بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
قانون التمايز :
أعزائي المشاهدين ... أخوتي المؤمنين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، لازلنا في قواعد القرآن الكريم ، والقانون اليوم : ( قانون التمايز )
المفارقة الحادة والتناقض المريع بين المؤمن وغير المؤمن :
في القرآن الكريم آيات كثيرة تبين المفارقة الحادة والتناقض المريع بين المؤمن وغير المؤمن ، لئلا يتوهم الناس أن الفرق بينهما فرق عبادات ، الحقيقة أن الفرق جوهري يصل إلى بنية الإنسان ، إلى أنماط تفكيره ، إلى قيمه ، إلى مواقفه ، إلى انضباطه ، إلى التزامه ، لذلك قال تعالى :
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً ﴾
( سورة السجدة الآية : 18 )
لعل ذهن الإنسان ينصرف حينما بدأ قوله تعالى :
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً ﴾
كمن كان غير المؤمن لكن جاء بديل غير المؤمن بأنه فاسق ، ومن لوازم البعد عن الله الفسق .
أيها الأخوة الأحباب ، هذه الآيات التي تبين المفارقة الحادة والتناقض المريع بين المؤمن وغير المؤمن ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار ، الفرق كبير ، الفرق جوهري ، الفرق في البنية ، الفرق في المواقف ، في الالتزام ، في المبادئ ، في القيم ، المؤمن يعطي ، ولا يأخذ ، وغير المؤمن يأخذ ولا يعطي ، المؤمن يعيش للناس ، غير المؤمن يعيش الناس له ، المؤمن يملك القلوب ، غير المؤمن يملك الرقاب .
البشر على اختلاف أنواعهم و مذاهبهم عند الله عز وجل نموذجان لا ثالث لهما :
1 ـ نموذج عرف الله فانضبط بمنهجه وأحسن إلى خلقه فسلم وسعد في الدنيا والآخرة :
أيها الأخوة الأحباب ، آيات كثيرة تتحدث عن المفارقة الحادة والتناقض المريع بين من عرف الله ، ومن لم يعرف الله ، بل إن الحقيقة الكبرى أن البشر على اختلاف أنواعهم ، وأجناسهم ، وأعراقهم ، وأنسابهم ، وطوائفهم ، واتجاهاتهم ، ومذاهبهم ، هم عند الله عز وجل نموذجان لا ثالث لهما ، نموذج عرف الله فانضبط بمنهجه ، وأحسن إلى خلقه ، فسلم وسعد في الدنيا والآخرة ، ونموذج غفل عن الله ، وتفلت من منهجه ، وأساء إلى خلقه فشقي وهلك في الدنيا والآخرة ، يؤكد هذا المبدأ قوله تعالى :
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
( سورة الليل )
هذا النموذج الأول ، الرد الإلهي :
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
( سورة الليل )
من هو النموذج الأول ؟
﴿ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
صدق أنه مخلوق للجنة ، فاتقى أن يعصي الله ، وبنى حياته على العطاء ، فاستحق السلامة والسعادة في الدنيا والآخرة .
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
( سورة الليل )
2 ـ نموذج غفل عن الله وتفلت من منهجه وأساء إلى خلقه فشقي في الدنيا والآخرة :
و نموذج بنى حياته على الأخذ ، واستغنى عن طاعة الله لأنه كفر بالآخرة وآمن بالدنيا ، الرد الإلهي :
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾
( سورة الليل )
إذاً فرق حاد ، وتناقض مريع بين حياة المؤمن وحياة غير المؤمن .
الإيمان سور وسياج للإنسان :
أحياناً الإنسان إذا غفل عن الله ، ونسي أن هناك إلهاً عظيماً سيحاسبه ، وكان هذا الإنسان قوياً يستخدم قوته لابتزاز أموال الناس ، بانتهاك أعراضهم ، بأخذ ما ليس له ، وكأنه في الحقيقة مجرم بسبب قوته ، من هنا قال عليه الصلاة والسلام :
(( المؤمن القويُّ ))
[أخرجه مسلم عن أبي هريرة]
ما قال القوي ، قال :
(( المؤمن القويُّ ))
لأن الإيمان يضبط الإنسان ، الإيمان سور وسياج للإنسان .
(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف ))
فلذلك :
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً ﴾
الآية الثالثة :
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
( سورة الجاثية )
لا شك أن الآخرة فيها تمايز واضح ، لكن هذه الآية تشير إلى الدنيا ، إلى حياة المؤمن ، إلى سمعته ، إلى زواجه ، إلى تربية أولاده ، إلى اختيار زوجته ، إلى اختيار حرفته .
استواء المؤمن مع الفاسق لا يتناقض مع عدل الله فحسب بل يتناقض مع وجوده :
هناك فرق جوهري وحاد بين حياة المؤمن ، وحياة غير المؤمن ،
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ـ ندقق في هذه الكلمة ـ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ ﴾
دنياهم ، المؤمن له مكانته ، له سمعته ، له حفظه من الله عز وجل ، له تأييده ، له توفيقه ، له محبته ، يعيش حياة ممتلئة بالود والحب ، يحسن اختيار زوجته ، يحسن تربية أولاده ، يحسن اختيار حرفته ، لذلك :
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
بل إن الإنسان قد يعجب أنه مستحيل ، وألف ألف ألف مستحيل أن يستوي عند الله مؤمن وغير مؤمن ، محسن ومسيء ، منصف وظالم ، مقصر ومجتهد ، أن يستوي هؤلاء مع هؤلاء ، هذا لا يتناقض مع عدل الله فحسب ، بل يتناقض مع وجوده .
فلذلك مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تكون حياة المؤمن بكل تفاصيلها كحياة غير المؤمن بكل تفاصيلها .
لذلك :
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
العبرة بالنتيجة :
أيها الأخوة الكرام ، لو نظرنا إلى المصير ، المؤمن يعيش مع غير المؤمن ، يعيش في أرض واحدة ، وفي بلد واحدة ، وفي ظروف واحدة ، وفي معطيات واحدة ، وفي ضغوط واحدة ، وفي مغريات واحدة ، وفي صوارف واحدة ، لكن ما مصير هذا ؟ وما مصير هذا ؟ قال تعالى :
﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
العبرة بالنتيجة ، لذلك قال تعالى :
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً ﴾
( سورة القصص الآية : 61 )
إله عظيم خالق السماوات والأرض يعد المؤمن بجنة عرضها السماوات والأرض ، يعد المؤمن بعطاء كبير ، يبدأ من لحظة إيمانه واستقامته ، ويستمر إلى أبد الآبدين ، الآية الكريمة :
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾
( سورة القصص )
هذا مثل هذا ؟ هل يستويان ، هل يصح أن يسوى إنسان عاش سنوات معدودة في بحبوحة ، وفي بذخ ، وفي إسراف ، وفي علو في الأرض ، وفي غطرسة ، وفي استعلاء ، مع إنسان استحق الجنة إلى أبد الآبدين ، هل يوازن الأول مع الثاني ؟
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾
الناجي يوم القيامة من أوتي كتابه بيمينه واستحق دخول الجنان :
أيها الأخوة الكرام ، هناك مفارقات طويلة ، وكثيرة في القرآن الكريم بين أهل الإيمان ، وأهل العصيان ، الله عز وجل يقول :
﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ﴾
( سورة الحاقة الآية : 19 )
كان ناجياً يوم القيامة ، استحق دخول الجنان .
﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ﴾
( سورة الحاقة )
كتاب أعمالي .
﴿ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾
( سورة الحاقة )
مرة سُئل طالب حقق الدرجة الأولى في الشهادة الثانوية ، كيف نلت هذا المجموع ؟ قال : لأن لحظة الامتحان لم تفارق مخيلتي ولا ثانية في أثناء العام الدراسي
﴿ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾
﴿ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾
( سورة الحاقة )
هذا مشهد من مشاهد أهل الجنة .
من آمن بالله العظيم حُجب عن كل معصية لا تليق به :
أما المشهد الثاني :
﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾
( سورة الحاقة )
آمن بالله خالقاً كم آمن إبليس ، قال ربي :
﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾
( سورة ص الآية : 82 )
لكنه ما آمن بالله العظيم ، لذلك لو تفكر الإنسان في خلق السماوات والأرض لو تفكر في هذه المجرات ، لو تفكر في هذه الكواكب ، لو تفكر في طعامه ، في شرابه ، في الأمطار ، في البحار ، في البحيرات ، في النباتات ، في الأسماك ، في الأطيار ، في الإنجاب ، في الولادة ، في خصائص الجسم ، لعرف الله عز وجل ، وآمن بالله العظيم ، وإيمانه بالله العظيم ربما حجبه عن معصية لا تليق به .
لذلك قيل : لا تنظر لصغر الذنب ، ولكن انظر على من اجترأت .
أهل الإيمان يؤيدهم الله و يرفع ذكرهم و أهل الفسوق تسود وجوههم و يخفض ذكرهم :
أيها الأخوة :
﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 106 )
لو انتقلنا إلى الدار الآخرة :
﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
( سورة آل عمران )
هذه بعض الآيات أيها الأخوة ، ذكرت بعض الآيات ، وما أكثر الآيات التي تتحدث عن المفارقة ، والموازنة ، والمقارنة بين أهل الإيمان وأهل الكفر والعصيان ، جعلنا الله جميعاً من أهل الإيمان ، لأن الله سبحانه وتعالى أعطاهم ، وكرمهم ، ورفع ذكرهم ، وحفظهم وأيدهم ، ونصرهم .
أيها الأخوة الأحباب إلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والحمد لله رب العالمين