بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. نعيش اليوم مع اسم الله العزيز. والله لو استشعرت هذا الاسم وعشت به تسعد سعادة ما بعدها سعادة، وتكون قوياً في حياتك قوة ما بعدها قوة. أنا شخصياً مِن أحب الأدعية إذا دعا لي شخص أن يقول لي: أعزّك الله! وإن أحببت الدعاء لأحد فإني أقول له: أعزّك الله.. اسم الله العزيز.
محاور الحلقة:
اسم الله العزيز له أربعة معانٍ، سنقسم الحلقة في بيانها إلى نصفين كالتالي:
· النصف الأول :
1. مقدمة.
2. شرح لثلاثة معانٍ.
3. مظاهر هذه المعاني الثلاثة في الكون وفي حياتنا.
4. نخرج بالهدف: ماذا نريد من هذه المعاني الثلاثة؟ كيف نحيا بها في حياتنا؟
· النصف الثاني :
1. المعنى الرابع لاسم الله العزيز.
2. نرى ما أثره.
3. كيف نعيش به؟
المقدمة: سؤال
سؤال أوجهه لك في نصف ثانية، وهو محور الحلقة، وكل الحلقة تدور حوله، قد لا تستطيع النوم هذه الليلة حتى تجيب عليه.. السؤال هو: هل أنت عبد العزيز؟! هل أنت مستشعر هذا؟ هل يملأ إحساسك؟ هل أنتَ فخور؟ هل أنتِ فخورة؟ هيا بنا نحيا مع هذا المعنى.
معنى اسم الله العزيز :
سنذكر في هذا الجزء ثلاثة معانٍ، فالعزيز في اللغة له معانٍ كثيرة :
1. العزيز: الذي لا نِدّ له، ".... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ .... " (الشورى: 11)، يقول العرب: اختصاص عزيز (غير موجود)، يقولون: خبرة عزيزة (غير موجودة)، يقولون: هذا الموضوع عزيز المنال، ولله المثل الأعلى. الله العزيز لا ند له، لا شريك له، ".... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ .... ".
2. العزيز: الغالب الذي لا يُغلَب، فنحن نتكلم عن الله.. أنت عبدُ لِمن؟ اسمع وافرح واستشعر الفخر، هنيئاً لك فأنت عبد العزيز، الغالب الذي لا يُغلب. أنت قد تَغلِب في أمور كثيرة، قد تغلبني في عشرة أمور مثلاً، لكني أتميز عنك بأمر وأغلبك فيه، وبالتالي فأنت لست عزيزاً في كل شيء، والإنسان إذا غُلِبَ لا يُسَمّى عزيزاً بل ذليلاً. القائد قد يَغلِب في عشر معارك، ثم يُهزم في معركة، فلا تكتمل له العزة. إنما الله العزيز لا يُغلب على أمر أبداً، ولا يمكن أن يُغلب في كونه أبداً. يعز الأمة المسكينة لأنه عزيز.. هذا يقين، هذه عقيدة المسلم. أنا أقول هذه الكلمات وأعلم أنك تعرفها، ولكني أريد أن أنتقل من الكلمات إلى الإحساس، من اللفظ إلى المعنى، أن تعيش الإحساس: أنا عبد العزيز.. فهل أنت عبد العزيز؟ اسمع الآية الرائعة: ".... وَاللّه غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ " (يوسف: 21) – للأسف لا يعلمون - فلا بد أن نحيا بهذا الاسم، باسمك نحيا يا عزيز.
3. العزيز: الذي يعززك ويمدك بالقوة ليعزك، يعززك ليعزك! هل تذكرون آية سورة يس؟ " إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ...." (يس: 14) عزّزناهم لنقويهم لنعزهم، فكان التعزيز بالثالث عزة من العزيز. في القوات المسلحة في الجيش يقولون: تعزيز القوات على الجبهة، أي: إرسال الإمدادات لتقويتهم لينتصروا. فالعزيز الذي يعززك بإمدادات من عنده ليعزك.
هل أنت عبد العزيز؟ هل كنت قبل هذه الحلقة عبد العزيز؟ هل أنت مستشعر العزيز؟ أريدك أن تخرج من هذه الحلقة فخوراً، فرِحاً، قوياً، أنا عبد العزيز، أنا لا أخشى الدنيا ومن عليها.
العزيز في القرآن :
اسم الله العزيز جاء في القرآن حوالي 95 مرة؛ لأنه تقوم عليه أخلاق الأمة. كلنا عرفنا الله التواب، الرزاق، الغفور، الخالق.. لكن من منا عرف الله العزيز؟ من تعبد له باسم العزيز؟ سأظل أكرر هذا السؤال: هل أنت عبد العزيز؟ اسأل نفسك واسترجع حياتك ومواقفك ساعة الشدة، هل أنت راضٍ عن أعمالك للأمة وهي في حالها هذا؟! هل تعمل لها شيئاً؟!
اسم الله العزيز جاء في القرآن مع أربعة أسماء :
الحكيم (47 مرة)، الرحيم (14 مرة)، القوي، العليم. فلماذا هذه الأربعة بالذات؟! لو علمت المعنى لذبت شوقاً وحباً للعزيز سبحانه!
· عزيز رحيم: فهو عزيز لكن برحمة ولله المثل الأعلى، قد يكون الإنسان عزيزاً جداً فيصبح قاسياً غليظاً، لكن الله سبحانه عزيز رحيم.
· عزيز حكيم: فهو عزيز بحكمة ولله المثل الأعلى، فقد يكون الإنسان عزيزاً فتؤدي به عزته إلى التهور أحياناً، فيتصرف بعنف ويفسد. الله سبحانه عزيز حكيم، فكل تصرفاته حكمة.
عزيز عليم، وقوي عزيز: لأن هذه العزة منه سبحانه قائمة على علم وعلى قوة، "....وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ " (الحج: 40)، " كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ " (المجادلة: 21)
مظاهر اسم الله العزيز في الكون وحياتنا:
في الكون:
لنصعد وننظر إلى الكون من الأعلى، من الذي يُمسك هذا الكون؟ كم مجرة فيه؟ يقولون أن عدد نجوم السماء كعدد رمال الصحراء.. كيف لا تصطدم ببعضها؟! وماذا يحدث لو تصادمت؟ الأرض لو اقتربت قليلاً من الشمس لاحترقنا ومتنا، ولو ابتعدت لتاهت في الفضاء الواسع.. كيف لا تسحب الشمس الأرض؟! وكيف لا تبتعد الأرض عنها وتنطلق بعيداً في الكون؟! " إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ...." (فاطر: 41) أرأيت العزيز!؟ هناك شيء اسمه قانون الجاذبية، فالشمس تجذب الأرض، لكنها لا تسحبها؛ لأن الأرض تتحرك وتدور، فتقاوم جذب الشمس لها، ثم إن الشمس هناك ما يجذبها، لكنها لا تُسحَب إليه بسبب دورانها الذي يشكل مقاومة لذلك الجذب.. وهكذا. تخيل أن الكون كله ممسوك هكذا !! تجاذب ودوران للحفاظ على المسافات التي تمنع التصادم، ثم تخيل لو أن الله العزيز ترك هذا الأمر!
الأرض تدور في مسار بيضاوي، فإذا اقتربت من الشمس تسارع دورانها لتقاوم جاذبيتها لها، وإن ابتعدت عنها خفّت سرعتها لئلا تخرج في الفضاء الواسع. ولو أنها زادت سرعتها فجأة لاختل توازننا وسقطنا.. لكن سرعتها تزداد تدريجياً، فهل الأرض عاقلة؟! هل هي من تسيّر نفسها وتتحكم بسرعتها؟!
ورد في الأثر أن سيدنا موسى سأل الله تبارك وتعالى: كيف لا تأخذك سِنة ولا نوم؟! فقال له الله تبارك وتعالى: يا موسى، امسك هاتين الزجاجتين وابق واقفاً طوال الليل وأنت تحملهما، لكنه بعد قليل بدأ يغفو، ثم انتبه، ثم غفا.. حتى نام وسقطت منه الزجاجتين وانكسرتا، فقال له الله تبارك وتعالى: لو كانت تأخذني سنة أو نوم لانطبقت السماوات على الأرض.
اخرج إلى مكان مظلم، صحراء أو غيرها، وانظر في السماء، وابكِ حباً للعزيز، قل له: يا عزيز في ملكك، أعز الأمة المسكينة.. ستجد الجواب من قلبك يقول لك: افعل شيئاً أولاً، ستجد العزيز يعزك ويعزّ الأمة.
في حياتنا: العزيز مع إبراهيم ومُحمّد عليهما السلام :
لننظر في قصة سيدنا إبراهيم " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " (البقرة: 260) أمره الله بتقطيع الطيور الأربعة، وخلط عظامها وريشها ودمها، ثم يقسمها إلى أربعة أجزاء، ويوزعها على أربعة جبال، ثم يدعوهن.. فعلى الفور عادت الطيور إلى سيرتها الأولى وأتته تسعى كما كانت من قبل. وختم بأن "...اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "! فهل أنت عبد العزيز؟ هل تقول: الحمد لله أني مِلك العزيز ولم يجعلني مِلكاً لغيره؟
ولنشاهد الثلاث معاني للعزيز مع النبي صلى الله عليه وسلم من خلال ثلاثة أمثلة:
· غزوة بدر: المعركة غير متكافئة. المسلمون عددهم 313، معهم فَرَسان فقط، والباقين مشاة على أرجلهم! الكفار 1000 مقاتل، معهم 300 فرس، والبقية على جِمال! لكن، هل استكمل المسلمون العُدة؟ هل أعدوا العُدة بقدر ما استطاعوا؟ نعم، ليس بإمكانهم أكثر من ذلك، فماذا بقي؟ إلجأ يا رسول الله للعزيز.. " إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ...." (الأنفال: 9)، والعزيز سوف يعززك بالإمدادات. ".... وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُو...." (المدثر: 31) ما هي الإمدادات في بدر؟ " وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا " (الفتح: 7) فيا من تظن نفسك ضعيفاً، إن كنت مع العزيز فإن معك جنود السماوات والأرض، فما هي جنود غزوة بدر؟
1. النوم: " إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ...." (الأنفال: 11) يقول أحد الصحابة: جعلني رسول الله في حراسة الجيش، فوالله سقط السيف من يدي سبع مرات وأنا يغشاني النوم! فأستيقظ فأجد الصحابة نيام أسمع لهم غطيطاً.
2. الرؤيا: " إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَـكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ...." (الأنفال: 43)
3. المطر: " إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ...." (الأنفال: 11) أتعلمون؟ لو أن أحدنا لديه غداً عمل هام، فنام ساعتين ثم قام فاغتسل واستعاد نشاطه.. هذا هو ما حدث لكن في أرض المعركة.
4. كمية المطر: إذ كانت مختلفة عند المؤمنين عنها عند الكفار " إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ...." (الأنفال: 42) لماذا أخبرنا بأماكنهم؟! ينزل المطر عند المؤمنين خفيف فتثبت الأرض إذا مشوا عليها بأرجلهم وتزيدهم سرعة وخفة، وينزل عند الكافرين غزيراً فتوحِل الأرض وتثقل حركتهم بالجمال! أرأيت جنود العزيز؟!
5. الملائكة: " إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ " (الأنفال: 9) فيقول النبي صلى الله عليه وسلم ((الله أكبر! أرى جبريل آخذ بعنان فرسه، معه ألف من الملائكة يقودهم))، يقول أحد الصحابة: (هممت أن أقطع رقبة رجل من الكفار، فإذا بها طارت قبل أن أصل إليها!) أحد الملائكة سبقه إليه! هذه جنود العزيز. خسارة يا عبد العزيز ويا أمة العزيز أن لم تعرفوا العزيز! هل يملك جنود السماوات والأرض إلا هو؟!
التعقيب الأخير في سورة الأنفال: " وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " (الأنفال: 10)
· غزوة الخندق: جنود مختلفون تماماً.. البرد، والريح! " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا...." (الأحزاب: 9) فالبرد الشديد لن يحتملوه، وسيعودون إلى بلدانهم، والريح كانت تأتي بالحجر من الصحراء فتضرب به خيام قريش، وتأتي إلى قدور طعامهم فتقلبها! وتأتي لأوتاد الخيام فتزيل الرمال من تحتها فتسقط الخيمة!
التعقيب النهائي في الأحزاب: " وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا " (الأحزاب: 25) فأين الثقة بالعزيز يا أمة مُحمّد؟
· يوم غار ثور: جنود غريبة جداً.. رموش أعينهم! لم ينظروا للأسفل! فيقول أبو بكر: (يا رسول الله، لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا) فيجيبه النبي صلى الله عليه وسلم ((يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما!))، " إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا – لاحظوا كلمة جنود كيف تأتينا باستمرار- وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى – لأنه غالب لا يُغلَب- وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا – لأنه غالب لا يُغلب- وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " (التوبة: 40)
راجع آيات العزيز في القرآن، ستجد أن وراءها دائماً قوة وعزة وغلبة.
المطلوب : انصر الإسلام، كن عبد العزيز، عِش للإسلام !
عيب عليك!
عيب أن تقول: وما دخلي أنا؟! عيب أن تقول: لا أدري ماذا أفعل! ضع يدك على خدك، لكن انتبه! ستقف بين يدي العزيز يوم القيامة، فيسألك: ألم تقرأ القرآن؟ ألم تعلم أني العزيز؟ لماذا لم تقدم شيئاً؟!
هذه ليست دعوة للعنف أو التهور! قلنا بحكمة: عزيز حكيم، وبرحمة لبلادنا: عزيز رحيم. خطط كيف تقدم شيئاً للأمة، فهو عزيز، لن يتركك. ألم تر كيف انتقم من كل من تحداه؟ ألا تثق بالعزيز؟ فرعون قال: ".... أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن
تَحْتِي...." (الزخرف: 51) فأجرى الله البحر من فوق رأسه! أُهلِكَ بما تحدى به. ألم يقل: ".... أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى " (النازعات: 24) ثم قال وهو يموت: ".... قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ...." (يونس: 90). بينما يوسف عليه السلام عندما اتصل بالعزيز سبحانه وتعالى، دخل قصر عزيز مصر عبد، وخرج منه إلى السجن، ثم رجع إلى نفس القصر بعد سنين وهو عزيز مصر؛ فقد كان مع الله، ودعا وهو في السجن: " يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ...." (يوسف:39) فقام بدوره تجاه دينه.
المعنى الرابع للعزيز :
العزيز الذي يأبى الذل لعباده، لأنهم عباد العزيز، لأنهم خلقه الذين كرّمهم ورفع رأسهم وعدل قامتهم، وكانت أول كلمة في دينه: لا إله إلا الله.. فلا أعبد غيره، ولا أذل نفسي لغيره، ولا أخضع لغيره، لأنه لا إله إلا الله، لا ذل ولا عبودية إلا لله.
أمثلة للذل لغير الله :
لله المثل الأعلى، لو جاء أبوك يزورك، فوجدك ذليل لزوجتك! تهينك وتتحكم بك، فإنك رغم أنك اعتدت هذا الذل لسنين إلا أنك ستخجل من رؤية أبيك لك على هذه الحال! لو رآك أبوك في عملك ومديرك يهينك وأنت معك الحق، أو رآك وأنت تزوّر بحجة أنك عبد المأمور أو من أجل لقمة العيش! فإنك ستخجل من رؤيته لك بهذا الحال. ألا تخجل أن يراك العزيز وأنت ذليل لأي إنسان؟! ماذا ستقول له يوم القيامة؟ ضابط الشرطة، المدرس الذي يظلم تلميذاً، الزوجة التي ترضى الذل والمهانة بحجة أن ليس لها مأوى آخر ولا مورد للرزق. الشاب الذي تزوج في الغرب من أجل جواز سفر فأهانته زوجته. الفتاة التي تزوجت عرفياً والشاب يذلها بما يمسكه عليها. المذلول لشهوته ذليل أم عزيز؟! فما معنى لا إله إلا الله؟؟ أنك حر من كل شيء إلا الله سبحانه ولا تحكمني الشهوات. يقول النبي ((تعس عبد الدرهم! تعس عبد الدينار! تعس وانتكس)) سماه عبداً للدرهم، وقال: انتكس أي سيُذل! العبد للشهوة، العبد للمعاصي، لشهوة النساء، لشهوة المال، لشهوة المنصب، ومن ينافق رئيسه لظنه أنه سيعزه، ذليل وهو ينافقه.
العزيز خلقك عزيزاً :
العزيز خلقك – يوم خلقك – عزيزاً، ووضع في فطرتك أنك عزيز، وقال لك أنه لا إله إلا الله حتى تكون عزيزاً. العزيز الذي أقسم بعزته في القرآن: " سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ " (الصافات: 180) وأقسم في الأحاديث القدسية: ((وعزتي وجلالي)) ألا توجعك هذه الآية؟؟ " إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا...." (النساء: 97) ظالم لنفسه لأنه لم يعرف العزيز، ولكن اسمع آية ستفرحك: " مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا...." (فاطر: 10) لو عشت بهذه الآية لكفاك، فمن يبتغي العزة لن يجدها إلا عند الله، كما أن الشمس مصدر النور للأرض، والنيل مصدر الماء لمصر. لو بحثت عن العزة عند غيره فلن تجدها، لا يمكن، لا في سلطة ولا معصية "....أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا " (النساء: 139) فمصدر العزة في الكون الله العزيز.
فتنـة !
قد يشك البعض في هذا الكلام ويقول: هذا فلان ابتغى العزة بغير طريق الله وها هو في منتهى العزة وله مكانة ويهابه الناس.. أبداً.. لا تصدق! بل هو ذليل، قد يكون مذلولاً في بيته، أو من أولاده... ولكن ذله يخفى عليك، لأنها فتنة. هل أعطيكم دليلاً على هذا؟ عزيز مصر.. لماذا سموه عزيزاً؟ كان من يتقلد منصباً كله رفعة وشأن يسمى العزيز، فهو كان وزير الاقتصاد، والقرآن ذكرها بتلك التسمية كي تفكر هل هو عزيز أم ليس بعزيز، فهو عزيز بمقاييس الدنيا وبمقاييس الناس وباللقب، لكن هل كان فعلاً عزيزاً؟ زوجته تسعى لخيانته وتصرّح بذلك! ".... وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ...." (يوسف: 32) بل وبكل وقاحة: ".... وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ...." (يوسف: 32) ويقول لسيدنا يوسف: " يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا...." (يوسف: 29) بحث عن العزة في منصبه، فصار ذليلاً. وامرأته هل هي عزيزة أم ذليلة ؟ أنتِ الملكة وهو العبد، وهو أقوى منك! ".... وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ...." (يوسف: 32)
آخر ملوك الأندلس بكى أثناء خروجه منها، فقالت له أمه: (ابكِ بكاء النساء مُلكاً لم تحفظه حفظ الرجال!).. أحياناً ذل ساعة يكون أصعب من فرحة 20 سنة!
"....وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ...." (المنافقون: 8) هذه الآية تكفيك. ما الذي يخرجك عن هؤلاء الثلاثة؟! إن رفضت العزة فقدت معية الله والرسول، ولن تكون من المؤمنين! مسلم نعم، لكنك بعيد وإن بكيت في الصلاة.
سبب ما نحن فيه :
كل الأنبياء أرسلوا إلى أقوامهم بسبب كفرهم، إلا موسى! كان بنو إسرائيل مؤمنين، لكنهم أُشرِبوا الذل واعتادوا عليه، فجاء ليخرجهم من الذل! لأنهم مقهورون. وقصتهم كلها إعادة ناس من الذل للعز! ولذلك جاءت قصتهم كثيراً في القرآن لأن هذه الصفة لو ضاعت فلن يكون هناك إصلاح أو نهضة! ولذلك كان التيه 40 سنة لينشأ جيل جديد لم يتشرب الذل. يقول العلماء أن أحد أسباب اختيار الله للجزيرة العربية لمهد الرسالة أن أهلها كانوا أعزاء؛ ولهذا كانت الهجرة ضرورية كذلك من مكة لئلا يتعرض المسلمون للذل فيتأثر معدنهم.
تاريخنا كله عزة :
· عمر بن الخطاب نحبه لأنه مثال للعزة، يقول ابن مسعود: مازلنا أعزة مذ أسلم عمر.
· أبو بكر الصديق يوم الردة يقول: أينقص الدين وأنا حي؟!
· أسماء بنت أبي بكر وهي شابة صغيرة، يضربها أبو جهل لتخبر عن مكان أبيها يوم غار ثور، فلا ترد. لكن وهي عجوز قبل أن يقتل الحجاج ابنها عبد الله بن الزبير، يقول لها ابنها: يا أمي أخاف أن يمثلوا بجسدي! فترد عليه: وما يضر الشاة سلخها بعد ذبحها! وبعد قتله يأتيها الحجاج يقول: أرأيتِ كيف فعلت بابنك؟ فتقول: نعم! أراك أفسدتَ عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك!
· المعتصم حاكم عزيز في تاريخنا، لمّا صرخت المرأة: " واامعتصماه " أرسل إلى ملك الروم يقول له: أرسل إلي المرأة معززة مكرمة وإلا أرسلت لك جيشاً أوله عندك وآخره عندي! فيرسل له المرأة .
· العز بن عبد السلام عالم عزيز، يقف أمام والي القاهرة ويقول: أيها الأمير، اتقِ الله واعدل في الرعية، فيقول: نعم يا عز، نفعل. فتقول له ابنته: يا أبتِ أما هِبتَه؟ فيقول: يا ابنتي تذكرت عزة الله فصغر في عينَيّ.
· القبطي، رجل عزيز في تاريخنا غير مسلم، سبق ابن عمرو بن العاص، فضربه ابن عمرو بالسوط وقال: أنا ابن الأكرمين، فخرج الشاب من مصر إلى المدينة ليشتكي من ضربة سوط واحد، فنادى عمر بن الخطاب عمرو بن العاص وقال للقبطي: اضرب ابن الأكرمين! متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟
كيف نحيا باسم العزيز:
1. خطط كيف تخرج من الذل، لا تقبل الذل أبداً . يقول النبي: ((من تضعضع لغني لغِناه فقد ذهب بثلثا دينه))، ((اطلبوا الحاجات بعزة أنفس فإن الأمور تجري بالمقادير)) الأمة ذليلة! خطط كيف تخرجها من ذلها بدون عنف، بل برحمة وبحكمة.
2. عزز الناس. يقول النبي: ((من أُذِلّ عنده مؤمن وهو قادر أن يعزه ولم يفعل، أذله الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة))، فما بالك بمن لا يعزز الإسلام!
3. تذلل للعزيز: اذهب له بذلك يمدّك بعزه، فالله يحب من يذهب إليه بالتذلل. يقول النبي: ((رأيت جبريل يوم أسري بي كالِحلس البالي من خشية الله)). يقول أحد العلماء: طرقت الأبواب إلى الله فوجدتها ملأى، فطرقت باب التذلل إلى الله فلم أجد إلا القليل من الناس.
خاتمة :
فيلسوف روماني قبل سقوط روما بعدة سنوات مشى في النهار وبيده مصباح! فسأله الناس: عمّ تبحث؟ تمسك مصباحاً في النهار! فقال كلمة شهيرة: أبحث عن رجل عزيز! بعد هذا الموقف بخمس سنوات سقطت روما.
الواجب العملي :
اذهب للعزيز وتذلل له، وقل له: سأعمل شيئاً، وإن كنت مذلولاً في أمر فاكتب خطة للتخلص من هذا الذل . يا عبد العزيز، يا أمة العزيز، كونوا عباد العزيز.
المصدر: http://www.amrkhaled.net/articles/articles1616.html