بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
قانون لقاء الله عز وجل:
أعزائي المشاهدين ... أخوتي المؤمنين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ولازلنا في قوانين القرآن الكريم ، والقانون اليوم ( قانون لقاء الله عز وجل )، لابدّ من مقدمة بسيطة تلقي ضوءاً على محور هذا اللقاء .
أساس الدين الاتصال بالله عز وجل :
أيها الأخوة الأحباب ، التجارة لها نشاطات لا تعد ولا تحصى ، بدءاً من شراء المحل التجاري ، إلى شراء المستودعات ، إلى مكتب الاستيراد ، إلى تعيين الموظفين ، إلى شراء البضاعة ، إلى توزيعها ، إلى جمع ثمنها ، إلى توزيع الأرباح ، نشاطات لا تعد ولا تحصى ، ولكن هل يمكن أن نضغط التجارة كلها بكلمة واحدة ؟ يمكن ، إنها الربح ، فإن لم تربح فلست تاجراً .
لو أنني أردت أن أقيس هذا المثل البسيط على الدين ، نشاطات المسلم لا تعد ولا تحصى ، يطلب العلم ، يسافر ، يلقي محاضرة ، يقرأ كتاباً ، يؤسس جمعية ، يتصدق ، يصلي قيام الليل ، هذه النشاطات التي لا تعد ولا تحصى ، هل يمكن أن تضغط بكلمة واحدة ؟ أنا أقول : هذه الكلمة هي الاتصال بالله ، ما لم نتصل بالله لن نقطف من ثمار الدين شيئاً ، ما لم نتصل بالله يبقى الدين فلكلوراً ، عادات ، تقاليد ، خلفية إسلامية ، أرضية إسلامية ، نزعة إسلامية ، اهتمامات إسلامية ، عاطفة إسلامية ، تصور إسلامي ، مشاعر إسلامية ، لكن الدين شيء آخر ، الدين أساسه الاتصال بالله ، والإحسان إلى الخلق ، يقول الله عز وجل على لسان سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام :
﴿ وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً ﴾
( سورة مريم )
ثمار الدين الإسلامي تقطف من خلال الاتصال بالله تعالى :
لذلك حقيقة الدين الاتصال بالله ، كل ثمار هذا الدين تقطف من هذا الاتصال ، من هذا الاتصال تقطف الحكمة ، تقطف الكمالات التي استمدها المصلي من ربه في أثناء صلاته ، تقطف الحكمة ، والعلم ، والتؤدة ، والراحة ، والسعادة ، والسكينة ، والحركة الناجحة ، والعمل الصالح ، وما إلى ذلك .
لذلك ما هو قانون الاتصال بالله ؟ ما هو قانون لقاء الله ؟ هنا مركز الثقل ، الله عز وجل يقول :
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ﴾
( سورة الكهف الآية : 110 )
لولا أن النبي بشر ، تجري عليه كل خصائص البشر ، لما كان سيد البشر :
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ﴾
( سورة الكهف الآية : 110 )
لقاء الله عز وجل ثمنه العمل الصالح :
ما ملخص هذا الوحي كله ؟ أن القرآن كله أراد الله أن يلخصه بكلمتين ،
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ﴾
﴿ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾
( سورة الكهف الآية : 110 )
التوحيد فحوى دعوة الأنبياء جميعاً :
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾
( سورة الكهف الآية : 110 )
هذه الآية أصل في قانون لقاء الله عز وجل ،
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾﴾
معنى ذلك أن لقاء الله عز وجل ثمنه العمل الصالح .
ذلك أن الإنسان مفطور ، ومجبول ، ومبرمج ، ومولف على حبّ وجوده ، وعلى حبّ سلامة وجوده ، وعلى حبّ وكمال وجوده ، وعلى حبّ استمرار وجوده ، سلامة وجوده في طاعة الله ، واستمرار وجوده في تربية أولاده ، ولكن كمال وجوده في الاتصال بالله ، وهذا الاتصال ثمنه العمل الصالح ، فكأن هذه الآية تبين قانون اللقاء مع الله عز وجل
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾
من أقام أمر الله فيما يملك كفاه الله ما لا يملك :
أيها الأخوة الأحباب ، الله عز وجل ما كلفنا فوق طاقتنا :
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ﴾
( سورة البقرة الآية : 286 )
ما كلفنا أن نقف ، وأن نمنع الطغاة من أن يمارسوا هذه الضغوط ، ولكن كلفنا ما نستطيع ، الذي نستطيعه أن نقيم الإسلام في نفوسنا ، وفي بيوتنا ، وفي أعمالنا ، من خلال إقامة الإسلام في نفسي أولاً ، وفي البيت ثانياً ، وفي العمل المهني ثالثاً ، لو فعل كل مسلم هذا لكان الحال غير هذا الحال .
أيها الأخوة الكرام ، هناك حقيقة دقيقة تقول : أقم أمر الله فيما تملك يكفك ما لا تملك ، أنت حينما تقيم أمر الله في نفسك ، وفي بيتك ، وفي عملك ، الله عز وجل يكفيك ما لا تستطيع أن تواجهه ، هذه حقيقة دقيقة وصارخة تؤكدها آية كريمة :
﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾
( سورة الزمر )
يعني الإنسان خلال حياته المديدة حينما يتوفاه الله عز وجل تلخص أعماله كلها بكلمة واحدة ، يقول الناس : رحمه الله ، والذي عاش لإيذاء الناس ، وابتزاز أموالهم ، وانتهاك أعراضهم ، إذا مات يلخص عمله كله بكلمة واحدة ، يقول الناس : لا رحمه الله .
الولاء لله لا يكون إلا من خلال الاستقامة على أمره و القيام بالأعمال الصالحة :
أيها الأخوة الكرام ، لذلك قضية اللقاء مع الله ، الاتصال بالله هو جوهر الدين تماماً : لو عندك عشرات الآلات الكهربائية في البيت ، بدءاً من الغسالة ، الثلاجة ، المكواة ، المروحة ، المكيف ، لو جمعت في بيتك كل الآلات الكهربائية ، وليس في البيت كهرباء لا قيمة لها إطلاقاً ، عبء عليك ، تحتل مكاناً ، وهي ليس نافعة إطلاقاً .
لذلك كل نشاطات الدين إن لم يسرِ بها الاتصال بالله لا تنفع ، ولا تجدي ، وتصبح عبئاً ، وقد يملوا الناس تطبيق بعض قواعد الدين إن لم يكن هناك اتصال بالله .
فهذا اللقاء من أجل ما قانون الاتصال بالله ؟
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾﴾
سهل جداً أن يكون لك ولاء لجهة أرضية ، هذا الولاء لا يكلفك إلا أن ترفع صورة ، أو أن تبعث بكلام لطيف يؤكد انتماءك ، لكن الولاء مع الله يحتاج إلى استقامة ودقة ، ووقف دقيق عند حدود الله ، ألا تؤذي إنساناً ، لا بكلامك ، ولا بأعمالك ، ولا بمالك ، أنت حينما تؤمن بالله الإيمان الصحيح وتستقيم على أمره ، وتعلن ولاءك له تكون ملكاً ، ولا يمكن أن يقبل الله عز وجل إنساناً إلا إذا كان مستقيماً ، بنى حياته على العطاء لا على الأخذ ، ولا على إيذاء الناس .
أيها الأخوة ، إذاً الولاء لله يعني أن تستقيم على أمره ، وأن تعمل أعمالاً صالحة تقربك إليه .
العمل الصالح قرض لله عز وجل ثمنه المكافأة بسكينة و حكمة و تأييد :
لكن الذي يلفت النظر أن الإنسان كما قال الله عز وجل :
﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾
( سورة القيامة )
حتى أوضح هذا الأمر الدقيق ، هذا القانون المهم جداً في الوصول إلى الله لابدّ من مثل :
لو أن جندياً غراً التحق بقطعة عسكرية ، وهذا الجندي الغر يريد أن يقابل قائد اللواء شبه مستحيل أن يقابل هذا القائد ، لماذا ؟ لأنه في تسلسل ، يوجد أمامه سبعة عريف ، وسبعتين عريف أول ، وثمانية مساعد ، وثمانيتين مساعد أول ، ونجمة ، ونجمتين ، وتاج ونجمة ، وتاج ونجمتين ، في رتب عديدة جداً تنتهي بقائد هذا اللواء ، لا يمكن لهذا المجند الغر أن يصل لهذا اللواء إلا بحالة واحدة ، أن يرى ابن هذا اللواء يسبح ، وكان على وشك الغرق لينقذه ، بهذا العمل الطيب الذي أنقذ به ابن هذا اللواء بإمكانه أن يدخل عليه من دون استئذان ، ويرحب به ، ويضيفه ، ويشكره .
أيها الأخوة ،
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾﴾
قال تعالى :
﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ﴾
( سورة البقرة الآية : 245 )
أي عمل صالح تجاه أي مخلوق كائناً من كان ، هو قرض لله عز وجل ، والقرض لله عز وجل ثمنه المكافأة ، المكافأة بسكينة ، بسعادة ، بحكمة ، باستقرار ، بتوفيق ، بتأييد ، بحياة طيبة ،
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾
ثمن الاتصال بالله الحقيقي المسعد أن يكون عملك صالحاً مع خلقه :
لذلك أيها الأخوة ، حقيقة التدين ليست في بيوت الله ، في بيت الله تذهب إلى بيت الله كي تتلقى تعليمات الخالق ، في خطبة جمعة ، أو في درس علم ، وتذهب ثانية إلى بيت الله كي تقبض الثمن بالاتصال بالله ، ولكن حقيقة الدين في بيتك ، وفي عملك ، وفي تجارتك ، وفي كسب مالك ، وفي إنفاق مالك ، فإذا كان العمل صالحاً ، وكنت في خدمة خلق الله ، ولم تكذبهم ، ولم تظلمهم ، قال عليه الصلاة والسلام :
(( من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدثهم فلم يكذبهم ، ووعدهم فلم يخلفهم ، فهو ممن حرمت غيبته ، وكملت مروءته ، وظهر عدله ، ووجبت أخوته ))
[ سلسلة الأحاديث الضعيفة ]
إذاً
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾
ثمن الاتصال بالله الحقيقي المسعد أن يكون عملك صالحاً مع خلقه لأن :
(( الخلق كلهم عيال الله ، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله ))
[ أخرجه أبو يعلى عن أنس بن مالك ]
أيها الأخوة الأكارم ، إلى حلقات قادمة إن شاء الله تعالى .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله رب العالمين