الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

أيها الأخوة، لا شك أنكم سمعتم عن دودة القز، دودة القزّ يُسمّيها علماء البيولوجيا ملكة الأنسجة بلا منازع، لماذا ؟ قال: لعابها إذا لامسَ الهواء تجمَّد، فصارَ خيطًا حريريًّاً، هذه الدودة تستطيع أن تنسجَ ستّة بوصات في الدقيقة الواحدة، طول خيطها ثلاثمئة متر، مستمرّ، رفيع جداً، خفيف جداً، متين جداً، لامع جداً، اللمعة تأتيه من البروتين، كلّ ثلاثمئة وستّين شرنقة تساوي قميصاً حريرياً واحداً، أخف نسيج في الأرض نسيج الحرير الطبيعي، الثياب الحريرية ذات وزن خفيف جداً، ومتانة أعلى من الفولاذ، لو سحب الفولاذ على شكل خيط بقطر خيط الحرير لكان الحرير أمتن من الفولاذ، متين جداً، خفيف جداً، جميل جداً، ما ألوانه ؟ لون الذهب، ولون الفضة، هناك خيط دودة قز ذهبي، وهناك خيط فضي.

 الحرير أجمل و أخف وألمع الأقمشة 

قميص يرتديه رجل عريض المنكبين، طويل القامة، قميص من حرير طبيعي وزنه مئة غرام فقط، خفيف جداً، متين جداً، لامع جداً، بلون الذهب والفضة، لعاب يخرج منها صار خيطاً طوله ثلاثمئة متر، هذا الخيط لا يتأثّر بالشمس، ولا يحتاج إلى تثبيت، لون أصلي لو وضعته في الشمس مئات الساعات اللون لا يتغير، لذلك قال تعالى:

﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (28) ﴾

( سورة فاطر)

بالمناسبة خيط العنكبوت أمتن من الفولاذ بخمسة أضعاف، فلو سحبنا الفولاذ على شكل خيط في قطر خيط العنكبوت لكان هذا الخيط أمتن من الفولاذ بخمسة أضعاف، لذلك قال تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

( سورة آل عمران )

للكون وظيفتان كبيرتان ؛ وظيفة نفعية ووظيفة إرشادية:

أيها الأخوة، النقطة الدقيقة جداً أن هذا الكون له وظيفتان كبيرتان، وظيفة إرشادية إلى الله عز وجل، أداتها التفكر في خلق السماوات والأرض، ووظيفة نفعية أساسها:

﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ﴾

( سورة الجاثية الآية: 13 )

 للقمر وظيفة إرشادية وتسخيرية

له وظيفة تسخيرية، مسخر لخدمتنا في الدنيا، ووظيفة ثانية إرشادية يعرفنا بالله عز وجل، وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم هذين الهدفين الكبيرين من خلق الكون بقوله حينما نظر إلى هلال القمر:

(( هلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ ))

[أبو داود عن قتادة]

خير ننتفع بضيائه، وهو كالتقويم في السماء، مواقيت للناس والحج، وفضلاً عن ذلك هو يرشدنا إلى ربنا، وظيفة إرشادية ووظيفة نفعية، فالغرب أتقن الوظيفة النفعية إتقاناً بالغاً، والشرق لعله أتقن إن شاء الله الوظيفة الإرشادية، لكن هذا لا يمنع أن يتقن أيضاً الوظيفة النفعية.

أيها الأخوة:

وفي كل شيء آية تدل على أنه واحد

***

وهذا الكون مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، والتفكر في خلق السماوات والأرض أقصر طريق إلى الله، وأوسع باب ندخل منه على الله.

والحمد لله رب العالمين