الحلقة ( 3 ) كيف تتعامل مع الله إذا رحمك ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم وبارك على آله وصحبه أجمعين..
هل رأيت أحداً في حياتك يوقد ناراً عظيمة لمدة ثلاثة أيام ثم بعد ذلك يُلقي ابنه فيها؟!
طبعاً لا يمكن ..حسناً . استمع إلى هذا الحديث :
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه صبي فجعل يضمه إليه- يعني هذا الرجل يضم ابنه إليه –
فقالله النبي عليه الصلاة والسلام : ( أترحمه ) ؟ قال : نعم
فقال عليه الصلاة والسلام : ( فالله أرحم بك منك به وهو أرحم الراحمين) رواه البخاري
انتهى كلامه صلوات ربي وسلامه عليه
إذاً الله تعالى أرحم من أن يلقيك أنت في النار
الله أرحم من ذلك
فكيف نتعامل مع هذه الرحمة ؟!
وهذا سؤال مهم جداً يجب أن نعرف إجابته ولكن قبل ذلك يجب أن نسأل أنفسنا :
كيف نحصل على رحمة الله ؟؟!!
أبشِر أخي الكريم , أبشري أختي الكريمة
الحصول على رحمة الله سهل يسير لأن الله تعالى وسعت رحمته كل شيء
وأما غضبه , فلم يَسَعْ كل شيء .. لأنه هو الذي قال سبحانه : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } الأعراف : 156
وهذا الذي يليق بشأن أرحم الراحمين . ولولا ذلك لكنّا جميعاً خاسرين هالكين
كل من رحمك من أهلك وأحبابك فالله تعالى قد رحمك أكثر منهم
فهو الذي أرسلهم إليكِ رحمةً بك . ولو جمعت رحمات الخلق جميعاً التي وصلت إليكَ في حياتك كلها , لكانت رحمة الله بك أكثر وأوسع !
ولن يفوق أحدٌ رحمة ربي سبحانه أبداً .
ولا يمكن للواصفين أن يُعَبِّروا عن جزءٍ يسير من رحمة الله التي نشرها في أرجاء مملكته سبحانه .
ولهذا فهو سبحانه قد رفع شأن رحمته فيعين الخلق . يقول النبي صلى الله عليه و سلم :
( لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهوعنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي ) رواه البخاري
الله أكبر .. لاحِظ أنه كيف جعل هذا الكتاب عنده فوق العرش
وقد كان يمكنه أن يضعه في السماء الدنيا أو على رأس جبل من الجبال لكنه لم يفعل بل جعله عنده تشريفاً وتعظيماً لشأن الرحمة
فلماذا تيأس منرحمة الله ؟! .. لماذا ؟؟
إذا كانت رحمة الله قد وسعت كل شيء .. فكيف لا تسعُكَ أنت ؟!
وسعت من هو شرٌ منك .. قتل تسعاً وتسعين نفساً , ثم كمّل المائة بعابد ..
مع هذا .. وسعته رحمة الله , وأنتَ ما قتلتَ أحداً . فكيف لا يرحمك ؟!
الكون كله من أوله إلى آخره مملوءٌ برحمة الله , كامتلاء البحر بالماء , وامتلاء الجو بالهواء
فقل ما شئت عن رحمة الله .. فهو فوق ما تقول
وبعدها تصوّر ماشئت عن رحمة الله , فإنها فوق ذلك ..
قد يقول قائل : كيف أحصل على رحمة الله ؟!
إنه ليس بينك و بين رحمة الله إلا أن تطلبها منه .. وهو سيعطيكَ إياها ..
لأنه هو وحده الذي يملكها . قال تعالى : { مَّا يَفْتَحِ اللَّـهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا}فاطر : 2
من شدة قرب رحمة الله منك , فليس عليك سوى أن تظن بالله أي شيء تحب أن يفعله الله لك ,
هو سيكون لك عند حسن ظنك, سيفعله لك .. أي شيء نحبه ؟؟
نعم .. أي شيء تحبه تظن بالله أنه سيرحمك .. فهو سيرحمك
تظن أنه سيعتقك من النار , سيعتقك من النار
تظن أنه سيدخلك الفردوس الأعلى .. سيدخلك الفردوس الأعلى
لا توجد أي مشكلة .. الأمر أبسط مما تتصور
هذا ليس كلامي .. هذا كلامه هو سبحانه , هو الذي قال ذلك عن نفسه
وإلا أنا ما الذي يدريني عن كل هذا !!
استمع إليه سبحانه وهو يقول ذلك عن نفسه في الحديث القدسي الذي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه إذ يقول :
( قال الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي , فليظن بي ما شاء ) انتهى كلامه سبحانه
وليست المسألة احتمال .. يعني يستجيب لي أو لا يستجيب لي
لا , يقين تام .. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ) رواه الترمذي
وإذا فعلت ذلك أعطاكَ أكثر مما ترجوه وتريده منه , لكن .. بشرط .. أن يكون رجاء وليس أماني !!
ما الفرق بين الرجاء والأماني ؟!
الرجاء معه عمل, أرجو رحمته مع امتثالي لأوامره
أما الأماني فهي ظنون بلا امتثال للأوامر ولا شيء
ومن رحمته سبحانه أنك تحس بهذه الرحمة وهي تضمّك وتغمرك فشعورك أصلاً بوجودها رحمةٌ بحد ذاتها
هذا في الدنيا .. أما في الآخرة فلنا أملٌ كبير بالله أن يرى الخلق منه رحمة لم تخطر لهم على بال ..
من العفو والمغفرة والرحمة والغض عن بعض الهفوات والزلّات
إن الخلق يعقدون آمالاً كبيرة على غير ذلك .. وبالطبع عليهم أن يعملوا هم أيضاً لكي يحصلوا على ذلك ..
وهذا هو الشرط الذي اشترطه الله تعالى عندما قال :
{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَوَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ} سورة طه : 82
طبّق الشروط وأبشر بالرحمة ..
أما إذا كان الإنسان بعد هذه الرحمات والأبواب المفتحة إلى الآن وهو يصر على المعصية وعدم الدخول في هذا الباب العظيم من الرحمة ..
بعد هذا كله خسر رحمة الله التي تبدّل السيئات إلى حسنات وخسر رحمة الله التي وسعت كل شيء ولم تسعُ هو ؟!
هذا فعلاً لا يستحق أن يُرحم
بعد كل هذا.. ماذا يريد أكثر من هذا الكرم ؟! ماذا يريد ؟!
فإن قلت لي كيف أقترب من رحمة الله ؟
أخي الكريم,أختي الكريمة : إذا وصلتَ إلى مرحلةٍ ترحم فيها الناس وتعطف عليهم , فرحمة الله فعلاً ستكون قريبة منك , وليست قريبةً فقط !
بل قريبةً جداً؛ لأن النبي صلى الله عليه سلم يقول : ( الراحمون يرحمهم الرحمن, ارحموا من في الأرض , يرحمكم في السماء) رواه الترمذي
فإذا لم يفعل الإنسان ذلك فلن يُرحم .. يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من لا يرحم , لا يُرحم ) رواه البخاري
هذه هي رحمت هو هكذا يجب أن نتعامل نحن معها
ختاماً .. أرجوكم .. نودُّ فعلاً أن نجتمع نحن وإياكم جميعاً تحت رحمته يوم القيامة
فلنتعاهد الآن على أن نسعى قدر الإمكان في هذه الحياة الدنيا على تحصيل تلك الرحمة ؛
لنلتقي بإذن الله معكم في جناتٍ ونهر ..
مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقا ..