جاسم: قال عليه الصلاة والسلام يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وكل إنسان في العالم يهتم بنسبه وما من إنسان غلا وجزء من استقراره النفسي وتكوينه الذاتي أنه يعرف نسبه ويعرف هو ابن من ومن هي عائلته ومن هو جده ومن هي عشيرته ولهذا عندما يكون الإنسان مقطوع النسب يشعر كم هو ضعيف وأنه لا قيمة له فجزء من فطرة الإنسان أن ينتمي إلى تاريخ من تاريخ عريق ومعروف وواضح وهو النسب ولهذا من مقاصد الشريعة في الإسلام حفظ النسب وكما ذكر من مقاصد الشريعة حفظ الدين والعقل والمال كذلك جعل حفظ النسب.
ولهذا عندما نتكلم عن النسب فإننا نتكلم عن شيء كبير ذو قيمة ولهذا فإن أي إنسان يمكن لك أن تستفزه لو طعنت نسبه أو تكلمنا عن ن سب معين فيه ضعف أو زيف تجده يغضب ويتكلم ويدافع لأننا تعرضنا لقضية أساسية وهذا الحديث الذي ذكرناه فيه إعجاز تشريعي وإعجاز اجتماعي يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فما هو الوجه العلمي من فهم هذا الحديث...؟
د. زغلول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل الخالق ولهذا يصفه القرآن الكريم وقوله تعالى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى فمن معجزات الرسول العلمية هذا الحديث الذي قال فيه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
وهذا الحديث تظهر لنا قيمته في ظل الفوضى المنتشرة في عالمنا اليوم فقد وصلنا اليوم إلى تهدم نظام الأسرة بالكامل وهي معاشرة زوجية من دون روابط.
يلتقي رجل بامرأة فيربط العلاقة معها فإذا اختلفا في أكلة تنتهي هذه العلاقة فتخرج تبحث عن غيره وهكذا يتزوج الرجل أخته أو أمه أو حفيدته وهو لا يدري.
الإسلام نظم هذا تنظيما دقيقا فجعل من النسب ما يحرم الزواج فالأصلاب مهما علت والفروع مهما نزلت تحرم على الإنسان وذلك لأن التشابه في الشيفرة الوراثية ينتج عنه العديد من الأمراض الوراثية وعلماء الوراثة الآن يشخصون أكثر من ثلاثة آلاف نوع من الأمراض الوراثية فبعضها معيقة للإنسان إعاقة كاملة فتدمر المخ وبعض الحواس وتصيب بالخلل وبالعجز في بعض الأجهزة والحقيقة إن الحرص في هذه الناحية مطلوب.
ولهذا فإن الإسلام بين لنا محارم الزواج سواء كان من نسب والرسول هنا حدد الرضاعة والقرآن الكريم أيضا فقال عليه السلام يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
لماذا قال هذا الكلام نبينا...؟
طبعا الجنين في بطن أمه يتغذى من دم الأم ويتأثر بكل ما تحمل الأم من صفات وراثية ومن حالات الصحة والمرض كما يحمل بعض الصفات عن الأب فالنصف الأول عن الأب والنصف الثاني عن الأم.
هذه التركيبة تركيبة في غاية الدقة ولهذا يحرم الزواج من نسب الأصلاب مهما علت أو مهما نزلت.
وفي الرضاعة يرضع الطفل حولين كاملين ويتكون جسده من لبن الأم فيؤثر ذلك على جهاز المناعة في جسم الطفل الرضيع فلم يكن جهازه المناعي قد تكون تكونا كاملا بعد فيتأثر بلبن الأم و يتكون جهازه المناعي بلبن الأم ولهذا في عمليات نقل الأعضاء يرفض الجسم أي عضو غريب عليه فيستحسن أن يكون العضو المنقول من قريب أو الأخ في الرضاع لأن جهاز المناعة يكون فيه نوع من التقارب والجسم لا يشعر بالقرابة.
لكن متى الجسد يأخذ من لبن الأم جهازه المناعي أساسا بالإضافة إلى صفات لا نعلمها بعد فقد يكون في لبن الأم كما يقول أحد الأطباء الأستراليين أن لبن الأم فيه خلايا جذعية والخلايا الجذعية تتشكل بتشكل الخلايا التي توضع فيه فلم يثبت هذا ثبوتا قاطعا بعد لكنه منشور على الإنترنت.
والذي أريد قوله أن الرضاعة التي ينبني منها جسم الوليد طيلة فترة الرضاعة وينبني منها جهازه المناعي الذي يرفض أو يقبل بالأجسام الغريبة على الجسم فإذا كان جهازه المناعي يتكون من اللبن ولهذا قال عليه السلام يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب وحدد الفقهاء الرضاعة بخمس رضعات مشبعات والعلم يؤكد ذلك أيضا في تجارب الحيوانات أنه من ثلاثة إلى خمسة رضعات تؤثر في الجهاز المناعي.
وإذا تشابه جهاز الطفل المناعي مع جهاز الأم المناعي يتشابه مع أقرباء هذه الأم فيحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب.
جاسم: ولعل السؤال هنا الذي يطرح نفسه ماذا فعل الإسلام لحماية النسب فهناك الكثير من الأمور والإجراءات التي أسسها الإسلام لحماية النسب فأولا حرم الزنا لأنه معروف أن الزنا يضيع الأنساب ثانيا منع وحرم أن يدعى الإنسان إلى غير أبيه الشرعي وهذه قضية مهمة في الشريعة الإسلامية بأن كل إنسان لا بد أن ينسب إلى أبيه الشرعي بل أكثر من هذا فالإسلام عندما اختار النبي عليه السلام فإنما اختاره من أفضل نسب شريف وهذا قدوة لكل البشر قال تعالى وما أرسلناك غلا رحمة للعالمين.
بل إن الإسلام في قضية النسب وحمايتها كذلك أمر عند الزواج أن نختار الفتاة من المعدن الطيب والمنبت الحسن لكن لماذا....؟
لأن النسب مهم ولهذا نلاحظ أن النبي عليه السلام مدح أنسابا معينة فقال لقبيلة غفار غفر الله لها وأسلم أسلمها الله وعصية عصت الله ورسوله.
فانظر إلى أثر النسب والانتساب فقد أصبح الحكم على العموم لأنه أصبح دارجا ولهذا نقول في زماننا إن عائلة فلان معروفون بالشدة وعائلة فلان معروفون بالبخل لماذا نقول هذا...؟
لأن النسب يعطي الطابع العام للعائلة والقبيلة ولهذا فإننا نلاحظ أنه من ضمن النسب أن الإسلام شرع التعدد وهو تعدد الزوجات حتى يحفظ الأنساب وحتى لا يذهب الرجل فيعاشر امرأة فتأتي بطفل ولا يعرف نسبه.
د. زغلول: لقد كنا في زيارة لكندا منذ شهور قليلة ودعتنا إحدى الأسر إلى الغذاء في بيتها وجاء طفل صغير من أبناء الأسرة من المدرسة ونحن على الطعام فتفاجأ برؤيتنا وكان متوترا وثائرا فسألته أمه عن سبب تأثره فقال إن مدرستنا سألت أربعين طفلا في الفصل من منكم يعرف أباه فأنا في الفصل لوحدي قلت لها أعرف أبي.
هذه مصيبة كبيرة فالغرب الآن يعاني من جهل الأبناء بآبائهم لأن العائلة غالبا عندهم قائمة على أحد الوالدين فقط لأنها علاقات غير موثقة وغير منضبطة بأي ضابط
فهم لا يهمهم النسب ولا يهمهم الرضاعة ولا موانع عندهم في العلاقات وهذا قد يكون سببا في تدمير الجنس البشري تدميرا كاملا ومن هنا علينا أن ننتقل هذه القيم الإسلامية لهم ومن باب النصيحة هذه الفوضى في العلاقات قد تكون سببا في ظهور أمراض لا يستطيع العلم معالجتها والعالم اليوم أصبح كالقرية الكبيرة فما يصيب ركنا من أركانها سيصل إلى الركن الآخر في زمن بسيط جدا.
وانتشار الإيدز بدأ من الغرب وصل إلى أفريقيا والغرب عندهم أدوية والأفارقة لا دواء عندهم وأصبح وباء متوطنا في قارة أفريقيا.
والذي أريد قوله إن مصالح البلاد متشابكة ومترابطة وكما يعلمنا الله تعالى فيقول الذي خلقكم من نفس واحدة وقال عليه السلام كلكم لآدم وآدم خلق من تراب.
علينا أن نسعى لإصلاح هذا الفساد ونحن معشر المسلمين وحدنا القادرون على إصلاح هذا الفساد لأنهم لا يملكون هذه القيم الدينية العليا السليمة الصحيحة من التأويل والتحريف والتبديل ونحن نملكها ولسوف يسألنا ربنا لم لم نقدمها إليهم.
جاسم: ومن حماية الإسلام للنسب أنه منع وأد البنات وحرم التبني وحرم قذف المؤمنات المحصنات.
لماذا حرم القذف بل جعل العقوية التشريعية والقانونية عليهم فمن يقذف امرأة مؤمنة محصنة عليه بأربعة شهداء وإذا لم يحضر أربعة شهداء فإنه يجلد ثمانين جلدة لماذا كل هذه الإجراءات...؟
إنها لحماية النسب وكل هذه القضايا من أجل حماية النسب وهذا ما يريده الإسلام وذلك حتى يحترم الإنسان تاريخه وعشيرته وعائلته ويكون الإنسان في المجتمع محترما.
د. زغلول: إن التجارب التي أجريت على جهاز المناعة أجريت على الحيوانات لأنه يصعب إجراءها على الإنسان لكن الملاحظات في الإنسان بأن الجهاز المناعي عند الإنسان يتأثر بالرضاعة في فترة العامين الأولين ولهذا فإن الرضاعة بعد عامين لا تحرم من النسب وهذا أيضا من معجزات الرسول لأنه بعد عامين يكون الجهاز المناعي للطفل قد تكون بالكامل فإذا رضع من أم أخرى فهذا لا يمنع من النسب وقد ذكر الفقهاء أن تكون خمسة رضعات مشبعات لما دون العامين.
جاسم: من يتأمل حديث النبي عليه السلام في موضوع النسب يجد فيه إعجازا ولهذا فإن الخمس رضعات المشبعات يترتب عليها حرمة النسب وبعد أن ترضع الأم أحد الأولاد خمس رضعات مشبعات يكون أخا بالرضاعة لباقي أولادها ولهذا قد نتساءل لم لم يقل النبي عليه السلام رضعة واحدة مشبعة ولم لم يقل رضعتين أو عشر رضعات.
إن الأبحاث العلمية أثبتت أن في الخمس رضعات مشبعات سيكون نوع من التشكيل لمكونات هذا الطفل في جسده ويدخل هذا اللبن في نموه وفي هندسته الجينية ويدخل في هندسته الوراثية ولهذا يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
وهنا شؤال يدور في خاطري وهو من علم محمدا صلى الله عليه وسلم من 140 سنة هذا الاكتشاف العبقري العلمي الحديث أن في خمس رضعات مشبعات يتشكل جسد هذا الطفل وتكوينه كتكوين ذلك الطفل الآخر وهو الذي جاء من تلك الأم فيكون أخا له في الرضاعة وبالتالي يترتب عليه أحكاما فقهية ويحرم الزواج من أخته في الرضاعة وذلك قد ثبت في العلم الحديث ولهذا عندما جاء الإسلام حرم كثيرا من أنواع الزواج كزواج الشغار مثلا وزواج المحلل وزواج الخامسة وزواج الأختين وزواج المتعة وكل هذه الأمور لماذا حذر منها من أجل قضايا النسب وهو حماية لهذا الإنسان ولكي يكون تاريخه معروفا وأن يكون نسبه معروفا وعندها يكفي هذا الحديث لوحده أن نتكلم مع الغرب فنبين لهم ما قدمه الإسلام من الناحية العلمية وهذا الكلام من 1400 سنة.
د. زغلول: فوضى العلاقات بين الجنسين في العالم الغربي أدت إلى انتشار العديد من الأمراض الوراثية والعديد من الأمراض الجنسية لا علاج لها مثل مرض الإيدز والإيبولا وأمراض كثيرة ولهذا يقول عليه السلام ما شاعت الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا أصابهم من الأمراض ما لم يكن في أسلافهم الذين مضوا أو كما قال عليه السلام.
وهذا مما يؤكده العلم بأن هذه العلاقات غير المشروعة قد تؤدي إلى تطور أنواع من الفيروسات ومن مسببات الأمراض لم تكن موجودة من قبل ولهذا أقول إن الغرب الذي تقدم تقدما علميا وتقنيا مذهلا نحترمه ونجله ونقول نحن أولى الناس به انحصر أخلاقيا وسلوكيا واجتماعيا انحصارا شديدا لغياب الدين وأصبحت العلاقات هناك مجرد شهوة تشبع من غير ضوابط وكم من الأمراض المنتشرة في الغرب الآن فوق ما يتصوره الإنسان بالرغم من التقدم الصحي والعلاجي والرعاية الصحية من الدولة وكم من الأمراض الوراثية عندهم رهيب للغاية ونرى كثيرا من الأطفال لمشوهين وكثير من الأطفال الذين يولدون بأطراف ناقصة وهذا كثير جدا في العالم الغربي وسببه هذه الفوضى في العلاقات بين الجنسين والتي لا ضابط لها من النسب ولا من الرضاعة ولا بأي شكل من الأشكال.
بل إن الدعوة اليوم لعدم إرضاع الأم لأبنائها وإرضاعهم من لبن البقر أو غيره من الحيوانات أدى إلى ظهور أمراض كثيرة وانتشار مرض البول السكري في الأطفال الرضع وسببه أن لبن البقر صعب هضمه على معدة الطفل وأنه يسبب ضياعا للإنزيمات القادرة على إفرازات البنكرياس.
ولهذا أقول إن الضوابط الشرعية للعلاقات الجنسية لازمة لاستقامة الحياة على الأرض ولهذا قال عليه السلام يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب وحدد الرضعات بخمسة رضعات مشبعات وحدد الفترة المانعة من النسب ما دون العامين وما بعد العامين لا يؤثر على النسب.
جاسم: كيف عالج الغرب مشكلة الأطفال غير الشرعيين لقد عالجها بقضيتين القضية الأولى التبني والعلاج الثاني بتأسيس الملاجئ لهم.
وفي هذه الحالة لا يعتبر هذا علاجا جذريا لهذه المشكلة فالتبني أن ينسب الطفل لغير أبيه وهذه مشكلة فأحيانا إخوانه الذين هم أولاد الأب الحقيقيين الشرعيين يرفضون نسبة هذا الولد لهم وحدثت قضايا كثيرة جدا في أروقة محاكم الغرب بسبب اعتراض كثير من الإخوان بأن يحصل أخوهم من التبني شيئا من الميراث.
ونشأت مشاكل كثيرة اجتماعيا ثم الملاجئ ليست حلا لهذه المشكلة ولهذا لما جاء الإسلام ضيق هذه الدائرة حتى لا يكثر الأبناء غير الشرعيين وإنما عزز من وجود نسبة كل طفل إلى أبيه الشرعي.
وفي يوم من الأيام كنت أسير في حديقة حيوانات فرأيت خيلا سألت عن قيمته فقيل لي مبلغا كبيرا فقلت لمن يبيعه لم هذا سعره فأخرج لي شهادة نسب له فيه أبوه وجده.
فإذا كان سعر الخيل غالي بسبب النسب ألا يكون النسب مؤثرا في قيمة الإنسان.
ومن هنا بين النبي عليه السلام أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب والقضية مهمة جدا ويرتفع من قدر الإنسان عندما يكون نسبه واضحا معلوما وتاريخه معلوم للآخرين وينتسب لتلك العائلة ويكون سعيدا فيها ونحن نرى أن كل تعليمات الإسلام تتجه نحو الحفاظ على النسل وهو من مقاصد الشريعة وهذا الحديث من الإعجاز الاجتماعي في القرآن والسنة.
المصدر: http://www.iqraa-tv.net/library/AlEjazAlItamee/AlEjazAlItamee8.doc