الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد متولي الشعراوي
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)

يقول الحق سبحانه وتعالى: { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً }.. ومادام الله قد جعله أمنا فما هي جدوى دعوة إبراهيم أن تكون مكة بلدا آمنا.. نقول إذا رأيت طلبا لموجود فاعلم أن القصد منه هو دوام بقاء ذلك الموجود.. فكأن إبراهيم يطلب من الله سبحانه وتعالى أن يديم نعمة الأمن في البيت.. ذلك لأنك عندما تقرأ قول الحق تبارك وتعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىا رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً }[النساء: 136]

هو خاطبهم بلفظ الإيمان ثم طلب منهم أن يؤمنوا.. كيف؟ نقول إن الله سبحانه يأمرهم أن يستمروا ويداوموا على الإيمان.. ولذلك فإن كل مطلوب لموجود هو طلبٌ لاستمرار هذا الموجود.

وقول إبراهيم: { رَبِّ اجْعَلْ هَـاذَا بَلَداً آمِناً }.. أي يا رب إذا كنت قد جعلت هذا البيت آمنا من قبل فأمنه حتى قيام الساعة.. ليكون كل من يدخل إليه آمنا لأنه موجود في واد غير ذي زرع.. وكانت الناس في الماضي تخاف أن تذهب إليه لعدم وجود الأمان في الطريق.. أو آمنا أي أن يديم الله على كل من يدخله نعمة الإيمان.

وقوله تعالى: { اجْعَلْ هَـاذَا بَلَداً آمِناً } تكررت في آية أخرى تقول: { اجْعَلْ هَـاذَا الْبَلَدَ آمِناً }.. فمرة جاء بها نكرة ومرة جاء بها معرفة.. نقول إن إبراهيم حين قال: { رَبِّ اجْعَلْ هَـاذَا الْبَلَدَ آمِناً }.. طلب من الله شيئين.. أن يجعل هذا المكان بلدا وأن يجعله آمنا.

ما معنى أن يجعله بلدا؟ هناك أسماء تؤخذ من المحسات.. فكلمة غصب تعني سلخ الجلد عن الشاة وكأن من يأخذ شيئا من إنسان غصبا كأنه يسلخه منه بينما هو متمسك به.

كلمة بلد حين تسمعها تنصرف إلى المدينة.. والبلد هو البقة تنشأ في الجلد فتميزه عن باقي الجلد كأن تكون هناك بقعة بيضاء في الوجه أو الذراعين فتكون البقعة التي ظهرت مميزة ببياض اللون.. والمكان إذا لم يكن فيه مساكن ومبان فيكون مستويا بالأرض لا تستطيع أن تميزه بسهولة.. فإذا أقمت فيه مباني جعلت فيه علامة تميزه عن باقي الأرض المحيطة به.

وقوله تعالى: { وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ }.. هذه من مستلزمات الأمن لأنه مادام هناك رزق وثمرات تكون مقومات الحياة موجودة فيبقى الناس في هذا البلد.. ولكن إبراهيم قال: { وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ } فكأنه طلب الرزق للمؤمنين وحدهم.. لماذا؟ لأنه حينما قال له الله:

{ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً }[البقرة: 124]

قال إبراهيم:{ وَمِن ذُرِّيَّتِي }[البقرة: 124]

قال الله سبحانه:{ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }[البقرة: 124]

فخشي إبراهيم وهو يطلب لمن سيقيمون في مكة أن تكون استجابة الله سبحانه كالاستجابة السابقة.. كأن يقال له لا ينال رزق الله الظالمون. فاستدرك إبراهيم وقال: } وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ {.. ولكن الله سبحانه أراد أن يلفت إبراهيم إلى أن عطاء الألوهية ليس كعطاء الربوبية.. فإمامة الناس عطاء ألوهية لا يناله إلا المؤمن، أما الرزق فهو عطاء ربوبية يناله المؤمن والكافر.لأن الله هو الذي استدعانا جميعا إلى الحياة وكفل لنا جميعا رزقنا.. وكأن الحق سبحانه حين قال: } لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ {.. كان يتحدث عن قيم المنهج التي لا تعطى إلا للمؤمن ولكن الرزق يعطى للمؤمن والكافر.. لذلك قال الله سبحانه: } وَمَن كَفَرَ {.. وفي هذا تصحيح مفاهيم بالنسبة لإبراهيم ليعرف أن كل من استدعاه الله تعالى للحياة له رزقه مؤمنا كان أو كافرا. والخير في الدنيا على الشيوع. فمادام الله قد استدعاك فإنه ضمن لك رزقك.

إن الله لم يقل للشمس أشرقي على أرض المؤمن فقط، ولم يقل للهواء لا يتنفسك ظالم وإنما أعطى نعمة استبقاء الحياة واستمرارها لكل من خلق آمن أو كفر.. ولكن من كفر قال عنه الله سبحانه وتعالى: } وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً {.. التمتع هو شيء يحبه الإنسان ويتمنى دوامه وتكراره.

وقوله تعالى: } فَأُمَتِّعُهُ { دليل على دوام متعته، أي له المتعة في الدنيا. ولكل نعمة متعة، فالطعام له متعة والشراب له متعة والجنس له متعة.. إذن التمتع في الدنيا بأشياء متعددة. ولكن الله تبارك وتعالى وصفه بأنه قليل.. لأن المتعة في الدنيا مهما بلغت وتعدّدت ألوانها فهي قليلة.

واقرأ قوله تعالى: } ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىا عَذَابِ النَّارِ {.. ومعنى أضطره أنه لا اختيار له في الآخرة، فكأن الإنسان له اختيار في الحياة الدنيا يأخذ هذا ويترك هذا ولكن في الآخرة ليس له اختيار.. فلا يستطيع وهو من أهل النار مثلا أن يختار الجنة بل إن أعضاءه المسخرة لخدمته في الحياة الدنيا والتي يأمرها بالمعصية فتفعل، لا ولاية له عليها في الآخرة وهذا معنى قوله سبحانه:{ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }[النور: 24]

أي أن الجوارح التي كانت تطيع الكافر في المعاصي في الدنيا لا تطيعه يوم القيامة؛ فاللسان الذي كان ينطق كلمة الكفر والعياذ بالله يأتي يوم القيامة يشهد على صاحبه.. والقدم التي كانت تمشي إلى أماكن الخمر واللهو والفسوق تشهد على صاحبها، واليد التي كانت تقتل وتسرق تشهد على صاحبها. وقوله: " اضطره " معناه أن الإنسان يفقد اختياره في الآخرة ثم ينتهي إلى النار وإلى العذاب الشديد مصداقا لقوله تعالى: } ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىا عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ {.. أي أن الله سبحانه وتعالى يحذر الكافرين بأن لهم النار والعذاب في الآخرة ليس على اختيار منهم ولكن وهم مقهورون.

(/130)

وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)

يقول الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم اذكر عندما كان إبراهيم يرفع القواعد من البيت.. وجاءت { يَرْفَعُ } هنا فعلا مضارعا لِتصويرِ الحدث الآن وفي المستقبل.

ولكن هل يرفع إبراهيم القواعد من البيت الآن؟ أم أنه رفع وانتهى؟ طبعا هو رفع وانتهى، ولكن الله سبحانه وتعالى يريد أن يستحضر حالة إبراهيم وإسماعيل وهما يرفعان القواعد من البيت.. والله يريد من المؤمنين أن يتصوروا عملية الرفع، فلم يكن إبراهيم يملك سلما حتى يرفعه ويقف فوقه، ولم يكن يملك " سقالة ".. ولكن غياب هذه النعم لم يمنع إبراهيم من أن يتحايل ويأتي بالحجر.

إن الله يريد منا ألا ننسى هذه العملية، وإبراهيم وابنه إسماعيل يذهبان للبحث عن حجر، ولابد أن يكون الحجر خفيف الوزن ليستطيعا أن يحملاه إلى مكان البناء.. ثم يقف إبراهيم على الحجر وإسماعيل يناوله الأحجار الأخرى التي سيتم بها رفع القواعد من البيت. ورغم المشقة التي يتحملها الاثنان.. هما سعيدان.. وكل ما يطلبانه من الله هو أن يتقبل منهما. والقبول والمقابلة والاستقبال كلها من مادة مواجهة.. أي أنهما يسألان الله في موقف المعرض عن عمله، إنهما لا يريدان إلا الثواب: { تَقَبَّلْ مِنَّآ } أي أعطنا الثواب عما نعمله لأجلك وتنفيذا لأمرك.

وقوله تعالى: { إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }.. أي أنت يا رب السميع الذي تسمع دعاءنا وتسمع ما نقول.. " والعليم ".. العليم بنيتنا ومدى إخلاصنا لك.. وإننا نفعل هذا العمل ابتغاء لوجهك ولا نقصد غيرك.. ذلك أن الأعمال بالنيات، وقد يعمل رجلان عملا واحدا. أحدهما يثاب لأنه يعمله إرضاء لله وتقربا منه والآخر لا يثاب لأنه يفعله من أجل الدنيا.

والله سبحانه وتعالى عليم بالنية فإن كان العمل خاصا لله تقبله، وإذا لم يكن خالصا لوجهه لا يتقبله.. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

" إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " إذن فالعمل إن لم يكن خالصا لله فلا ثواب عليه.

(/131)

رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)

هناك فرق بين أن تُكَلَّفَ بشيء فتفعله بحب، وأن تفعل شكلية التكليف وتخرج من عملك خروج الذي ألقى عن كاهله عبء التكليف.. في هذه الآية الكريمة دعاء إبراهيم وابنه إسماعيل وكانا يقولان يا رب أنت أمرتنا أن نرفع القواعد من البيت وقد فعلنا ما أمرتنا.. وليس معنى ذلك أننا اكتفينا بتكليفك لنا لأننا نريد أن نذوق حلاوة التكليف منك مرات ومرات.. { رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ } نسلم كل أمورنا إليك.

إن الإنسان لا يمكن أن ينتهي من تكليف ليطلب تكليفا غيره إلا إذا كان قد عشق حلاوة التكليف ووجد فيه استمتاعا.. ولا يجد الإنسان استمتاعا في التكليف إلا إذا استحضر الجزاء عليه.. كلما عمل شيئا استحضر النعيم الذي ينتظره على هذا العمل فطلب المزيد.

إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بمجرد أن فرغا من رفع القواعد من البيت قالا: { رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ } ولم يكتفيا بذلك بل أرادا امتداد حلاوة التكليف إلى ذريتهما من بعدهما.. فيقولان: { وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ }.. ليتصل أمد منهج الله في الأرض ويستمر التكليف من ذرية إلى ذرية إلى يقوم القيامة.. ثم يقولان: { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا }.. أي بين لنا يا رب ما تريده منا. بين لنا كيف نعبدك وكيف نتقرب إليك.. والمناسك هي الأمور التي يريد الله سبحانه وتعالى أن نعبده بها.

وقوله: { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } ترينا أن إبراهيم يرغب في فتح أبواب التكليف على نفسه، لأنه لا يرى في كل تكليف إلا تطهيرا للنفس وخيرا للذرية ونعيما في الآخرة.. ولذلك يقول كما يروي لنا الحق: { وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }.. وتب علينا ليس ضروريا أن نفهمها على أنها توبة من المعصية.. وأن إبراهيم وإسماعيل وقعا في المعصية فيريدان التوبة إلى الله.. وإنما لأنهما علما أن من سيأتي بعدهما سيقع في الذنب فطلبا التوبة لذريتهما.. ومن أين عَلِما؟ عندما قال الله سبحانه وتعالى لإبراهيم: { وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىا عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }..

لقد طلبا من الله تبارك وتعالى التوبة والرحمة لذريتهما.. والله يحب التوبة من عباده وهو سبحانه أفرح بتوبة عبده المؤمن من أحدكم وقع على بعيره وقد أضله في فلاة.. لأن المعصية عندما تأخذ الإنسان من منهج الله لتعطيه نفعا عاجلا فإن حلاوة الإيمان ـ إن كان مؤمنا ـ ستجذبه مرة أخرى إلى الإيمان بعيدا عن المعاصي.. ولذلك قيل إن انتفعت بالتوبة وندمت على ما فعلت فإن الله لا يغفر لك ذنوبك فقط ولكن يبدل سيئاتك حسنات.. وقلنا أن تشريع التوبة كان وقاية للمجتمع كله من أذى وشر كبير.. لأنه لو كان الذنب الواحد يجعلك خالدا في النار ولا توبة بعده لتجبر العصاة وازدادوا شرا.. ولأصيب المجتمع كله بشرورهم ولَيَئِسَ الناس من آخرتهم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

" كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون "

لذلك فمن رحمة الله سبحانه أنه شرع لنا التوبة ليرحمنا من شراسة الأذى والمعصية.

(/132)

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)

دعاء إبراهيم عليه السلام الله سبحانه وتعالى ليتم نعمته على ذريته ويزيد رحمته على عباده.. بأن يرسل لهم رسولا يبلغهم منهج السماء حتى لا تحدث فترة ظلام في الأرض تنتشر فيها المعصية والفساد والكفر ويبعد الناس فيها الأصنام كما حدث قبل إبراهيم.

كلمة { رَسُولاً مِّنْهُمْ } ترد على اليهود الذين أحزنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من العرب، وأن الرسالة كان يجب أن تكون فيهم.. ونحن نقول لهم إن جدنا وجدكم إبراهيم وأنتم من ذرية يعقوب بن اسحق. ومحمد صلى الله عليه وسلم من ذرية إسماعيل بن إبراهيم وأخ لإسحاق.. ولا حجة لما تدعونه من أن الله فَضَّلَكم واختاركم على سائر الشعوب.. إنما أراد الحق سبحانه وتعالى أن يسلب منكم النبوة لأنكم ظلمتم في الأرض وعهد الله لا يناله الظالمون.

أراد الحق تبارك وتعالى أن يقول لهم أن هذا النبي من نسل إبراهيم وأنه ينتمي إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.

وقوله تعالى: { يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ }.. أي آيات القرآن الكريم.

وقوله تعالى: { وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ }.. يجب أن نعرف أن هناك فرقا بين التلاوة وبين التعليم. فالتلاوة هي أن تقرأ القرآن، أما التعليم فهو أن تعرف معناها وما جاءت به لتطبقه وتعرف من أين جاءت.. وإذا كان الكتاب هو القرآن الكريم فإن الحكمة هي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قال الحق سبحانه وتعالى فيها في خطابه لزوجات النبي:{ وَاذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىا فِي بُيُوتِكُـنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْـمَةِ }[الأحزاب: 34]

وقوله تعالى: { وَيُزَكِّيهِمْ } أي ويطهرهم ويقودهم إلى طريق الخير وتمام الإيمان.

وقوله جل جلاله: { إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ }.. أي العزيز الذي لا يغلب لجبروته ولا يسأله أحد.. " والحكيم " الذي لا يصدر منه الشيء إلا بحكمة بالغة.

(/133)

وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)

ما ملة إبراهيم؟ إنها عبادة الله وحده لا شريك له وعشق التكاليف؛ فإبراهيم وَفَّى كل ما كلفه به الله وزاد عليه.. وقابل الابتلاء بالطاعة الصبر.. فعندما ابتلاه الله بذبح ابنه الوحيد لم يتردد وكان يؤدي التكاليف بعشق ويحاول أن يستبقي المنهج السليم في ذريته.

قوله تعالى: { وَمَن يَرْغَبُ } يعني يعرض ويرفض. ويقال رغب في كذا أي أحبه وأراده. ورغب عن كذا أي صَدَّ عنه وأعرض.. والذين يصدُّون عن ملة إبراهيم ويرفضونها هؤلاء هم السفهاء الجهلة، لذلك قال عنهم الله سبحانه وتعالى: { إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ }.. دليل على ضعف الرأي وعدم التفرقة بين النافع والضار.. فعندما يكون هناك من ورثوا مالاً وهم غير ناضجي العقل لا يتفق عقلهم مع سنهم نسميهم السفهاء.. والسفيه هو من لم ينضج رأيه ولذلك تنقل قوامته على ماله إلى ولي أو وصي؛ لأنه بِسَفَهِهِ غيرُ قادر على أن ينفق المال فيما ينفع.

والقرآن الكريم يعالج هذه المسألة علاجا دقيقا فيقول:{ وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }[النساء: 5]

نلاحظ أن الحق سبحانه وتعالى سمى أموال السفهاء بأموالي الولي ولم يعتبرها مال السفيه لأنه ليس أهلا للقيام عليها.. وجعل هذه الأموال تحت إشراف شخص آخر أكثر نضجا وحكمة.

وقوله تعالى: " أموالكم " ليكون الولي أو الوصي حريصا عليها كَمَالِهِ أو أكثر ولكن هو قيم فقط.. فإذا بلغ الإنسان سن الرشد أو شفى السفيه من سفاهته يرد إليه ماله ليتصرف فيه.

ونحن نرى عددا من الأبناء يرفعون قضايا على آبائهم وأمهاتهم يتهمونهم فيها بالسفه لأنهم لا يحسنون التصرف في أموالهم.. ثم يأخذون هذه الأموال ويبعثرونها هم.. والذي يجب أن يعلمه كل من يقوم بهذه العملية أنه لا حق له في إنفاق المال وتبذيره لحسابه الخاص، ولكنّ هناك حكمين: إما أن يكون الشخص فقيرا فله أن يأكل بالمعروف.. وإما أن يكون غنيا فيجعل عمله في الولاية لله لا يتقاضى عنه شيئا.. أما أن يأخذ المال ويبعثره على نفسه وشهواته وعلى زوجته وأولاده فهذا مرفوض ويحاسب عليه.. والله سبحانه وتعالى يقول:{ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ }[النساء: 6]

إذن الذي يعرض عن ملة إبراهيم هو سفيه لا يملك عقلا يميز بين الضار والنافع.

ويقول الله سبحانه وتعالى: { وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ }.. اصطفاه في الدنيا بالمنهج وبأن جعله إماما وبالابتلاء.. وكثير من الناس يظن أن ارتفاع مقامات بعضهم في أمور الدنيا هو اصطفاء من الله لهم بأن أعطاهم زخرف الحياة الدنيا ويكون هذا مبررا لأن يعتقدوا أن لهم منزلةً عالية في الآخرة.. نقول لا، فمنازل الدنيا لا علاقة لها بالآخرة. ولذلك قال الله تبارك وتعالى: { وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا }.. وأضاف: { وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ }.. لنعلم أن إبراهيم عليه السلام له منزلة عالية في الدنيا ونعيم في الآخرة أي الاثنين معا.

(/134)

إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)

والله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أنه قال لإبراهيم أسلم فقال أسلمت.. إذن فمطلوب الحق سبحانه وتعالى من عبده أن يسلم إليه.. ولم يقل الحق أسلم إِليّ، لأنها مفهومة.. ولم يقل أسلم لربك لأن الإسلام لا يكون إلا لله. لأنه هو سبحانه المأمون علينا.. على أن إبراهيم عليه السلام قال في رده: { أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }.

ومعنى ذلك أنه لن يكون وحده في الكون. لأنه إذا أسلم لله الذي سخر له ما في السماوات والأرض.. يكون قد انسجم مع الكون المخلوق من الله للإنسان.. ومَنْ أكثرُ نضجاً في العقل ممن يُسلم وجهه لله سبحانه.. لأنه يكون بذلك قد أسلمه إلى عزيز حكيم قوي لا يقهر، قادر لا تنتهي قدرته.. غالب لا يغلب، رزاق لا يأتي الرزق إلا منه. فكأنه أسلم وجهه للخير كله.

والدين عند الله سبحانه وتعالى منذ عهد آدم إلى يوم القيامة هو إسلام الوجه لله، ولماذا الوجه؟ لأن الوجه أشرف شيء في الإنسان يعتز به ويعتبره سمة من سمات كرامته وعزته.. ولذلك فنحن حين نريد منتهى الخضوع لله في الصلاة نضع جباهنا ووجوهنا على الأرض.. وهذا منتهى الخشوع و الخضوع أن تضع أشرف ما فيك وهو وجهك على الأرض إعلانا لخضوعك لله سبحانه وتعالى.

والله جل جلاله يريد من الإنسان أن يسلم قيادته لله.. بأن يجعل اختياراته في الدنيا لما يريده الله تبارك وتعالى.. فإذا تحدث لا يكذب، لأن الله يحب الصدق، وإذا كلف بشيء يفعله لأن التكليف في صالحنا ولا يستفيد الله منه شيئا.. وإذا قال الله تعالى تصدق بمالك أسرع يتصدق بماله ليرد له أضعافا مضاعفة في الآخرة وبقدرة الله.

وهكذا نرى أن الخير كله للإنسان هو أن يجعل مراداته في الحياة الدنيا طبقا لما أراده الله.. وفي هذه الحالة يكون قد انسجم مع الكون كله وتجد أن الكون يخدمه ويعطيه وهو سعيد.

أما من يسلم وجهه لغير الله فقد اعتمد على قوي يمكن أن يضعف، وعلى غني يمكن أن يفتقر.. وعلى موجود يمكن أن يموت ويصبح لا وجود له. ولذلك فهو في هذه الحالة يتصف بالسفاهة لأنه اعتمد على الضار وترك النافع.

(/135)

وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)

عندما تقرأ كلمة وصى فاعلم أن الوصية تأتي لحمل الإنسان على شيء نافع في آخر وقت لك في الدنيا؛ لأن آخر ساعات الإنسان في الدنيا إن كان قد عاش فيها يغش الناس جميعا فساعة يحتضر لا يغش نفسه أبدا ولا يغش أحدا من الناس لماذا؟ لأنه يحس إنه مقبل على الله سبحانه فيقول كلمة الحق.

النصح أو الوصية هي عظة تحب أن يستمسك بها من تنصحه وتقولها له مخلصا في آخر لحظة من لحظات حياته.. ولذلك سيأتي الله سبحانه وتعالى ليبين لنا ذلك في قوله:{ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي }[البقرة: 133]

وهكذا يريد الله سبحانه أن يبين لنا أن الوصية دائما تكون لمن تحب.. وأن حب الإنسان لأولاده أكيد سواء أكان هذا الإنسان مؤمنا أم كافرا.. ونحن لا نتمنى أن يكون في الدنيا من هو أحسن منا إلا أبناءنا ونعمل على ذلك ليكون لهم الخير كله.

وصّى إبراهيم بنيه، ويعقوب وصى بنيه.. وكانت الوصية { يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىا لَكُمُ الدِّينَ } إذن فالوصية لم تكن أمرا من عند إبراهيم ولا أمرا من عند يعقوب. ولكن كانت أمرا اختاره الله للناس فلم يجد إبراهيم ولا يعقوب أن يوصيا أولادهما إلا بما اختاره الله.. فكأن إبراهيم ائتمن الله على نفسه فنفذ التكاليف وائتمنه على أولاده فأراد منهم أن يتمسكوا بما اختاره لهم الله.

قوله تعالى: { وَوَصَّىا بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ }.. إبراهيم هو الأب الكبير وابنه اسحق وابن اسحق يعقوب.. ويعقوب هو الأب المباشر لليهود.. ويعقوب وصاهم كما يروي لنا القرآن الكريم: { وَوَصَّىا بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىا لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ }.

أنت لا تنهى إنسانا عن أمر إلا إذا كان في إمكانه أن يتجنبه ولا تأمره به إلا إذا كان في إمكانه أن ينفذه.. فهل يملك أولاد يعقوب أن يموتوا وهم مسلمون؟ والموت لا يملكه أحد.. إنه يأتي في أي وقت فجأة.. ولكن مادام يعقوب قد وصى بنيه: { لاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ } فالمعنى لا تفارقوا الإسلام لحظة حتى لا يفاجئكم الموت إلا وأنتم مسلمون.

والله سبحانه وتعالى أخفى موعد الموت ومكانه وسببه.. ليكون هذا إعلاما به ويتوقعه الناس في أي سن وفي أي مكان وفي أي زمان.. ولذلك قد نلتمس العافية في أشياء يكون الموت فيها.. والشاعر يقول:إن نـام عنـك فـكـل طـب نـافـع أو لم يـنـم فالـطـب مـن أسبـابـهأي إن لم يكن قد جاء الأجل، فالطب ينفعك ويكون من أسباب الشفاء.. أما إذا جاء الأجل فيكون الطب سببا في الموت، كأن تذهب لإجراء عملية جراحية فتكون سبب موتك.. فالإنسان لابد أن يتمسك بالإسلام وبالمنهج ولا يغفل عنه أبدا.. حتى لا يأتيه الموت في غفلته فيموت غير مسلم.. والعياذ بالله.

(/136)

أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)

هذا خطاب من يعقوب ينطبق ويمس اليهود المعاصرين لنزول القرآن الكريم.. يعقوب قال لأبنائه ماذا تعبدون من بعدي: { قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـاهَكَ وَإِلَـاهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـاهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }..

هذا إقرار من الأسباط أبناء يعقوب بأنهم مسلمون وأن آباءهم مسلمون.. وتأمل دقة الأداء القرآني في قوله تعالى: { نَعْبُدُ إِلَـاهَكَ وَإِلَـاهَ آبَائِكَ }.. فكأنه لم يحدث بعد موت إبراهيم وحين كان يعقوب يموت لم يحدث أن تغير المعبود وهو الله سبحانه وتعالى الواحد.. ولذلك قالوا كما يروي لنا القرآن الكريم: { إِلَـاهاً وَاحِداً }.. وسنأخذ من هذه الآية لقطة تفيدنا في أشياء كثيرة لأن القرآن سيتعرض في قصة إبراهيم أنه تحدث مع أبيه في شئون العقيدة.. فقال كما يروي لنا القرآن الكريم:{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }[الأنعام: 74]

ونحن نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلالة إسماعيل ابن إبراهيم.. والرسول عليه الصلاة والسلام قال: " أنا سيد ولد آدم "

فإذا كان آزرُ أبو إبراهيم كافراً وعابداً للأصنام.. فكيف تصح سلسلة النسب الشريف؟ نقول إنه لو أن القرآن قال { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ } وسكت لكان المعنى أن المخاطب هو أبو إبراهيم.. ولكن قول الله: { لأَبِيهِ آزَرَ }.. جاءت لحكمة. لأنه ساعة يذكر اسم الأب يكون ليس الأب ولكن العم.. فأنت إذا دخلت منزلا وقابلك أحد الأطفال تقول له هل أبوك موجود ولا تقول أبوك فلان لأنه معروف بحيث لن يخطئ الطفل فيه.. ولكن إذا كنت تقصد العم فإنك تسأل الطفل هل أبوك فلان موجود؟ فأنت في هذه الحالة تقصد العم ولا تقصد الأب.. لأن العم في منزلة الأب خصوصا إذا كان الأب متوفيا.

إذن قول الحق سبحانه وتعالى: { لأَبِيهِ آزَرَ } بذكر الاسم فمعناه لعمه آزر.. فإذا قال إنسان هل هناك دليل على ذلك؟ نقول نعم هناك دليل من القرآن في هذه الآية الكريمة: { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـاهَكَ وَإِلَـاهَ آبَائِكَ }.. والآباء جمع أب، ثم حدد الله تبارك وتعالى الآباء، إبراهيم وهو الجد يطلق عليه أب.. وإسماعيل وهو العم يطلق عليه أب واسحق وهو أبو يعقوب وجاء إسماعيل قبل اسحق.

إذن ففي هذه الآية جمع أب من ثلاثة هم إبراهيم وإسماعيل واسحق.. ويعقوب الذي حضره الموت وهو ابن اسحق، ولكن أولاد يعقوب لما خاطبوا أباهم قالوا آباءك ثم جاءوا بأسمائهم بالتحديد.. وهم إبراهيم الجد وإسماعيل العم واسحق أبو يعقوب وأطلقوا عليهم جميعا لقب الأب.

. فكأن إسماعيل أطلق عليه الأب وهو العم وإبراهيم أطلق عليه الأب وهو الجد واسحق أطلق عليه الأب وهو الأب.. فإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" أنا أشرف الناس حسباً ولا فخر "

يقول بعض الناس كيف ذلك ووالد إبراهيم كان غير مسلم.. ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

" أنا سيد ولد آدم "

فإذا قال أحدهم كيف هذا وأبو إبراهيم عليه السلام كان مشركا عابدا للأصنام.. نقول له لم يكن آزر أبا لإبراهيم وإنما كان عمه، ولذلك قال القرآن الكريم } لأَبِيهِ آزَرَ { وجاء بالاسم يريد به الأبوة غير الحقيقية.. فأبوة إبراهيم وأبوة اسحق معلومة لأولاد يعقوب.. ولكن إسماعيل كان مقيما في مكة بعيدا عنهم، فلماذا جاء اسمه بين إبراهيم واسحق؟ نقول جاء بالترتيب الزمني لأن إسماعيل أكبر من اسحق بأربعة عشر عاما..

وكونه وصف الثلاثة بأنهم آباء.. إشارة لنا من الله سبحانه وتعالى أن لفظ الأب يطلق على العم..

والله تبارك وتعالى يريدنا أن نتنبه لمعنى كلمة آزر.. ويريد أن يلفتنا أيضا إلى أن تعدد البلاغ عن الله لا يعني تعدد الآلهة.. لذلك قال سبحانه: } إِلَـاهاً وَاحِداً {..

(/137)