بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الأخوة الكرام، بالدين أصول و فروع، أنت بالكون تعرف الله، و بالشرع تعبده، إذاً هناك معرفة الله، وهناك معرفة أمره، معرفة الله شيء، ومعرفة أمره شيء آخر، معرفة أمره تحتاج إلى دراسة، الحلال والحرام، الخير والشر، أحكام الإيجارات، أحكام الديون، أحكام الحوالة، أحكام الكفالة، أحكام الزواج، أحكام الطلاق، هذه كلها أحكام شرعية تحتاج إلى دراسة.
لذلك أنا أقول دائماً: هناك علم بأمر الله، العلم بأمر الله اختصاص كليات الشريعة في الجامعات الإسلامية، كلية الشريعة تعطيك أمر الله، وهناك علم بخلقه الفيزياء، الكيمياء، الرياضيات، الفلك، الطب، الهندسة، علم التربية، علم الجيولوجيا، علم طبقات الأرض، علم النفس، علم الاجتماع، العلم بخلقه هذا اختصاص الجامعات في العالم، الجامعات تدرس العلم بخلقه، وكليات الشريعة تدرس العلم بأمره، أما العلم به فشيء آخر، العلم به عن طريق التفكر في خلق السماوات والأرض.
العلم بأمر الله و العلم بخلقه و العلم به:
أيها الأخوة، هناك علم بخلقه اختصاص الجامعات بالأرض، وهناك علم بأمره اختصاص كليات الشريعة في الجامعات، العلم بخلقه وبأمره يحتاجان إلى مدارسة، ما المدارسة ؟ كتاب، معلم، قراءة، مراجعة، تلخيص، حفظ، امتحان، شهادة، أي دراسة يحتاج إلى مدارسة،إلى معلم، ومتعلم، و وقت، و مكان، و قراءة، و حفظ، و مراجعة، و أداء امتحان، ونجاح بالامتحان.
العلم بأمره يحتاج إلى مدارسة، والعلم بخلقه يحتاج إلى مدارسة، لكن العلم بأمره معلومات مكانها في الدماغ، والعلم بخلقه معلومات مكانها في الدماغ، ولا علاقة لهذه المعلومات بالنفس.
مثلاً: إنسان ليس مسلماً وهو أستاذ بالسوربون، وقد يكون يهودياً، يدرس الحديث الشريف ويدرسه، معلومات تحتاج إلى قراءة، وإلى حفظ، وإلى تحليل، وإلى شرح، فالعلم بخلقه والعلم بأمره متاح لكل إنسان، وقد يكون من أعداء الإسلام.
أساساً أكبر المؤلفات في التاريخ العلمي من تأليف علماء ليسوا مسلمين، والحقيقة مؤلمة جداً، فالعلم بخلقه وبأمره يحتاجان إلى مدارسة، أي ذاكرة قوية، وقت انتساب لجامعة، حضور دروس، قراءة في البيت، مراجعة، تدقيق، أداء امتحان، شهادة، هذا اسمه مدارسة، فكما أن العلم بخلقه يحتاج إلى مدارسة، كذلك العلم بأمره يحتاج إلى مدارسة، أما العلم به يحتاج إلى مجاهدة، قال بعض العارفين: " جاهد تشاهد "، والآية الكريمة:
﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾
( سورة العنكبوت الآية: 69 )
فعندما تتحرى الحلال، وتخاف من الواحد الديان، وتصلي بإتقان، وتقوم الليل، وتقرأ القرآن، وتغض بصرك عن الحرام، هذا ثمن معرفة الله، لكنك إذا عرفت الله هذه المعرفة ليست معلومات مكانها في الدماغ، لا، معلومات مقامها في القلب، والقلب يشع على الآخرين الأنس، والرضا، والحب، تجد المؤمن كوكباً:
(( خياركم الذين إذا رؤوا ذكر الله بهم ))
[البيهقي عن عمر ]
إنسان موصول كالمصباح المتألق، موصول بالكهرباء يشع على من حوله، فالعلم به يحتاج إلى مجاهدة لا يحتاج إلى مدارسة، يحتاج إلى استقامة، إلى عمل صالح، إلى ورع، إلى ذكر، إلى أداء صلوات، إلى قراءة قرآن، إلى بذل طويل للقرب منه، جاهد تشاهد، فإذا جمعنا بين المدارسة والمشاهدة نكون قد حصلنا المجد من طرفيه، عرفنا الله بالمجاهدة وأطعناه بالمدارسة، وفي درس آخر إن شاء الله نتابع هذا الموضوع الدقيق.
والحمد لله رب العالمين