الحقوق محفوظة لأصحابها

زغلول النجارجاسم المطوع
قال تعالى الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.

جاسم: الربا من الأمور التي حرمها الله تعالى وفي هذا التحريم إعجاز اجتماعي عظيم لأن الربا لا يضر فقط الفرد أو رجل الأعمال التاجر إنما يضر أسرته ومجتمع بل الأمة كلها ولهذا لا توجد معصية وضع الله تعالى نفسه في حرب مع صاحب المعصية إلى في الربا قال تعالى فاذنوا بحرب من الله وكأن هناك جيش يقوده الله تعالى أمام ذاك المرابي ايا كان رجلا أو امرأة وكأنه يريد أن يبارز الله تعالى.

إنه وصف مخيف وليتخيل المرابي أنه مع جيش يقابل جيشا قائده الله تعالى هل سينتصر لا شك أنه وصف بليغ ذكر في القرآن الكريم واله تعالى يتهدد بقوله فاذنوا بحرب من الله لكن بريق الدينار والدرهم له إغراؤه وشهوته وهذا البريق لا يصبر عليه أحد ولهذا فإن نظام الربا نظام يفتت المجتمع ونظام يدمر الأمم ويهلك الفرد والأسرة ولهذا حذرنا النبي عليه السلام من أكل الربا بحديث مخيف قال من أكل درهما من الربا أشد من ست وثلاثين زنية.

لكن لم كل هذا التشدد في تعظيم هذه المعصية وما هو الأعجاز في تحريم الربا...؟

د.زغلول: المال في الإسلام له قيمة كبرى ليس في ذاته لكن لأنه وسيلة تقييم جهود وممتلكات الآخرين لهذا لا يجوز لهذه الوسيلة أن تنمو إلا بطريقة حقيقية ولا تتناقص إلا بخسارة فعلية حتى تصبح وسيلة صحيحة للقياس.

ولو كان عندي مسطرة طولها خمس وعشرون مثلا فأجدها مرة خمسا وعشرين ومرة خمسا وثلاثين فلا تصلح للقياس ولهذا لكي يصبح المال وسيلة لممتلكات الآخرين لا بد أن تبقى قيمته ثابتة لا يزيد المال إلا بإنتاجية فعلية ولا يتناقص إلا بخسارة حقيقية ولهذا حرم الإسلام الربا تحريما قاطعا وجاء في الربا وأحاديث للنبي عليه السلام تؤكد على حرمة الوقوع في هذا الحد من حدود الله الذي جعله النبي عليه السلام أحد السبعة الموبقات المهلكات التي حدثنا عنها في أحاديث كثيرة والقرآن يقول:

الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.

المسلم الذي يتأمل هذه الآية الكريمة لا يمكن أن يتقدم إلى الربا مهما قدم له من مكاسب لأن نهاية الربا أن يكسح كسحا كاملا ويتخيل الربا أنه وسيلة نماء وهو ليس وسيلة نماء إنما هو وسيلة تدمير لكن ما هي الحكمة من تحريم الربا....؟

الحكمة الرئيسية حماية الفقراء وأصحاب الدخل المحدود في المجتمعات الإنسانية لأن التاجر إذا رفعت له سلعتك فسيرفع عليك سلعته أما الموظف والعامل والمحال إلى التقاعد أو الأرملة أو اليتيم أو الفقراء في المجتمع عموما أصحاب الدخل المحدود يتأذون إيذاء كبيرا من الربا.

لأن الربا هو الذي يؤدي إلى ارتفاع الأسعار يوما بعد يوم بل ساعة بعد ساعة كما هو في أيامنا هذه وربما كان أحد الأسباب مما نحن فيه من البلاء أن هذه الأمة التي حرم عليها الربا قد خاضت في حد من حدود الله وأصبحت غالبية البنوك ربوية وإن كان الله تعالى قد من علينا بعدد من البنوك الإسلامية التي أصبحت مخرجا وملاذا للذين يريدون الحلال في هذه المجتمعات المعاصرة.

جاسم: إن الربا منهي عنه في كل الشرائع والعجيب في الموضوع أن المرابي يعلم أنه يأكل مالا حراما عندما يتعامل بالربا وأنا التقيت مع بعض رجال الأعمال وتحاورت معهم وقالوا لي نعم نحن نعلم أنه حرام لكنه شهوة ونريدها ونريد أن ندخل على أنفسنا الأرباح ونريد أن نكسب في التجارة لهذا لو قرأنا في التاريخ واطلعنا على السيل الذي جاء مكة وهدم الكعبة واجتمع العرب في قريش على بناء الكعبة من جديد لكن ما هو الشرط الذي اشترطوه لقد شرطوا أن لا يبنى بيت الله إلا من المال الحلال.

ووقف العرب وقالوا لا نضع درهما ولا دينار أخذناه من حرام أو ربا.

لقد سموه ربا والعرب في الجاهلية يعلمون أن الربا حرام قبل الإسلام وفعلا تجمع أهل قريش وبنوا الكعبة من مالهم الحلال ولهذا هي ناقصة كما نراه الآن فحجر إسماعيل ليس داخل الكعبة اليوم بينما هو كان في الأصل داخل الكعبة.

فالمرابي يعلم ما يفعله بأنه مخالف للقيم والأخلاق ولزيادة المجتمع وتنميته ومن هنا سمي المرابي مصاص الدماء ومن هنا نتساءل لم سمي بمصاص الدماء ولم حرم الله الربا....؟

د. زغلول: الربا إضافة للمال دون جهد ودون مخاطرة ودون إنتاجية فعلية يؤدي إلى ما يؤدي إلى التضخم والتضخم معناه أن يزيد كم المال وتضعف قوته الشرعية وهكذا فإن أصحاب الدخل المحدود يكتوون بهذا الفارق اكتواء شديدا.

لذلك فإنه من أسباب تحريم الربا حماية الفقراء في المجتمع وفي نفس الوقت الوقوف أمام النماء الاصطناعي الغير حقيقي لمال فأنا مثلا عندي مشروع سيكلف مائة مليون دولار فلو تساهمنا فيه وطرح في السوق وجمعنا مائة مليون دولار وجمعنا مائة مليون دولار تأتي البضاعة الناتجة عن هذا المشروع سيارة أو ماكينة من احتياجات الإنسان تأتي بتكلفتها زيادة على ذلك مصاريف النقل ولو أنني اقترضت هذا المبلغ من بنك بنوك الربوية فيفرض علي ابتداء عشرين بالمائة زيادة مثلا والمصنع لكي يقام سيبقى أربع أو خمس سنوات وستكون هذه الفائدة قد تضاعفت مرتين أو أكثر فيكتوي بذلك أصحاب الدخل المحدود في المجتمع.

لهذا فإن البنوك الإسلامي هي بنوك تذهب إلى المشروع الاستثماري أو الإنتاجي بطريقة مباشرة دون اقتراض من البنوك وتقف عند هذه الثغرة التي أرادنا ربنا أن نبتعد عنها.

جاسم: إذن الربا لم يحرم عبثا إنما هنالك حكم وهناك أسباب ولهذا يطلق على المرابي وصف مصاص الدماء أي كأنه يمص دماء البشر ويمص أموال البشر والهدف من المال وتنميته في المجتمع أنه يشغل الناس ويدفع المجتمع نحو التنمية والرخاء لا أن أكتنز الأموال لجهة واحدة من خلال القرض ثم أعطيهم بعض الأرباح والذي يستفيد هو الغني والفقير يزداد فقرا.

والآن نلاحظ حتى في دول الخليج فأغلب البنوك بدأت تتحول إلى بنوك إسلامية لماذا....؟

لقد وصل العدد إلى مائتين وأربعا وأربعين مصرفا إسلاميا في دول الخليج وهذه الأعداد كلها تأسست في خمس وعشرين سنة بل حتى السيتي بانك الموجود في الغرب فتح فرعا إسلاميا في البحرين إذن لماذا هل من أجل الإسلام هم يعملون هذا أم من أجل المال ودرسوا أن في الاستثمار الإسلامي والنشاط الإسلامي وفي طريقة المصارف الإسلامية هناك عائد أكبر ومربح وإلا لما فكروا أن يفتحوا محافظ أو بنوكا إسلامية.

حتى غير المسلم يتحدث معك بالمصارف الإسلامية إذن البنوك الإسلامية تقوم على القرض والوديعة ثم بعد ذلك تستخرج الأرباح نهاية العام لكن ما هي الإضافة في المجتمع هل ساهمت في تنمية المجتمع وهل ساهمت في بناء المصانع ورخاء هذا المجتمع.

بينما في المصارف الإسلامية عندنا عدة عقود عقد الاستصناع والاستزراع وعقود المرابحة وهذه كلها تدفع من عنده مشروع وفكرة وهي تنمي له المشروع وبالتالي بنعم المشروع وكلنا عشنا قصة القروض وما فعلته في أمريكا والانهيار الاقتصادي الذي صار وتبع الانهيار أوروبا وذلك بارتباط القروض في أمريكا بارتباطها في بريطانيا وأوروبا.

وهنا ذكر النبي عليه السلام أن من علامات الساعة أن يربح المرء الدينار والدرهم دون أن ينظر أهو من حلال أم من الحرام.

د. زغلول: تحريم الربا لم يأت فقط بهذه الآيات القرآنية الكريمة بل إن القرآن يحذر تحذيرا شديدا للوقوع في هذا الحد من حدود الله وهو القائل فإن لن تنتهوا فاذنوا بحرب من الله ورسوله ومعنى هذا أنه من لم بنته عن الربا بعد أن يصله هذا الحرب فليستعد بحرب من الله ورسوله ولا أظن عاقلا يستطيع أن يقف أمام الله ورسوله والنبي عليه السلام يقول:

لعن الله في الربا آكله وموكله وكاتبه وشاهديه أي كل من له صلة في عملية الربا يلعنه الله تعالى ولا يمكن أن يستقيم له شأن في الدنيا أو في الآخرة لهذا قال الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس.

بعض المفسرين قالوا هذا في الآخرة لكنني أقول إنه في الدنيا قبل الآخرة لأن الذي يفتح شهيته لجمع المال بأية طريقة ممكنة سواء بطريقة مشروعة أو غير مشروعة فسيصبح كالمجنون والمصروع الذي لا يعنيه شأن من شؤون الحياة إلا جمع المال ولهذا نرى الناس في سوق المال كذلك والتشبيه القرآني ينطبق عليهم تماما.

وهذا لا يمنع أن يكون حاله في الآخرة وهذا حاله في الدنيا وكثير من الناس ممن اهتم بجمع المال بطريقة مشروعة أو غير مشروعة أهملوا بيوتهم وبناتهم وأبناءهم وخسروا الدنيا قبل الآخرة وهذا هو الخسران المبين كما يحذرنا القرآن الكريم منه.

جاسم: سأذكر لكم قصة شاب وهذا الشاب نشأ في بيت كان والده يتعامل بالربا وأحببت أن أقرأ عليكم القصة كما كتبها الولد حتى نعيش حياته كما وصفها يقول:

إنني عشت حياة مترفة مع أبي في أحد الأحياء الراقية في إحدى المدن العربية وكان الخمر يقدم على المائدة بصورة طبيعية وكنت أعلم أن خل والدي كله من الحرام خاصة من الربا وكان بجوار بيتنا مسجد كبير فيه شيخ يسمى الشيخ إبراهيم وفي يوم من الأيام يقول الشاب كنت جالسا في شرفة المنزل والشيخ يتحدث فأعجبني كلامه ونزلت من الشرفة ودخلت المسجد لأجد نفسي كأنني قد انسلخت من كل شيء والشيخ إبراهيم كان يتحدث عن قول النبي عليه السلام أيما جسد نبت من حرام فالنار أولى به.

فوجدت نفسي لا أريد أن أدخل البيت ولا أن آكل منه شيئا من الطعام الذي يحضره والدي وبدأت أدخل وأخرج وأتعمد أن لا آكل شيئا وأجلس بعيدا عن أسرتي وأضع أمامي قطعة من الجبن وبعض الفلافل وأسرتي أمامها كل ما تشتهيه من الطعام وكادت أمي تموت هما من أجلي فيأكلون حراما ويشربون حراما وانضمت أمي إلي والتزمت بالصلاة وبعدها انضمت إلينا أختي أما أبي فقد أصر على فعله عنادا واستكبارا وكنت أتعامل مع أبي بأدب واحترام وقام كل من بالاجتهاد بالدعاء لأبي وكنت أقوم الليل فأسمع نحيب أمي وأختي عسى الله أن يهدي والدي وفي صباح يوم من الأيام استيقظت لأجد أبي قد تخلص من كل الخمور في البيت ثم أخذ يبكي بكاء شديدا ويضمني إلى صدري ويقول سوف أتخلص من كل شيء يغضب ربي ولما حان وقت الصلاة أخذت والدي وذهبنا إلى المسجد وصار يسمع خطب الشيخ إبراهيم والحمد لله تخلص من الربا ومن الخمور وأصبح بيتنا مملوءا بالطاعات.

نهاية جميلة جدا لقصة الشاب الذي وصف لنا والده كيف كان يتخبط وكأنه قد مسه الشيطان.

د. زغلول: أذكر أنه عقد مؤتمر منذ سنوات في بريطانيا عن تحريم الربا ولم يكن منطلقا من منطلق إسلامي ولكنه من منطلق اقتصادي بحت فتكلم المؤتمرون أن مخطط جمع المال في أيدي محدودة في العالم مخطط يهودي وبدؤوا بإقامة البنوك وإصدار الأوراق بدلا من الذهب والفضة ورصيد الذهب والفضة يبقى عندهم ثم تحركوا إلى إصدار الشيكات ثم البطاقة الذكية الائتمانية ثم أصبحت الأمور كلها أمورا الكترونيا حتى ينزع المال من أيدي الناس ويبقى في أيدي أعداد محدودة من البشر يتحكمون في مقدرات الناس وفي أسعار الأشياء.

وأنا عجبت بإقامة هذا المؤتمر في دولة لا تؤمن بالإسلام وتنادي بهذا وحضرت مؤتمرا تأسيسيا لبن دبي الإسلامي منذ سنوات وكان عدد الحضور من البنوك الربوية يفوق عدد الموجودين من غيرها في البنك.

وأثيرت قضايا كثيرة وكان هنالك الشيخ عيسى عبده رحمه اله تعالى وكان أحد مستشاري البنك وكان عمل الحضور من البنوك الربوية بإقناع الحضور بأن إقامة بنك إسلامي مستحيل فسألوا كيف ستتعاملون مع البنوك الربوية في العامل وأنتم قطرة في محيط فقال الشيخ عيسى لقد أعددنا هذه القضية بأن راسلنا عددا من البنوك في مختلف العالم وقلنا لهم نحن بنك إسلامي والإسلام يحرم علينا التعامل بالربا فهل يمكن أن تغطوا لنا مبلغا من المال ونحن نغطي لكم مبلغا من المال لا نحن نأخذ منكم ولا أنتم تأخذون منا فوافقوا على هذه الفكرة ونتج عن هذه التجربة أن هناك بنكان عالميان أحدهما في اليابان والآخر في ألمانيا لا يتعاملان بالفائدة ولا بالربا ليس من منطلق إسلامي ولمكنه من منطلق اقتصادي وأنا كنت في اليابان منذ شهور قليلة وعلمت أن الاقتصاد الياباني قائم على أنه جعل فائدة البنوك صفرا وهي القضية الإسلامية التي تحرم الربا بالكامل.

جاسم: إذن مخطئ من يقول إنما البيع مثل الربا وإنما أحل الله البيع وحرم الربا ففي تحريم الربا إعجاز اجتماعي في القرآن والسنة

المصدر: http://www.iqraa-tv.net/library/AlEjazAlItamee/AlEjazAlItamee3.doc