الحلقة ( 8 ) كيف تتعامل مع الله إذا كلمته ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم وبارك على عبده و رسوله محمد ,
و على آله وصحبه أجمعين ..
يحكى أن رجلاً دخل على حلاق ليحلق له ,
فكان هذا الحلاق يتجاذب مع الرجل أطراف الحديث ,
و من ضمن حديثهما قال الحلاق للرجل :
بصراحة أنا لا أؤمن بالله – و العياذ بالله - , قال الرجل : لماذا ؟ ,
قال : لأني محتاج عندي مشاكل وهو لا يساعدني ,
فسكت الرجل حتى انتهى الحلاق , فأعطاه حسابه ثم خرج
بعد دقائق عاد الرجل مسرعًا غاضبًا , قائلاً له :
أنت لست بحلاق , و لا تستحق أن تكون حلاقًا !
قال الحلاق : لماذا ؟ ما الذي حدث ؟
قال الرجل : لأني رأيت في الشارع رجلاً , شعره طويل و أشعث ,
و أنت لم تحلق له !
قال الحلاق : لو طلب مني ذلك , لحلقت له
فقال الرجل :
ولله المثل الأعلى - , لو طلبت من الله المساعدة لأعطاك و أعانك ,
فقد أخبرنا هو بذلك عندما أخبرنا سبحانه في كتابه :
( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ )
سورة البقرة : 186
سبحان الله .. الإنسان إذا حصلت له مصيبة
فإن أول شيء يفكر فيه أن يخبر بها حبيبه ,
و يحكي هذه المصيبة لأقرب الناس إليه
تجد الزوجة بمجرد أن تصل البيت تخبر زوجها بكل ماحدث في العمل ,
و إذا تضايق الطفل الصغير ذهب بسرعة لأمه كي يخبرها
و قد علم الله سبحانه و تعالى أن العباد يحتاجون إلى من يتكلم معهم و يكلمونه ,
يحتاجون إلى حبيب قريب منهم , يبثون أحزانهم و حاجاتهم ,
فيهتم هو بهم و يهون عليهم و يخفف عنهم
علم الله تعالى أنهم يحتاجون ذلك بشدة ,
فكان هو سبحانه ذلك الإله الذي يسد حاجتهم ,
ففتح لهم بابه طوال الليل و طوال النهار ,
ففي أي وقت أحببت أن تكلم الله فهو موجود سبحانه و سيسمعك
لا تأخذه سنة و لا نوم
كيف تتعامل مع الله إذا كَـلّـمْتَهُ ؟؟!
لاحظ أنك إذا أردت أن تدخل على صاحب منصب كبير
في البلاد من أكبر المناصب , فإنك تحتاج إلى معرفة أحد معارفك بمدير مكتبه ,
و هذا المدير قد يستقبلك و قد لا يستقبلك ,
و إذا استقبلك , قد يقبل أن يدخلك من ضمن جدول مواعيد المسئول و قد لا يرضى ,
و فرضًا أنه أدخلك , ربما يستمع إليك المسئول و ربما لا يستمع إليك ,
و حتى لو استمع إليك ربما يقبل طلبك و ربما لا يقبله ,
مع أنه مخلوق حاله من حالك
أما ربنا جل في علاه فإنك لا تحتاج إلا أن تتوضأ و تستقبل القبلة ,
فإذا قلت الله أكبر , فأنت الآن بين يدي الله , بين يدي الملك تكلمه و يكلمك ,
و عنده سبحانه كل ما تحتاجه أنت و زيادة , أكثر مما عند المسئول ,
فأخرج كل همومك بين يديه و كلمه ,
و أخبره بما تريد فهو سيستمع إليك سبحانه ,
إلى أن تنتهي , حتى و إن أطلت الكلام فإنه لن يمل منك ,
لأنه سبحانه لا يمل حتى تملوا , كما قال صلى الله عليه و سلم ,
سيستمع إليك و لن ينصرف عنك , حتى تكون أنت الذي ينصرف عنه ,
و انتبه إلى أن الكلام مع العظيم عظيم ,
وعليك أن تكون حذرًا في ألفاظك و تصرفاتك ,
لأن الله هو الخالق الملك , فينبغي أن يعامل بما يستحق ,
فلا يليق به أي كلام , و لا يليق به أي دعاء ,
إذاً كيف تتعامل مع الله إذا كَـلّـمْتَهُ ؟؟!
ليست المسألة هل ندعو الله تعالى أم لا ..
المسألة هل يستجاب لنا أم لا !
ربنا سبحانه و تعالى لا يستجيب لكل أحد ,
كثيرون يسألونه كل يوم لكنه لا يعطي كل من سأله ,
لأن البعض ليست عنده أسباب الإجابة ,
وهناك أناس أذكياء يعرفون ما الذي يفعلوه لكي يستجيب الله دعاءهم ..
أولاً يجب أن نغير طريقتنا في الدعاء ,
فمن حسن تأدبنا مع الله اختيار طبقة صوت مناسبة ,
يقول الله تعالى :
(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ )
سورة الأعراف : 205
بمعنى : أن لا ترفع صوتك كثيرًا , و لا تخفضه شديدًا
يقول صلى الله عليه و سلم :
( إنكم لا تدعون أصم , و لا غائبًا , إنكم تدعون سميعًا قريبًا , و هو معكم )
رواه البخاري
هذا بالنسبة للسان
بقي القلب .. انتبه لقلبك أثناء الدعاء ؛
لأن كثيرًا منا يدعو ربه بطريقة يسرد فيه الكلام سردًا ,
يتلو ما يحفظه من أدعية و هو سرحان , قلبه يفكر في شيء آخر ,
تجده يهمهم همهمة , يردد دعاء سريع يحفظه ,
ثم ينتهي و يظن أنه قد دعا ربه .. لا , هذا الدعاء ربي لا يستجيبه ,
قدر الله و جلاله أعظم من أن نكلمه بهذه الطريقة
الدعاء الذي لا يستحضر القلب فيه معاني الكلمات التي تقال في الدعاء
هذا دعاء لا يستجاب ..
هذا كلام النبي صلى الله عليه و سلم . عندما قال :
(( واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه ))
رواه الترمذي
كثير من الناس يدعو الله سبحانه و تعالى عند السجود ,
بين الأذان و الإقامة ,
في صلاة الوتر , يدعو و يدعو لكنه بفكر في شيء آخر ..
يردد الكلمات بشكل آلي لا يستحضر كلامه
الواحد منا لا يرضى بذلك , فلو اتصل بك صديقك هاتفيًا ,
وطلب منك مبلغًا من المال ؛ لأنه محتاج بشدة ,
ثم اكتشفت و أنت تكلمه أن قلبه مشغول بمتابعة المباراة ,
ليس مهتمًا بالكلام الذي يقوله لك , فقط يردد جملة يحفظها .
بماذا ستشعر ؟
أنت تلقائيًا لن تهتم به ستحس أنه يمثل تمثيلاً !
و لله المثل الأعلى ربنا سبحانه أعلى و اجل من كل شيء ,
من باب أولى أن لا يقبل منا دعاء و نحن نسرح ,
إياك أثناء الدعاء أن يغفل قلبك عن معاني الكلمات ,
لا تكلم الله سبحانه و تعالى و أنت سرحان أثناء الدعاء ,
عندما تكلم الله سبحانه و تعالى يجب أن تنسى الدنيا كلها ,
لا تفكر إلا بالكلام الذي توجهه لله
بعض الناس يدعو و هو حاضر القلب , ليس بسرحان ,
لكنه يفتقر إلى لمسة معينة في الدعاء , لو وجدت لكان هذا الدعاء أقرب للإجابة ,
و لو وجدت لأحس الداعي أثناء دعاءه بمشاعر جياشة ,
و أحس بأحاسيس قوية تعطي الدعاء طعمًا , لا يشبهه أي شيء
ما هي هذا المشاعر ؟
إنها مشاعر التضرع , و التضرع هو التذلل و الخضوع لله وحده ,
حاول أن تظهر الافتقار و الحاجة و المسكنة لربك قدر المستطاع ,
أخبره أنك مفتقر إليه , و أنه لا ملجأ و لا منجأ منه إلا إليه ,
ربنا سبحانه يحب أن يسمع منك ذلك , يحب أن يراك تفتقر إليه و تتذلل ,
يحب ذلك لدرجة أن يمنع العذاب أن يصيب العبد إذا تضرع ,
حتى و إن كان العبد مذنبًا ,
فإذا أذنب العبد و تضرع إلى الله تائبًا راجعًا فإن الله سيعامله تعامل آخر ..
انظر عندما تكلم الله في القرآن عن بعض العصاة الذين ابتلاهم , قال :
( فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا )
الأنعام : 42 / 43 .
بمعنى : لو أنهم تضرعوا لما عذبناهم
نسأل الله تعالى أن يجيرنا و إياكم , و أن يعيننا على حسن دعاءه ,
و حسن عبادته , و يتقبل منا و منكم ما ندعوه و ما نرجوه .