بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
قانون الحب :
أعزائي المشاهدين ... أخوتي المؤمنين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ولازلنا في قوانين القرآن الكريم ، والقانون اليوم ( قانون الحب )، الحب في الله ، والحب مع الله .
الحبّ في الله عين التوحيد والحبّ مع الله عين الشرك :
أيها الأخوة ، العلماء قالوا : الحب في الله عين التوحيد ، والحب مع الله عين الشرك ، والإنسان كما تعلمون كائن من أرقى الكائنات ، هو في الحقيقة عقل يدرك ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك ، غذاء العقل العلم ، وغذاء القلب الحب ، وغذاء الجسم الطعام والشراب .
وأي إنسان لا يجد رغبة في أن يُحِب ، أو أن يُحَب ليس من بني البشر ، لأن الله عز وجل ركبه كعقل وكقلب ، والله خاطب عقله ، وخاطب قلبه ، وفي بعض الآيات خاطب عقله وقلبه معاً بآية واحدة ، قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴾
( سورة الانفطار )
خاطب قلبه أولاً
﴿ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴾
ثم خاطب عقله
﴿ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴾
الله عز وجل خلق الإنسان ليسعده في الدنيا و الآخرة :
أيها الأخوة ، بادئ ذي بدء : يجب أن نعلم علم اليقين أن الله عز وجل خلقنا ليسعدنا ، قال تعالى :
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
( سورة هود الآية : 119 )
بل حينما قال الله عز وجل :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
( سورة الذاريات )
العبادة معرفة بالله أولاً ، وطاعة له ثانياً ، وسعادة أبدية ثالثاً ، إذاً خلقنا ليسعدنا .
المحبوبية هي العلاقة الوحيدة التي أرادها الله عز وجل بينه وبين عباده :
شيء آخر : الله عز وجل هو خالقنا ، ومربينا ، ومسيرنا ، ومشيئته نافذة فينا ، كن فيكون ، زل فيزول ، ومع ذلك ما أراد أبداً أن تكون العلاقة بيننا وبينه علاقة قهر ، أرادها أن تكون علاقة حب ، فقال :
﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾
( سورة المائدة الآية : 54 )
أرادك أن تأتيه طائعاً ، أرادك أن تأتيه بمبادرة منك ، أرادك أن تحبه ، لذلك قال بعضهم : من أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه ، بل من أعجب العجب أيضاً أن تحبه ثم لا تطيعه ، إذاً حينما قال تعالى :
﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾
أراد الله أن تكون المحبوبية هي العلاقة الوحيدة بينه وبين عباده .
لذلك قال تعالى :
﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾
( سورة البقرة الآية : 165 )
أراد الله أن تكون المحبوبية هي العلاقة الوحيدة بينه وبين عباده ، لذلك قال تعالى
﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾
انطلاق القرآن الكريم من التأكيد على حبّ الله ورفض الإكراه :
من هنا ينطلق القرآن الكريم من التأكيد على حب الله ويرفض الإكراه ، فيقول الله عز وجل :
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
( سورة البقرة الآية : 256 )
فإذا كان خالق السماوات والأرض ، ومن بيده كل شيء ، ما أراد أن يكرهنا على اعتناق دينه ، أفيعقل لإنسان في الأرض أن يكره الخلق على دين معين ، هذه القضية قضية حرية ، والله عز وجل أعطانا الحرية ليثمن عملنا ، ولا قيمة لعملنا إلا إذا كنا أصحاب قيادة و إرادة حرة .
لذلك قال بعض العلماء الكبار : لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب ، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب ، ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة ، إن الله أمر عباده تخييراً ، ونهاهم تحذيراً ، وكلف يسيراً ، ولم يكلف عسيراً ، وأعطى على القليل كثيراً .
الله عز وجل منح الإنسان نعماً كثيرة منها نعمة الإيجاد و الإمداد و الهدى و الرشاد :
إذاً أراد الله سبحانه وتعالى أن تكون العلاقة بيننا وبينه علاقة حب ، لكن الحب في الأصل لمن منحك نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى والرشاد .
أيها الأخوة ، نعمة الإيجاد :
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾
( سورة الإنسان )
شيء آخر : الله عز وجل أعطانا نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، أمدنا بالهواء ، بالماء ، بالطعام ، بالشراب ، أكرمنا بزواج ، بأولاد ، كل هذه النعم منحة من الله عز وجل فلذلك أراد أن تكون العلاقة بيننا وبينه علاقة حب ، من هنا ورد :
(( يا داود ذكرهم بآلائي ونعمائي وبلائي ))
[ البيهقي عن ابن عباس]
أي ذكرهم بآلائي كي يعظموني ، وبنعمائي كي يحبوني ، وببلائي كي يخافوني .
من ادعى محبة الله عز وجل من دون دليل فدعواه لا قيمة لها إطلاقاً :
أيها الأخوة ، إذاً إلا أن الله سبحانه وتعالى ما قبل دعوى محبته إلا بالدليل ، فقال:
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 31 )
إذاً أن يدعي الإنسان محبة الله من دون دليل ، هذه دعوى لا وزن لها إطلاقاً عند الله .
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقال شنيع
لـو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب يطيـع
* * *
الإعجاب السلبي في الدين لا يرفع الإنسان إلى طاعة الله ولا إلى عبادته :
لذلك الإعجاب السلبي في الدين ، الموقف البعيد عن الالتزام ، هذا لا يرفع الإنسان إلى طاعة الله ، ولا إلى عبادته ، لذلك قال تعالى :
﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا ﴾
( سورة الأنفال الآية : 72 )
لم يتحركوا ، لم يأخذوا موقفاً .
﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ﴾
( سورة الأنفال الآية : 72 )
أيها الأخوة ، كلمة ولي الله كلمة متداولة كثيراً ، وقد فسرها بعض المفسرين تفسيرات غريبة ، وبعيدة عن حقيقتها ، لكن التفسير السريع لولي الله رائع وواضح جداً ، قال تعالى :
﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾
( سورة يونس )
حبّ الله هو الأصل وهذا الأصل له فروع:
الآن أيها الأخوة ، هناك شيء دقيق هو أن حبّ الله هو الأصل ، لكن هذا الأصل له فروع ، فمحبة أنبياء الله جميعاً الذين هم قمم البشر فرع من محبة الله ، من محبة سيد الأنبياء والمرسلين ، بل محبة سيد الأنبياء والمرسلين فرع آخر من فروع محبة الله عز وجل ، بل محبة أصحاب رسول الله جميعاً من دون استثناء فرع من محبة الله عز وجل ، بل محبة المؤمنين من بعثة هذا النبي الكريم إلى نهاية الدوران فرع أيضاً من فروع محبة الله عز وجل ، بل حبّ الأعمال الصالحة ، حبّ خدمة الخلق ، حبّ البذل والتضحية ، حبّ بيوت الله ، حبّ المساجد ، حبّ تلاوة القرآن ، هذه كلها فروع من محبة الله ، لذل قال العلماء : الحب في الله عين التوحيد فروع من محبة الله .
من أحبّ جهة لا ترضي الله فالطريق إلى الله ليس سالكاً :
أيها الأخوة الكرام ، اتضح من قبل أن الحب في الله عين التوحيد ، ولكن الشيء الخطير هو أن الحب مع الله عين الشرك ، هناك آية خطيرة جداً وهي قوله تعالى :
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾
( سورة التوبة )
يعني إذا أحببت جهة كائنة من كانت ، هذه الجهة ليست على ما يرضي الله ، بل هي ظالمة ، أحببتها لمصلحة تحققها من هذا الحب لمكسب أو لاتقاء شر ، هذا الحب يعد عين الشرك ، فالذي يحب إنساناً لا يطيع الله عز وجل ، لكنه قوي أو غني ، يحقق له مكاسب في الدنيا ، هذا الحب سماه العلماء حباً مع الله ، وهو عين الشرك ، أي أنك إذا أحببت جهة لا ترضي الله فالطريق إلى الله ليس سالكاً ، والدليل :
﴿ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾
من ذاق حلاوة الإيمان سعد بها في الدنيا والآخرة :
من هنا تتضح هذه الحقيقة من حديث شريف ، يقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( ثلاثٌ من كُنُّ فيه وجدَ بهنَّ طَعْمَ الإيمان : مَن كان اللَّهُ ورسولُهُ أحبَّ إليه مما سواهما ))
[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أنس بن مالك ]
هنا الشاهد ، قد يفهم من هذا الكلام أنك إذا سألت مليار وخمسمئة مليون مسلم ألا تحب الله ورسوله أكثر من أي شيء ؟ الجواب : نعم ، ليس هذا هو المعنى ، المعنى : أن يكون الله في قرآنه ، والنبي عليه الصلاة والسلام في سنته ، في الأمر والنهي ، أن يكون الله في قرآنه أي في أمر القرآن ، وأن يكون النبي في سنته ، أحبّ إليك من مصالحك المتوهمة القريبة ، تضعها تحت قدمك ، وتؤثر طاعة الله عز وجل ، عندئذٍ تذوق حلاوة الإيمان التي من ذاقها عرفها ، ومن ذاقها سعد بها في الدنيا والآخرة ، ومن ذاقها قدم الغالي والرخيص ، والنفس والنفيس ، وأصبح مؤمناً متألقاً كما يرضي الله ورسوله .
أيها الأخوة الكرام ، نحن مع موضوع خطير هو الحبّ في الله ، وهو عين التوحيد ، والحبّ مع الله وهو عين الشرك .
إذاً أرجو الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا الصواب ، وأن نجعل من حبنا أداة للتقرب من الله عز وجل ، وألا يكون الحب حجاباً بيننا وبين الله .
إلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله رب العالمين