بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أعزائي المشاهدين ... أخوتي المؤمنين ... مع الحلقة الأولى من قوانين القرآن الكريم .
الإنسان مكلف كي يعبد الله والعبادة علة وجوده :
أيها الأخوة ، الإنسان هو المعني بهذه القوانين ، وهو المخلوق الأول رتبة لقوله تعالى :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾
( سورة الأحزاب الآية : 72 )
والإنسان هو المخلوق المكرم ، لقوله تعالى :
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾
( سورة الإسراء )
والإنسان هو المخلوق المكلف ، مكلف كي يعبد الله ، والعبادة علة وجوده ، والعبادة في أدق تعاريفها ، طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية .
التفوق و التطرف :
أيها الأخوة ، في هذا التعريف جانب سلوكي هو الأصل ، وجانب معرفي هو السبب ، وجانب جمالي هو النتيجة ، ومع ذلك فالإنسان عقل يدرك ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك ، غذاء العقل العلم ، وغذاء القلب الحب ، وغذاء الجسم الطعام والشراب ، فحينما يلبي الإنسان حاجات عقله ، وقلبه ، وجسمه يتفوق ، وحينما يلبي إحدى حاجات عقله ، أو جسمه ، أو قلبه يتطرف ، فرق كبير بين التفوق ، وبين التطرف .
أيها الأخوة ، وفضلاً عن ذلك فالإنسان نفس هي ذاته ، هي التي تؤمن ، هي التي تكفر ، هي التي تسمو ، هي التي تسقط ، هي التي تحسن ، هي التي تسيء ، هي التي تسعد ، هي التي تشقى ، ذاته نفسه ، والجسم وعاء النفس في الدنيا ، والروح القوة الإلهية التي تمد الجسم بالحياة .
مقومات التكليف :
1 ـ الكون هو الثابت الأول كله آيات دالة على عظمة الله عز وجل :
أيها الأخوة الكرام ، الله جلّ جلاله حينما كلفنا أن نعبده ، أعطانا مقومات التكليف ، ما مقومات التكليف ؟ الكون ، هو الثابت الأول ، هذا الكون الذي هو مظهر لأسماء الله الحسنى ، وصفاته الفضلى ، هذا الكون هو قرآن صامت ، وهذا القرآن الذي بين أيدينا هو كون ناطق ، والنبي عليه الصلاة والسلام الذي كلفه ربنا أن يبين ما في القرآن هو قرآن يمشي ، أعطانا الكون في كل شيء ، في الكون آية تدل على أنه واحد ، آية تدل على وجوده ووحدانيته وكماله ، آية تدل على أسمائه الحسنى ، وصفاته الفضلى ، هذا الكون يقرأه كل إنسان ، من كل لغة ، ومن كل لون .
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾
( سورة الحجرات الآية : 13 )
الكون هو الثابت الأول ، كله آيات دالة على عظمة الله .
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
( سورة آل عمران )
فالكون أحد مقومات التكليف .
2 ـ العقل :
أيها الأخوة الكرام ، والعقل ، العقل أداة معرفة الله ، جهاز من أعظم الأجهزة بل إن العقل حتى الآن عاجز عن فهم ذاته ، العقل له مبادئ السببية والغائية ، وعدم التناقض وهي متوافقة توافقاً تاماً مع خصائص الكون ، ومع قوانين الكون .
3 ـ الفطرة :
ثم إن الله سبحانه وتعالى أعطانا فطرة مقياس دقيق ، يكشف لنا خطأنا ، قال تعالى :
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾
( سورة الشمس )
الله عز وجل هذه النفس البشرية حبب إليها الإيمان ، وزينه في قلوب الخلق ، وكره إلى الإنسان الكفر والفسوق والعصيان .
إذاً أعطاه كوناً ينطق بوجود الله ، ووحدانيته ، وكماله ، أعطاه عقلاً هو أداة لمعرفة الله ، أعطاه فطرة يكشف بها خطأه ذاتياً ، لأن الله سبحانه وتعالى سوى هذه النفس بطريقة عجيبة أنها تكتشف خطأها ذاتياً .
4 ـ الشهوات :
ثم إن الله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان الشهوات ، وما أودع في الإنسان الشهوات إلا ليرقى به إليه صابراً ، أو شاكراً ، فالشهوة قوة محركة .
أيها الأخوة ، لو تصورنا سيارة ، الشهوة هي المحرك ، والعقل هو المقود والمنهج الشرعي هو الطريق ، فمهمة العقل أن يبقي هذه المركبة على الطريق وهي مندفعة بقوة المحرك .
5 ـ حرية الاختيار :
أعطى الإنسان فضلاً عن كل ذلك أعطاه اختياراً ، ليثمن عمله ، فلو أن الله أجبرنا على الطاعة لبطل الثواب ، ولو أجبرنا على المعصية لبطل العقاب ، و لو تركنا هملاً لكان عجزاً في القدرة ، إن الله أمر عباده تخييراً ، ونهاهم تحذيراً ، وكلف يسيراً ، ولم يكلف عسيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، ولم يعصَ مغلوباً ، ولم يطع مكرهاً ، أعطاه الكون أعطاه العقل ، أعطاه الفطرة ، أعطاه الشهوة ، أعطاه حرية الاختيار ، ثم جعل الوقت تعبيراً عن هذا الإنسان فقال الله عز وجل :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
( سورة العصر )
فالإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه .
العلم و القانون :
هذه مقومات التكليف ، فماذا عن تعريف العلم ؟ لأننا نتكلم في البرنامج عن قوانين القرآن ، والقانون أحد أكبر ثمار العلم ، العلم هو الوصف المطابق للواقع مع الدليل ، أما القانون إنما هو علاقة بين متغيرين ، علاقة ثابتة ، قطعية الثبوت ، هذه العلاقة ، يوافقها الواقع ، وعليها دليل ، لو ألغينا الدليل لكان هذا الكلام تقليداً ، لو ألغينا الواقع لكان هذا الكلام جهلاً ، لو ألغينا القطعية لكان وهماً ، أو ظناً ، أو شكاً .
أيها الأخوة ، القانون أحد أكبر ثمار العلم ، لذلك نحن نجد في القرآن الكريم قوانين ، نجد علاقات ثابتة ، والتعامل مع الله وفق القوانين شيء مريح جداً .
من اتبع القواعد الثابتة التي وضعها الله في قرآنه سلم وسعد في الدنيا والآخرة :
الإنسان أحياناً يكون في دائرة ، ولها مدير عام ، هذا المدير مزاجي ، التعامل معه صعب جداً ، لا تعرف متى يرضى ، لا تعرف متى يغضب ، قد يغضب لسبب تافه وقد يرضى بلا سبب ، فالتعامل المزاجي صعب جداً ، لو أن هذا المدير العام وضع قواعد في ترقية الموظف منها الدوام ، منها الإنجاز ، منها حسن العلاقة مع الناس ، هذه القواعد الثابتة تريح جميع الموظفين ، وربنا جل جلاله ، إلهنا ، وربنا ، وخالقنا ، جعل هناك قواعد ثابتة في التعامل معه ، هذه القواعد الثابتة سماها الله جل جلاله في قرآنه سنناً .
﴿ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ﴾
( سورة الأحزاب )
﴿ وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً ﴾
( سورة فاطر )
هذه القواعد الثابتة لو أن الإنسان أخذ بها لسلم ، وسعد في الدنيا والآخرة .
اقتراب صيغة القانون من جملة الشرط :
أيها الأخوة الكرام ، الله عز وجل يقول :
﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ﴾
( سورة النساء الآية : 123 )
دققوا في أن صيغة القانون تقريباً تقترب من جملة الشرط ، اسم شرط جازم ، له فعل شرط ، وجواب شرط ، وجواب الشرط لا يقع إلا إذا وقع فعل الشرط ، هذه الصيغة أقرب صيغة للغة العربية إلى القانون ،
﴿ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ﴾
حقيقة ، وقاعدة ، وقانون ثابت على مدى الأيام ، وعلى مدى الدهور ، والحقب ، وفي كل مكان .
من وقف عند قوانين الله و أخذ بها ربح الدنيا و الآخرة :
قانون آخر :
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
( سورة النحل الآية : 97 )
قانون آخر :
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾
( سورة طه )
قانون ثالث :
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾
( سورة الطلاق )
قانون رابع :
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
( سورة الرعد الآية : 11 )
حبذا لو أن أخوتنا الكرام وقفوا عند هذه القوانين ، وأخذوا بها ، وجعلوها منهجاً في تعاملهم مع الله عز وجل .
يا إخوتنا الأحباب ، هذه القوانين ، أو تلك السنن في المصطلح القرآني ومثيلاتها سوف نشرحها إن شاء الله تعالى في هذا البرنامج ، الذي جُعل عنوانه قوانين القرآن الكريم .
أيها الأخوة الأحباب ، إلى حلقات قادمة إن شاء الله تعالى .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله رب العالمين