السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
أما بعد..
فمرحبًا بإخواني وأخواتي، وأهلي وأحبابي.. مرحبًا بكم مرة أخرى مع "مسك الختام".
ربنا يرزقنا، وإياكم مسك الختام، النهاردة يوم 15 يعني نصف رمضان عدا، ولم يتبق إلا النصف الثاني، والحق نفسك إذا كنت أحسنت في النصف الاول فاحمد الله، واسجد شكرا لله، واجتهد في النصف الثاني عشان فيه ليلة القدر، فليلة القدر خير من ألف شهر .. كثير من الناس يظنون خير من ألف شهر دي ويحسبونه بطريقة حسابية، يعني يقولك يعني فوق 83 سنة وكام شهر، المسألة مش كده خالص؛ لأنه ربنا لم يقل ليلة القدر بألف شهر، فالله يقول ليلة القدر خير من ألف شهر، ولم يوضع، كما أنه لم يوضح أجر الصيام، قال: "إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"؛ لأن الصوم من الصبر، وأهل الصبر والصابرون قال عنهم جل وعلا: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(الزمر: من الآية10) ..
فليلة القدر حبيبي في الله ما حدش يعرف قدرها حتى النهاردة، وإلا يوم القيامة لا أحد يعرف قدرها إلا المولى -عز وجل- سبحانه وتعالى، قال لك: ليلة القدر خير من ألف شهر، فرصة عمرك، فرصة كبيرة جدا لو ربنا أكرمك، وغنمت ليلة القدر فأنت الفائز إن شاء الله.
وأسأل الله -عز وجل- أن يغنمني وإياكم ليلة القدر، وأن يعتق رقابنا وإياكم في هذه الليلة .. إن شاء الله؛ لأن لله عتقاء من النار وذلك كل ليلة .. في كل ليلة قول: يا رب عتقت رقبتي من النار الليلة دي ولا لأ ..
طيب تعالى في اليوم التالي يا رب لو ما كنتش عتقت رقبتي في الليلة اللي فاتت فاعتقها الليلة دي .. لحد ما تيجي ليلة 30 قول يا رب ما ليش غيرك، طيب أروح فين لو ما كنتش عتقت رقبتي من سيعتقها، يا رب أنا خلاص أنا ها مرغ رأسي في التراب بس يا رب أكرمني، وزي ما قلت لك، كل ما تذل نفسك لله كل ما ربنا يكرمك ويعزك دنيا وآخرة .. واسجد تحت تطلع فوق، كما قال الله عز وجل: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ }.. وكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- للربيعة بن مالك لما قال: "سلني شيء يا ربيعة؟ قال: أسألك مرافقتك في الجنة يا رسول الله، قال: أو غير ذلك، قال: هو ذاك يا رسول الله، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود لله فإنك لا تسجد سجدة لله إلا رفعك بها درجة في الجنة" ..
أكيد تقول لي: يا شيخ محمود عايزين نعرف مسك الختام مين النهاردة .. هو مفاجأة جميلة جدا وكبيرة جدا إن شاء الله، مسك الختام النهاردة مع الصحابي الجليل "البراء بن مالك" أخو "أنس بن مالك" (رضي الله عنهما).
حقيقة أنا عايز أبدأ مسك الختام الليلة بحديث عجيب جدا حديث رواه مسلم "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبر الله قسمه" حديث من أعجب الأحاديث التي قرأتها في حياتي، نفس الحديث له رواية في الترمذي بسند صحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كم من أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبر الله قسمه منهم البراء بن مالك" .. فسمى النبي شخصا، رجلا وهو البراء بن مالك ..
البراء بن مالك لو أقسم على الله لأبر الله قسمه، نعم .. هذا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- الصادق الذي لا ينطق عن الهوى .. يعني لما البراء بن مالك يقول: يا رب أقسم عليك أن تغفر لي، ربنا يغفر له؟ يغفر له إن شاء الله .. يعني لو كان موجود بيننا البراء بن مالك، وقال يا رب اللهم إني أقسم عليك أن تفك الحصار عن أهل غزة أو أن تجعل اليهود يفكون الحصار عن أهل غزة، كان ها يتفك؟ نعم كان ها يتفك .. يا رب أنقذ إخوانا من أهل العراق، اللهم إني أقسم عليك أن تنقذهم .. كان ها ينقذهم.
طيب، فيه حد في الأمة دلوقت ها يكون زي البراء بن مالك؟ ممكن .. لكن هل الأمة تستحق النصر أم لا؟ هل نستحق أن ربنا ينصرنا؟
محتاجين نراجع أنفسنا شوية، محتاجين نرجع لشرع ربنا وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- محتاجين أن نرحم بعض كمسلمين عشان ربنا يرحمنا؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله يرحم من عباده الرحماء، ارحموا تُرحموا، واغفروا يُغفر لكم، من لا يرحم لا يُرحم". هكذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ..
البراء بن مالك كان من الناس اللي النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أنه لو أقسم على الله لأبر الله قسمه، في رواية عن بن سعد بسند صحيح، إن أنس بن مالك دخل على البراء بن مالك، أخوه .. دخل عليه فوجده عمال بيصلح السهام بتاعته .. فقال إلى متى تفعل هذا؟ لحد أمتى تعمل كده؟ فقال له البراء: أتظن أني أُقتل على فراشي، كلا والله، لن أموت إلا في أرض الشرف والجهاد، البراء بن مالك عنده ثقة ويقين في الله .. أنه أنا اللي زيي .. مثل سعد بن أبي وقاص لما ابنه كان عمال يبكي ويقول له: لما تبكي؟ قال له: أبكي لحالك، ومكانتك، واللي أنا شايفه، فقال: لا تبكي يا بني فوالله إن الله لا يعذبني أبدا وإني لمن أهل الجنة، قال: الإمام الذهبي معلقا على هذا قال: صدق والله فهنيئا له .. فالبراء بن مالك يقول له: فوالله لن أموت على الفراش بل سأموت في أرض الجهاد.
البراء بن مالك في حديقة الموت لما كانوا بيقاتلوا مسليمة الكذاب قال لهم: ضعوني على أسنة الرماح، وارموني جوه عند المرتدين، ودخل جوه وهو يقاتلهم حتى فتح باب الحصن، وعلى ما فتح باب الحصن كان الجرح، وانضرب بالسيف كم ضربة؟ لن تصدقوا لولا صحة النقل، 89 ضربة بالسيف كانت مضروبة في جسد البراء بن مالك، لدرجة أن خالد بن الوليد ظل يعالجه مدة شهر كامل، خالد بن الوليد بنفسه كان يعالج البراء بن مالك مدة شهر كامل، تخيل الأعداء في حصن توستر اللي كان فيه استشهاد البراء بن مالك، لما طال الحصار عليهم كانوا يرمون سلاسل من حديد معلق بها كلاليب مسخن في النار حتى احمرت، وكانوا يرمونها على المسلمين، ويخطفون بها أي أحد من المسلمين من بطنه، من رقبته وكانوا يقتلونهم، فجاء أحد هذه الكلاليب في أنس بن مالك، فلما رأى البراء ذلك فزع، وذهب جريا فوق السور، وأخذ يسلك هذه الكلوب من أنس بن مالك حتى من شدة حمار الكلوب يد البراء بعدما سلك أخوه أنس يده كلها رجعت عظم، وليس فيها قطعة لحم، اتسلخ اللحم اللي على يده كله اللحم وليس الجلد..
في معركة تستر استعصت على المسلمين، والحديث رواه حاكم بسند صحيح، فجاء المسلمون أخذوا بأسباب الأرض وبقيت أسباب السماء، والبراء بن مالك ما هو إلا سبب ربنا سخره من أجل المسلمين، فقالوا يا براء: لقد استعصت علينا مدينة توستر، ألا تقسم على الله -عز وجل- كي ينصرنا الله -عز وجل- يا براء؟ قال: أجل، فرفع يديه إلى السماء وقال: "اللهم إني أقسم عليك أن تنصر جند المسلمين، وأن ترزق البراء الشهادة في سبيلك" فنصر الله جند المسلمين ورزق البراء الشهادة في سبيله جل وعلا ..
أنا عارف أنت عايز تقول إيه، وعارف عايز تسأل تقول إيه .. طيب إيه اللي خلاه يطلب الشهادة، هو مش وجوده كان نافع جدا للمسلمين، ولما كانوا يقعوا في أي موقف ولا مأزق ولا مشكلة كان يقسم على الله فينزل الله عليهم النصر .. أليس كذلك أنت مش عايز تقول كده؟ .. أيوة بس الصحابة غيرنا تماما الحقيقة أو غير أكثرنا، كانوا بيخافوا جدا من الرياء، البراء هم سمعوا من النبي أنه لو أقسم على الله لأبر الله قسمه لكن كانوا لسه ما شافوش، لكن في موقعة توستر خلاص شافوا، وعرفوا أنه لو أقسم على الله لأبر الله قسمه، فعرفوا البراء واشتهر، فخاف على نفسه، وخاف على قلبه، وخاف الناس تفضل طول ما هو رايح ولا جاي يتحدثون عنه، ويقولون: أنه لو أقسم على الله لأبر الله قسمه، فوق ذلك ممكن أن تتعلق قلوب الناس بالبراء، يدخلون أي موقعة يقولون: لا تشغل بالك .. ها تدعي ليه؟ معانا البراء أو ما نتذنق ي الله يا براء تقسم يأتي النصر .. هي المسألة كده فخال عفى نفسه من الشهرة ومن الرياء، وخاف على المسلمين يقعوا في شبهة كبيرة جدا تمس عقيدة السملمين أنهم يعتقدون أن النصر يأتي من عند البراء دون رب البراء، شفت القلوب الصحيحة عاملة ازاي، وده يفسر لك ليه سيدنا عمر بن الخطاب في عز الانتصارات العظيمة لخالد بن الوليد عزلوا ...
خالد بن الوليد لم يهزم لا في جاهلية ولا في إسلام، حتى المعركة اللي دخلها أمام النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة أحد انتصر فيها، خالد بن الوليد، وسبحان الله! لم يُهزم أبدا، سماه النبي -صلى الله عليه وسلم- في سرية مؤتة سماه سيف الله .. أخذ الراية زيد بن حارثة فأصيب ثم قتل، ثم أخذها جعفر فأصيب يعني قتل، ثم أخذها عبد الله بن رواح فأصيب ثم أخذها سيف من سيوف الله -عز وجل- سله على أعداء الله -عز وجل- سيف الله خالد بن الوليد .. خالد بن الوليد في عز انتصاراته على الفرس، ثم انتصارت على الروم .. خالد بن الوليد كان مجرد أن يسمع أحد عن مقدمه كان يترك الحصن ويمشي أو يترك المدينة كلها .. ووصل الأمر أن أحدهم في بلدة اسمها قمن نسرين أول ما عرف أن خالد بن الوليد دخل قام، وأغلق الحصن .. فأرسل إليه خالد رسالة صغيرة قال فيها، من عبد الله خالد بن الوليد إلى قائد الروم في في بلدة قمن نسرين .. أما بعد فأين تذهبون؟ فوالله لو صعدتم إلى السحب لأصعدنا الله إليكم أو لأمطركم علينا .. يعني كده كده جاي .. فأول ما قرأ الورقة فقال: افتحوا الحصن فلا طاقة لنا بهؤلاء..
الحصن الذي.. ليه قائد الروم أحب أن يسخر من خالد بن الوليد، قال: سمعت أنه لم يخرجكما إلا الجوع والعطش .. فتعالوا نعطي كل واحد منكم ما يريد وكل عام تعالى يأخذ ما يريد .. فخالد أحس أن الكلام فيه إهانة، فقال له: لا والله ما أخرجنا الجوع أو العطش، ولكننا قوم نشرب الدماء، فقال: وقد سمعنا أنه لا دم أطيب من دماء الروم فجئنا نشرب من دماءكم .. ففزع زعيم الروم فسلم الحصن .. خالد بن الوليد في عز هذه الانتصارات تأتي ورقة من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بعزل خالد بن الوليد، وتعيين أبو عبيدة بن الجراح .. تخيل، لدرجة أن أبو عبيدة بن الجراح وصلته الورقة، ولا يريد أن يريها خالد، لا يريد أن يقول له: أن أمير المؤمنين عزلك .. لكن في الآخر اضطر؛ لأنه يجب أن ينفذ أمر أمير المؤمنين، خالد بن الوليد نزل من وزر الدفاع إلى جندي مجند، جندي عادي خالص ما فيش حاجة خالص .. ترى ماذا يحدث اليوم لو واحد نزل من لواء لعقيد، يصاب بالشلل .. لكن تخيل خالد ينزل من وزير دفاع لجندي، مش فارقة معاه؛ لأنه في النهاية يعمل لله، سواء كان وزير دفاع، لواء عقيد مقدم، رائد، ضابط، عكسري، أنا في النهاية باعمل لله فلا يشغلني كل هذا الكلام، ده الناس المخلصين اللي بيعملوا كده هو خالد بن الوليد تعرفوا عمل إيه لما وصلته هذه الورقة؟ كان ممكن واحد غيره يقول طبعا عمر بن الخطا بيحقد علي، عشان فيما بعد التاريخ ها يكتب عني كل الحاجات دي وهو مش عايز لي كده، تعرف عمل إيه؟ قال: رحم الله أمير المؤمنين عمر، دعا له بأن يرحمه الله -سبحانه وتعالى- ..
شفت كيف كانت هذه الناس مخلصة، سبحان الله! ده يوضح لك، أمير المؤمنين عمر وهو على فراش الموت راح موضح للناس لما عزل خالد، قال: أما أني ما عزلت خالدا عن تهمة ولا ريبة ولا خيانة، ولكني سمعت الناس يتحدثون أن الجيش الذي فيه خالد لا يُهزم أبدا، فخشيت أن تتعلق قلوب المسلمين بخالد من دون رب خالد، أهم حاجة عنده العقيدة، عشان كده عزل خالد بن الوليد ..
الإخلاص يا جماعة؛ لأنه لازم يكون فيه إخلاص بينك وبين ربنا، أنك تريد بعملك هذا وجه الله سبحانه وتعالى، لا الناس ها تنفعك ولا الجاه ولا المال ولا الشهرة ولا الصيت ولا أي حاجة في الدنيا، {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ{34} وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ{35} وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ{36} لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ{37}
أخي وحبيبي لن ينفعك إلا عملك الصالح، إذا مات الإنسان يتبع الميت ثلاثة، ماله وأهله وعمله، فيرجع اثنان ماله وأهله ويبقى عمله، لن ينفعك إلا عملك، عملك وإخلاص النية لله.. "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" ففكر قبل كل عمل وبعد كل عمل هل عملته لله؟ أم لمن؟ يوم القيامة سينشر على كل مسلم ديوانان، لما وكيف، حاجتين ها تسأل عنهم، لما وكيف.. عملت الفعل ده ليه، لجلب نفع، أم دفع ضر، أم فعلته لحظك وهواك أم فعلته لمولاك -سبحانه وتعالى-؟ عملت هذا العمل لمصلحة ولا دفع مضرة ولا لمزاجك؟ ولا لله، طيب وكيف فعلت هذا الفعل، على سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا ألفت سنة جديدة من عندك؟
هذه المسألة.. ستسأل هذان السؤالان على كل أعمالك، عملت لله ولا لغير الله لو كان لغير الله لا يقبل، ولو كان لله يقبل .. طيب فيه نقطة ثانية، فهناك شرطان لقبول العمل، الإخلاص والمتابعة، طيب وكيف فعلت هذا العمل؟ أكان على سنة النبي أم ألفته من عندك، فهذه المسألة..
لذلك أريد أن أذكر لك بعض نماذج المخلصين علشان نتأسى ونقتدي بهم، طبعا خير من علمنا الإخلاص هو حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- .. لكن أنا أريد أن أذكر لك بعض تلاميذه، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- نحن نعرف يقينا إخلاص النبي -صلى الله عليه وسلم- .. تعالى نشوف بعض تلاميذه..
أبو بكر الصديق: في يوم من الأيام كان سيدنا عمر يستغرب، أبو بكر الصديق بعدما يصلي الفجر ينطلق مباشرة مسرعا إلى مكان ما، هو بيروح يعمل إيه؟ راح مراقبه فوجده يخرج من عند خيمة امرأة عجوز في أقصى المدينة، بعد ما يصلي الفجر يروح ينظف لها الخيمة، ويكنسها لها، ويعد لها الطعام والماء ويمشي ويتركها، والمرأة لا تعرف من هو، لا تعرف أن ذلك هو أمير المؤمنين، لا تعرف أن هذا هو خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبعد ما خرج أبو بكر دخل عمر بن الخطاب، سأل المرأة العجوز من الرجل الذي كان عندك يا أماه، قالت: هو رجل يأتيني منذ أشهر معدودات يأتيني بما يصلحني ويخرج عني ما يؤذيني يعد الطعام والشراب، فقال: أتعرفين من هو؟ قالت: والله ما أعرفه .. تخيل خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسئول عن كم دولة؟ يدخل كل يوم بعد الفجر ينظف خيمة امرأة عجوز عمياء ولم يعرفها هو مين، لم يذكر لها أنه خليفة رسول الله عشان لما حد يقابلك تقولي شوف بيعمل إيه ومتواضع ازاي، ما حدش يعرف، شوف الإخلاص .. كان يحلب لأهل الحي الشياه بتعاتهم، فلما أصبح خليفة رسول الله، قالوا: خلاص الخليفة ها يبقى مشغول ومش فاضي لنا خلاص، فقال: لا والله ما أقطع شيء خير كنت أفعله على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ..
عمر بن الخطاب وكلنا نعرف قصة المرأة والأيتام، أولادها الصغيرين لما عدا عمر ووجد المرأة تشعل النار على مياه .. فقال: ماذا تفعلين؟ فقالت: أنوم الولاد، وأقول لهم أنه فيه أكل وما فيش أكل، بس بأسوي شوية مياه وخلاص عشان بس يناموا، والله بيننا وبين عمر، فهي لا تدري أنه عمر، فقال لها: وما ذنب عمر، قالت: سبحان الله يتولى أمرنا ثم ينسانا، عمر بن الخطاب الدنيا تسود في وجهه في ساعتها يتفاعل مع الموضوع، ويذهب لبيت مال المسلمين ويجيب لها دقيق وسكر وثمن ويأتي لها ويضع الأكل على النار ويظل ينفخ في النار حتى لا تنطفئ النار والدخان خارج من لحيته وهي تسوي الطعام لكي تطعم الولاد، وظل عمر مختبئ وراء شجرة حتى أكل العيال وشربوا وانبسطوا وظلوا يضحكون وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، أسلم بيسأله ما الذي حملك على هذا يا أمير المؤمين؟ قال: يا أسلم جئت وهم يبكون فأردت ألا أمشي إلا وهم يضحكون، هذا أمير المؤمنين عمر، ولم يقل لها أنه أمير المؤمنين عمر، أبدا قال لها: تعالي غدا ستجدينني عند أمير المؤمنين، فلما ذهبت عنده وجدته أنه هو فخافت، فقال: لا عليك يا امرأة، وعمل لها مرتب شهري حتى تطعم هؤلاء اليتامي .. هذا أمير المؤمنين عمر الذي وصل إخلاصه لمرحلة أن ربنا سخر له الكون، في خطبة جمعة وكان قد أرسل سرية من السرايا حتى تجاهد في سبيل الله تعالى، وهذه السرية كادت أن تهزم، وإذا به في خطبة الجمعة وأثناء الخطبة وهو يذكر الناس بالله، وفجأة وقف وغير اتجاهه وقال: يا سارية الجبل، يا سارية الجبل .. فالناس تساءلوا ماذا حدث له؟ فعبد الله بن عمر قال: سيعود إلى مكانه لا تشغلوا أنفسكم، وبعد شهر كامل يأتي الجيش، ماذا صنعتم؟ قالوا: يا أمير المؤمنين كدنا أن نُهزم لولا أن سمعنا صوتا والله يشبه صوتك يا أمير المؤمنين، يقول: يا سارية الجبل تحصن بالجبل، هو الإنسان لما يعطي ظهره للجبل ويجاهد بتكون أقوى بفضل الله تعالى في أن يجابه الأعداء، فقال: يا سارية الجبل يا سارية الجبل، تعجبوا، فقال: والله يا أمير لمؤمين رأينا رجلا صوته يشبه صوتك، فقال عبد الله بن عمر: إنه صوت أمير المؤمنين عمر (رضي الله عنه وأرضاه).
عمر بن الخطاب اللي في يوم من الأيام سمع من عمرو بن العاص أن أهل مصر كانوا في كل سنة في شهر بؤونه متعودين على عادة كانوا يأتون ببنت من أجمل البنات ويشترونها من أهلها بوزنها ذهب، ويضعون لها دهب حول جسمها ويرمونها في النيل في شهر بؤونه في يوم 10 حتى يرضى النيل عنهم ويفيض ماء النيل، وكان النيل مياهه نزلت في ذلك الوقت بقدر الله -سبحانه وتعالى- وقالوا لعمرو هذا أن يلقوا الفتاة، فقال عمرو: لا .. ما هذا في دين الله، وأن الإسلام يجب ما قبله، فأرسل لأمير المؤمين عمر، فقال: أصبت فيما فعلت، وإن الإسلام يجب ما قبله وأن هذا لا يكون في دين الله، فقال: لقد أرسلت إليك رسالة يا عمرو فإذا وصلت فألقها في النيل ..
وصلت الرسالة أخذ البطاقة فوجد مكتوب فيها من عبد الله عمر بن الخطاب إلى نيل مصر، يخاطب نيل مصر شوف الإخلاص، إلى نيل مصر أما بعد، فإن كنت إنما تجري من قبلك فلا تجري، وإن كان الله -عز وجل- هو الذي يجريك فأسأل الله -عز وجل- أن يجريك، فرمى البطاقة وفي اليوم التالي كان أهل مصر يجهزون أنفسهم ليرحلوا عن أرض مصر، عشان النيل لم يكن فيها مياه أو غيره، فإذا النيل قد فاض ستة عشرة مترا من الماء، ففاض، وقطع الله هذه العادة السيئة عن أهل مصر إلى يومنا هذا بفضل الله ..
سعد بن أبي وقاص في معركة القادسية اللي عندما جه عند نهر دجلة والفرس خلاص عدوا بسفنهم، قال: أني عزمت على أمر، قالوا: على أي شيء؟ قال: عزمت على أن أعبر النهر بالخيل، قالوا: كيف ذلك؟ قال: نحن جند من جنود الله والنهر جند من جنود الله، ما يعلم جنود ربك إلا هو، وجئنا لنعلي رية لا إله إلا الله .. ألا يسخر الله لنا هذا النهر، ومروا على النهر بالخيول حتى رآهم يزدجرد فقال: والله ما تقاتلون الإنس وإنما تقاتلون الجن.
إخلاص فوق الخيال، أذكر آخر مثال سفينة مولى النبي -صلى الله عليه وسلم- في يوم من الأيام كان راكب مركب والمركب انكسرت، وكل من فيها غرق وهو متعلق بلوح خشب، ووصل لجزيرة أو ما وصل للجزيرة ونزل وجد في وجهه أسد، قال: فخفت منه، ولكن خوفي من الله كان أعظم، فكر ولسه ها يرجع وجد الأسد يقترب منه وينظر إليه ويمشي ويقرب ويمشي، وكأنه يقول له: تعالى خلفي، أسد ولولا صحة النقل ما صدقنا، فظل يمشي وراء الأسد حتى وصل لمكان فيه دخان فعرف أنه فيه ناس في هذا المكان وأنه فيه ناس ها يعملوا أكل، ثم نظر إلى الأسد فقال: وكأن الأسد قد اغرورقت عيناه بالدموع حزنا لفراقي، من الذي سخر له هذا؟ الله -سبحانه وتعالى- الذي سخر لهؤلاء جميعا؛ لأنهم أطاعوا الله فطوع الله -عز وجل- لهم الكون كله.
أخي وحبيبي أختي الفاضلة، البراء بن مالك النبي قال عنه: "كم من أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك" ليه؟ لإخلاص النية لله، ولما حتى اشتهر أمره واتعرف بين الناس أنهم من الذين لو أقسموا على الله لأبر قسمهم، فإذا به يتمنى الشهادة حتى لا يشتهر أمره..
أنت فين إخلاص نيتك لله؟ حضر نفسك، وجهز نفسك أنك ها تسأل أمام الله -سبحانه وتعالى- وها تُسألي أختي في الله، وستقفين أمام يدي الله، وها تُسألي أأخلصت النية؟ وأردت بهذا العمل وجه الناس، والرياء، والشهرة، والصيت، والسمعة وما إلى غير ذلك؟.
والله ما في أي إنسان في الدنيا يستحق أن ندخل النار عشان خاطره، تدخل النار عشان الناس تقول: هذا مشهور، عشان الناس تقول: ما شاء الله ده معروف، عشان الناس تقول ده ما فيشه زيه وما فيش منه اثنين، طيب وليه؟ ما نخلص النية لله حتى يكرمنا ويجمعنا مع سيد ولد آدم، وحتى يكون مسك الختام وافتكر أن أعظم زاد تتزود به في آخرتك إخلاص النية .. {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}(البينة: من الآية5) فأخلص النية أخي الحبيب وأخلصي النية أيتها الأخت الفاضلة حتى يكون هذا هو الزاد، وماذا أعدت لها، وحتى يكون مسك الختام، أجمل ختام إن شاء الله .. أسأل الله -عز وجل- أن يجمعني وإياكم مع المخلصين على حوض سيد المخلصين -صلى الله عليه وسلم- ..
أحبكم في الله.. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصبحه وسلم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=1999_0_2_0