بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نستكمل حديثنا في "دعوة للتعايش" ونتذكر أن معنى التعايش هو القدرة على التفاهم، والقدرة على بناء الجسور، والقدرة على الحوار، واحترام الآخر.
لماذا نحتاج للتعايش؟ لأن عندنا مصائب كثيرة في بلادنا لا نستطيع التغلب عليها إلا بالتعايش. لا نستطيع التفاهم مع بعضنا البعض. لو نظرنا للأزواج والزوجات وارتفاع نسبة الطلاق، والشباب مع العائلات والمشاكل بينهم نظراً لتفاوت الأجيال، كيف نتفاهم مع بعضنا البعض، و نحترم آراء بعضنا البعض؟ كيف؟ كيف أن أوجد مساحة مشتركة مع غيري من الناس؟ قال تعالى: "...وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ..." (المائدة:2). هنا الآية تقصد كل البشرية، فالإسلام رسالة عالمية لكل البشر. فلننظر لأحداث العراق ولبنان ودارفور، وهو نوع من القضاء على التعايش، نوع من البعد عن حقيقة هذا الدين الذي يقول: "...وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا..." (الحجرات:13)، فاختلاف النوعيات في لبنان من المفروض أن يكون ثراءً للأمة, الاختلاف في العراق - سُنة وشيعة- لابد أن يكون ثراء للأمة كلها؛ هذا هو هدف البرنامج: التعايش والحوار.
كيف أجيد فن التعايش مع الآخرين؟
هناك عشر قواعد ستعينك على كيفية التعايش.
القاعدة الأولى: اجتهد حتى تجد المنطقة المشتركة مع الآخر.
القاعدة الثانية: ابحث عن كل علم يساعدك أن تجد المنطقة المشتركة مع الآخر.
مثلاً: تعلم رياضة ما، تعلم لغة ما، العلوم التي تساعدك لتتعايش مع الآخرين.
القاعدة الثالثة: اندمج في المجتمع ولا تنعزل عنه. لا تختلف عن المجتمع في طريقة الكلام أو في طريقة الحديث، تكلم بلغة مجتمعك، ولكن مع عدم فقد هويتك.
القاعدة الرابعة: لا ترفض أي فكرة بشكل مطلق حتى تجد إمكانية الاستفادة منها في منطقة مشتركة. لا ترفض الفكرة لمجرد اعتراض ولكن حاول التفكير فيها أو التعديل فيها. هناك من لا يقتنع بفكرةٍ فيرفضها. اعط لنفسك مساحة للتفكير.
القاعدة الخامسة: لا تظلم مخالف لك في الرأي فتحوله إلى عدو.
القاعدة السادسة: كن صادق النية في تجميع الناس وإرادة الحق؛ فهناك من يريد الحق وفقًا لهواه، قبل دخول النقاش يضع الحق في كفة وهواه في كفة، ويرجح هواه مسبقًا.
القاعدة السابعة: إذا إردت التعايش احترم الناس تكسب قلوبهم؛ احترم الناس حتى لو مختلف معهم.
القاعدة الثامنة: كن مرنًا.
القاعدة التاسعة: كن إنسانًا؛ حب الإنسان حتى لو حدث خلاف بينكم.
القاعدة العاشرة: التعايش لا يعني الذوبان.
هذه هي النقاط العشرة. سنعيش معًا مع الإمام الشافعي، وكيف أنه طبَّق هذه القواعد.
العالم أيام الشافعي:
سنلقي نظرة أولاً على العالم أيام الشافعي: كانت الدولة العباسية مترامية الأطراف وكان أزهى عصر للإسلام وقت خلافة هارون الرشيد والمأمون، وكانت الدولة غنية جدا مما أدى إلى دخول أجناس كثيرة في الإسلام، ولكن هناك صراع في الأفكار نظرًا لاختلاف الأجناس.
وظهور الشعراء و واختلافهم مع العلماء، وأيضًا ظهور علم الفراسة، ولكن علماء الدين رفضوا هذا بشدة. وبدأ أيضا علم الأنساب وهذا قد تسبب في ظهور مشاكل.
انتقلت الخلافة الإسلامية بعد الخلفاء الراشدين إلى الحجاز، وبعد ذلك الدولة الأموية في الشام، والدولة العباسية مقرها العراق، وكان ثمة توتر بين الحجاز والعراق. في هذا الوقت، تظهر مدرسة أبو حنيفة "مدرسة الرأي". والحجاز ترفض هذا الرأي. في ظل هذه المشاكل، يخرج الإمام الشافعي، وسنتعرف على حياة الشافعي، فهذه القصة لكل شاب وفتاة يشعران أن الحياة صعبة، وأن النجاح في الحياة صعب. هذه قصة رجل عصامي، كان فقيرا جدا ووصل للقمة في وقت قصيرٍ جدا.
ولادته و حياته وحياته:
ولد الإمام الشافعي في عام 150 هـ وتوفي في عام 204 هـ، أي عاش 54 عاماً. وأطلق عليه "مجدد القرن الثاني الهجري". عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يبعث الله على رأس كل مئة سنة من يجدد الأمة في أمر دينها). أول مئة سنة كان عمر بن عبد العزيز. وكان الإمام الشافعي في المئة الثانية.
اسمه: محمد بن إدريس بن شافع بن ثائب القرشي، فهو من قريش من نسب الرسول عليه الصلاة والسلام. وسمي بـ(الشافعي) نسبة لجده شافع، وقد ولد على الإسلام، وجده وأبو جده من الصحابة. جده ثائب كان مشركًا وشارك في غزوة بدر مع المشركين فأُسر، وعندما رأى معاملة المسلمين للأسرى من رحمة ولطف وعطف قرر أن يُسلِم. وفعل شيئًا عجيبًا جدا جدا: فقد دفع الفدية؛ لأنه كان أسيرًا على الرغم من أنه قد أسلم، ولكنه يعلم أن المسلمين أسروه من أجل الفدية. وقالو له: أنت قد أسلمت فلماذا تدفع الفدية؟ قال: أسرني من أسرني فكان فيه طمع في مالي فلم أشأ أن أُجذب طمعه هذا.
البيئه التي نشأ فيها:
ولد الشافعي في غزة على الرغم من أنه قرشي وأصله من مكة، ولكن ما الذي ذهب به إلى غزة؟ كان والده فقيرا جدا، فلما اشتد الفقر على والده قرر الخروج مع زوجته إلى غزة لعل الوضع المالي يتحسن، وبعد سنتين من مولد الشافعي توفي والده، وأصبح يتيما، ولم يكن لديه أخوة، ومن هنا تبدأ قصة حياة الشافعي.
وقفة مع أم الشافعي:
ولكن ثمة وقفة مع أم الشافعي التي توفي زوجها وترك طفلا صغيرا وفي مكان غريب وكانوا في شدة الفقر. كانت هذه المرأة ذكية حيث كانت ترى واقع الإسلام على الرغم من أنها ليست عالمة ولكنها تفهم الإسلام، وهذه القصة ستوضح ذلك: في يوم ذهبت لتشهد في قضية ما، ومن المعروف أن الشهادة تكون برجل وامرأتين، قال تعالى: "...مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى..." (البقرة:282)، فعندما طلب القاضي منها الشهادة وكانت معها امرأة أخرى، فطلب منهما القاضي أن تدخل كل واحدة في غرفة لكي تقول شهادتها، فقالت: ليس لك هذا، فقال القاضي: لما؟ قالت: يقول الله: "...فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى..."، (أي يجب أن يكن مع بعضهن ليذكرن بعضهن بعضا)، فاندهش القاضي من موقف المرأة أنها تعلم هذا الأمر.
ولكن ليس هذا فقط، فكان لديها رسالة وهدف، فعلى الرغم من الفقر الشديد والغربة التي يعيشان فيها ولكن من الممكن أن يساعد هذا الولد في حل مشكلة الأمة التي بينها هذا الصراع. ماذا ستفعل أم الشافعي؟ رأت أن الحل يبدأ بالعلم، فقررت العودة بالشافعي إلى مكة وهي مركز العلم، وكان عمره ثلاث سنوات، وتعتبر أول رحلة علم في حياة الشافعي. وعندما نضج قالت له: يا بُني، مات أبوك ونحن فقراء، لا مال لنا ولم يترك لنا شيئا، و لم أتزوج من أجلك. يا بُني قد نذرتك للعلم لعل الله يُصلح بك، ويجمع بك شمل هذه الأمة. قالت هذه الرسالة وكان يبلغ من العمر أربع سنوات. فللنظر لهذه المرأة ومدى خوفها على الأمة! أين أنتن يا أمهات ؟
المرحله الأولى في رحلة التعلم:
وبالفعل بدأ الشافعي في التعلم وذهب للكُتَّاب لكي يتعلم العلم ويحفظ القرآن. وكان في ذلك الوقت، لابد من دفع نقود للتعلم في الكتاتيب، ولكنه فقير، فشعر الشافعي بإهمال المعلم له لأنه لم يدفع مصاريف الكُتَّاب، فرجع الشافعي لأمه يبكي وقال لها: يا أُماه، لا أريد أن أذهب إلى المعلم، قالت: لما؟ قال: يتركني ويعلم الآخرين، فقالت: يا بُني، اصبر. إذا تَركَك المعلم وذَهب إلى الأغنياء ليعلمهم فابحث لنفسك عن مكان بجوار الغني، وتعلم واسمع ولكن لا تشعره أنك تتطفل عليه.
فيقول: فعلت ما أمرتني به أمي فتعلمت الذل للعلم والأدب للمعلم. وبعد فترة، أصبح أحسن التلاميذ، حتي إذا تأخر المعلم كان يجلس ليشرح للتلاميذ ويصحح لهم. فبدأ المعلم أن الاهتمام به.
فقال له المعلم: أنت تساعدني في الشرح عندما أذهب، وأنا لا آخذ منك الأجر.
يقول: فعدت إلى أمي فضحكت، قالت: ألم أقل لك؟
ختم القرآن وكان يبلغ من العمر سبع سنوات، وتعلم التجويد وكان عندما يصلي كانت الناس تبكي عند سماع صوته في الصلاة.
المرحلة الثانية في رحلة العلم:
تعلم الشافعي التفسير على يد صفيان بن عُيينة، وتعلم الحديث على يد مسلم بن خالد إمام الحرم المكي. ومن سن الثامنة وحتى بلوغه ثلاثة عشرة سنة كان قد حفظ التفسير الذي قيل في عصره، وكذلك كل أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم. وكان شديد الفقر لدرجة أنه كان لا يجد ثمن الورق الذي يكتب عليه.
فقالت أمه: لا عليك، فكانت تخرج إلى ديوان الوالي وكان هذا الديوان يكتب فيه وكانوا يتركون الورق الفائض منهم فيأخذه حتى إنه كان يطلب الصدقة أن تكون أوراقا، ولكنه كان يحتاج لورق أكثر، فقالت له أمه:لا عليك، تعالى معي حيث يذبحون . كانت تأتي بعظم الإبل العريض ثم تجففه ثم يكتب عليه،فعندما كان يذهب للكُتَّاب وهو يحمل العظم كانت الناس تضحك ولكنه كان يقول: إضحكوا لكني لا أخجل.
نرى مدى عظمة هذه الأم! نداء للأمهات نريد جيلاً مثل هذا، نريد جيلا يجفف دماء العراق، نريد جيلاً يجمع لبنان، نريد جيلاً يجمع المجتمع يجمع الأهل، نريد جيلاً يؤمن بالتعايش وبالحوار.
أول بعثة للشافعي:
كان الشافعي جالسا في مكة، فجاء رجل لزيارة مكة وهو الليث بن سعد إمام مصر العظيم و يُلقي درسا في الحرم المكي، ثم قال: إن من أسباب فُرقة الأمة في هذه الأيام اختلافها على اللغة، ولو استقاموا على فهم اللغة لاجتمعوا. ثم قال: فمن استطاع أن يجيد التفسير والحديث واللغة يجمع الله به الناس، ولا توجد اللغة إلا في الصحراء ولا توجد إلا في قبيلة هُزيل.
فيقول الشافعي: فعدت إلى أمي أحكي لها.
فقالت : يا بُني، تذهب إلى هُزيل. وذهب الشافعي لأول بعثة للتعلم إلى هُزيل، ومكث فيها أربع سنوات. يقول: كانت همّتي في شيئين: تعلم اللغة والرمي (الفروسية). يقول: فأما الرمي ، فصرت أُصيب العشرة من عشرة لا أُخطىء، لا آتي التسعة من عشرة، وصل الشافعي في الرياضة لدرجة أن قال الطبيب له: أخشى عليك من السُّلّ من كثرة الوقوف للرمي. أما اللغة فحفظتُ عشرة آلاف بيت شعر. كان لدى الشافعي القدرة على الحفظ لدرجة أنه كان يضع يده على الصفحة التالية حتى لا يحفظها قبل التي يقرأها! وذات مرة، لم يتذكر سطر في حفظه، فذهب لكي يشكو إلى صديق له يسمى "وكيع". فقال: شكوتُ إلى وكيعٍ سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي، وقال لي إن العلم نورٌ، ونور الله لا يُهدى عاصٍ.
ثم رجع الشافعي إلى مكة وكان عمره ثمانية عشرة عاما، ومعه عشرة آلاف بيت من الشعر، ورياضة الرمي، وعلم الأنساب (يعلم نسب كل الناس ويعلم تاريخ العائلات). وعندما رجع إلى مكة أصبح أقوى من الأساتذة الذي تتلمذ على أيديهم. فقال له مسلم بن خالد: آن لك أن تجلس في الحرم المكي تُفتي الناس. كان يبلغ من العمر تسعة عشرة عاما آنذاك.
يقول الشافعي: فعدت إلى أمي فقالت: لا تفعل. ولكن انتظر حتى تتعلم علم مالك وعلم أبي حنيفة فتستطيع الجمع بينهما. يقول : فلن أُفتي. ولكن قلت سأذهب إلى مالك. فماذا فعل الشافعي للذهاب إلى الإمام مالك لكي يتعلم منه؟ حفظ "الموطأ". يقول: حفظته ما بين تسعة وخمسة عشرة يومًا، ثم هاجر إلى المدينة.
لماذا فعل الشافعي كل ذلك؟ لكي يجمع الناس بالعلم. مَن اليوم يفعل ذلك؟ من ؟ من اليوم هدفه التعلم من أجل تجميع الناس؟ لي صديق يعيش في النمسا وذهب لكي يتطوع في إدارة الإطفاء. فذهب لرئيس الإطفاء فضحك الرئيس وقال له: هل أنت مسلم؟
فقال: نعم. قال له: نحن لا نطفىء بيوت المسلمين فقط. فقال له صديقي: أنا أعلم ذلك، لذلك أتيت. يقول: بعد مرور سنة، أصبحت كل البلدة تحبني وتحترمني.
الهجرة إلى المدينة:
يذهب الشافعي إلى المدينة ولكنه لا يملك المال. فماذا فعل؟ رهن البيت في مكة وذهب إلى المدينة. ثم ذهب إلى والي مكة حتى يكتب رسالة إلى والي المدينة لكي يقبل مالك أن يكون الشافعي تلميذاً عنده. فيقول له والي المدينة: هيهات، والله لإن أخرج حافيا على قدمي من المدينة إلى مكة أهون علي من أن أذهب إلى بيت مالك. فيستعطفه الشافعي، فأخذه إلى بيت مالك، وطرقا الباب، فخرجت جارية، فقال الوالي: قولي لسيدك أن والي المدينة بالباب.
فتدخل، وتعود قائلة: يقول لك مالك: إن كنت جئت لمسألة فاكتبها على الورقة وسيأتي إليك الرد، وإن كنت تريد تعلم العلم فالعلم في مسجد النبي بعد صلاة المغرب.
فقال لها الوالي: قولي له:معي رسالة له من والي مكة.
فدخلت ثم خرج الإمام مالك, فيقول الشافعي: فرأيت رجلاً طويلاً، أشقر، فنظرت له فهبته، فأخذ الرسالة، فإذا بها من والي مكة إلى مالك: هذا الفتى يهمني أمره، افعل معه كذا وكذا.
فأخذ الإمام مالك الورقة وأعطاها لوالي المدينة وقال: متى كان يؤخذ العلم بالوسائط؟
يقول الشافعي: فنظرت إلى والي المدينة فوجدته خلفي. فقلت له: يا سيدي، لقد رهنت بيتي وجئت من أجل العلم، أنا قرشي مات أبي ولقد حفظت الموطأ فاقبلني عندك. فنظر إلي مالك وقال: ما اسمك؟ فقلت: محمد ابن إدريس الشافعي القرشي. فقال مالك: كيف حبك للعلم؟
فقال: أسمع بالحرف لم أسمعه من قبل أتمنى لو صار كل أعضاء جسدي أًذن لأتنعم بالعلم كما تتنعم أًذناي. فقال له مالك: فكيف حِرصك على العلم؟ فقال: كحِرص المرأة تاه منها ولدها تبحث عنه في كل مكان حتى تجده. فقال مالك: اقرأ عليَّ "الموطأ". يقول الشافعي: فقرأت ثم سَكَتُّ أدبا له. فقال مالك: زدني. يقول الشافعي: فزدته. فقال: زدني. يقول الشافعي: فزدته. فنظر إلى وجهي وسكت طويلاً، فنظرت في عينيه. فقال: أرى أن الله قد ألقى على وجهك نورا فلا تطفئه بالمعصية. تأتيني غدًا تجلس في الصف الأول أمامي.
سيجلس معه تسع سنين. وسيحصّل كل علم مالك. ولكن في خلال التسع سنين، قال الشافعي لمالك: أتاذن لي أن أذهب إلى العراق لأستطلع علم أبو حنيفة؟ فقال مالك: نعم اذهب.
هل رأيتم مدى تقبل مالك للآخر؟ ومدى تفتحه؟
يقول: فخرجت من عنده، فقلت له: لكني لا مال لي. فقال له: نعم، خذ من مالي وابقى حيث شئت ثم عد. يقول الشافعي: فذهبت في رحلة لكي أستطلع العراق.
نرى هنا مدى أهمية الرسالة للشافعي. قال عليه الصلاة والسلام: (ألا أدلكم على ما هو أفضل أجرا من الصلاة والصيام والصدقة والزكاة)، فقالوا: ماذا يا رسول الله؟ قال: إصلاح ذات البين بين المسلمين) رواه أبو داوود والترمذي.
يقول الشافعي: ذهبت إلى العراق فتعرفت على تلميذ لأبو حنيفة وهو محمد بن الحسن؛ لأن أبو حنيفة توفي في السنة التي ولد فيها الشافعي، فأًعجب به محمد بن الحسن، ورآني ثم عدت إلى مالك.
فقال لي مالك: يا شافعي، آن الأوان أن تجلس في مكاني هذا للفُتيى. يقول: لا يا سيدي, حتى أستكمل علم العراق. ماهذا؟ هل نجد هذا في مجتمعاتنا؟ أم نجد الناس تحارب بعضها البعض من أجل الجلوس على الكرسي؟
هل رأيتم يا غرب ؟ هذه نماذج من المسلمين. هل يوجد مثل هذه النماذج في العالم؟
الهجره إلى العراق:
أراد الشافعي أن يتعلم علم الإمام أبو حنيفة، ولكنه لم يملك المال حتي يهاجر إلى العراق، فذهب لكي يعمل في اليمن عند أحد أقاربه. وأثناء سفره إلى اليمن تعلم علم الشيعة لأن الشيعة كانوا في اليمن. فدرس علم الشيعة وتتلمذ على يد تلامذة جعفر السابق، ثم وجد علما آخر يسمى "علم الفراسة" على الرغم من أن مالك كان يرفض هذا العلم لأنه ليس له أصل في الكتاب والسنة، وهو أن تنظر في وجه أي رجل تقول "هذا شجاع"، "هذا خبيث". وكان عنده الفراسة في هذا العلم، وكان بالفعل يعلم شخصية الرجل الذي يتحدث معه وأيضًا عمله.
دخل عليه رجل وكان بجانبه أستاذ علم الفراسة في اليمن، فقال له الشافعي: هيا نقول من هذا؟
فقال الرجل: هذا الرجل خياط. فقال الشافعي: هذا الرجل نجار. فسألوا الرجل عن الحرفة التي يعمل بها، فقال لهم: كنت خياطا ثم أصبحت نجارًا.
الآن، أَلَمَّ الشافعي بكثير من العلوم وهاجر إلي الكثير من البلاد لكي يتعلم العلم. بقي الذهاب إلى العراق ولكنه لا يملك المال. ماذا فعل الشافعي؟ هذا ما سوف نعلمه في الحلقة القادمة.
المصدر: http://daraltarjama.com/dt/block.php?name=e3dad_articles&item_id=1085
Daraltarjama.com©جميع حقوق النشر محفوظة
يمكن نشر ونسخ هذه المقالة بلا أي قيود إذا كانت للاستخدام الشخصي وطالما تم ذكر المصدر الأصلي لها أما في حالة أي أغراض أخري فيجب أن يتم الحصول على موافقة كتابية مسبقة من إدارة الموقع
management@daraltarjama.com :للاستعلام