بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
قانون الأمن :
أعزائي المشاهدين ... أخوتي المؤمنين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ولازلنا في قوانين القرآن ، والقانون اليوم قانون الأمن .
الأمن و الشبع أعظم نعمتين ذكرهما الله في القرآن الكريم :
بادئ ذي بدء : لقد أودع الله في الإنسان حاجة إلى الطعام والشراب حفاظاً على وجوده ، وأودع في الإنسان حاجة إلى الجنس ، أو إلى الطرف الآخر ، حفاظاً على بقاء النوع ، وأودع في الإنسان حاجة ثالثة إلى تأكيد الذات حفاظاً على تأكيد الذكر ، ولكن الحاجة إلى الطعام والشراب مقترنة بالحاجة إلى الأمن ، فأنت من خوف الفقر في فقر ، وأنت من خوف المرض في مرض ، وتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها .
لذلك حينما يمتن الله على عباده بأعظم نعمتين ذكرهما في القرآن الكريم قال :
﴿ أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾
( سورة قريش )
وأحياناً يعاقب الله المنحرفين ، والذين طغوا وبغوا بعقابين شديدين أنه يسلب منهم نعمة الأمن ، ونعمة الشبع ، قال تعالى :
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾
( سورة النحل )
إذاً هناك حاجة أساسية إلى الطعام والشراب والأمن .
تميز المؤمن وحده بنعمة الأمن :
لكن قد لا يخطر في بال الأخوة الكرام أن نعمة الأمن يتميز بها المؤمن وحده ، وليس أحد غير المؤمن ، قال تعالى :
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
( سورة الأنعام )
من خلال هذه الآية يتضح أن قانون الأمن أساسه الإيمان بالله ، الإيمان الذي يحمل على طاعته ، والإيمان الذي يمنعك أن تؤذي مخلوقاً ، وشيء آخر ألا يقع بظلم لمن حوله .
لذلك سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام جاء في القرآن على لسانه :
﴿ وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً ﴾
( سورة مريم )
فنعمة الأمن ثمنها إيمان يحمل صاحبه على الاستقامة ، والشيء الآخر أن يبتعد عن إيذاء أي مخلوق ظلماً وعدواناً .
علاج الخوف و الهلع الاتصال بالله عز وجل :
لكن حينما يقول الله عز وجل :
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾
( سورة المعارج )
أي هناك نقطة ضعف في أصل خلقه :
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾
هناك نقطة ضعف في أصل خلقه ، هذه النقطة في الأصل لصالحه
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾
ومعنى هلوعاً جاء التفسير بعدها :
﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
( سورة المعارج )
فهذا الخوف ، وهذا الهلع ، وهذا الحرص على ما في يد الإنسان علاجه الاتصال بالله عز وجل
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
فالمصلون مستثنون من هذا الحكم .
لكن كما ورد في بعض الآثار القدسية :
(( ليس كل مصلٍ يصلي إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ، وكفّ شهواته عن محارمي ، ولم يصر على معصيتي ، وأطعم الجائع ، وكسا العريان ، ورحم المصاب ، وآوى الغريب ، كل ذلك لي ، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس على أن أجعل الجهالة له حلما ، والظلمة نورا ، يدعوني فألبيه ، ويسألني فأعطيه ، ويقسم علي فأبره ، أكلأه بقربي ، وأستحفظه ملائكتي ، مثله عندي كمثل الفردوس لا يتسنى ثمرها ولا يتغير حالها ))
[ أخرجه الديلمي عن حارثة بن وهب ]
التوحيد يطرد الخوف من نفس الإنسان :
أيها الأخوة الأكارم ، حقيقة دقيقة جداً هي : لو أن الله خلق الإنسان قوياً ، لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه ، خلقه ضعيفاً ليفتقر في ضعفه فيسعد بافتقاره ، هي حكمة بالغة ، بل إن هذا الخوف والهلع الذي رُكّب في أصل خلق الإنسان هو لصالحه .
تماماً كنقطة ضعيفة في سير التيار الكهربائي في الآلة ، تسمى اليوم بالفيوز هذه النقطة الضعيفة لصالح الآلة ، لو جاء تيار شديد هذه الوصلة الضعيفة تسيح فينقطع التيار نصون هذه الآلة .
إذاً خصائص الإنسان أنه هلوع ، وأنه عجول ، وأنه ضعيف .
التوحيد يطرد الخوف من نفس الإنسان ، قال تعالى :
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾
( سورة الشعراء )
أحد أكبر العذاب أن تدعو مع الله إلهاً آخر ،
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾
فالتوحيد يطرد الخوف من قلب الإنسان ، فالمؤمن حينما يتصل بالله عز وجل يرى أن الأمر كله بيده ، هو الرافع ، هو الخافض ، هو المعز ، هو المذل ، هو المعطي ، هو المانع ، هو الذي يعطي ما يتمناه الإنسان ، هو الذي يصرف السوء عن الإنسان ، هذه المعاني التوحيدية تطرد الخوف من نفس الإنسان ، وحاجة الإنسان إلى الأمن حاجة ثابتة .
من اتبع رضوان الله عز وجل لا يضل عقله ولا تشقى نفسه :
أيها الأخوة الأحباب ، لو قرأنا قوله تعالى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
( سورة فصلت الآية : 30 )
آية رائعة ، قد لا ننتبه لدقة معانيها ،
﴿ أَلَّا تَخَافُوا ﴾
يعني في المستقبل ، و
﴿ وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
على الماضي ، فكأن هذه الآية غطت الماضي ، والمستقبل ، هناك آية أخرى :
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
( سورة طه )
لا يضل عقله ، ولا تشقى نفسه ، آية أخرى :
﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
( سورة البقرة )
لو جمعنا الآيتين الذي يتبع هدى الله عز وجل لا يضل عقله ، ولا تشقى نفسه ، ولا يندم على ما فات ، ولا يخشى مما هو آت .
ثمن الأمن أن تؤمن بالله الإيمان الذي يحملك على طاعته :
الله عز وجل حينما يقول :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
( سورة العنكبوت الآية : 45 )
وقف العلماء وقفة متأنية عند قوله تعالى :
﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
قال بعضهم : ذكر الله أكبر ما في الصلاة ، لكن بعض العلماء يقول : ذكر الله لك أكبر من ذكرك له ، إنك إن ذكرته أديت واجب العبودية تجاهه ، لكنه إن ذكرك نعمة الأمن ، أكبر عطاء إلهي أن تتمتع بالأمن ، وفرق كبير بين السلامة والأمن ، السلامة ألا يحصل مكروهاً ، لكن الأمن ألا تتوقع هذا المكروه ، حالة ينعم بها المؤمن ، وفي نفس المؤمن من الأمن ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم .
ثمن الأمن أن تؤمن بالله الإيمان الذي يحملك على طاعته ، وألا تظلم مخلوقاً عندئذٍ تتميز ، وتنفرد بهذه النعمة التي عزت على معظم الناس ألا وهي نعمة الأمن .
وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله رب العالمين