنا في قمت العجب.. أسرة تقدم ما لديها لله -سبحانه وتعالى- عاشت لله.. عاشت من أجل مسك الختام.. من أجل {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} من أجل ماذا أعددت لها؟
أخي الحبيب.. والله الإنسان لما بذكر مثل هذه القصص الواحد بيشعر، ورب الكعبة إن لا يساوي أي حاجة.. إحنا قدمنا ايه لديننا.. إحنا قدمنا إيه لبلادنا؟ وقدمنا إيه للمسلمين؟ قدمنا إيه لإخواننا المسلمين في كل مكان؟
جراحات المسلمين في كل مكان، ونحن نأكل.. يعني ملئ البطن، ونضحك ملء الفم، وننام ملء الجفن، وملء العين، ولا نشعر بآلام إخواننا.. لا نشعر بآلام الجوعى، واليتامى، والأرامل، والمساكين.. لا نشعر؛ لأن هؤلاء الشعور "المسلم للمسلم كالبيان يشد بعضه بعضا".
أين قول المولى -عز وجل- { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} أين قول النبي -صلى الله عليه وسلم- "مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر"
مسك الختام.. مسك الختام أن يرزقنا حسن الخاتمة زي ما ربنا رزقهم حسن الخاتمة.. مسك الختام إن ربنا يكرمنا، ويطلعنا من الدنيا على خير، وينجينا من الفتن، ويجمعنا جميعا على حوض النبي؛ لنشرب من يده الشريفة شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبدا.. مسك الختام إن إحنا نختم الحلقة ديه، وإحنا ندعو، ونسأل المولى -عز وجل- أن يرزقنا ميتة حسنة ترضيه عنا وترضيه عنا، مسك الختام إن إحنا نتمنى، وندعي لبعض، ودعاء المسلم لأخيه المسلم مستجاب بظهر الغيب.
كل واحد فينا يدعوا للثاني إن ربنا يرزقه حسن الخاتمة.. ها تلاقي الملك يقول: آمين ولك بالمثل.. ربنا يرزقنا بحسن الختام، ومسك الختام؛ لنجتمع في جنة رب الأنام -سبحانه وتعالى- التي فيها مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.. سامحوني على الإطالة.. جزاكم الله خيرا.
سبحانك اللهم وبحمدك.. أشهد أن لا إله إلا أنت.. أستغفرك وأتوب إليك.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه وسلم..
بحبكم في الله..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=2010_0_2_0