الحقوق محفوظة لأصحابها

عمرو خالد
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بارك الله فيكم وفي أولادكم وتقبل منكم الصيام والقيام، وفتح عليكم وأعانكم، وأعز هذه الأمة بكم، أرأيتم كمية القصص التي بالقرآن، وكل منها به جانب إصلاحي، كقصة قارون وقصة طالوت وجالوت وقصة أهل الكهف، وكل منها تؤثر على الناس من ناحية مختلفة.

مكانة المسجد الأقصى:

قصة اليوم لها علاقة بحب القدس، هل تحبها؟ هل نسيتها؟ هل ما تزال القدس غالية على قلبك؟ يقول النبي- صلى الله عليه وسلم-:(ولا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجد الأقصى، ومسجدي)، ويقول النبي أيضاً (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فى سواه إلا المسجد الحرام ، فصلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلاة ]فيما سواه[)، يقول تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا...} (الإسراء:1)، وقد سُئِلَ النبي أي المساجد بني أولاً في الأرض؟ قال: المسجد الحرام، قيل: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى.

وقد وقعت حادثة الإسراء والمعراج هناك، عندما صعد النبي على البراق والتقى بالأنبياء جميعاً في حدث لم يسبق له مثيل، وأين التقوا؟ بالمسجد الأقصى! وصلَوا هناك وكان إمامهم النبي– صلى الله عليه وسلم-، هناك حديثٌ في فقه الصلاة يقول: (لا يؤم الرجل في سلطانه، و لا يجلس على تكرمته في بيته إلا بإذنه)، يفهم من ذلك أن صاحب البيت هو من صلى بالأنبياء إماماً ذلك اليوم –صلى الله عليه وسلم-.

والخلاف حول القدس هو خلاف في الأديان، فهي ترمومتر الأرض، فإن كنت تريد أن تعرف وضع الأرض، وهل يسود بها المساواة أم العنصرية فابحث عن وضع القدس، وإن كنت تريد أن تعرف إن كان يسود الصلاح والخير فانظر لوضع القدس. لقد كان هناك حديثٌ عن القدس رواه النبي وابتسم وهو ينظر إلى السماء، فأصبح ذلك جزء من رواية الحديث، وقد علم نور الدين محمود أستاذ صلاح الدين الأيوبي ذلك الحديث، وابتسم، وعندما عَلَّمَ صلاح الدين الحديث لغيره لم يبتسم، فقال له: أكمل الحديث، فقال: كيف أبتسم والمسجد الأقصى أسير. ؟!

قصة سيدنا عُزَيّر:

قال تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ...} (البقرة:259). قصة اليوم تحكي فكرة أساسية وهي الأمل، هل من الممكن أن تحيا وتنهض القدس من جديد؟ وهل من الممكن أن نحيا ونحن بلا تعليم ولا رسالة وبلا تمسك جيد بالدين؟ وهل من الممكن أن تحيا بلادنا من جديد؟ نعم بالأمل، هذه القصة تدعونا إلى الثقة بالله، فقد سأل عُزَيّرٌ اللهَ إن كان من الممكن إحياء هذه الأرض، فأراه الله ذلك في نفسه، فإذا أحييتك من جديد إذاً من الممكن أن تحيا هذه الأرض أيضاً،. إن الإنسان مثله كمثل الدول فكلاهما له منحنيات، حيث أن الإنسان يبدأ طفلاً ويكبر حتى يصل لقمة قوته وعقله ونضجه ثم يصبح كهلاً وكذلك الأمم، قال تعالى {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً...} (الروم:54).

وصف العصر الذي جاء بعده سيدنا عُزَيّر:

لقد جاء سيدنا عُزَيّر بعد سيدنا سليمان بمائتي عامٍ، فقد كان منحنى سيدنا سليمان قد علا كثيراً ووصل لمنتهى القوة، قوة عسكرية وعلمية ومعمارية كبيرة، فقد كانت الرياح تخدمه، ووصل إلى مستوى تقنيٍ كبيرٍ بهر ملكة سبأ بلقيس عندما رأت الصرح الممرد، والتقدم المعماري غير العادي بسبب الجن المسخر له، وفي النهاية مات سيدنا سليمان، وبعد ذلك بقليل قُسِّمت مملكته إلى قسمين وهذه هي المرحلة الأولى، ثم المرحلة الثانية قُسَّم الناس إلى طوائف كما يحدث الآن تماماً؛ سني وشيعي، إفريقي زنجي وعربي، درزي ودمَروني، ثم المرحلة الثالثة هو الطرف الشريك فما قام به سليمان من إمكانيات عالية أدت إلى حضارة وإصلاح، وقد استغل الناس هذه الحضارة من أجل الشعور بالراحة والرفاهية، مما أدى إلى المرحلة الرابعة وهو الغزو الخارجي على يد بُختُنصر الحاقد على مملكة سليمان، فقد أراد أن يجعل مملكته التي بالعراق أقوى من مملكة سليمان، فهدم القدس وحرق كل ما بناه سيدنا سليمان وأزاله، كان ذلك بعد مائتي عامٍ، استمرت فيها مملكة سليمان صامدة قبل أن تقع، فهل هناك أمل للمنحنى أن يعلو من جديد؟ نعم، فطالما تشرق الشمس هناك أمل، ومادام النهار يلحق الليل فهناك أمل، احفظوا هذا الكلام وعلموه لأولادكم، فهل يا ترى ستنهض بلادنا وتحيا من جديد؟ طبعاً.

مسكينة هي القدس عبر التاريخ، هي فعلاً ترمومتر لتعرف بها الوضع في الأرض كلها.

دخل بُختُنصر إلى القدس فقتل الرجال وسبا النساء والأطفال، وهدم البيوت، ودمر ما فعله سليمان، ليس هذا فقط بل ساق خمسين ألفاً من أهل القدس كعبيد إلى العراق، وترك القدس بلا بشر؛ فجزءٌ قتلى والجزء الآخر عبيد، وقبل أن يعود إلى مملكته أحرق القدس، فأصبحت بلا نبات أو حيوان أو حتى بيوت، ومن إعجاز القرآن وصف الآية الكريمة ذلك {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا...} (البقرة:259)، والعروش هنا هي الأسطح، أي أنها أصبحت مساوية للأرض فقد دكها دكاً، فلم يعد هناك بيوت أو بشر أو نبات أو ما يؤكل بها، أو حيوان فقد ماتت الحيوانات أو هربت خوفاً من الحريق، وفي هذا الوقت ظهر عُزَيِّر.

لماذا اختار الله سيدنا عُزَيّر؟

لقد كان لدى بني إسرائيل الكثير من الأنبياء، ولكن لم يرسل لكل الأنبياء منهم كتب سماوية لتبليغ رسالة، لقد كان عُزَيّرٌ نبياً وقدوةً في نفس الوقت، لم يُرسل بكتابٍ سماوي، لقد كان عُزَيّرٌ قدوةً في صلاحه فهو من أعبد بني إسرائيل، وهو أحد الأربعة الذين حفظوا التوراة، وهم موسى وداود ويوشع بن نون، وعُزَيّر، وفي زمانه لم يكن يحفظ التوراة غيره، هذه القصة في سورة البقرة آية 259 وهي آية واحدة، بعد آية الكرسي {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ...} (البقرة: 255)، والدليل العملي على هذه الآية أن الله قيومٌ على بلادنا، حيٌ فهو يحي ويميت، فكأن آية الكرسي التي نحفظها ونحبها دليلها العملي هو قصة عُزَيّر وقصتين أخريتين بجانبها دليل على إحياء الموتى وهو سيدنا إبراهيم عندما سأل: ربي أرني كيف تحيي الموتى، فطلب الله منه أن يحضر أربعة طيور ويقسمهم إلى أجزاء ويجعل على رأس كل جبل جزء ثم يدعوهن فيجد أن الطيور تتجمع، الريش والدم والعيون والمناقير ويكتمل كل طير منهم، هذه هي أعظم آية في القرآن آية الكرسي ومعها دلائلها.

حياة سيدنا عُزَيّر نبي بني إسرائيل:

إن عُزَيّراً كان نموذجاً لبني إسرائيل في تقواه وصلاحه، لم يكن يسكن القدس بدليل الآية الكريمة {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ...} (البقرة: 259)، أي أنه مر على القدس فقط، ولكنه كان يعيش في بلدةٍ أخرى كانت تبعد عن القدس مسيرة يوم وليلة ركوباً،. كانت أسرته عبارة عن أربعة أفراد بالإضافة لزوجته وخادمته أشتر ذات العشرين ربيعاً، كان يبلغ من العمر وقتها أربعين عاماً (وعندما سيستيقظ بعد مئة عام سيظل عمره أربعين عاماً أيضاً)، كان يعيش في مزرعته ويزرعها، وكان عابداً وكانت الناس تقتدي به حتى في صلاحه مع أسرته، وكانت تشغله فكرة واحدة: هل من الممكن أن تحيا هذه الأمة من جديد؟ في هذا الوقت دخل بُختُنصر القدس ودمرها، ولم يعلم بذلك عُزَيّرٌ، فإذا بالوحي يأتيه، ويقول له: إن الله يأمرك أن تخرج إلى القدس فتصلح فيها، فلم يكتفي عُزَيّرٌ بمجرد عبادته لله بل وأيضاً ذهب لإصلاح القدس، إن معظم الناس يكتفون الآن بمجرد الصيام أو الصلاة وينسون المبدأ الأساسي وهو الإصلاح في الأرض، فلكل إنسان طموح مختلف؛ منهم من طموحه النقود ومنهم من طموحه الفردوس وأن يكون جار النبي –صلى الله عليه وسلم- بالجنة، وأن يكون سقف بيته عرش الرحمن، والجنة درجات كلٌ على حسب عمله في الدنيا، فقرر عُزَيّرٌ أن يُلَبّي نداء ربه، فيذهب إلى هناك لمدة سنة للإصلاح، وكان سيدنا عُزَيّرٌ طموحاً فيما عند الله يوم القيامة، وليس معنى ذلك أنه كان زاهداً في الدنيا، بل إنه استخدم ما لديه كأداة، أي أن أرتدي أفضل ما لدي وأتعلم بأحسن صورة، وأن أنجح في عملي، وأجني المال، وأستخدم كل ذلك في سبيل الله، فأصلح الأرض، فلا أنتهي من طموحي إلا بدخول الفردوس الأعلى.

توجه عُزَيّرٌ إلى القدس:

فودع أهله وبكت خادمته أشتر، وركب حماره وتوجه إلى القدس، وقد أحضر معه بعض الطعام، وعندما وصل إلى القدس لم يجد شيئاً فقد كانت البلد خاوية على عروشها، فلم يكن هناك أناس أو حتى مبانٍ أو طعام، إذاً لماذا بعثه الله؟ هل يعود؟ لو كنتَ مكانه كنت ستعود من حيث أتيت، ولكن هو كان يعلم أنه أتى من أجل الإصلاح فقرر ألا يعود،! يقول الحديث الشريف: (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أوليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه فتدعونه فلا يستجيب لكم)، وأنت كذلك أمرك الله بالإصلاح، ليس بالضرورة أن تترك بلدك مثل عُزَيّر، حاول أن تصلح في بلدك، كلٌ في مكانه، قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ...} (آل عمران:110)، لِمَ خيرُ الأمة؟ لقيامهم بمهمة الإصلاح في هذه الأرض.

حكمة تدبير الرزق في الأرض:

لقد كان يحمل من الطعام سلة بها عنب وتين وصرة بها القليل من الخبز، وهذا كان طعام يومٍ وليلة حتى يصل إلى القدس فيجد بها الطعام، فلم يعلم عُزَيّرٌ أن هذا الطعام سيكفيه مائة سنة، هذا هو تدبير الرزق عند الله، فأحياناً لا يرزق العباد لمدة سنة كاملة، وأحياناً يرزقهم في يومٍ رزق السنة كلها، وتدبير الرزق للبشر مكتوب عند الله في تقسيم الأرزاق في اللوح المحفوظ، فلمَ لا ترتاح أيها الإنسان؟ يقول الحديث القدسي (ابن آدم عندك ما يكفيك وأن تطلب ما يطغيك لا بقليلٍ تقنع ولا بكثيرٍ تشبع، إن أنت أصبحت معافى في جسدك آمناً في سربك عندك قوت يومك فقل على الدنيا العفاء)، فهل تضمن لنفسك أن تعيش يوم غد حتى تطلب المزيد من الرزق؟ يقول الله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الزمر:42)، أي عندما ننام تذهب كل الأرواح إلى الله تعالى فيُمسِك منها من مات ويرسل باقي الأرواح إلى الأجساد حتى تتم أجلها، ويتم ذلك كل يوم عند النوم.

لقد كان عند سيدنا عُزَيّرٌ الأمل في الإصلاح، فبدأ في بناء البلد من جديد، وطعامه لن يكفي سوى ليوم ٍ واحد، ولا يوجد مأوى له، هل ستفعل أنت ذلك لو كنت مكانه؟ هل ستعلِّم أطفالاً تركوا التعليم؟ هل ستأخذ على عاتقك أسرة ما لترعاها؟ هل ستبعد اليأس عن تفكيرك؟ هل سيصبح عندك أمل في الغد؟ تخيلوا أن الدنيا من حول سيدنا عُزَيّر خراباً وهو يبني بيتاً، جزءاً من القدس! يقول النبي– صلى الله عليه وسلم- (إن قامت الساعة و في يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها)، لماذا؟ لأنك كائن مصلح، مهمتك أن تصلح الأرض. يا جماعة تحركوا ! افعلوا شيئاً عوضاً عن الجلوس على المقاهي دون القيام بشيءٍ مفيد، تحركوا وثقوا بالله واجعلوا لديكم أملاً بالغد، اعملوا واجتهدوا !

أنى يحي هذه الله بعد موتها؟

توقف سيدنا عُزَيّرٌ عن العمل بعد أن انتهى اليوم الذي كان حافلاً بالعمل الشاق، فماذا يفعل الآن؟ وجد كهفاً ليرتاح فيه، فصعد إليه، ونظر إلى القدس من فوق ٍ وسأل نفسه أنى يحي هذه الله بعد موتها؟ وظل هذا السؤال شاغلاً تفكيره، هل من الممكن للمنحنى أن يرتفع من جديد؟ إنه لا يشكك في استحالة ذلك ولكنه يتساءل كيف ستحيا هذه الأرض، ودخل الكهف وأماته الله مائة سنة ليريه آية في نفسه، كيف سيحيه بعد كل هذا الوقت؟! ليرتفع الأمل عنده بهذه المعجزة الإلهية فيكون قادراً بعد ذلك على إحياء هذه الأرض وإصلاحها. دخل عُزَيّرٌ الكهف فوضع رأسه وبجانبه التين والعنب، وربط حماره أمامه داخل الكهف، ونام عُزَيّرٌ ليستيقظ بعد مائة سنة.

لماذا أمات الله عُزَيّراً مئة سنة؟

ربما لأن على رأس كل مائة سنة تسيطر على العالم مجموعة أفكار، مرة كانت الشيوعية، ومرة كانت الرأسمالية،...إلخ، ويعيش الناس أسرى لهذه الأفكار، لتحكم حياتهم فلا يستطيعون أن ينظروا خارج هذا الإطار، تنتهي المائة سنة لتظهر فكرة جديدة، فينظر الناس إلى الفكرة القديمة على أنها أسلوب قديم وتصبح الفكرة الجديدة هي الأفضل، فيتبنوا الفكرة الجديدة لمدة مائة سنة أخرى، ولهذا الكلام دلائل فقد قال النبي– صلى الله عليه وسلم- (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)، أتدرون يا جماعة أرى الأفكار على وشك أن تنتهي، وهناك من سيأتي بأفكار جديدة، فمن يا ترى سيكون صاحب هذه الأفكار؟ إن هذه الأفكار أقوى من المال بل هي من يصنع المال، ولكن المال لا يصنع الأفكار، وهل يا ترى سيكون للمسلمين دور؟ هل يا ترى سيكون المسلمون مجرد تابعين لهذه الأفكار، أم سيكونون هم أصحاب الأفكار التي تُقَدَم للبشرية؟ الفكرة أن الأرض تغير جلدها كل مائة سنة، فيا مسلمين تعلَموا وعلِموا أولادكم جيداً فنحن على أبواب عالم جديد، ومن سيكون له دور كبير هو صاحب مستوى التعليم الجيد وصاحب الأفكار الجديدة.

توقيت إحياء سيدنا عُزَيّر:

قال تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ...} (البقرة: 259)، لنربط كلمة "ثم بعثه" هذه بالآية {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ...} (البقرة: 255)، واربطها بإحياء القدس، فبعد مرور المائة عام كان بُختُنصر قد مات، وبدأ أهل القدس يتحررون فأرادوا أن يعودوا إلى بلدهم، وعندما دخلوا القدس وجدوا المدينة مدمرة فيما عدا محاولة لبناء بيت، وهي التي كانت تخص عُزَيّر، فتركوه كأثر، وعمروا القدس، ولكن للأسف لم يكن لديهم من يحفظ التوراة أو يعلمهم شئون دينهم، فقد أحرق بُختُنصر التوراة، وكان هذا هو التوقيت المناسب لعودة عُزَيّر وليس من مائة عام، ربما لهذا أخره الله لأن هذا هو الوقت المناسب، فليس دور عُزَيّرٌ أن يبني البيوت ولكن أن يعلم الناس، ولكن لم يكن هناك من أناس عندئذٍ فأماته الله مائة عام ليصبح آية في الإصرار والأمل والثقة بالله، هذا هو ترتيب الله العادل بالكون.

إثبات فكرة الموت لمائة عام للمؤمنين والماديين:

كم من المرات جاء ذكر الله لإحياء الموتى في القرآن؟ فلنذكرها للمؤمنين وللماديين:

أولاً المؤمنين: أن الله هو الحي القيوم:

قصة طالوت وجالوت {...أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ...} (البقرة: 243).

قصة أهل الكهف الذين أماتهم الله ثلاثمائة وتسع سنين.

قصة سيدنا إبراهيم عندما أحيا الطيور.

فكم عدد المرات التي ذكر الله فيها قصة إحياء الناس بعد موتها؟ سبحان المحيي المميت عز وجل! وقد تعددت طرق الله في الخلق والإماتة، كالخلق من دون رجل وامرأة كسيدنا آدم، ورجل من دون امرأة كالسيدة حواء، ومن امرأة دون رجل كسيدنا عيسى عليهم جميعاً السلام، ورجل وامرأة وهذا مثال البشر جميعاً، كأنه يريد أن يقول لك {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ...} فانظر كيف يخلُق سبحانه وتعالى، وانظر إلى العكس كيف يحي بعد أن يميت! فماذا كان مع عُزَيّرٍ قبل أن يموت، هو وحماره وطعامه وشرابه، نبات وحيوان وإنسان، أحيا الثلاثة وكأنها آية ليقول الله لك هذه هي كل المخلوقات التي عندكم.

· ثانياً للماديين: فكرة البيات الشتوي (ظاهرة تعليق الحياة ):

لماذا تستعجبون من المائة سنة هذه؟ أليست هناك ظاهرة علمية تسمى "البيات الشتوي"؟ توقيت الحياة، فلماذا قبلتم بفكرة "البيات الشتوي" ولم تقبلوا بقصة كهذه؟ ثم أننا نموت كل يوم ونصحوا اليوم الذي يليه وذلك بالنوم، ولهذا عندما كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يستيقظ من النوم كل يوم كان يقول: (الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور) فما الغرابة بفكرة المائة سنة؟

لماذا بعث الله له ملكا عند استيقاظه؟

عندما استيقظ عُزَيّرٌ عليه السلام بعث له الله ملكاً، وكان هذا منتهى الرحمة من الله تعالى، وكانت القدس قد أحييت، قال تعالى {...قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ... } (البقرة:259)، تخيل معي لو كان خرج ونظر ورأى القدس قد أحييت بين يوم وليلة، كيف كانت ستكون صدمته؟ وتخيل دور الملائكة وحنانهم، هم موجودون معنا في كل مكان، يحيطون بنا ويظللوننا بأجنحتهم وهذا حديث للنبي –صلى الله عليه وسلم- ولو جلس قومٌ يقرأون القرآن مع بعضهم البعض تحفهم الملائكة، يقول الحديث الشريف (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده).

كيف أثبت الله له أنه مات لمائة عام؟

{...قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ... } (البقرة:259) لقد كان العنب والتين والخبز كما تركه يوم نام، كان صالحاً للأكل فلم يتغير طعمه، إذاً فظنه صحيح بأنه نام يوماً أو بعض يوم، ولكن لا، فنظر إلى حماره فوجده عُزَيّرٌ رميماً، لقد غير الله الزمن على الحمار ولم يغيره على باقي المخلوقات مع أنهم بالرغم من أنهم في نفس المكان، فكأنه قد مر يومٌ واحدٌ على سيدنا عُزَيّر وطعامه فقد خرج سيدنا عُزَيّر ابن الأربعين سنة كما هو لم تطل لحيته أو أظافره وكذلك طعامه لم يتغير، ولكن مر مائة عام على حماره.

ألا تصدق أن القدس ستحيا من جديد؟ ألا تصدق أن الله قد يرفع من عزة مصر وسوريا واليمن والعراق ولبنان ويعلو المنحنى من جديد؟ ألا تصدق؟ إذاً فانظر إلى آيات الله المعجزات، كيف بسط الزمن على شيءٍ وقبض الزمن على شيءٍ آخر! سبحان القابض الباسط! ماذا تريد أن تسمع أكثر من ذلك ليصبح لديك أمل وتستفيق وتذهب للعمل والجد والاجتهاد؟ ليس لإحياء الأمة فقط ولكن لإحياء أنفسنا ليكون لدينا أمل في النجاح! لماذا لا تستغل هذا الشهر لتتعلم مهنة جديدة أو حرفة جديدة، ولا تخجل من ذلك، اسع إلى العمل واشقَ في طلب الرزق فهذه رسالة ليس فقط لإحياء الأمم بل لإحياء البشر فهذا هو المحرك الأول لإحياء الأمم، لهذا أمات الله عُزَيّراً وأحياه، فقد تساءل عُزَيّرٌ عن كيف سيحي الله القدس بعد أن ماتت، فقبض الله الزمن وبسطه وأماته الله وأحياه، سبحان القابض الباسط!

القابض الباسط:

إن وصف القابض الباسط له معنىً رائع، فبعض الناس السذج قد تتساءل أين العدل في إنسان مات ودخل قبره قبل القيامة بألف سنة، وعانى من وحشة القبر وظلمته، وآخر دخل قبره قبل يوم القيامة بيوم؟ إن الله القابض الباسط قد يجعل ألف سنةٍ على إنسان كأنها يوم واحد وعلى إنسان آخر قد يجعل اليوم بألف سنة، ألم يقل النبي عن يوم القيامة (كيف بكم إذا جمعكم ربكم خمسين ألف سنة لا تأكلون أكلة ولا تشربون شربة، فقال الصحابة: كيف يا رسول الله، فقال: وإنها لتمر على المؤمن كركعتين خفيفتين يصليهما) ؟هذا هو القابض الباسط! إن هذا اللفظ لا يتجلى فقط في قصة عُزَيّرٍ ولكن في أشياء أخرى كثيرة، فهو يقبض الأحزان ويجعلها تمر بسهولة، كشخص سُجِنَ لعشرين سنة مثلاً، كيف تحمّل هذه المدة؟! فسبحان القابض! وكذلك يقبض الأعمار ويبسطها كشخص عاش لستين سنة وما جنى شيئاً من وراء ذلك وآخر عاش لست أو سبع سنوات فبارك الله له فيهن، هذه الأفكار تنبثق كلها من نفس الفكرة، كيف تَغَيّرَ الزمن على الحمار ولم يتغير على عُزَيّرٍ أو طعامه؟ وكأن الله يطلب منا أن نقيس حياتنا على هذه الفكرة. إن سيدنا سعد بن معاذ وهو صحابي جليل أسلم وعمره ثلاثين سنة، ومات وعمره سبع وثلاثين، سبع سنوات فقط في الإسلام ويوم توفي يقول النبي– صلى الله عليه وسلم- "...اهتز لموته عرش الرحمن"، سبع سنوات فماذا فعل بهن ؟! هذا هو الباسط بسط له سبع سنوات فقط، وهناك أناس عاشوا لأربعين سنة وكما ولدت كما ماتت فما بكت عليهم السماء ولا الأرض.

{...وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (البقرة:259) لقد كان حماره رميماً فجمع الله الحمار أمام عينيه عظاماً ودماً ولحماً، فلما استوى الحمار أمام عينيه من جديد قال: أعلم أن الله على كل شيء قدير {...قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فقد ملأ الأمل قلبه، أرأيت كم آية أمامك؟ لقد قبض وبسط الزمن وأماته مائة سنة وأحيا القدس التي كانت خاوية على عروشها وأحيا نباتاً وحيواناً وإنساناً، هو والنبات وكأنهم ناموا في اليوم السابق والحمار نام مائة سنة، فكيف تكون ثقتك بالله بعد ذلك ؟!

يخرج الله تعالى النجاة من وسط التهلكة:

إن الله سبحانه وتعالى يخرج النجاة من وسط التهلكة، ففي قصة إبراهيم قال تعالى {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ{68} * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ (الأنبياء: 68، 69)، أين يقينك بالله الذي يزيد من أملك؟ إن الله سبحانه وتعالى يأتي بالماء من قلب الصخر {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ...} (البقرة:60)، كان موسى يطلب المطر من السماء، فأمره الله أن يضرب الحجر بعصاه، من المنطقي أن تكسر العصا ولكن انفجرت عيون الماء من الصخر فشرب منه سبعون ألف شخص، وكأنه مطر من السماء! إن الله يُحيي الموتى بالموتى كذلك فقد كان هناك شخصٌ متوفٍ لدى بني إسرائيل {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى...} (البقرة: 73)، أمرهم الله أن يذبحوا بقرة فيضربوه بجزء منها ليعود للحياة، وكذلك الله يخرج الأمن من قلب الخوف {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي...} (القصص: 7)، لا إله إلا الله! لهذا يجب أن يكون هناك يقين بالله سبحانه وتعالى، من سيحيي القدس؟ من سيحيي بلادنا؟ من سيعيد الخير إلى الأمة؟ إنه الله القابض الباسط العظيم محيي الأرض، ماذا تريد أكثر من ذلك؟

إن الله يغير خواص الأشياء، فإذا كانت السكين تذبح يأمرها بألا تذبح إسماعيل، وإن كانت النار تحرق يأمرها بألا تحرق إبراهيم، ويأمر الحوت بأن يبلع يونس وأن يحتفظ به حتى يلقيه على الشاطئ، من ذا الذي يغير نواميس الكون لتأتَمِرَ بأمره؟ إنه الله القادر لا إله إلا هو! قال تعالى {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ...} (البقرة:255)، هل علمتم الآن لماذا آية الكرسي هي أعظم آية في القرآن؟ لأنها آية إحياء الأمل، يجب قراءة القرآن ليحيا الأمل، والقرآن يقوي الأرواح {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا...} (الشورى:52).

نزول عُزَيّرٌ الى القدس:

استيقظ عُزَيّرٌ ونزل إلى القدس وأخبرهم بما حدث له، فلم يخجل ولم يخف، كذلك كما فعل النبي– صلى الله عليه وسلم- في حادثة الإسراء والمعراج، من يقف إلى جانب الحق فليس عليه أن يخاف! لا تخجلي من حجابك فلا خجل من الحق! أخبرهم بشخصيته وبما حدث له، ربما ضحكوا في البداية ولكن عندما أخبرهم بأن آخر ما فعله كان محاولة بناء بيت، فطلبوا أن يصف لهم ما بناه، فإذا هو البناء الذي وجدوه مبنياً فتركوه أثراً، أخبروه بأن هذا الدليل لا يكفي، وبأن عُزَيّراً كان يحفظ التوراة، وقال أحدهم أن بُختُنصر عندما دخل القدس كان لدى أجداد هذا الشخص نسخة من التوراة ملقاة لديهم، فأحضروها وأمروا عُزَيّراً أن يتلو التوراة ففعل فصدّق الناس، فبقي فيهم مدة سنة كما كان يرغب وعمل على أن يصلح الناس بها وأوفى بوعده لله. لو وعدت الله شيئاً في رمضان كأن تقلع عن شرب السجائر أو أن ترتدي الحجاب أو أن تؤدي رسالة ما فإياك ألا تفي بوعدك {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ{75} * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ{76} * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ...{77} *} (التوبة:75-77).

عودة عُزَيّرٌ إلى بلدته:

وبعد أن انتهى من مهمته عاد إلى بلده، فلم يجد عائلته ولا بلده ولا أي شيء كما كان سابقاً، فبحث عن أي شخص ليسأله، بحث عن امرأته وأولاده فوجدهم قد ماتوا جميعاً، فلم يجد غير امرأة طاعنة بالسن اسمها أشتر عمرها مائة وعشرين سنة فقدت بصرها، أمد الله بعمرها لتقابله، فسألها: هل تعرفين رجلاً يدعى عُزَيّراً؟ تخيل اللقاء! فبكت وقالت: ذلك كان سيدي، قال: أنا عُزَيّر، فارتبكت وقالت: إن عُزَيّراً كان مستجاب الدعوة فادعو الله أن يرد إلي بصري لأراك وأعرف أنك عُزَيّرٌ، فدعا الله فرد الله إليها بصرها، فأبصرته فصرخت: عُزَيّر! وخرجت تري الناس آيتها ورجوع بصرها وتُعْلِم الناس أن عُزَيّراً قد عاد، ولكن من الجدير بالذكر أن أحفاده كانوا موجودين، وكانوا أكبر منه سناً، سبحان الله العظيم!

كانت هذه قصة عُزَيّر، اسأل الله تبارك وتعالى أن يحيي بلادنا وأن يحيي الأمل في المستقبل، فالقصة اليوم هي قصة الأمل وحب القدس. فتح الله علينا وعليكم، سنقابلكم غداً في قصة جديدة بإذن الله.

المصدر: http://dostor.org/ar/index.php?option=com_content&task=view&id=3211&Itemid=88