بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
قانون المعيشة الضنك :
أعزائي المشاهدين ... أخوتي المؤمنين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أيها ولازلنا في برنامج قوانين القرآن ، والقانون اليوم :( قانون المعيشة الضنك )
عدم تمني الحياة الضنك من قِبل أحد من البشر :
سيدنا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه كان يقول : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه .
ولعل اختيار هذا القانون من هذا القبيل ، المعيشة الضنك لا يتمناها أحد من بني البشر ، بل إن كل الناس تنفر نفوسهم من المعيشة الضنك ، حياة الشقاء ، حياة القلق ، حياة الضياع ، حياة السوداوية ، حياة التشاؤم ، حياة الإحباط ، حياة اليأس ، المعيشة الضنك لها قانون في القرآن الكريم .
ومرة ثانية أيها الأخوة الكرام ، حينما تتعامل مع جهة قيادية في الأرض مزاجية ترضى بلا سبب ، أو ترضى لسبب تافه ، وتغضب بلا سبب ، أو تغضب لسبب تافه ، التعامل مع هذه الجهة القيادية متعب جداً ، أما حينما تتعامل مع جهة قيادية لها قواعد ثابتة وواضحة في التعامل معها ، تعلم ما الذي يرقى بك عند هذا الإنسان ، وما الذي يهوي بك عند هذا الإنسان ، التعامل مع جهة قيادية ، وفق قواعد ثابتة ، شيء مريح جداً للإنسان .
الإعراض عن ذكر الله جلّ جلاله سبب أساسي من أسباب المعيشة الضنك :
لذلك من فضل الله علينا أن الله سبحانه وتعالى وضع قواعد تشبه القوانين ، هذا الذي دفع إلى تسمية هذه القواعد في القرآن الكريم : قوانين القرآن الكريم ، فلكل وضع مصيري خطير في حياة الإنسان قانون ثابت ، له مقدمات وله نتائج .
من هذه القوانين : قوانين المعيشة الضنك ، عيش الشقاء ، عيش الضياع ، عيش الإحباط ، عيش الإخفاق ، عيش السوداوية ، عيش التطرف ، عيش الانهيار ، المعيشة الضنك لها قانون .
من أين نجد آية في كتاب الله تشير إلى المعيشة الضنك كقانون ، الله عز وجل يقول :
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾
( سورة طه )
أيها الأخوة ، لعل صياغة من كاسم شرط جازم لها فعلان ، الأول فعل الشرط والثاني جوابه ، وجزاؤه ، ولا يقع الثاني إلا إذا وقع الأول ، هذه الصياغة في اللغة العربية تشير إلى القانون ، وكأن القانون مضطرد يقع في كل زمان ومكان ،
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ﴾
المعيشة الضنك سببها الإعراض عن ذكر الله جل جلاله .
الاتصال بالله عز وجل يولد النجاح في الحياة :
الله عز وجل يقول :
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
( سورة طه )
الصلاة عماد الدين ، من أقامها فقد أقام الدين ، ومن تركها فقد هدم الدين .
أيها الأخوة الأحباب ،
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
لذلك يقول الله عز وجل :
﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
( سورة الرعد )
تسعد القلوب ، تطمئن ، تشعر بالراحة ، تشعر بالسكينة ، تشعر بالتفاؤل ، تشعر بحفظ الله ، بتأييد الله ، بنصر الله ، بتوفيق الله ، كل هذه المشاعر المسعدة التي هي سبب النجاح في الحياة بسبب الاتصال بالله عز وجل .
من ذكر الله أدى واجب العبودية نحوه :
أيها الأخوة الكرام ، حينما قال الله عز وجل :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
( سورة طه )
وفي آية أخرى :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
( سورة العنكبوت الآية : 45 )
﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
إشارة إلى أن أكبر ما في الصلاة ذكر الله ، هذا رأي بعض المفسرين ، ولكن هناك مفسرون آخرون لهم اجتهاد في فهم هذه الآية ،
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
قال هؤلاء العلماء : إنك حينما تصلي أيها المؤمن ، إنك تذكر الله ، وذكر الله الذي تذكره هو واجب العبودية تجاه الله عز وجل ، لكن ذكر الله لك وأنت تصلي أكبر من ذكرك له ، بمعنى ، إنك إن ذكرته أديت واجب العبودية نحوه .
من ذكره الله منحه الأمن و الحكمة :
لكن الله سبحانه وتعالى إذا ذكرك ، ما الذي يحصل ؟ إذا ذكرك الله عز وجل منحك الأمن ، قال تعالى :
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
( سورة الأنعام )
إذا ذكرك منحك الحكمة .
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾
( سورة البقرة الآية : 269 )
بالحكمة تسعد بدخل محدود ، ومن دون حكمة تشقى بدخل غير محدود ، بالحكمة تجعل العدو صديقاً ، ومن دون حكمة تجعل الصديق عدواً ، بالحكمة تسعد بزوجة من الدرجة الخامسة ، ومن دون حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾
الصلاة التي أرادها الله عز وجل ترقى بالإنسان إلى رب الأرض والسماوات :
ما سبب المعيشة الضنك ؟ الإعراض عن ذكر الله ،
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
فالذكر هو الله ، الصلاة كما أرادها الله عز وجل ، الصلاة التي يشفى الإنسان من أمراضه من خلالها ، الصلاة التي يرقى بها إلى الله ، الصلاة التي يسعد بها ، ينسى الدنيا وهو في صلاته التي أرادها الله عز وجل ، إن الله سبحانه وتعالى إذا ذكر المؤمن في الصلاة منحه الحكمة ، منحه الأمن ، منحه الرضا ، منحه التفاؤل ، منحه كل الصفات التي تسعده .
فلذلك حقيقة الصلاة أن ترقى بها إلى رب الأرض والسماوات .
ضيق القلب هي المعيشة الضنك للأقوياء والأغنياء :
أيها الأخوة الكرام ، هذا قانون :
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ﴾
هذا القانون مضطرد ، أي شامل لكل زمان ومكان ، ومع كل إنسان ، وقد يسأل سائل : ما بال الأغنياء ، والأقوياء ؟ هم يعيشون معيشة ضنكا ؟ أجاب علماء التفسير : إن المعيشة الضنك للأقوياء والأغنياء هي ضيق القلب ، لذلك قال بعض العارفين بالله وقد كان ملكاً : لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليها بالسيوف .
أيها الأخوة الكرام ، يقول الله عز وجل :
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾
( سورة المعارج )
هكذا خلقه الله عز وجل ، هناك نقطة في أصل خلقه ، نقطة ضعف .
﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
( سورة المعارج )
نقاط الضعف التي في خلق الإنسان ، والتي قد تحيل حياته إلى معيشة ضنك المؤمن معفى منها ،
﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
من هم المصلون ؟
أخوتنا الكرام ، كتعليق لطيف ، قالوا في علم المنطق : الصفة قيد ، يعني إذا قلت إنساناً هذه الكلمة تغطي ستة آلاف مليون ، أما إذا قلت إنساناً مسلماً مليار ونصف ، أما إذا قلت إنساناً مسلماً عربياً ثلاثمئة مليون ، أما إذا قلت إنساناً مسلماً عربياً مثقفاً مئتا مليون ، أما إذا قلت إنساناً مسلماً عربياً مثقفاً طبيباً مئتا ألف ، أما إذا قلت إنساناً مسلماً عربياً طبيباً جراحاً خمسمئة ، كلما أضفت صفة ضاقت الدائرة .
فهؤلاء المصلون الذي نجوا من المعيشة الضنك من هم ؟ قال تعالى :
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ ﴾
( سورة المعارج )
كلما أضفنا صفة ضاقت الدائرة :
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ﴾
( سورة المعارج )
على كل إنسان أن يبتعد عن المعيشة الضنك من خلال إحكام صلته بالله تعالى :
إذاً المعيشة الضنك معيشة الشقاء ، واليأس ، والإحباط ، والسوداوية ، والتشاؤم ، معيشة ينفر منها أي إنسان ، وهذه المعيشة قانونها في القرآن الكريم هو الإعراض عن ذكر الله ، وذكر الله في حقيقته الصلاة التي فرضها الله على كل المؤمنين ، بالصلاة يرقى الإنسان إلى رب العالمين .
أيها الأخوة الأكارم ، كما قال سيدنا حذيفة : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه ، والمعيشة الضنك يجب أن يبتعد عنها كل إنسان حينما يبتعد عن الغفلة عن الله ، وحينما يُحكم صلته بالله .
أيها الأخوة الأحباب ، إلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله رب العالمين