بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
قانون الإحباط :
أخوتي المشاهدين ... أعزائي المؤمنين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ولازلنا في قوانين القرآن ، والقانون اليوم : ( قانون الإحباط )
الأعمال المحبطة كالأمراض العضالة تلغي العبادات كلها :
أيها الأخوة الأحباب ، الإنسان يصاب في الدنيا بأمراض كثيرة ، وقد أنبأ النبي صلى الله عليه وسلم أن لكل داء دواء ، هذه الأمراض الكثيرة لها أدوية ناجحة ، وشافية ، ولكن هناك بعض الأمراض الوبيلة ، بعض الأمراض المميتة ، بعض الأمراض العضالة ، هذه أمراض خطيرة ، تنهي حياة الإنسان ، فرق كبير جداً بين مرض طارئ له دواء وشفاء وبين مرض ينتهي بحياة الإنسان ، هذا المثل تمهيد لحقيقة خطيرة .
هناك أعمال كثيرة يعملها الإنسان ، بعضها يقبله الله ، وبعضها الآخر لا يقبله ، ولكن الذي لا يقبله ربما تاب منه ، ربما ندم ، لكن بعض الأعمال تشبه الأمراض العضالة تنهي الأعمال كلها ، تلغي العبادات كلها ، هذه الأعمال سماها العلماء ( المحبطات )العمل يلغى ، هناك في بعض الأحاديث الشريفة قول للسيدة عائشة تقول :
(( أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهادَه مع رسولِ الله ))
[أخرجه الإمام أحمد و سعيد بن منصور عن عائشة أم المؤمنين ]
فموضوع خطير ، حركتك في الحياة ، عباداتك ، صلاتك ، صيامك ، حجك ، وزكاتك ، هل يعقل أن تحبط ؟ وأن تلغى ؟
لذلك ورد في بعض الأحاديث الصحيحة :
(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا ، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ، قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ ، قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))
[ سنن ابن ماجه عن ثوبان ]
إذاً هناك أعمال محبطة ، ربما استعرضنا في هذا اللقاء الطيب بعض هذه الأعمال المحبطة .
الأعمال المحبطة هي :
1 ـ الرفض الكلي لحقائق الإيمان ولمنهج الواحد الديان يلغي أي عمل صالح :
يقول الله عز وجل :
﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ﴾
( سورة المائدة الآية : 5 )
يعني إنسان رفض أن يؤمن بالله ، رفض أن يؤمن بالدار الآخرة ، آمن بالدنيا وجعلها نهاية آماله ، ومحط رحاله ، هذا الإيمان بالدنيا ، والإعراض عن الآخرة ، وعن قيم الإيمان ، وعن قيم الاستقامة ، هذا الموقف الرافض للدين يجعل عمله محبطاً ، أي لا قيمة له ولا وزن له في الآخرة ، بل ربما كان هذا العمل سبب شقائه الأبدي .
إذاً :
﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ﴾
الإنسان حينما يرفض الإيمان أصلاً ، يرفض أن يخضع لله أصلاً ، يرفض أن يستقيم على أمر الله أصلاً ، هذا الرفض الكلي لحقائق الإيمان ، ولتفاصيل الإيمان ولمنهج الواحد الديان يلغي أي عمل صالح يتوهمه صاحبه أنه عمل صالح ، لأنه ما ابتغي به وجه الله ، ولا وافق سنة رسول الله .
2 ـ من يكفر بالعلامات والإشارات التي تنقلنا إلى معرفة الله فقد حبط عمله :
أيها الأخوة الكرام ، عمل آخر من المحبطات ، يقول الله عز وجل :
﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾
( سورة الأعراف الآية : 147 )
هناك آيات عظيمة دالة على عظمة الله ، هذا الكون الذي ينطق بكل تفاصيله بوجود الله ، ووحدانيته ، وكماله ، هذه الآيات التكوينية أفعال الله عز وجل ، هذه الآيات القرآنية كلامه ، هذه الآيات هي العلامات والإشارات التي تنقلنا إلى معرفة الله ، فالإنسان حينما يكفر بها ولا يعبأ ، ويكذبها ، بل يسخر منها طبعاً لن يكون عمله وفق منهج الله ، عمله وفق مصالحه ، وغرائزه ، وشهواته ، هذا العمل قد يبنى على إيذاء الآخرين ، أو على ابتزاز أموالهم ، أو على انتهاك أعراضهم ، لذلك هذا العمل يحبط كل عمل ، وقد يكون سبباً لشقاء الإنسان في الدنيا والآخرة .
3 ـ المناهج الدقيقة التي توصل إلى الله من رآها قيوداً لا مبرر لها فقد حبط عمله :
أيها الأخوة الكرام ، عمل آخر من المحبطات لكنه خطير ، قال تعالى :
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ﴾
( سورة محمد الآية : 9 )
فقط كرهوا :
﴿ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾
( سورة محمد )
أي لم تعجبه هذه المناهج الدقيقة التي توصل إلى الله ، لم يعجبه تحريم الربا ، لم يعجبه تحريم الاختلاط ، لم يعجبه تحريم المنكرات الاجتماعية ، رآها قيوداً لا مبرر لها ، لم يفهم هذه المحرمات على أنها ضمان لسلامة الإنسان ، بل فهمها تقييداً لحريته ، فتمنى ألا تكون ، وتبرم منها ، بل لم يعبأ بها ، بل لم يلتزم بها .
حينما يكره الإنسان منهج الله ، وحينما يكره الإنسان تعليمات الصانع ، بل حينما يكره هذه التي يتوهمها قيوداً لحريته وهي بالحقيقة ضمان لسلامته .
تماماً لو أن إنسان يمشي في أرض فلاة ، رأى لوحة كتب عليها : ممنوع التجاوز ، حقل ألغام ، هل يشعر هذا الإنسان المواطن الواعي أن الذي وضع هذه اللوحة أراد أن يحد من حريته ؟ لا أبداً ، أراد واضع هذه اللوحة أن يضمن سلامته ، وألا يتورط بالسير في حقل ألغام .
إذاً حينما نفهم أوامر الله ، ونواهيه ضماناً لسلامتنا ، وليست حدّاً لحريتنا نكون فقهاء ، ومن أعظم الفضائل أن يفقه الإنسان في الدين .
4 ـ من بنى حركته على العدوان إن على أموال الناس أو على أعراضهم حبط عمله :
أيها الأخوة الأحباب ، محبط آخر من محبطات الأعمال ، الله عز وجل يقول :
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾
( سورة محمد )
الإنسان حينما يمشي في غضب الله ، حينما يمشي إلى إيذاء عباد الله ، حينما يمشي إلى إرواء لذائذه ، وغرائزه على حساب حقوق الآخرين ، حينما يعتدي على أعراضهم ، حينما يبتز أموالهم ، حينما يأخذ ما ليس له ، من أموالهم ، هذه الحركة المبنية على العدوان والابتزاز ، هذه حركة تحبط أعماله التي تبدو للناس صالحة ، هذه الأعمال التي تبنى على ابتزاز أموال الآخرين ، والعدوان على أراضهم ، وقد يكون له عمل يبدو للناس صالحاً ، أعماله التي تبدو للناس صالحة سقطت ، ولا قيمة لها ، ولا وزن لها عند الله إطلاقاً ، لأنه بنى حركته في الحياة على العدوان ، إن على أموال الناس ، أو على أعراضهم .
5 ـ الشرك بالله :
أيها الأخوة ، ولكن المحبط الأكبر هو الشرك بالله ، لأن الله عز وجل :
﴿ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ ﴾
( سورة النساء الآية : 48 )
ولكي أوضح بدقة بالغة معنى الشرك :
إنسان ، نحن في سوريا مثلاً ، هناك مدينة في الشمال كبيرة ، تأتي بعد دمشق اسمها حلب ، حينما يكون لإنسان مبلغ كبير في هذه المدينة ، ولابدّ من السفر إليها كي يقبضه ، ركب قطاراً من دمشق ، لكنه وقع في خطأ كثير ، ركب مركبة أو قاطرة من الدرجة الثالثة ، وبطاقته من الدرجة الأولى ، فهذا خطأ ، لكن القطار في طريقه إلى حلب وهو متحرك ، ثم إنه جلس في قاطرة فيها شباب ليسوا كما ينبغي أزعجوه في السفر ، هذا خطأ ثانٍ ، لكن القطار متجه إلى حلب ، خطأ ثالث ركب عكس اتجاه القطار فأصيب بالدوار ، وهذا خطأ ثالث ، لكن القطار متجه إلى حلب ، خطأ رابع هو في أمس الحاجة إلى طعام يأكله فتلوى من الجوع ، وفي القطار عربة فيها مطعم ، غابت هذه الحقيقة عنه ، هذا خطأ رابع ، لكن القطار متجه إلى حلب ، كل هذه الأخطاء يمكن أن ينساها الإنسان بعد أن يصل إلى حلب ، وأن يقبض هذا المبلغ الكبير ، لكن خطأ كبيراً ماحقاً مدمراً يرتكبه الإنسان فيفوته هذا الحق ، وهذا المبلغ الكبير أن يركب قطاراً لا إلى حلب بل إلى الجنوب ، هذا القطار الآخر مع أنه فخم جداً ، مع أنه من الدرجة الأولى لكن هذا القطار يمشي في طريق مسدود ، ليس هناك مبلغاً يأخذه ، ولا هدفاً يحققه .
لذلك الآية الكريمة :
﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾
( سورة الزمر )
6 ـ الإضرار في الوصية :
أيها الأخوة الكرام ، نحن في موضوع خطير جداً ، يعني ممكن إنسان أعماله في حياته كلها من صلاة ، وصيام ، وحج ، وزكاة ، وله أعمال أخرى ، هذه تحبط العمل مثلاً :
(( إن الرجل ليعمل والمرأة بطاعة الله ستين سنة ، ثم يحضرهما الموت فَيضِران في الوصية ، فتجب لهما النار ))
[أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة ]
لا يعطي البنات حقهن ، تجب له النار ، فالإضرار في الوصية من محبطات الأعمال .
أنا قدمت بعض النماذج وحبذا لو يراجع الإنسان نفسه في جميع الأعمال المحبطة لئلا يخسر صلاته ، وصيامه ، وحجه ، وزكاته ، ولئلا يلقى الله وهو غاضب عليه .
أيها الأخوة الكرام ، إلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله رب العالمين