الحمد لله رب العالمين وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ،، أما بعد :
كان علي بن أبي طالب إذا حضرت الصلاه يتزلزل ويتلون وجهه فقيل له مالك: فيقول لقد حضر وقت أمانه عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتها أنا،، صلاتهم تختلف عن صلاتنا لأن مشاعرهم تختلف عن مشاعرنا ، ونحن نريد أن نزيد من عباداتنا القلبية لنتلذذ بالصلاة أكثر ، وقد تدرجنا من حضور القلب إلى الفهم إلى الرجاء واليوم نريد أن نعادل الرجاء بشعور أخر ،، إنه
شعـور الهيـــــــــــــــــــــــــبة
والهيبة هي نوع من أنواع الخوف وهذا الشعور يكون على أنواع ،، وقبل أن ندخل به تذكروا أننا إلى الأن ما كشفنا المفتاح السحري للخشوع الذي سوف يغير كثيرا من صلاتك ،، قريبا سنكشفه إن شاء الله ،، الأن ما الفرق بين الخوف والخشية والهيبة ؟؟لقد فرق ابن القيم رحمه الله بينهم تفريقا جميلا فقال : الخوف : هو الهروب من المخوف منه ،والخشية : هي الخوف مع علم فاذا زاد علم العبد بربه صار خوفه خشية لذلك قال تعالى ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ) سورة فاطر ،، أما الهيبة : هي الخوف مع علم و تعظيم ، فأنت مثلا تخاف من النار ولكن لا تهابها لأن خوفك هذا سببه خوف الإذاء وليس التعظيم فأنت لا تقول النار لها هيبة ، أما والدك فأنت تهابه لأن شعورك تجاهه عبارة عن خوف مع تعظيم فتقول والدي له هيبة ، فإن قلت لي أنت تريدنا في الحلقة الماضية أن نرجو الله والأن تريدنا أن نخاف منه فكيف نجمع بينها ؟؟ المسألة سهلة فنحن نجمع بين الخوف والرجاء في التعامل مع المخلوقات فكيف لا نجمع بينها في التعامل مع الخالق ، الأن ألا ترى أن الرجل يكون مدينا لرجل أخر ولكنه طيب ( الدائن طيب ) فالمدين يقر أنه مدين ويجب عليه أن يدفع ولكنه يرجو منه أن يسقط الدين ، فهو يطمع فيه لأنه طيب ، وألا ترى الطالب يكون عنده مدرسا طيبا متسامحا فيقدم في الإختبار تقديما سيئا فيخاف من تقديمه لكنه بنفس الوقت يرجو أن ينجحه المدرس لأن المدرس طيب ، نفس الشيء أنت تعترف بذنبك فتخاف منه وتقر به ومع ذلك ترجو كرم الكريم مثل سيد الإستغفار ( اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي ، لا إِلَه إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَني وأَنَا عَبْدُكَ ، وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما صنَعْتُ ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ علَيَ ، وأَبُوءُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لي ، فَإِنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْتَ ) أنا مذنب وأنت كريم ، وكل شيء إذا خفته فأنت تفر عنه إلا الله تعالى إذا خفته فررت إليه قال تعالى : " فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ " وكان النبي عليه السلام يقول : " اللهم لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك " ، وكان يقول : " اللهم اني اعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناءا عليك " أي الرضا منك والسخط منك وأنا أرجوك أنت وأخافك أنت ،، يقول ابن القيم رحمه الله (لا يعلم ما في هذه الكلمات من التوحيد والمعارف والعبوديه إلا الراسخون في العلم وإن حاولنا شرحها لخرجنا بكتاب ضخم و إن دخلت في هذا العلم رأيت ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر )إنها عظمة الله وهيبته قال ابن القيم رحمه الله (هيبة الجلال هي أقصى درجه يشار لها في غاية الخوف ) فربنا جل في علاه له هيبة عظيمة لا يعلمها إلا من هزته تلك الهيبة والذي يقف بين يديه يشعر بها بوضوح ،، جبريل عليه السلام بقوته وعظمة خلقه الذي لو بسط جناح من أجنحته لسد الافق وله 600 جناح يقول عنه صلى الله عليه وسلم : " مررت ليلة أسري بي بالملأ الأعلى وجبريل كالحلس البالي من خشية الله "( الحلس هو القماش الذي يوضع تحت الدابه ، البالي : القديم ) ... قال ابن القيم : ( من الملائكة من هو ساجد منذ خلقه الله ومنهم راكعا لا يرفع رأسه من الركوع منذ أن خلقه الله إلى يوم القيامة وإنهم يقولون يوم القيامة سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ) ،، زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهما كان إذا توضأ يقولون يصفر وجهه ويتغير فيقال له مالك .. فيقول .. تدرون بين يدي من أقوم ؟ .
والخوف من الله يزيد في قلب العبد لسببين اثنين : علم العبد بربه وعلم العبد بنفسه ، أما علم العبد بربه فلأنه يعلم أنه سبحانه عظيم ذو كبرياء وجبروت لا ينبغي له أن يعصى ولا ينبغي له أن يخالف كل شيء تحت قهره وسلطانه ، الكون والنجوم والمجرات والملائكة كلهم يمشون بنظام دقيق لا يخالفوه ولو مرة واحدة منذ أن خلقهم الله فمن أنا ومن أنت حتى نخالف أمره أو أن نخرج عن هذا النظام ولهذا فإن الله يهز عباده ويقول لهم : " (مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً ) ، ويقول تعالى ( وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ ) ، أما عن علمك بنفسك فإن الإنسان أدرى بأفعاله وأدرى بما في قلبه يقول تعالى : (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) ، نؤخر التوبه نؤخر التوبه
وللآن ما تبنا !! ، الله عز وجل لو أهلك العباد لأهلكهم جميعا ولا يبالي بهم ، قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ) .
أتريد أن ترى قرية كاملة أبيدت وأهلكت ؟! سأعرض هذا عليكم مصورا أمام عينيك ، سأعرض عليكم قرية تم اكتشافها في ايطاليا تعود إلى العام 74 بعد الميلاذ دمرها بركان عظيم ولكن بشكل غريب فعلا ، ( المشهد : مدينة مطلة على جبل والجبل هذا بركاني خامد ، المدينة اشتهرت بمعصية الله عز وجل ، فماذا كانت معصيتهم ؟؟ اشتهرت هذه القرية بالزنى ، بكل مكان توجد بيوت للدعارة وكانوا يمارسون الفاحشة بعلانية وينكرون على من يتستر ،، انفجر عليهم بركان ونفس المكان انفجر فيه بركان عام 1944 وحصد 13 ألف نسمة ويقول العلماء أنه لما انفجر عام 74 كانت قوته أضعاف أضعاف هذا الإنفجار وفي ذلك العام ( 74 ) استمر هذا البركان 19 ساعة وحصد القرية بأكملها ولم ينجو إلا شخص واحد وكتب ما حصل ، يقول العلماء ظلت المدينة مدفونة 1700 عام لأنها تغطت بكمية كبيرة من الرماد ، ولكن عندما تكشفت هذه الأثار وجدوا أنهم ماتوا على نفس هيئاتهم ، أهلكهم الله عز وجل على مثل ما هم عليه ، يؤكد أحد الخبراء وعالم براكين أخر أنه مما لا شك فيه أنهم أحيطوا بموجة حارة من الرماد الملتهب تصل حرارته إلى 500 درجة سليوس عندما انفجر البركان ، وكانت سريعة جدا حيث غطت 7 أميال إلى الشاطىء تقريبا بأربع دقائق ، كلهم تحجروا كما كانوا ، النائم نائم والجالس جالس والمضطجع مضطجع تحجروا كما هم بشحمهم ولحمهم ، وعندما انفجر البركان ارتفع الرماد إلى 9 أميال في السماء تخيلوا !!! يقول العلماء أن كمية الطاقة الناتجة من هذا البركان تفوق أكبر قنبلة نووية ، ثم تساقط الرماد عليهم كالمطر فدفنهم تحت 75 قدم من الرماد ، يقول أحد علماء البراكين عن 80 جثة وجدوها على الشاطىء يقول هؤلاء لم يظهر عليهم أي نوع من التأهب لحماية أنفسهم أو أي ردة فعل ولو بسيطة فقد ماتوا بسرعة حتى أنه ليس لديهم وقت ليتصرفوا فيه ، كل هذا حدث في أقل من جزء من الثانية !!!!!!
بعض الناس قد يقول أن هذا هلاك للأمم السابقة وأنا لا أحس بشيء .
سأعرض عليكم خسفا أخر حدث قريبا قبل سنوات قليلة فقط ، ( المشهد : حفل ماجن راقص فيه خمور ليهود يفعلون الفواحش في فلسطين المحتلة وبقرب بيت المقدس ثم يحدث أن خسف الله بهم ، عاملهم الله بعدله بعد أن عاملهم كثيرا بحلمه ، خسف شامل الأرض بمن عليها )، قال تعالى : " وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ " ،، كما قال النبي عليه السلام حديث عجيب كأنه يصور لك هذه الحادثة " سيكون باخر الزمان خسف وقذف ومسخ اذا ظهرت المعازف والقينات (الغانيات) واستحل الخمر " ، الأمر ليس بالهين انظروا كيف يحاولون أن يجمعوا بقية من نجا .
أخي الكريم ، لا يغرنّك حلم الله عليك وستره لك وعدم عقوبته لك !! ولتعلم إن كل الخوف مُزعج ومُؤلم ، إلا الخوف من الله عز وجل .. فإن الحياة لا تطيب إلا به ، لأنه يُوصلك إلى أحلى مكان فى الكون .. يُوصلك إلى الجنة .. ألا تحب أن تدخل الجنة ؟!
قال رجل للحسن البصري : يا أبا سعيد إنا لنصحب أقواما يُخوفوننا حتى تكاد قلوبنا تتقطع .. قال : لئن تصحب اقواما يُخوفونك حتى تدرك أمنا خير لك من أن تصحب أقواما يُؤمنونك حتى تُدركك المخاوف ..
جرب ان يمتلئ قلبك من هيبة الله عز وجل و ستحس الفرق في صلاتك ... الحلقة القادمة عمق آخر إن شاء الله ..