بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أكبر خطر يتهدد الإنسان أن تأتي حركته بعيدة عن منهج الله تعالى :
أعزائي المشاهدين ... أخوتي المؤمنين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، لازلنا في قوانين القرآن الكريم ، والقانون اليوم : ( قانون قبول العمل )الإنسان أيها الأخوة ، ما الذي يحركه ؟ أودع الله فيه الشهوات ، ليرقى بها صابراً أو شاكراً إلى رب الأرض والسماوات ، أودع فيه حاجة إلى الطعام والشراب ، هو إذاً يتحرك ليأكل ، أودع فيه رغبة في الطرف الآخر ، يتحرك ليزوج ، أودع فيه رغبة في تأكيد الذات ، هذه الحاجات الأساسية التي أودعها الله في الإنسان تجعله كائناً متحركاً ، لكن هذه الحركة إما أن تكون وفق تعليمات الصانع ، وفق منهج الله ، أو أن تكون حركة لا تنضبط بمنهج الله.
فالذي يؤكد خطورة هذا التحرك هو مدى مطابقته لمنهج الله ، مثلاً الله عز وجل حينما يقول :
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾
( سورة الكهف )
هؤلاء يتحركون ، ولكن يتحركون بخلاف منهج الله ، إذاً لا يحققون لا سلامتهم ولا سعادتهم .
إذاً أكبر خطر يتهدد الإنسان أن تأتي حركته بعيدة عن منهج الله ، لذلك الإنسان لا يسلم ، ولا يسعد إلا إذا جاءت حركته متوافقة مع الأمر والنهي الذين هما من عند خالق السماوات والأرض .
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
( سورة فاطر )
العلاقة بين الأمر والنهي علاقة علمية :
أيها الأخوة ، الله عز وجل يقول :
﴿ أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 102 )
يعني اتقوا أن تعصوه ، و
﴿ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾
أن تطيعه أيها الإنسان فلا تكفره ، وأن تذكره فلا تنساه ، وأن تشكره فلا تكفره ، إذاً حق التقوى أن تكون طائعاً ، وذاكراً ، وشاكراً ، فالإنسان حينما يقصر بذكر الله يشعر بالكآبة ، والضيق ، والضياع ، والإحباط ، وحينما يقصر بذكر الله يؤدبه الله عز وجل ، وحينما يقصر بطاعة الله يكون قد خالف تعليمات الصانع ، لأن العلاقة بين الأمر والنهي علاقة علمية بمعنى أن الطاعة في بذور النتائج ، وأن المعصية فيها بذور النتائج .
ثمن الجنة التناقض بين الطبع والتكليف :
أيها الأخوة الكرام ، الله عز وجل يقول :
﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾
( سورة الحج الآية : 78 )
يعني أن تحمل نفسك على طاعة الله ، لأن الله سبحانه وتعالى أودع فيك طبعاً وكلفك تكليفاً ، فالطبع مناقض للتكليف ، أودع فيك حبّ الراحة ، والاسترخاء ، والنوم ، وكلفك أن تستيقظ على صلاة الفجر ، أودع فيك رغبة في أخذ المال ، وكلفك أن تنفقه ، أودع فيك رغبة أن تملأ عينيك من محاسن المرأة والتكليف أن تغض البصر ، هذا التناقض بين الطبع والتكليف هو ثمن الجنة .
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
( سورة النازعات )
من لوازم قبول العمل أن يكون خالصاً لوجه الله و صواباً :
لكن من لوازم قبول العمل كما قال الله عز وجل :
﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ﴾
( سورة الإسراء الآية : 19 )
لم يقل وسعى لها ، قال :
﴿ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ﴾
السعي الخاص ، السعي المطلوب ، السعي الذي يحقق نتائج باهرة .
﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً ﴾
( سورة الإسراء )
إذاً كما نقول لكلية الطب علاماتها ، ما كل طالب ينال شهادة ثانوية يسمح له بدخول كلية الطب ، فلابدّ من مجموع خاص ، وهذا معنى
﴿ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ﴾
لذلك الله عز وجل يقول :
﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ﴾
( سورة النساء الآية : 123 )
والأماني بضائع الحمقى ، والله سبحانه وتعالى لا يتعامل مع تمنيات الإنسان إطلاقاً بل يتعامل مع صدقه في الطلب ، والله عز وجل يقول :
﴿ كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ﴾
( سورة الإسراء )
أيها الأخوة الأحباب ، الله عز وجل يقول :
﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ ﴾
( سورة النمل الآية : 14 )
متى يرضى الله عن العمل ؟ قال العلماء : يرضى الله عن العمل ويقبله ، ويثيب عليه ، ويحفظ صاحبه ، ويوفقه ، ويلهمه الحكمة ، والسداد ، والرشاد ، والأمن ، والطمأنينة ، إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة .
قانون قبول العمل مهم جداً في حياة كل إنسان :
لذلك ما كل عمل يقبله الله عز وجل ، هناك بعض البدع ، كأن تقول حفل غنائي ساهر يرصد ريعه للأيتام ، هذا عمل ليس وفق منهج الله ، مع أن نيته فيما يبدو العمل الصالح ، أو أن تقول يانصيب خيري ، فالعمل لا يقبل عند الله إلا إذا كان خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة ، فهذا من أجل أن نوفر أوقاتنا ، وجهدنا ، وألا تنطبق علينا الآية المؤلمة ، لمن تنطبق عليه :
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾
فلابدّ من التأكد من صواب العمل ، هل يوافق السنة ؟ هل يوافق منهج الله عز وجل ؟ هل يرضي الله عز وجل ؟ هل يقبله الله عز وجل ؟ هل في هذا العمل إيذاء للآخرين ؟ هل في هذا العمل ابتزاز لأموالهم ؟ هل في هذا العمل عدوان على أعراضهم ؟ هل في هذا العمل أخذ ما ليس أن تأخذه ؟
فلذلك قانون قبول العمل مهم جداً في حياتنا ، ما منا واحد إلا ويتحرك ، يتحرك بحكم الدوافع التي خلقها الله فيه ، ولكن هذه الحركة إما أن تأتي وفق منهج الله ، فتكون السلامة ، والسعادة ، والتفوق ، والسرور ، وإما أن يكون الإحباط ، والإخفاق ، والبعد عن الله عز وجل ، والشعور بالبعد ، والشعور بالشقاء .
من علامات الإخلاص في العمل :
1 ـ عدم تغير العمل إن كنت وحدك أو أمام الناس :
أيها الأخوة الكرام ، شيء آخر : العمل متى يقبل ؟ قال تعالى :
﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ﴾
( سورة الزمر )
ما الإخلاص ؟ أن تبتغي بهذا العمل وجه الله ، بل ما علامات الإخلاص ؟ علامات الإخلاص أيها الأخوة ، أن لا يتغير العمل ، وأنت تعمله أمام الناس ، أو تعمله وحدك في البيت ، ليس هناك فرق بين خلوتك وجلوتك ، ولا بين سرك وعلانيتك ، ولا بين العمل الذي تفعله تحت ضوء الشمس ، أو في مكان خافت ، خافت الإضاءة ، العمل واحد لا يزيد ولا ينقص ، ولا يتأثر ، ولا يتبدل ، ولا يعدل ، ولا يضاف عليه في خلوتك ، وفي جلوتك ، في سرك ، وفي علانيتك ، في باطنك ، وفي ظاهرك ، هذا من علامات الإخلاص .
2 ـ عدم زيادة العمل بالمديح و نقصانه بالذم :
وعلامات الإخلاص أيضاً تؤكد أن العمل لا يزيد بالمديح ، ولا ينقص بالذم ، هذا أيضاً من علامات الإخلاص .
3 ـ الشعور بالسكينة بعد هذا العمل :
من علامات الإخلاص أنك تشعر بعد هذا العمل بالسكينة ، والسكينة شعور لا يوصف ، تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء .
بطولة الإنسان أن تأتي حركته وفق منهج الله و يكون عمله مقبولاً :
أيضاً أيها الأخوة ، نحن حينما نقرأ قوله تعالى :
﴿ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ﴾
( سورة الأنعام )
معنى ذلك أنه من عرف نفسه ما ضرته مقالة الناس به ، وإذا لم تستحِ من الله فاصنع ما تشاء ، لذلك يقول الله عز وجل :
﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾
( سورة الزمر الآية : 3 )
لا يكون الدين مقبولاً عند الله إلا إذا كان خالصاً ، وصواباً ، يقول عليه الصلاة والسلام :
(( والله لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر واعتكافه في مسجدي هذا ))
[ الترغيب والترهيب عن ابن عباس بسند ضعيف]
بل من شدة الورع الذي علمنا إياه النبي عليه الصلاة والسلام بعض العلماء فهموا من أقوال النبي المتعددة ، فقالوا هذا القول الرائع ، قال :
(( والله لترك دانق من حرام ـ قال العلماء : الدانق سدس الدرهم ـ ترك دانق من حرام ، خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام ))
إذاً البطولة أيها الأخ الكريم أن تتحرك لكن أن تأتي الحركة وفق منهج الله ، وأن يكون العمل مقبولاً ، إن في إخلاصه ، وإن في مطابقته لمنهج الله عز وجل ، وهنيئاً لمن جاء إلى الدنيا ، وعمل صالحاً ، وقبِل الله هذا العمل ، فسلم في الدنيا وسعد ، وسمح الله له أن يكون من أهل الجنة .
على الإنسان ألا يعبأ برأي الناس إن كان عمله عند الله مقبولاً و صالحاً :
يقول عليه الصلاة والسلام في حديث صحيح :
(( إذا لم تَسْتحِ فَافْعلْ مَا شِئْتَ ))
[أخرجه البخاري وأبو داود عن أبي مسعود الأنصاري ]
قد يفهم بعضهم من هذا الحديث أنه متعلق بالحياء ، ولكن الحديث له أبعاد دقيقة يعني إذا كان هذا العمل وفق منهج الله ، ويرضي الله ، المجتمع الذي تعيش به لا يقبل هذا العمل ، فلا تعبأ برأي الناس فيك ، البطولة أن يكون العمل عند الله مقبولاً ، وأن يكون العمل صالحاً وفق تعليمات الصانع ، ووفق منهج الله .
(( إذا لم تَسْتحِ فَافْعلْ مَا شِئْتَ ))
[أخرجه البخاري وأبو داود عن أبي مسعود الأنصاري ]
ولا تعبأ بكلام الناس المثبطين ، الذين تحكمهم عادات وتقاليد .
أيها الأخوة الأحباب ، إلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والحمد لله رب العالمين