بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهلاً بكم لنعيش مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، اسم اليوم يشعرك بهيبة وجلال الله - عز وجل- ويملؤك خشية لله لا أقول خوف ولكن أقول خشية، اليوم يختلف عن الأيام الكثيرة السابقة حيث تحدثنا عن أسماء كثيرة عن: الرحمن الرحيم تحدثنا عن رحمة الله، وعفو الله تحدثنا عن اسم الله الحميد و كلها تدفعك لمزيد من الإحسان ولكن لابد وأن تتعرف على الله وتقدره حق قدره واسم اليوم يكمل معك ذلك اسم الله القهار.
· هدف الحلقة:
إذا امتلأ قلبك بخشية الله وهيبته والإستسلام لله –عز وجل-، وإذا أوقفت بها معصية يكون ذلك شيئا عظيما، خشية واستسلام لله يجعلك خاضعاً له - عز وجل- وتتذكر دائماً أن السموات والأرض ((قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)) (فصلت:11) فتخجل أن يذهب الكون كله طائعاً وتكون أنت الوحيد الذي يدير ظهره ويقول لا أريد أن أطيع !؛ لأنه سيأتي بك مكرهاً (( ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)) (فصلت:11) فلا تقل أنت غير ذلك. غداً سنتحدث عن الودود وهذه المرة الأولى التي نذكر فيها موضوع الحلقة المقبلة حنان وعطف وسترى التكامل بين أسماء الله الحسنى أنك خاضع ويحبك أنك مقهور ويتودد إليك، إنها أسماء الله الحسنى من أحصاها دخل الجنة لأنه استكمل معرفة الله –عز وجل.
· أربعة أسئلة:
1. السؤال الأول:عنوان ديننا الإسلام فماذا تعني كلمة الإسلام؟ ماذا يعني أنا مسلم؟
2. السؤال الثاني: عن سيدنا إبراهيم ((إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ)) (البقرة:131)( (قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)) هو كان مسلما فلم هذه الكلمة؟ كما ذكرت أن هذه الحلقة تدعوك للخشية والإستسلام لله -تبارك وتعالى.
3. السؤال الثالث: عندما ذهب ليذبح سيدنا اسماعيل وأوشك على الذبح تقول الآية ((فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ)) (الصافات:103) لمَ هذه الكلمة " فلما أسلما"؟
4. السؤال الرابع والأخير: هل اسم الله القهار يدعوك للخوف والرعب أم يدعوك للخشية أم يدعوك للإستسلام أم إلى ماذا يدعوك وينبهك وماذا يريد الله منك إذا عرفته باسمه القهار؟
· معنى اسم الله القهار:
قهر: أي أخضع وسيطر، فالله سبحانه وتعالى القهار لا شئ في ملكه إلا خاضع له، لا شئ في الكون من المجرة إلى الذرة من الثرى إلى الثريا من الأرض إلى السماء، من الحشرات إلى الأسماك إلى الطيور جميع العوالم التي في الكون إلا وهو خاضع له، اسمع قول الله- تبارك وتعالى ((وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)) (الأنعام:18) ليس قهر ظلم - حاشى وكلا- وإنما هو حكيم خبير، هو قهر بحكمة وخبرة فاطمئن، اسمع - قول الله- تبارك وتعالى- ((يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)) (ابراهيم:48) اسمع قول الله - تبارك وتعالى ((يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)) (غافر:16) "اسمع قول الله- تبارك وتعالى- ((سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)) (الزمر:4) فجاء في القرآن قاهر وقهار، عند سماعك اسم الله – القهار – وهذه الآيات ماذا من المفترض أن يحدث في قلبك ؟ أيحدث سجودا ؟ هيبة؟ خشية؟ هذا هو المفترض حدوثه.
الكون جميعه خاضع؛ فالقهار الذي أخضع وسيطر الكون كله فلا تجد سواه إلا خاضعا له، ما سوى الله مقهور بين يديه قال للسماوات ((فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)) (فصلت:11) مستسلمين لك يارب العالمين، ولابد أن تستقر هذا النقطة بداخلك ((إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)) (يّـس:82) ومن يقول " كن فيكون " يقول زُل فيزول أليس كذلك ؟، انظر إلى هذه الآية .. ((للَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)) (الرعد:41)((وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ))(الانسان: 30) (( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ)) (الأنعام:112) أي شئ يحدث كأن يقع على الإنسان ضرر، مصيبة، أو يظلمه أحد فيجد هذه الآية على لسانه (( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ)) لم يكن ليحدث لو لم يشأ الله ، القهار سبحانه وتعالى انظر ماذا تقول الآية ((إِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ)) (التوبة:3) فكم مقهور بين يديه؟ ومثل هذه الآيات مئات في القرآن الكريم؛ لتُعلمك أن الله هو القهار الذي خضع له الكون جميعه.
وأعرف أنك تعلم ذلك ولكننا اتفقنا أن باسمك نحيا نريده أن يُحيي هذه المعاني في أنفسنا فنريدها معرفة الوجدان وليس اللسان، نريدك أن تعرف الله معرفة الإحسان، أن تعبد الله كأنك تراه فتتخيل وأنا أقول القهار ((وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ )) فتخشع بسماع الآية، أجلست يوما مع نفسك تعيش مع هذه الآية تعيش مع أن الله – تبارك وتعالى – هو القهار فخضعت واستسلمت ؟ أنظرت يوماً إلى السماء وقلت سبحان القهار الذي قهرها أن تقع على الأرض؟ إن الله يمسك السماء أن تقع على الأرض، كيف قهرها وجعلها كذلك فلا تسقط علينا؟، كيف قهر السحاب لتسقط نقاط ماء لنشرب منها ونعيش ولا تسقط السحابة وهي تحمل 300000 طن وإن سقطت علينا تقتلنا وتدمرنا وهي نفسها سحابة الخير؟! ببساطة اسم الله القهار يضع جميع المخلوقات بين اختيارين إما أن تكون مقهورا له طائعا له تفعل ما يريد بإختيارك وإرادتك، وإما أن يُكرِهَك ويقهرك كرها لتفعل ما يريد؛لأنه القهار، وقد اختارت السماوات والأرض((قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)) ، واختارت أيضا الملائكة خاضعين لله –تبارك وتعالى – والمخلوقات كلها لم تخرج عن الناموس والقانون الذي وضعه ربنا لها من الجبال من السماوات من الأرض من الطيور من الحشرات فالكل خاضع، إنما أنت قال لك الله أنت حر فاختار إما أن تذهب إليه راكضا بإرداتك وإما أن يأتي بك راكضا مقهورا مكرها.
هنا حديث قدسي جميل في هذا المعنى: " ابن آدم أنت تريد وأنا أريد فإذا سلمت فيما أريد أتيتك بما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد" ((وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ))،(( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ)) أعرفتم الآن المعنى الذي بدأنا به ؟ماذا يعني الإسلام ؟ يعني الإستسلام ، هذا هو عنوان دينك أني مستسلم لك يارب ، إني خاضع لك يارب ، يا قهار أنا مستسلم بين يديك فإنك أنت الحكيم الخبير ((وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)) حكيم وخبير وقهار فكيف لا استسلم بين يديك، عرفتم لما سيدنا إبراهيم عندما كان يفعل شيئا لا يفهمه - أن يذبح ابنه - ليكون أعلى مثل في الإستسلام لله –تبارك وتعالى – كيف ذلك فالأمر صعب للغاية – في سورة الصافات- أمر أن تذبح ابنك (( إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ)) وهي رؤية في المنام وبالطبع رؤيا الأنبياء حق ولكن الأمر جاء في رؤية في المنام وليس وحي بأن يأتي جبريل ويقول: يا إبراهيم اذبح ابنك (( إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ)) ويستطرد ليأخذ الإبن الثواب معه ((فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى)) تخيل؟! فيرد قائلا (( قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ)) انظر إلى استسلام اسماعيل العابد المستسلم لله وهو لا يزال غلام حليم.
وهذا هو عنوان حلقة اليوم " آلله أمرك بذلك ؟ نعم ، إذا افعل ما تؤمر ، نحن عبيد القهار – سبحانه وتعالى- فنحن مستسلمين له (( سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)) وانظر ماذا تقول الآية ((فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ)) وضعه سيدنا إبراهيم ووضع السكين على رقبته وبدأ يحركها فعلا وهي لا تذبح، قد فعلها بالفعل وهو لا يدري لماذا يضرب الله مثلا بالإستسلام الشديد وانظر الآية بعدها ماذا تقول: ((فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ)) أفلم يكونا مسلمان؟ بلى، ولكن تحقق الإستسلام الكامل ورمز الإستسلام في الأرض لذا نقوم بالذبح كل عيد ليقول لك ربنا إننا فدينا إسماعيل، وإنك لا تذبح لتطعم فقط الفقراء وإنما لتتذكر المعنى الكبير- معنى دينك - تتذكر أن هذا الأمر كان استسلاما لله –تبارك وتعالى - وما هو تفسير الطواف ومانراه من طواف الكثير من الناس ؟ إنها تعلن استسلامها لله – تبارك وتعالى- بما يريده من ملبس ومن عدد كسبع أشواط ولم سبع أشواط؟ مستسلمين لما تأمر به يا قهار ننفذه ونأتيك من كل فج عميق ومن آخر الأرض وننفق أموالنا كي نتعبد وكي نطوف وكي نقول استسلمنا بين يديك، فما العمرة إلا استسلام ، فلم ترتدي هذه الثياب؟ لم تطوف هذا الطواف؟ لم تذهب بين الصفا والمروة سبع مرات؟ لأنك عبد مستسلم ولأنه قهار وحكيم وخبير؛ ولأن ماسبق من حلقات كات تتحدث عن حبه لك وأنه يريد أن يدخلك الجنة ويرحمك هو ليس قهرا من أجل إذلالك فأنت تتذلل له لأنه سبحانه وتعالى- الرب العظيم، الملك، فكونه رحيما يوجب كذلك أن يكون في قلبك بجانب محبته أن تخشى أن تعصاه وأن يحرق اسم الله القهار حب المعاصي والشهوات في قلبك، فيولد هذا الاسم خشية تجعلك تخشى أن تأتي معصية لأنه القهار فكما أحببته لابد وأن تخشاه، فالمؤمن كالطائر له جناحين، جناح اسمه الرجاء في رحمة الله وجناح اسمه خشية الله وإذا قطع أحدهما يسقط الطائر.
وهذه الحلقة مهمة لهذا المعنى هل فهمت معنى الإستسلام ؟ وهل فهمت معنى أنك مسلم؟ ((إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)) (البقرة:131) فهل اسم القهار يدعوك للرعب والخوف؟ أبداً، يدعوك لخشية الله ولهيبته ولإجلاله –عز وجل- و يدعوك للاستسلام عندما تعيش مع اسم الله القهار، هلا حاولت أن تعيش مع نفسك دقائق أو تخرج إلى الشرفة وتنظر إلى السماء وتقول ((وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)) وتظل ترددها، هل من الممكن أن تفعل هذا ؟ ألم يقم بعض الصحابة الليل بآية واحدة ؟! أتستطيع أن تفعل ذلك وتعيش ليلة مع اسم الله القهار، أتعرف أن تعيش مع هذه الآية ((يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ )) لاشئ يخفى يوم القيامة، فليس هناك شجرة تختفي وراءها أو حفرة تختفي بداخلها فأرض المحشر منبسطة لا يخفى منهم شئ القلوب لدى الحناجر (( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ))، أتعرف إن عشت ليلة واحدة ماذا سيحدث في قلبك ؟هيبة إجلال خشية تحرق المعاصي فإذا هممت بمعصية بعد رمضان تذكرت اسم القهار فانصرفت عنها.
· نماذج لقهر الله تبارك وتعالى:
· قهر السماوات والأرض (( فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)).
· قهر الشمس والقمر ((لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (يّـس:40).
· قهر الليل والنهار ((يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ )).
· قهر العدم ((هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً)) (الانسان:1) ألم تكونوا عدما فمن ذا الذي جعل من العدم أناسا تتحرك وسفن فضاء وطائرات ومراكب وبشر؟ من الذي قهر العدم، من الذي قهر التراب وجعله ينطق ؟! أيصدق أحد أن يصعد التراب إلى القمر لولا أن قهره – تبارك وتعالى- وقال له انطق فكان انسان يتكلم ويتحرك!
· قهر الهواء فلا يُرى.
· قهر العصاة بالأمراض والأوجاع واسألوا عن مرض الإيدز.
· قهر البشر عن رؤيته فلا تدركه الأبصار – سبحانه وتعالى – انظر إلى موسى (( قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً )) (لأعراف:143) لم يحتمل رؤية المتجلى عليه –الجبل- فكيف برؤية الله –عز وجل -؟! ثم مكنا في الجنة أن ننظر إليه ونراه ((وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ*إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)) (القيامة:23،22).
· انظر القهار –تبارك وتعالى- في ملكه قهر الأمم الظالمة ((فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ)) (الأنعام:44) يتركك تفعل ما تريد ولكن إياك أن تظن أنه والعياذ بالله نساك فالقهار موجود، ولكنه يتركهم ويمهلهم ليصلوا لمنتهى القوة ويأخذهم؛ فلو أخذهم وهم ضعفاء فأين ستكون العبرة ((أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ *إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ *الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ *وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ *وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ *الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ*فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ*فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ*إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ)) (الفجر14) ولم تلك الأمثال ونحن هنا في مكة أليس لدينا آية عظيمة في أبرهة الذي أراد أن يهدم الكعبة، ((أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ *أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ)) (الفيل:2 ،1) ألا تقرؤها كل يوم وتعلموها لأبنائكم؟ عند سرد حكايات قبل النوم علموهم الرهبة العظيمة وليس الرعب فنحن لا نقول أسماء الله الحسنى للخوف وإنما ليزدادوا خشية وإجلال لله – تبارك وتعالى((أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ *أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ* وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ)) أرق المخلوقات ((تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ)) (الفيل:4).
· انظر ماذا يقول في قوم عاد ((وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا ...)) (الحاقة:6)، انظر ماذا تفعل الأعاصير بالناس!
· انظر ماذا فعل في قوم لوط عندما انتشرت فيهم الفاحشة ((فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ)) (الحجر:74) . "قالوا في تفسيرها جاء جبريل ورفعهم على جناحه فصعد بهم إلى السماء حتى سمع أهلها نباح كلابهم ثم وضعها على رأسها فخسف بهم الارض وأمطرهم بطين مشتعل من سجيل منضود ((مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ)) (هود:83) " فكل حجارة مكتوب عليها اسم من ستقتله.
· القهار الذي قهر إرادة البشر لإرادته فأنت تريد شيء والله يدبر ما يريد وانظر إلى الآية تقول (( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ )) (لأنفال:24)، المأمون أحد حكام المسلمين يحكى عنه أنه كان هناك شخص يكرهه كرها شديداً وهو سجين لديه وفي أحد الأيام وفي مجلسه يقول له أحدهم أن فلان مسجون لديك فيتذكر غضبه منه وينادي رئيس الشرطة ويقول له فلان يُصلب ويكتب كتابا بذلك ويعطيه إليه فذهب رئيس الشرطة وأطلق سراحه فغضب المأمون غضبا شديداً واستدعى رئيس الشرطة وسأله عما فعل وقد قال له أن يُصلبه، فرد قائلا: لا يا أمير المؤمنين لقد كتبت إلي يُطلق وأعطاه كتابه فوجد مكتوبا عليه يُطلق، فغضب المأمون وأخذ ورقة ثانية وتكرر الموقف حتى المرة الثالثة فقال رئيس الشرطة: لا يا أمير المؤمنين والله لقد أخطأت الثالثة كتبت والله ليُطلقن، فسكت المأمون وفقال: نعم.. نعم يُطلق فمن أراد الله له أن يُطلقه لا يستطيع المأمون أن يُصلبه.
· منذ سنوات في أوائل القرن الماضي سفينة عظيمة من طبقتين سُميت تيتانيك وكتبوا عليها هذه سفينة تتحدى القدر وفي أول رحلة لها من أوروبا إلى أمريكا تصطدم بجبل جليدي فيشطرها نصفين، لا بل هناك أشياء أكثر إنه يقهر الأشياء بأضدادها كيف؟ فمن معاني قهره يؤلف بين المتنافرات! لأعطيك مثلا الماء مم يتكون في الكيمياء؟ H2O ذرتين هيدروجين مادة مشتعلة وذرة أكسجين مادة تساعد على الاشتعال فالقهار – تبارك وتعالى- يجمع المتضادات ويخرج منها ضدها فالماء يطفئ النار!! ليثبت لك أنه هو القاهر – تبارك وتعالى – انظر إلى الماء الذي هو أصل حياة الكون بأسره أصله أشياء مشتعلة تذكر ذلك المثل وأنت تشرب الماء تخيل لو كانت نارا، ولم اختار هاتان المادتين ؟ ليعلمك أنه قادر على كل شئ، فاخشع، ثم يعود فيقهرها يوم القيامة ((وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ)) (الطور:6) فيقهرها مرة أخرى يوم القيامة حيث يركض الناس ليطفئوا بماء البحر النار فيجدوه نارا ! قهر الأشياء فجعل لها خواص ثابتة لا تتغير كدرجة غليان المياه وانصهار المعادن؛ لينتشر العلم وتتقدم الأمم.
· قهر خواص الأشياء فثبتها ثم عاد فقهر الأشياء بعكسها! إن السكين يقطع ولكن لا تذبح إسماعيل! يا نار احرقي ولا تحرقي إبراهيم ، يا حوت ابتلع ولكن لا تأكل يونس، البحر وهو ساكن رمز الجمال وفي الوقت ذاته إذا هاج يرمز للخوف، الهواء وهو نسمة رمز الحب والرقة وهو إعصار رمز الخوف فكيف يخلق من الأشياء أضدادها ؟!كيف جمع بين الروح النورانية الشفافة مع الطين الآتي من الأرض فتظهر عليك ملامح الفرح والحزن؟! فقهره جميل ألا ترى أن النباتات والطيورمقهورة وهي سعيدة فالطيور تغرد والنباتات تزهر وتثمر وهي سعيدة لأنها مقهورة لله ((قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)) فلم تحزن أنت ؟! اخشعوا لله واستسلموا له إنه قهر خشوع وخضوع وليس قهر إذلال فتودد واخشع واشعر بالقهر لله تبارك وتعالى.
· المعنى الثاني:
أستشعر صعوبة في إيصاله إليك إن لم تشعر بداخلك بهيبة الله –عز وجل- وبأنك ضئيل وهو القهار وأنت الفقير بين يديه، أن يحدث بداخلك خشية وهذا هو هدف الحلقة أن تحدث بداخلك هذه الخشية اللهم اجعلنا نخشاك كأننا نراك، انظر ماذا يقول الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث أنه كثيرا ما كان ينهي مجلسه صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء" اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك"أن يجعل بينك وبين المعصية حاجزا " ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ماتهون به علينا مصائب الدنيا " اكثروا من هذا الدعاء، انظروا إلى النبي وهو راكع في مناجاته وشعوره بالقهار" خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي " إنه احساس رائع أن تشعر أنك مقهور طائع لله –تبارك وتعالى- قهر جميل أن تتلذذ بهذا الشعور كباقي مخلوقات الكون أتستشعر مثل ذلك أنك ضعيف بين يدي القهار قوي بالقهار؛ لأنك أغلى مخلوقاته.
السيدة عائشة تقول تحسست النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فلم أجده في فراشه حتى تحسست باطن قدمه فوجدته ساجدا يقول:" أعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ برضاك من سخطك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " إنه النبي صلى الله عليه وسلم من يقول ذلك! النبي يوم كسوف الشمس يقولون رأينا النبي صلى الله عليه وسلم يدخل ويخرج يخشى صلى الله عليه وسلم على أمته أن يكونوا فعلوا ما يغضب الله فصلى طويلا ودعا وسجد ثم قال : "يارب لم تعدني ذلك وأنا فيهم ولم تعدني ذلك وهم يستغفرون "، قلنا من قبل اسم الله التواب وكان الهدف أن تحب التوبة فتستحي فتترك الذنب، واليوم نقول أن تخشى الله فتترك الذنب، فإن لم تؤثر الأولى فيك فلعل اسم اليوم يجعل تترك الذنب، كما فعل سيدنا يوسف عندما ((رَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا )) (يوسف:23) ((قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ)) (يوسف:79) بسبب الخشية، أن تصلك بك الخشية لأن تبكي من خشية الله.
يقول النبي صلى الله عليه و وسلم: " لا يلج النار من بكى من خشية الله حتى يعود اللبن الضرع " هل هذا تبشير أم تخويف ؟ تبشير بالخشية لأنك استشعرت اسم الله القهار، ثم يتعدى ذلك لأن تخشى الله في معاملاتك مع الناس، انظر إلى عمر بن عبد العزيز يقول لغلامه إذا رأيتيني أضيع حق من حقوق الله أو أظلم أحد من الناس فخذني من ملابسي واجذبني وقل لي يا عمر أما تخشى الله ؟!،انظر إلى الخشية مع عمر بن الخطاب وهذه الحادثة مؤثرة جداً يوم فتح القدس الناس في فرح وهو يذهب إلى الله بالخشية كيف جاء هذا الإحساس إلى قلبه في هذه اللحظة؟! فقال : أين أبو عبيدة بن الجراح فجاء فيعانقه و يبكي وقال له : ماذا سنقول لربنا إذا قال لنا يوم القيامة ماذا فعلتم بعد رسول الله؟ فقال له أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين لا تبكي أمام الناس وتعالى نبكي في مكان وحدنا، وظلا يتباكيا من خشية الله والناس في أفراحهم.
ذات مرة أخطأ رجلا فَهََم عمر بن الخطاب ليضربه بالدرة فقال الرجل : خوفتك بالله ، فتراجع عمر قائلا : خوفتني بعظيم ، وعند وفاة عمر يقول ليتني كنت شعره في صدر أبوبكر ليتني خرجت منها كفافا لا لي ولا علي، ويلي وويل امي إن لم يرحمني ربي يوم القيامة.
يا أغنياء جاء رجل فقير إلى عمر بن الخطاب يقول له: يا عمر الخير جزيت الجنة اكسوا بناتي وأمهن أقسم بالله لتفعلن فقال له – يختبره- : وإذا لم أفعل يكون ماذا ؟ قال: إذا أبا حفص لأمضين، قال : وإذا مضيت يكون ماذا ؟ قال : والله عنهن لتسألن يوم تساق إما إلى نار وإما إلى جنة، فجرى عمر إلى بيته ولم يجد ما يعطيه إلا عبائة فقال له : خذ هذه يوم تكون الأعطيات منا لعلي أساق لا إلى نار بل إلى جنة ".
أتعرف أن تخشع هكذا تخشع فتترك المعاصي ثم تخشع فتبكي من خشية الله ثم ترتقي فتخشع في معاملاتك مع الناس؟!، ويبقى معنى خطير وهو قهر اللسان عند الموت فلا تستطيع النطق بالشهادتين ويكون عليه أمثال الجبال مع أن الشهادة أسهل كلمة ينطقها اللسان في الدنيا ولكن عند الموت يقهر بالمعصية وندري قصة الرجل الذي لم يستطع النطق بالشهادتين عند موته و إذا حدثه أصحابه في مواضيع أخرى تحدث فذهبوا للنبي صلى الله عليه وسلم فعلم أن أمه عليه غضبى وذهب إليها إلى آخر القصة حتى إذا رضيت الأم نطق بالشهادة ، فاحذر فكما ترى أن الوالدين يأتيان دون قصد كلما تحدثنا عن أسماء الله الحسنى، وأشد لحظاتك حاجة لله عند موتك، ومع ذلك لا أريد إخافتك بل استمع قصة سيدنا بلال عند موته وهو يقول: "غداً ألقى الأحبة محمدا وصحبه"، انظر إلى عمر بن عبد العزيز تدخل عليه زوجته فينظر إليها ويقول ((تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)) (القصص:83) ويموت على هذه الكلمة، انظر إلى حذيفة بن اليمان عند وفاته يقول : مرحبا بالموت حبيب جاء يبعد غياب"، ارأيت كيف تتحرك الألسنة ؟ ثم يسأل أي ليلة هذه فيقولوا : قبل الصبح بساعة، فيقول : اللهم إني أسألك أن يكون مسائي في الدنيا وصباحي في الجنة، القهار قهر عباده بالموت" ((كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ )) (آل عمران:185).
وانظر إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " كيف أنعم وصاحب القرن –ملك الموت- قد التقم القرن وأحنى الجبهة وأصغى الأذن فينتظر حتى يؤذن بالنفخ فينفخ "(( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ ...))(الزمر:68)، وينادي الله تبارك وتعالى من بقي ياملك الموت، فيقول: لم يبق إلا عبدك جبريل وعبدك ميكائيل وعبدك ملك الموت، يا ملك الموت: اقبض روح ميكائيل، فيقبض روحه وينادي الله تبارك وتعالى: من بقي يا ملك الموت، فيقول: لم يبق إلا عبدك جبريل وعبدك ملك الموت يا ملك الموت: اقبض روح جبريل، ثم ينادي الله تبارك وتعالى من بقي يا ملك الموت، فيقول: لم يبق إلا عبدك ملك الموت، يا ملك الموت: اقبض روحك، وينادي الله - تبارك وتعالى- (( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ)) فلا يجيب أحد لأنه لا أحد فيرد الله- تبارك وتعالى- (( لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)) (غافر:16).
هنا يأتي اسم الله القهار في الدنيا والآخرة فالبداية كانت نفخة في آدم وفي النهاية نفخة في الصور، ثم يقهرك فتمشي على الصراط ثم يقهر الصراط فيظلم بعد وقفة يوم القيامة ثم يقهر البشر فيمشوا على الصراط ثم يقهر الصراط فيظلم ثم يقهره فينيره للمؤمنين ((يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جنات )) (الحديد:12)، يقول الله –تبارك وتعالى-أن النبي صلى الله عليه وسلم – صعد على المنبر يوما وقال " وما قدروا الله حق قدره، ثم قال يمجد الله نفسه ويقول أنا الملك, أنا العزيز, أنا القهار". يقول عبد الله بن عمر: فرأيت المنبر يرتجف بالرسول صلى الله عليه وسلم حتى تحركت خشية أن يسقط صلى الله عليه وسلم، المنبر خشع أفلن تخشع أنت ؟!
· كيف نحيا باسم الله القهار:
1. الخشية والاستسلام لله – عز وجل وأن تدعو الله بالثبات بعد رمضان فقد قهر رمضان بأن جعل القلوب تهفو إليه، والقلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء لذا كان يدعو عليه الصلاة والسلام :" يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك" .
2. إياك وأن تقهر إنسان خاصة الضعفاء والأيتام ((فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)) (الضحى:9)
اقهر شيطانك بطاعتك لله .
المصدر: http://www.amrkhaled.net/articles/articles1649.html