خل الذنوب كبيرها
وصغيرها ذاك التقى..
واصنع كماش فوق أرض الشوك
يحذر ما يرى..
لا تحقرن صغيرة
إن الجبال من الحصى..
نعم مدرسة رمضان.. الهدف الأساسي منها أن نتخرج من هذه المدرسة بشهادة التقوى.. علينا أن نملك قلب تقي.. كيف يطلب الله -سبحانه وتعالى- منا ذلك، ولم يؤهلنا؟
فهذه مدرسة تأهيلية، وتدريبية لكي نحصل على هذا القلب.. القلب التقي الذي هو بمثابة الملك للجنود.. فهو ملك الجوارح يأمر الجوارح، وينهاها على ما يكون فيه من تقوى أو عدا ذلك.. حتى إن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن المسلم المسدد ليدرك درجة الصوام القوام بآيات الله عز وجل لكرم ضريبته وحسن خلقه"
إذن لا ينفع الصائم القائم وهو سيء الخلق.. لا ينفع الصائم القائم الذي يشتم، ويلعن، ويشين النفس لأهله، وأبنائه، وزوجته.. لا ينفع، ولا يستوي.. إنما هذه مدرسة مكارم أخلاق لا يستوي من يقصر، ويمتنع عن الطعام، ولا يمسك نفسه عن باقي المحرمات.
يقول علي (رضي الله عنه) ليس الصيام من الطعام، والشراب، ولكن من الكذب، والباطل، واللغو كيف نتخرج من هذه المدرسة؟
الآن ونحن متفوقين ليس فقط ناجحين.. إنما متفوقين بقلب تقي يعيننا طول العالم إلى رمضان القادم علينا أن نفقه هذه العبادات، وتأثيرها النفساني على سلوكياتنا. هذا التأثير العظيم هي بمثابة دورات..
الآن تدرس دورة تسمى التعامل مع الذات التفقه في الذات.. السيطرة على الذات كيف تسيطر على انفعالاتك؟ سميها ما تشاء.. إنما الله -سبحانه وتعالى- جعلها في هذه العبادات، ولعل القائلين في علم النفس يتعجبون، ويستبشرون لعظمة هذا الدين الذي جعله الله -سبحانه وتعالى- يهذب هذه النفس، ويقوم هذه النفس البشرية..
خلوكم معانا بعد الفاصل لنرى ما هي المواقف التي نعيش فيها في الحياة، وتتكون من فاعل، وفعل، وانفعال، وتفاعل، وكيف نوظف هذه الاجتهادات النفسانية في مدرسة رمضان لتقوم سلوكنا، ونتخرج منها متفوقين بقلب تقي..
خلوكم معنا بعد الفاصل، ونواصل.
فاصل
*************************************************
في مدرسة رمضان نتعلم الإمساك.. عندما أقول: أمسك نفسك عن الغضب.. عن الشتم.. عن الغيبة.. عن باقي المحرمات.
الأصل في رمضان الإمساك.
إذن عندما أني أقدر أمسك عن الطعام.. كيف لا أستطيع أن أمسك نفسي عن الغضب، وعن باقي المحرمات؟
فمجرد إمساكي عن الطعام، وعن هذه الشهوات هي تدريب على إني أستطيع أن أسيطر على انفعالاتي، وأسيطر على سلوكياتي مع نفسي.. في الدرجة الأولى، ومع الآخرين في رمضان..
الصيام لغة: هو الإمساك.
وشرعا: الإمساك عن الأكل، والشرب، وسائر المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس.
وفي تعريف آخر: إمساك مخصوص.. في زمن مخصوص.. بشرائط مخصوصة..
حتى الأطفال عندما نريد أن نشركهم هذه العبادة، ونفقههم في الهدف من هذه العبادات.. نحفظهم حتى تعريف، والهدف من رمضان.
فنقول لهم مثلا رمضان يا حبيبي هو أن تحفظ ما تأكل.. ما تشرب حتى يأذن المغرب حتى بأغنية معينة.. حتى بقصة معينة.. حتى إن هذا الطفل يقوم هذه الانفعالات، وهذه السلوكيات منذ نعومة أظافره.
فعندما يكبر لا يتعب، ولا يتفاجأ بالتدريب، والدخول الفجأة في هذه العبادات.. عندما أهمل هذا الطفل في عمر 16 سنة، وفجأة أقول له: الآن عليك أن تصوم، وأن تصلي.. طبعا هناك فارق كبير بين الذي نشاركه معنا منذ نعومة أظافره حتى إن صيام السابقين كان الامتناع عن الكلام.. فكانت تقول السيدة مريم يقول الله تبارك وتعالى { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً }.
إذن امتناعها عن الكلام هو نوع من أنواع الصيام، ولكن كان صيامهم هو الامتناع عن الكلام، وليس الطعام والشراب.. عندما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- "إن المسلم المسدد ليدرك درجة الصوام القوام.." الخ الحديث..
عندما قال: "وحسن خلقه " الأصل في هذه الأمة الخير.. الحمد لله قاعدين نشوف إقبال الناس بالملايين على الفطور الجماعي.. على الصدقات.. على الصلوات في الحرم.. ما شاء الله التزاحم في المساجد على صلاة التراويح.. على صلة الرحم، ولكن نشوف بعض الناس عسى الله يعينهم على تقويم هذه التصرفات مثل السرعة مثلا في قيادة السيارة.. خاصة قبيل الفطور أو مثلا ضيق النفس، وضيق الصدر فإذا صار أي شحناء بينه وبين أي أحد حتى لو كان بالطريق تجده يشتم، ويسب، ويتعذر أو يبرر أنه صائم.. بل العكس.
الصيام جعلك قادر على الامتناع عن الطعام، وعن المحرمات.
إذن أنت قادر كذلك على إنك لا تبطش باللي أمامك على إنك تكظم غيظك {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ } حتى نرى بعض الناس علاقته مع زوجته أو هي علاقتها مع زوجها، وأبنائها مثلا يكون فيه زيادة عنف أو قسوة نرى بعض الشباب مثلا يضيع هذا الشهر بالملهيات أو اللعب أو المسلسلات.
إذن مثل هذه السلوكيات لدى البعض، وليس الكل.
الآن يعني فرصة العمر إن أنت استطعت أن تمسك نفسك.. فامسك نفسك عن باقي الأمور، والسلوكيات اللي أنت تعاني منها طوال العالم.. إحنا قلنا: إن مدرسة العلاج السلوكي تتكون من إن الإنسان عندما يمر بمواقف الحياة هو إما فاعل، وفعل أمامه حدث ثم يكون هناك تفاعل أو انفعال علشان نهذب هذا السلوك.. نريد أن نتفاعل، ولا ننفعل..
فالانفعال مع الأحداث دائما يعني تسيء لتصرفاتنا، وسلوكياتنا حتى الكلمة.. الكلمة هي داخل الإنسان هي أسيرة الإنسان، ولكن عندما تخرج الإنسان يكون أسير هذه الكلمة.. فسبحان الله نتأمل الآن هذا التكيف أو التكييف النفسي العلمي على حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- عندما يقول في الحديث القدسي "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به"، "والصيام جنة" أي وقاية، "وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو شاتمه.." الآن سابه أحد.. أحد فاعل.. سابه فعل.. أو قاتله كذلك فعل "فليقل إني امرؤ صائم" هذا هو التفاعل.
إذن الانفعال ما ذكره في الحديث؛ لأن الانفعال هو أن أرد الشتيمة بشتيمة.. أن أرد الإساءة بإساءة.. إنما هذا الحديث تكون من هذه المدرسة اللي العلماء من مائة عام حطو توهم هذه الأسس والقواعد بأن التفاعل، والانفعال..
فيقول -عليه الصلاة والسلام- "فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم " يا سلام.. شون هذا الحديث قاعد يربينا، ويؤهلنا على أسس علمية..
الآن، وما زال العلماء يكتشفونها في الغرب، ونحن موجودة عندنا في هذه الأحاديث العظيمة، ويكمل -عليه الصلاة والسلام- ويقول: " والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسلك "، " للصائم فرحتان إذا أفطر فرح بفطره "..
نعم لما نقعد، ونتجمع، ونفطر نشعر بسعادة، وبلذة، وإذا لقي ربه فرح بصومه الفرح " والفرح عند لقاء الله" هو الخير، وهو الأبقى.. هو الفرح الذي لا ينتهي.. السلوكيات التي أذكرها يعني بعض السلوكيات اللي ودي نذكر نفسنا بها زيادة العصبية الزائدة عن اللزوم هي ليس الصيام مبرر لها أبدا.. بل العكس الصيام المفروض يكون سائح هو غير قادر على إن يكون عصبي، وبطش.
كذلك الانشغال في الأسواق.. فامرأة هنا كذلك تدرب نفسها على أن تضع لنفسها خطة، وبرنامج.. يعني برنامج دقيق يستثمر جميع..
ما هذه المدرسة العظيمة؟! مدرسة رمضان..
الصيام يدرب على المراقبة.. فنتخرج مراقبين.. الصيام يجعلنا نتطلع إلى ما عند الله من أجر، ومثوبة.. فيجعلنا، ونحن في الدنيا متطلعين إلى الآخرة غير راكنين إلى هذه الدنيا.
الصيام يربينا على الصبر فنشعر بالجوع.. نشعر بالعطش. فبالتالي نتخرج صابرين.. كذلك الصيام يجعلنا نشرع بالوحدة مع جميع المسلمين في العراق، وسوريا، السعودية، وأمريكا، و أوروبا في جميع دول العالم نفطر، ونصوم لإله واحد، ولرب واحد، وقبلتنا واحدة، والعبادة واحدة تجمعنا.
إذن ينشط، ويجدد الوحدة في هذه الدنيا فيخرجنا متلاحمين متماسكين، وكذلك الصيام يجعلنا نقوم هذا السلوك فنتخرج مستقيمين..
طبعا هذه معاني ليس على سبيل الاستغراق.. إنما الحصر، ولكن أكيد هي أخلاق أعظم، وأكثر بكثير مما ذكرته في هذه المدرسة العظيمة.
يقول الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين عن رمضان هذا الوصف الجميل الذي أحببت ان أهديه لكم مشاهدي الكرام، ولفتياتنا على الأخص نستمع بقلوبنا يقول: اعلم، واعلمي أن في الصوم خصيصة ليست في غيره، وهي إضافته إلى الله -عز وجل سبحانه- حيث يقول في الحديث القدسي: " الصوم لي وأنا أجزي به " فيكفي بها شرفا.. فكما شرف الله -سبحانه وتعالى- مكة البيت الحرام بشرف المكان فيقول { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ } نسب هذا المكان إليه.. كذلك يتشرف رمضان بشرف الزمان فيقول: "الصوم لي ".
إذن هذا شرف زمان، وشرف مكان، ويا بخت، ويا حب ونحن نغبط من وافق شرف الزمان، والمكان، وأصبح صائما في رمضان، وكذلك بلغه الله العمرة، وزيادة الحرمين الشريفين.
نعم الصوم.. سبحان الله! لماذا خصه الله له؟ ولماذا خصه إليه؟
لأن الصوم لا يظهر باللسان.. كثير من الأعمال تظهر إلا الصوم.. الملائكة التي تراقب، وتحصد هذه الحسنات العظيمة التي يضاعفها الله.. تخيلوا أنها تحصد كل الأعمال إلا الصوم؛ لأن الصوم يعتمد على النية، والنية لا يطلع عليها أحد إلا الله حتى الملائكة لا تطلع على النوايا، وهذه من رحمة الله لكي لا يتخاصم الإنسان يوم القيامة، ويقول: أنا نيتي كذا، ونيتي كذا.. لأ..
الله -سبحانه وتعالى- هو المطلع بالعلم، وبعلمه بنوايا عباده.. فالصوم سبحان الله! صحيح أن الجوارح تمسك، ولكن القلب الفرق هو القلب.. القلب هو الذي يصوم، والقلب هو الذي لا يصوم.
يقول -عليه الصلاة والسلام- "ما يعد الجهاد في سبيل عندما سئل قال لا تستطيعونه فأعادوه أكثر من مرة هذا السؤال قال: "مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صيام ولا صلاة حتى يرجع المجاهد في سبيل الله " والصائم كالمجاهد في سبيل الله؛ لأنه يجاهد نفسه.
نأتي اليوم إلى جواهر رمضان وهذه اللآلئ.. الكنز اللي أضعها الآن بين كفي هي ثلاثين يوم.. لا واحد وثلاثين، ولا اثنين وثلاثين، ولا أكثر، ولا حتى بثانية أكتر.. نأخذ منها يوم آخر من أيام رمضان ذهب من عمرنا، وإنما نحن أيام إذا ذهب يومنا ذهب بعضنا، ونسأل الله نودع هذا اليوم..
نسأل الله يتقبل هذا اليوم بقبوله الحسن، وأن يعيننا كذلك على صيام، وقيام باقي الأيام، وأن يتقبل منا.. اللهم آمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=1884_0_2_0