السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أما بعد:
فمرحبًا بإخواني وأخواتي وأهلي وأحبابي مرحبًا بكم جميعا مع "مسك الختام". ربنا يرزقني وإياكم مسك الختام ويرزقنا حسن الخاتمة، واليوم 11 رمضان، يعني عدا 11 يوم من رمضان والأيام عماله تجري، وكل يوم عمالين نقول الأيام عماله بتجري وكل لحظة في حياتنا غالية والله.
أخويا وحبيبي وأختي الفاضلة، كل حاجة في حياتنا غالية، اللحظة غالية، حتى الدمعة غالية، شوف المولى عز وجل جعل لكل شيء فيك ثمن، ما فيش حاجة فيك ببلاش، كل حاجة لها قدر ولها وزن ولها قيمة عند ربنا سبحانه وتعالى، حتى الدمعة التي تسقط من عينيك إن كانت لله سبحانه وتعالى هايكون لها أجر عظيم جدًا، ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، كان آخر واحد هو رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه" فالدمعة لو نزلت من خشية الله من حضرتك أو حضرتِك وكانت ابتغاء وجه الله بالفعل إن شاء الله تكون سبب أن نكون في ظل عرش الرحمن يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله.
حبيبي في الله وأختي في الله نتمنى أن يرزقنا الله جميعا مسك الختام، ولكن كل هذا له أسباب، واحنا قلنا عشان كده بنرفع الشعار، ليس هذا الشهر فقط، ولا السنة دي بس، ولكن العمر كله نرفع شعار "وماذا أعدت لها" أمامك الجنة، أمامك رضوان الله، أمامك لذة النظر لوجه الله، أمامك من شرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم .. فماذا أعددت له، أسأل نفسك أنا أستحق يوم القيامة أن اقف بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وأشرب من يده الشريفة هذه الشربة، طيب كان ثمنها إيه؟ هل اتبعت سنته، أنا مشيت على هديه، أنا حجبت بناتي وحجبت مراتي وعيشت ولادي في شرع ربنا وسنة نبينا، أنا دعيت إلى الله ولا لا .. ما هو ربنا سبحانه وتعالى قال حاكيا عن النبي صلى الله عليه وسلم قل .. يعني قل لهم يا محمد {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}.. (يوسف: من الآية108) كنت من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم فدعوت إلى ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم ..
أسأل نفسك هل أنا أستحق أن ربنا سبحانه وتعالى يثقل موازيني يوم القيامة بالأعمال اللي أنا عملتها دي، ولا أنا ما عملتش حاجة أصلا توضع في الميزان؟ أنا أستحق أن الله سبحانه وتعالى ييسر لي الصراط وأمر عليه كالطرف وكالبرق وكأجاويد الخيل إلى غير ذلك، أنا أستحق أن أدخل الجنة قال عنها الله سبحانه وتعالى أنا أعددت لعبادي الصالحين في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، عشان كده حبيبي في الله أقولك تذكر دائما قول النبي صلى الله عليه وسلم "وماذا أعدت لها" ..
ضيفنا اليوم اللي فاز بمسك الختام هو خال الرسول صلى الله عليه وسلم "سعد بن أبي وقاص" كانت خاتمته جميلة قوي، ابنه اللي هو مصعب بن سعد يقول: "كان رأس أبي في حجري عند الموت، فبكيت، فقال سعد بن أبي وقاص: ما يبكيك يا بني؟ فقلت لماكنتك وما أربى بك الآن قد حل بك، قال: لا تبك يا بني فوالله إن الله لا يعذبني أبدًا وإني لمن أهل الجنة" الإمام الذهبي وهو ينقل الأثر الجميل ده، يقول صدق والله فهنيئًا له، طبعا سعد بن أبي وقاص من العشرة المبشرين بالجنة، في رواية أخرى أنه دعا بجبة من صوف، فقال لأولاده: كفنوني فيها فإني لقيت بها المشركين في يوم بدر وإني خبئتها لهذا اليوم.
يا الله، شفتم الكلمة الجميلة، شفتم حسن الرجاء في الله سبحانه وتعالى، وحسن الظن في الله سبحانه وتعالى، المولى عز وجل يأمرنا أن نعيش في حياتنا بين الخوف والرجاء، وطول ما احنا عايشين وصحتنا حلوة وشباب نغلب جانب الخوف سنة على جانب الرجاء حتى لا نتجرأ على معصية الله سبحانه وتعالى، ولكن عند الموت نغلب جانب الرجاء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله" كان كتير جدا من علماء السلف كان عند الموت يجيب تلميذه وابنه ويقول حدثني بأحاديث الرجاء، حتى ألقى الله عز وجل وأنا حسن الظن بالله سبحانه وتعالى..
شوف هو عند الموت بيقول إيه؟ يقول والله إن الله لا يعذبني أبدًا وإني لمن أهل الجنة، شوف لما يكون واحد عارف أنه من أهل الجنة، وعايش وعارف أنه من أهل الجنة، ويمشي ويدب بين الناس في أرض الله وهو يعلم أنه من أهل الجنة، فهذه منقبة عظيمة قوي وجميلة قوي ..
تخيل نفسك لو كنت مكان سعد وأنت على فراش الموت، وابنك يبكي وأنت بتقوله حبيبي بتبكي ليه، ما تبكيش، والله ربنا ما هايعذبين يا حبيبي ده أنا من أهل الجنة، كلمة حلوة ويمكن بتعدي علينا ساعات كده ونقول أه فلان من العشرة المبشرين بالجنة، أه ده فلان النبي صلى الله عليه وسلم قال أنه ها يخش الجنة، أتعلم ما هي الجنة، الجنة التي قال عنها الله سبحانه وتعالى "أعددت لعبادي الصالحين .. مش أي حد .. أعددت لعبادي الصالحين في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطرت على قلب بشر" ..
ما الذي مهد لسعد هذه الخاتمة الجميلة، ما الذي مهد له مسك الختام ده؟ حاجات كثيرة جدا، وشغل كبير جدا عمله، وخدمات جليلة وعظيمة خدم بها الإسلام، وعشان ذلك أولا ربنا قدر له ذلك رحمة من الله تعالى، ثم بعد ذلك بتعب وكد واجتهاد وجهد كبير فعله سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه ..
تعالوا نشوف أول موقف من مواقف سعد بن أبي وقاص:
سعد بن أبي وقاص أول ما أسلم ماذا حدث؟ أمه كانت كافرة، وكانت كارهة جدا للنبي صلى الله عليه وسلم وللإسلام، فقالت لسعد بن أبي وقاص يا بني، تعزم أن دينك يأمرك ببر الوالدين؟ قلت: أجل، قالت: إذًا أنا أمك وبأمرك أن تكفر بدين محمد صلى الله عليه وسلم .. طيب أنت ذكية جدا، أنت تقولين أن الدين بيأمر ببر الوالدين، ثم تقولي له سيبه، طيب ما هو لو سابه مش ها يبرك.. فقالت أنا آمرك أن تكفر بدين محمد صلى الله عليه وسلم .. فقال لها يا أماه: أني مع شدة حبي لك لأشد حبا لله، فوالله لو كانت لك مائة نفس، فخرجت نفسا بعد نفس ما تركت دين محمدًا صلى الله عليه وسلم فكلي أو دعي .. طيب ليه قال لها الجملة دي؟ لأنها قالت له إما أن ترجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم يا إما هامتنع عن الأكل والشرب حتى أموت فتعيرك العرب أنك قتلت أمك .. ولذلك قال لها هذه الجملة، أنه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا بعد نفس ما تركت دين محمد صلى الله عليه وسلم فكلي أو دعي .. فما كان منها إلا أن فعلت ما هددت به، تركت الطعام والشرب مدة يومين حتى أُغشي عليها، فقال ابن لها اسمعه عمارة فأطعمها وسقاها فقامت تدعو على سعد بن أبي وقاص .. فنزل قول الله عز وجل: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} (لقمان: من الآية15).
شيء جميل جدا أن سعد بن أبي وقاص يثبت هذا الثبات العظيم، من أيضا ثبت مثله نفس الموقف أو موقف قريب منه؟ مصعب بن عمير، لما أسلم وأمه هددته وحبسته في البيت وهددته بأن تحرمه من كل ثروتها، وفعلا فضل ثابت على الدين واتحرم من ثروتها ومات مصعب بن عمير في يوم أحد وكانت عليه نمرة، يغطوا بها رجله تبان رأسه، يغطوا بها رأسه تبان رجله، رضي الله عنه وأرضاه وكان من أنعم فتيان مكة، كانت أمه تأتيه بالملابس من بلاد اليمن وبالعطور من بلاد الشام، وكانت تمتعه متاعا عظيما، فحرمته من كل ذلك، ولكن حسبه أنه من أهل الجنة وأن يتمتع في جنة الرحمن ما لا فيه عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ..
عند البخار أن سعد بن وقاص يقول: "لقد مكثت سبعة أيام وأني لثلث الإسلام" يعني ثالث واحد أسلم كان سعد بن أبي وقاص، يقول لقد مكثت أسبوع كامل وأنا ثلث الإسلام، يا الله .. ما هذه المنقبة العظيمة تخيل لما تكون أنت تقول أنا الحمد لله قعدت سنة كاملة وكنت أنا اول واحد يصلي في المنطقة بتاعتي وكنت الوحيد اللي بأصلي وحاولت أدعو هذا وهذا عشان يلتزم والتزموا بعد ذلك لكن أنا قعدت سنة كاملة الوحيد اللي بأصلي، أنا قعدت سنة كاملة كنت الوحيدة المحجبة في الجامعة، أنا الوحيدة في السكشن اللي كنت محجبة، أنا الوحيدة في المنطقة بتاعتي اللي كنت محجبة، جميل جدا أن يكون هناك سباق، وسارعوا إلى مغفرة من ربكم .. وسابقوا إلى مغفرة من ربكم، فاستبقوا الخيرات، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون .. عايزين نكون في سباق يا جماعة، سباق للخير ربنا يبارك فيك ويغنمنا وإياكم الخير إن شاء الله، ..
سعد بن أبي وقاص في يوم من الأيام يدخل عليه النبي عليه الصلاة والسلام ويبشره ببشرى جاءت من السماء، فيها أسماء عشرة من الصحابة العشرة دول بشروا مع بعض بالجنة في حديث واحد، حديث رواه أبو داوود بسند صحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أبو بكر في الجنة، عمر في الجنة، عثمان في الجنة، علي في الجنة .. وكان من ضمن العشرة سعد بن أبي وقاص في الجنة" وعشان كده هو قال لابنه يعني هو ما قالهاش من فراغ، هو قال لابنه لا تبكي فإن الله لا يعذبني أبدا، وأني لمن أهل الجنة، لأن النبي الصادق الذي لا ينطق عن الهوى قال له أنت من أهل الجنة، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يقول شيء من عنده، إن هو إلا وحي يوحى، بأبي هو وبنفسي وروحي صلى الله عليه وسلم ..
سعد بن أبي وقاص شهد كل المشاهد، كل الغزوات بلا استثناء، حضرها رضي الله عنه وأرضاه، بذل نفسه وماله ووقتهم وروحهم ونفسه وكل شيء ابتغاء مرضاة الله ونصرة لدين الله سبحانه وتعالى، كان له موقف جميل جدا في يوم بدر، يقول سعد بن أبي وقاص وكان له أخ صغير اسمه عمير بن أبي وقاص، عمير كان عنده حوالي 12 سنة، فماذا حدث؟ حدث أن عمير نفسه يدخل ويجاهد في سبيل الله في غزوة بدر، طيب أنت عندك 12 سنة والنبي صلى الله عليه وسلم لا يقبل أي حد أقل من 15 سنة، فماذا يصنع، اختبأ وراء سعد بن أبي وقاص عشان النبي صلى الله عليه وسلم لا يراه، فالنبي عليه الصلاة والسلام ينظر على الصفوف وفجأة وجد أن لبس سعد بن أبي وقاص يتحرك يمنة ويسرى، فنظر وشعر أن هناك أحد خلف سعد، فنظر فوجد عمير، قال له أرجع، فبكيى عمير وقال يا رسول الله سألتك بالله جل وعلا ألا تحرمني الشهادة، فسيدنا سعد بن أبي وقاص نظر للنبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله لا تحرمه الشهادة، فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم عشان خاطر أن سعد بن أبي وقاص شفع له عند النبي صلى الله عليه وسلم ..
فقال سعد بن أبي وقاص فكنت أعقد له حمائل السيف، هو 12 سنة وقصير والسيف كبير جدا فكان يضع له السيف على كتفه فكان يجرر على الأرض فكان يضعه معكوسا على كتفه حتى يستطيع أن يمشي به، فدخل عمير بن أبي وقاص فقاتل واستشهد في غزوة بدر رضي الله عنه وأرضاه ..
سعد بن أبي وقاص كان له موقف آخر في غزوة أحد، يوم ما الرماة عصوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم ونزلوا من على الجبل واستدار خالد بن الوليد ومن معه من الجيش ومن المشركين ولم يكن قد أسلم، وقتلوا سبعين من خيرة الصحابة، ثم بعد ذلك أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم نادى على الصحابة، فاجتمع حول النبي صلى الله عليه وسلم تسعة فقط، سبعة من الأنصار واثنان من المهاجرين وهم سعد بن ابي وقاص وطلحة بن عبيد الله، هم دول بس من المهاجرين اللي كانوا واقفين بجوار النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد، تخيل .. فراح النبي عليه الصلاة والسلام قال من للقوم وهو رفيقي في الجنة؟ السبعة تقدموا من الأنصار وقتلوا جميعا دفاعا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فأنزل النبي صلى الله عليه وسلم كنانته التي به السهام، وأعطاها لسعد بن أبي وقاص، وقال ارم سعد فداك أبي وأمي، فجمع له بين أبويه، فقال أفديك بأبي وأمي أرم يا سعد، فكان سعد يرمي ولذا دعا له النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت عند الترمذي، والحاكم بسند صحيح فقل الله استجب لسعد إذا دعاك، وفي رواية قال: "الله استجب دعاءه وسدد رميته" كما في رواية وإن كان بعض أهل العلم ضعفوها ..
خد بالك من حاجة، سعد بن أبي وقاص أخذ السهم ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم ما كانش سهم يطلع منه إلا قتل به واحد من المشركين رضي الله عن سعد وعن كل الصحابة أجمعين .. فهذا سعد بن أبي وقاص وهذه مكانته وحرصه على الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم وحرصه أن يكون قرب .. تخيل أن كل الصحابة لم يكونوا حول النبي ولم يقف مع إلا تسعة من ضمنهم اثنان فقط من المهاجرين، سعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وأرضاه..
وكان له موقف جميل جدا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه كان له موقف في معركة القادسية .. سعد بن أبي وقاص أخذ الجيش وطلع وسلم على عمر بن الخطاب وأوصاه عمر بن الخطاب بتقوى الله عز وجل وأمره أن يذهب إلى القادسية لمقابلة الفرس، الفرس كان عندهم سفن كثيرة جدا كان على شاطئ نهر دجلة، وأول ما علموا بمجئ سعد بن أبي وقاص أخذوا السفن وعبروا الناحية الأخرى، سعد بن أبي وقاص لم يكنه عنده سفن، ولا يملك سفن في هذا المكان، ولو رجع فهو معذور أمام الله، لكن لا .. انظر إلى يقينه وتوكله على الله .. الشيء الذي لا يخطر على قلب بشر، فنادى سعد على جنوده وقال: "إني عزمت على أمر، قالوا: على أي شيء عزمت، عزم الله لك على الرشد، قال: عزمت على أن أعبر نهر دجلة بالخيول، .. يا خبر أبيض أتعبر نهر دجلة بالخيول؟ قال أجل، فقالوا: ونحن معك إن شاء الله .. طيب تخيل لو كان بعض الذين ليس عندهم يقين كانوا معه لقالوا طيب يا سيدنا سعد بارك الله في عمرك مع السلام ولا تنسانا وتطمنا عليك .. لكن انظر اليقين مشوا في النهر بالخيول وعبروا نهر دجلة، حتى أنهم كانوا يتحدثون في البحر كما كانوا يتحدثون في البر، فلما رآهم يزدجرد قال: والله ما تقاتلون إلا الجن، ووصلوا إلى هناك وانتصروا بفضل الله، ويقول سعد مقالته المعروفة لما وصلوا إلى الشط الآخر، قال لو كان فينا رجل واحد عنده ضعف في اليقين والتوكل على الله لأغرقنا جميعا.
الله أكبر، سعد بن أبي وقاص لما وصل إلى هناك كان يمر على الخيام بالليل ويطمئن على أحوال المجاهدين، فإذا سمع خيمة في الليل سمع فيها صوت القرآن والناس تصلي وتقرأ القرآن وتبكي من خشية الله، كان يبتسم ويقول من هنا يأتي النصر، وإذا مر على خيمة أخرى لن أقول بيسمعوا أغاني ولا افلام ولا بيلعبوا كوتشينة ولا مثل ذلك، لكن فقط نائمين لأنهم يطلبون الراحة للجهاد في ثاني يوم، يقول ومن هنا تأتي الهزيمة، يعني من الغفلة عن طاعة الله سبحانه وتعالى، سعد بن أبي وقاص اللي كان فعلا مستجاب الدعاء كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم اللهم استجب لسعد إذا دعاك ..
في يوم من الأيام ولاه سيدنا عمر بن الخطاب ولاه على الكوفة، والكوفة وقتها كان فيها مشاكل كثيرة جدا، ما كانش يعجبهم احد أبدا، ويقدر أنهم اشتكوا سعد بن أبي وقاص لسيدنا عمر بن الخطاب حتى أنهم قالوا: إنه لا يحسن الصلاة، .. سعد بن أبي وقاص خال النبي صلى الله عليه وسلم اللي من العشرة المبشرين بالجنة لا يحسن الصلاة؟ ومن الذي سيصلي إذا كان سعد لا يحسن الصلاة؟ فعمر بن الخطاب قال لقد قالوا فيك وقالوا حتى قالوا أنك لا تحسن الصلاة، قال والله لقد كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. قال هذا العهد بك يا سعد، وهذا هو ظني بك، لكن عمر بن الخطاب لا يريد مشاكل، فعزل سعد بن أبي وقاص وعين عمار بن ياسر رضي الله عن الجميع.
سعد بن أبي وقاص برضه حب أن سيدنا عمر يطمئن على أن الرجل لم يفعل شيئًا فأرسل معه وفد إلى كل المساجد الموجودة بالكوفة، كلما دخلوا مسجد وسألوا عن سعد بن أبي وقاص يثنوا عليه خيرًا، إلا مسجد واحد في منطقة اسمها بني عبس، دخلوا وجدوا واحد اسمه أسامة بن قتادة يكنى بأبي سعدة، قالوا له ما أخبار سعد بن أبي وقاص، فقال أسامة بن أبي وقاص أما إن ناشدتنا فإن سعدا كان لا يسير في السرية ولا يقصم بالسوية ولا يعدل في القضية، يعني شرك سيدنا سعد، فحزن سيدنا سعد أن يقول عنه الرجل شهادة زور بهذه الطريقة ويتهمه مثل هذه الاتهامات، فقال: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبا قام رياءًا وسمعة فأطل عمره، وأطل فقره وعرضه للفتن .. ألم يتهمني بثلاثة تهم، أنا هادعي عليه بثلاثة دعوات .. إنا كذاب ويتهمني بهذه الاتهمات كذبا وزورا فأطل عمره جدا، وأطل فقره، وعرضه للفتن .. فعاش هذا الرجل عمرا طويلا مديدا، وعاش فقيرا لا يجد قوت اليوم، وكان يقف على الطرق يغمز للنساء ويقول: شيخ مفتون أصابتني دعوة سعد..
فكان مستجاب الدعاء رضي الله عنه وأرضاه ..
لما حصلت الفتنة بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وعن كل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكلهم قد تأولوا في هذه الفتنة ومنهم من أصاب ومنهم من أخطأ .. وما أرادوا جميعا إلا وجه الله عز وجل، وما أرادوا منصبا ولا جاها ولا دنيا ولا شيء، وأنا أذكر لك ذلك لسعد بن أبي وقاص حتى نعود لشعارنا .. وماذا أعددت لها ..
أرأيت ما موقف صعب وثباته أمام الفتنة، أمه تقف له ولكنه على التوحيد، لو كانت لك مائة نفس وخرجت نفسا بعد نفس ما تركت دين محمدًا صلى الله عليه وسلم ، شفت ثباته أد إيه، شفت وهو بيجهز أخوه وهو بيخش ويجاهد ويستشهد ويحتسبه عند الله سبحانه وتعالى، شفت أد إيه في يوم أحد واقف بجوار النبي ثابت لا يمكن أن أترك النبي صلى الله عليه وسلم نحري دون نحرك يا رسول الله، أنا أموت وأتقطع ولا يمكن أن أتركك رسول الله، شفت موقفه يوم القادسية وهو يعبر النهر هو والجيش كله حتى يحارب الفرس وينتصر عليهم في معركة القادسية العظيمة التي سطرت على التاريخ بسطور من نور، شفت موقفه لما اتهم وكان يعني لا يريد أن ينتقم من أحد ولكن دعا على هذا الرجل من أجل أن هذا الرجل اتهمه بتهم شديدة جدا، شفت عند الفتنة التي حدثت بين علي ومعاوية وقال أنا أعتزل هذه الفتنة، ليه يا سعد، لما لا تدخل وتقاتل مع علي أو مع معاوية؟ قال: أئتوني بسيف له عينان ولسان، يقول هذا مؤمن وهذا كافر، عشان أقدر أن أقاتل، ولكن أن أدخل القتال في قتال شبهة يا ترى هذا مؤمن أو هذا منافق، ولا ده ولا ده . لا أن لا اأستطيع أن أقتل مسلما، كيف ألقى الله عز وجل وفي رقبتي قطرة دم مسلم، قال أئتوني بسيف له عينان ولسان، يقول لي هذا مؤمن وهذا كافر حتى أقاتل ..
وهناك منقبة حصلت له جميلة جدا يقشعر جسمي وأنا أحكي هذه المنقبة، منقبة عظيمة جدا حدثت لسعد بن أبي وقاص بسبب أنه اعتزل هذه الفتنة، ما هذه المنقبة؟ عن حسين بن خارجة الأشجعي، قال: لما قتل عثمان وحدثت تلك الفتنة، أشكلت علي فقلت يا رب أللهم يسر لي أمرًا أعرف منه الحق من الباطل، قال: فنمت في هذه الليلة فرأيت الدنيا والآخرة وبينهما حائط، قال: فهبطت على ذلك الحائط، رأيت ملأ قالوا نحن الملائكة، فقلت فأين الشهداء، فقالوا اصعد هذا الدرج، قال: فصعدت الدرج بعد درجة فوجدت محمدًا وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام وإذا بالنبي محمد يقول لنبي الله إبراهيم يقول له استغفر لأمتي، فقال إبراهيم أنك لا تدري ما أحدثوا بعدك؟ لقد أهراقوا دماءهم وقتلوا إمامهم، هلا فعلوا كما فعل خليلي سعد بن أبي وقاص. فقام هذا الرجل الحسين بن خارجة وحكى هذه الرؤية لسعد بن أبي وقاص، فبكى سعد من شدة الفرح، قال خاب وخسر من لم يرض بإبراهيم عليه الصلاة والسلام خليلا وحبيبا، فقال له حسين بن خارجة، مع أي فرقة أنت؟ قال: لا مع هذا ولا مع هذا؟ قلت له: فماذا تصنع؟ فقال له يا حسين أعندك غنم؟ قال: لا .. قلت: فاشتر غنمًا واعتزل كل هذا حتى تنجلي تلك الفتنة، وظل هكذا حتى انجلت تلك الفتنة رضي الله عنه وأرضاه ..
ماذا أعدتت لها؟ لما حصل أنه كان بيعينوا خليفة على المسلمين جاء عمر بن سعد بن أبي وقاص وقال يا أبتاه، أرضيت أن تكون أعرابيا في أرضك، وتترك الناس هكذا يوزعون الخلافة والإمارة، فقال يا بني اسكت، إن الله يحب العبد التقي الخفي النقي، والله ما أردت يا بني شيئًا من الدنيا، ولو أردت الدنيا لجاءت إلي، ولكني لا أريد شيئًا من الدنيا، كان عنده رضا بقضاء الله، شيء عجيب فوق الخيال .. سعد بن أبي وقاص في آخر أيامه أصيب بالعمى، وكان خارج مكة، عاد في آخر أيام حياته إلى مكة، فدخل عليه شاب اسمه عبد الله بن السائب، فطبعا كان الناس كلها تعرف أنه مستجاب الدعاء، فاللي مراته ما بتخلفش يقول ادعو لي يا سعد، فيدعو يا رب يسر لها فتنجب، فلان ابني مريض ادعو لابني، فيدعو له فيشفى، وكلما دعا لأحد ربنا يستجيب له دعاؤه.. فهذا الشاب عبد الله بن السائب قال له يا عم أنت تدعو للناس فيستجيب الله دعاءك لهم، ألا تدعو الله أن يشفيك من العمى، أنت فقدت نعمة البصر، فتبسم سعد بن أبي وقاص وقال: يا بني قضاء الله عندي أحب إلي من رجوع بصري، ربنا اللي اختار أن أكون هكذا، فأنا راض بقضاء ربنا وقضاؤه عندي أحسن إلي من أن أرجع مبصرًا مرة أخرى ..
فهذا سعد بن أبي وقاص خال النبي صلى الله عليه وسلم .. طبعا هو ما كانش خاله أبو أمه، هو كان من بنو زهره، وبنو زهره كانوا أخوال بني النجار الله هم أصلا يعتبر منهم والد النبي صلى الله عليه وسلم .. فسبحان الله اللهم يعتبروا قبيلة أم النبي صلى الله عليه وسلم ... فهذا مشهد من مشاهد وهذا مسك ختام هذا الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص .. يا ترى هل نستطيع أن نعمل مثله، يا ترى لو أمك طلبت منك أن تترك الصلاة ووالدك طلب منك أن تترك الدعوة إلى الله يا ترى ها تسمع وتطيع، ولا ها تثبت على موقفك ولكن بكل أدب وبكل لين وبكل رحمة، يا أمي أنت أمي وأغلى عندي من الدنيا وما فيها، يا أبي أنت أغلى عندي من الكون ده كله ولكن ما أقدرش أسيب دعوة الله، ما أقدرش أسيب سنة نبينا صلى الله عليه وسلم .. يا ترى ها تثبت على هذه المواقف، يا ترى ها تثبت على دينك، يا ترى ها تقدر تقدم أي خدمة لنصرة دين الله سبحانه وتعالى، يا ترى ها يكون لك دور فعال في خدمة هذا الدين العظيم .. إن الله إذا أحب عبدا استعمله، ربنا يستعملنا وإياكم، لا تنسوا شعارنا "وماذا أعدت لها؟" و لا تنسى أنه لو أنت عديت برحمة من الله سبحانه وتعالى سيرزقنا مسك الختام .. أحبكم في الله.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصبحه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=1988_0_2_0