جاسم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلا ومرحبا بكم مع حلقة جديدة من برنامجكم برنامج الإعجاز الاجتماعي.
كلنا يعلم أن الإسلام قد اهتم بالفرد وقد قدم الإسلام حلولا كثيرة لعالمنا وأمتنا كلها في كيف يعيش الإنسان في بيته وفي بلده وهو مستقر وسعيد.
لقد بنى الإسلام النظام الاجتماعي بناء سليما في العلاقات كعلاقة الإنسان مع أخيه الإنسان وعلاقة الإنسان مع جيرانه وعلاقة الإنسان مع والديه وعلاقة الإنسان مع أهله بل حتى علاقة الإنسان مع نظامه السياسي والاقتصادي والبيئي.
كل هذه أحكم تنظيمها الإسلام ولهذا فإنه في الإسلام إعجاز اجتماعي في القرآن والسنة وفي كثير من الحوارات دخلتها مع الغربيين فكانوا يعجبون من قوة الإسلام ونظامه الاجتماعي ويعانون من النظام الفردي الموجود في الغرب وهناك الكثير من الأمراض الفردية والأمراض التربوية والسلوكية نشأ في الغرب بسبب هذا الفقر وهو الفقر الاجتماعي.
نحن أغنياء اجتماعيا بفضل القرآن والسنة وما فيهم من أنظمة بل إنني مرة قرأت دراسة لنجاح اليوتيوب واليو تيوب موقع الكتروني فيه مواقع للفيديو يتجمع حوله الشباب والفتيات يدخله في اليوم أكثر من ثلاثة مليون زائر وهو موقع قد ضرب الدنيا وشكل إنتاجا كبيرا ولا يوجد أحد إلا ودخله ويعتبر اليوم مرجعا لكن الدراسة التي قرأتها تتكلم عن سر نجاح هذا الموقع وربما بعضهم يستغرب كما استغربت أنا وهو إن سر نجاح هذا الموقع أنه عالج مشكلة اجتماعية يعاني منها الغرب والغرب يربي أفراده على الفردية وعلى الانطوائية وعلى أن يكون الإنسان حرا لوحده والغرب لا يدعم التجمعات والجماعات وإنما يبني الفرد على الفردية.
واليوتيوب ما الذي أحدثه...؟
إن الشباب والفتيات يريدون أصدقاء يتكلمون معهم في نفس الاهتمام فيدخلون إلى القسم الفني أو الرياضي أو السياسي أو الاقتصادي ويتجمعون حول بعض اللقطات من الفيديو فيتداولون الحديث حوله والخبرات والتجارب والخيارات ومنها نجح الموقع وهكذا فإن نجاح الموقع بسبب الدردشة الموجودة والتفاعل الموجود على لقطات من الفيديو.
ولهذا فإن الدراسة تؤكد بأن هذه العلاقة الاجتماعية التي بناها الموقع ما بين رواد الشباب والفتيات هي سر النجاح.
وهكذا فإن الإسلام عندما قدم هذه المنظومة العظيمة الإعجاز الاجتماعي في القرآن والسنة هناك إعجاز على مستوى الأمة وإعجاز على مستوى المجتمع وإعجاز على مستوى الأسرة لكن ما الذي أحدثه حبيبنا محمد عليه السلام من إعجاز اجتماعي على مستوى الأمة...؟
د. زغلول: عندما جاء المصطفى عليه السلام كانت البشرية قد فقدت كل الصلة بالسماء وقد فقدت الصلة بالهداية الربانية وعاشت بتصورات بشرية فضلت وأضلت وكثرة المظالم ملأت المظالم الأرض كما نراها في أيامنا هذه.
لقد جاء المصطفى عليه السلالم ليدعو إلى مكارم الأخلاق ويدعو إلى فهم الإنسان لحقيقة رسالته في هذه الحياة عبدا لله الذي خلقه لرسالة محددة وهذه الرسالة هي عبادة الله تعالى بما أمر وحسن القيام بأداء واجبه في الأرض من أداء عمارتها وإقامة شرع الله وعدله فيها.
وجاء الرسول عليه السلام ليدعو الناس على الدين الذي علمه الله تعالى لأبينا آدم عليه السلام لحظة خلقه وهو الإسلام والدين الذي أنزله على عدد كبير من أنبيائه ورسله ثم أكمله الله تعالى وأتمه بخاتم الرسل عليه السلام.
لهذا نحن نجد بأن الدين الإسلامي قد اهتم بالنظام الاجتماعي وببناء الأسرة المسلمة وبعلاقة الأقرباء بعضهم لبعض والمواطنين بعضهم ببعض واهتم برفع قيمة الإنسان إلى مقامات التكريم التي كرمه الله تعالى بها وكان الإنسان قد انحط انحطاطا كبيرا.
والإنسان لا يصل إلى مقامات التكريم إلا إذا فهم من هو ومن خالقه ومن الذي أرسله إلى هذه الحياة وما هي رسالته فيها وكيف يمكن له أن يحقق هذه الرسالة على الوجه الأكمل والأمثل ثم ما هو مصيره بعد هذه الحياة.
لذلك جاء الرسول عليه السلام بنقلة نوعية لبشرية وبرفع الإنسان إلى مقامات التكريم التي كرمه بها ربنا تعالى فقال عليه السلام إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.
ومن مكارم الأخلاق المحافظة على الأسرة وعلى النفس والعقل والمال وعلى علاقات الناس بعضهم البعض والمحافظة على بناء مجتمع إنساني يسعى إلى الكمال.
جاسم: فالنبي الكريم إذن أحدث ثورة كبيرة وتغيير كبير من خلال النظام الاجتماعي الذي كان عند العرب على مستوى الأمة والنبي الكريم نقل مستوى الأمة كلها من التبعة إلى القيادة والريادة وهذا بحد ذاته إعجاز فاليوم الأمم والحضارات كلها تحارب من أجل هذا.
كيف كانت الصين وكيف الصين اليوم وكيف كانت كوريا وكيف كوريا اليوم وكيف كانت اليابان من قبل وكيف يابان اليوم بل كيف كانت ماليزيا وكيف هي اليوم.
إن كل الحضارات وكل الدول تجاهد جهادا مريرا أن تنتقل من التبعية إلى القيادة والريادة ولا شك أن هذا هو محور مفصلي في نهضة أي أمة.
والنبي الكريم قدم هذا النموذج لنا من خلال هذا التغيير الذي أحدثه في الأمة فقد نقل العرب من التبعية والتقليد إلى الريادة والقيادة في فترة زمنية وجيزة.
لا شك أن هذا إعجاز اجتماعي عظيم بل إن النبي الكريم نقل الأمة من الجهل والتخلف إلى العلم والحضارة والتقدم والنبي الكريم قبل أن يفتح البلدان فتح القلوب وهذا ما نسميه بالفتح الاجتماعي.
من يتخيل أن النبي الكريم سيد الخلق عليه الصلاة والسلام وهو رئيس الدولة درعه مرهون عند يهودي إنه موقف ليس ببسيط ثم إن اليهودي لم يأخذ الدرع خوفا من بطش النبي عليه السلام إنما الدرع مرهون عنده مقابل شعير.
واليوم إذا قلنا إن رئيس دولة يرهن سلاحه أو بدلته عند أحد المسلمين لا يصدق أحدنا هذا الكلام.
ما معنى هذا الكلام....؟
معنى هذ1ا الكلام أن النبي عليه السلام فتح القلوب قبل أن يفتح البلدان ومعنى هذا الكلام أن هناك إعجاز اجتماعي في المنظومة التي أورثها النبي للأمة ومعنى هذا الكلام أن اليهودي محب للنبي عليه السلام وإلا فمن حقه أن يرفض ومعنى هذا أن اليهودي يعيش في أمن وأمان من حكم النبي عليه السلام وإلا من حقه أن يرفض وكل هذا ولم يكن الرهن مجانا بل هو شعير مقابل درع وهذا هو ما أحدثه النبي في الأمة.
د. زغلول: أذكر أني قابلت أستاذا بالتاريخ أمريكي من الله عليه بالإسلام وحينما سألته كيف أسلمت قال أسلمت عندما قرأت وصف السيدة خديجة لرسول الله يوم أن عاد لأول مرة لتلقيه الوحي وقد عاد فزعا لأنه كان بمفرده ورأى جبريل لأول مرة ولم يتوقع ذلك فرجع وهو في حالة من الفزع فقالت له خديجة والله لن يخذلك الله أبدا فإنك تصل الرحم وتقري الضيف وتحمل الكل وتعين على نوائب الدهر.
يقول إنها امرأة عاشت مع زوجها قرابة عشرين سنة والإنسان ل يستطيع أن يتجمل داخل بيته وقد يتجمل خارج البيت أما داخل البيت فلا يستطيع أن يخفي عيوبه لأن كل إنسان فيه عيوب فنقول زوجة تصف زوجها بعد عشرين سنة بهذا الوصف الذي تصل به إلى الكمال البشري لا بد أن هذا كان إنسانا غير عادي ومتميز فبدأت أقرأ في سيرة النبي عليه السلام ومن هنا كان مدخلي إلى الإسلام.
لذلك كانت الفتوحات الإسلامية كلها قائمة على تكريم الإنسان لأن الإنسان إذا ترك بمعزل عن ربه فسيصبح أحقر من الدابة التي يسوقها أو التي يركبها فجاء الرسول عليه السلام بالفتوحات ليس من أجل المكاسب المادية ولا الغزو كما تقوم الدول الكبرى في هذه الأيام ولا من أجل استغلال الاقتصادي أو نهب الثروات المحلية إنما جاء من أجل بناء الإنسان ولهذا كان هدف كل الفتوحات الإسلامية بناء الإنسان.
لم ينتشر الإسلام بحد السيف كما يدعي أعداء الإسلام ولو انتشر بحد السيف ما بقي بين ظهراني المسلمين يهودي واحد ولا نصراني واحد ولكن عاشوا عبر العصور بيننا وحقوقهم محفوظة كمواطنين ولكن الذي أريد قوله كان هدفا لأي فتح إسلامي وهو تعليم الإنسان من هو ومن خالقه ومن الذي أرسله إلى هذه الحياة وما هي رسالته فيها وكيف يمكن له أن يحقق هذه الرسالة على الوجه الأكمل والأمثل ثم ما هو مصيره بعد هذه الحياة.
والإنسان بدون ما ذكرته ينحط إلى مستوى أدنى من مستوى الحيوان لأن الحيوان يعرف خالقه بالإلهام والفطرة والإنسان محتاج لهذا التعليم.
جاسم: من كان يتوقع أن دكتورا أمريكيا يسلم على يد السيدة خديجة رضي الله عنه لا شك أن الكلمات التي قالتها للحبيب محمد عليه السلام عندما نزل عليه الوحي كلمات مؤثرة وكلمات تساهم في تثبيته ماذا قالت.....؟
لقد قالت : كلا لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الدهر.
لقد تأملت هذه الكلمات فوجدتها كلها في القضية الاجتماعية دعنا نأخذها واحدة تلو الأخرى:
أولا قالت لا يخزيك الله أبدا لماذا لا يخزيه الله أولا لأنك تصل الرحم وصلة الرحم نظام اجتماعي وتحمل الكل نظام أيضا اجتماعي وتكسب المعدوم أي يعطي الفقير نظام اجتماعي وتقري الضيف وهو من النظام الاجتماعي وتعين على نوائب الدهر أي قضاء حاجة الناس وهذا نظام اجتماعي.
إذن كل هذه الخدمات الاجتماعية التي قدمها النبي عليه الصلاة والسلام وهي من صفاته وأخلاقه كانت كفيلة على أن الله تعالى يحميه وهذه رؤية واضحة كانت عند السيدة خديجة أي أنها رضي الله عنه وهي تقول هذا الكلام وكأن شريط الحياة قد مر أمامها وهي تشاهد ذلك الفيلم من أول ما خطبت النبي ثم تزوجها النبي وهو في عمر الخامسة والعشرين والآن في عمر الأربعين وهذا يعني أن الخمسة عشر عاما مرت كلمح البصر أمام السيدة خديجة وعرضت سيرته الذاتية وهي السيرة الاجتماعية بأنه يعطي الفقير ويساعدهم ويقري الضيف ولهذا قالت من كانت هذه أعماله فإن الله تعالى لن يخزيه.
ولهذا أسلم الدكتور الأمريكي على قضية عرضتها السيدة خديجة ولا شك بأن هذا إعجاز اجتماعي لا بد أن نلتفت له.
د. زغلول: هذه التربية الإنسانية التي نقل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم المجتمع العربي من البداوة بما فيها من غلظة وقسوة وحدة واعتزاز بالنفس وشيء من الأنانية بما فيها من صفات حميدة.
فهو حافظ على كل الصفات الحميدة التي كانت في المجتمع العربي كالكرم شجع عليه والشجاعة والغيرة على العرض شجع عليه لكنه نزع من العرب كثيرا من الصفات السيئة وغرس فيهم كثيرا من الفضائل التي لم يكونوا يعرفونها ولهذا أذكر أنه في صلح الحديبية منع كفار قريش من الطواف بالكعبة وأرسل رسول الله عثمان بن عفان ليفاوض قريشا وأشيع أن عثمان قتل والكفار قالوا لعثمان إذا أردت أن تطوف بالبيت فطف به إلا محمدا لا يطوف به فقال والله لا أطوف بالبيت إلا أن يطوف به محمد عليه السلام.
هذه صورة من صور حب الصحابة للنبي عليه السلام ثم أرسلت قريش وفدا ليفاوضوا الرسول عليه السلام وعاد رئيس الوفد يقول لقريش يا معشر قريش والله إني زرت قيصر في ملكه وكسرى في ملكه والنجاشي في ملكه فلم أر قوما يحبون زعيمهم كما رأيت أصحاب محمد يحبون محمدا صلى الله عليه وسلم.
وهكذا فإن هذا الحب لم يأت من فراغ إنما جاء مما غرس رسول الله وربى أصحابه عليه من القيم العليا ومما رؤوا فيه من الكمال البشري فأحبوه وكان هذا الحب يتراءى في كل موقف من المواقف.
ترى الصحابة يتسابقون إلى إكرام النبي عليه السلام وحمايته والدفاع عنه ولهذا أقول إن النبي عليه السلام جاء ليدعو إلى مكارم الأخلاق وكان يعتبر الدين حسن الخلق ويقول البر حسن الخلق ويقول لا دين لمن لا خلق له ينفي الدين عن صاحب الخلق الدين مهما صام وحج واعتمر فالأصل في العبادة أنها وسيلة تربية للذات الإنسانية فإذا لم تكن هذه العبادة ذات نتاج فهناك خلل ما.
لهذا نقول إن أعظم ما قدمه للبشرية أنه أعاد للإنسان مرة أخرى كرامة الإنسان التي خصه الله تعالى بها ومن هذه الكرامة ليس فقط الالتزام القيم الأخلاقية العليا والضوابط العليا بل فهم الإنسان لرسالته في هذه الحياة أنه عبد لله ومطالبا بعبادة الله بما أمر ومستخلفا في الأرض ومطالبا بعمارتها وإقامة شرع الله وعدله فيه.
جاسم: في يوم من الأيام وأنا في الطائرة فإذا بقربي رجل أجنبي وجرى حوار بيننا فتكلمنا عن الإسلام وكان يسأل أسئلة كثيرة عن الإسلام وبعد حوار طال أكثر من ساعة قال لي يلفت نظري أن عدد الذين يدخلون الإسلام بدأ يزداد فقلت له هل تعرف ما الذي يلفت نظري قال لا قلت له على الغرم من تشويه وسائل الإعلام للإسلام وعلى الرغم من أن هناك دعاة ينشرون الإسلام بطريقة خاطئة وعلى الرغم من وجود وسائل غير شرعية تدمر وتفجر وفيها نوع من التطرف والإرهاب في نشر الإسلام على الرغم من هذا كله إلا أن عدد من يدخل في الإسلام في ازدياد.
فكيف لو كان من يعمل في الدعوة ونشر الإسلام يعمل على حق وينشر الإسلام بالعدل وفي الرحمة وينشر الإسلام بمنهج الاعتدال ومنهج الوسطية.
كيف تتوق عدد من يدخل الإسلام فسكت وكررت عليه السؤال مرة أخرى وقلت له سنويا يدخل من أمريكا الإسلام عشرين ألف شخص وسنويا يبنى في إيطاليا مائة مصلى ومسجد جديد.
إذن هناك أرقام كثيرة وفي ازدياد ومع هذا نلاحظ تشويه وسائل الإعلام والله يتم نوره.
نحن اليوم بحاجة لأن نعرض قوة القرآن من خلال لغة الإعجاز سواء الإعجاز العلمي أو التاريخي أو الطبي ومنها الإعجاز الاجتماعي لو تترجم هذه العلوم وتنشر في بقاع الأرض لا شك أن هناك من سيتأثر ويقف أمام العلم ولغة المنطق ولا يملك إلا أن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله.
المصدر: http://www.iqraa-tv.net/library/AlEjazAlItamee/AlEjazAlItamee5.doc