من هذا الباب خرجوا .. قبل شهر قبل شهرين .. قبل شتاءات أكبر من العد أكبر من العد .. أكبر من تلك الأرقام التي تعلمناها
كان رحيلهم بلا وداع .. كانت الرصاصة تذكرة العبور .. كان أبي وأمي
أين دراجتي أين كتابي وخيولي المرسومة على الورق أين عربات الأزقة الضيقة .. أين أصوات الباعة المتجولون عفواً المتجولين .. لقد علمني أستاذي أن الصفة تتبع الموصوع
أين أستاذي .. أين رفاقي زياد هشام أحمد وأيوب المتعب بمرضه .. أين لوحة طارق المنصوبة على جدار فصلنا يوم أن كانت “أين” لا تحمل كل هذا الألم
من سرقها .. من سرق ذاكرتنا المخبوءة تحتها
لأن الحروب دائماً تغتال أين .. فقد ماتت كل آمالك بتلك الأشياء الجميلة ماتت “أين” .. وماتت الصدور العارية إلا من الحب
يا صغيري جرب “كان” .. جرب أن تحكي عن الأرض عن الرفاق قبل أن يهجم الرصاص قبل أن يهيج البحر قبل أن تطير الفراشات إلى الله
من هذا الباب خرجوا .. قبل شهر قبل شهرين .. قبل شتاءات أكبر من العد أكبر من العد .. أكبر من تلك الأرقام التي تعلمناها
كان رحيلهم بلا وداع .. كانت الرصاصة تذكرة العبور .. كان أبي وأمي
كانت عيناي يد أبي .. كانت أنفاسي صدر أمي .. كان سمعي أغنية جدي .. كانت قدماي كان صوتي خط النهاية لسياق الأصدقاء .. وكان لساني ياشام يامدينة السماء
هناك .. قاسيون عالياً عالياً لا شيء أعلى منه سوى هامة أبي .. كانت الطيور والأبنية والسحاب دونه .. كان متكئ حزننا وسرنا وحبنا .. كان ظلنا من الشمس .. كان يحمينا من الغروب .. فجأة إنهزم قاسيون .. إنهزم في عيون كل الأطفال .. إنهزم قاسيون منذ أن تجاوزته للأعلى طائرات طالما حماها .. كان يظن أن مطرها ولهيبها لا يمكن أن يهطل بهذه السرعة فوق رؤس عالية صغيرة بحت حناجرها بالنشيد الوطني حماة الديار عليكم سلام ..
كان الرصاص .. أسرع من الصوت .. أسرع من النشيد .. كان قاسيون ثم انهزم
لأن قلبك صغير على حمل وجع “كان” .. ولأن ذاكرتك مخبأ للراحلين .. ولأن كان فعل ماضٍ ناقص عن أن يحيط بكل هذا الألم .. جرب ياصغيري “صار” جرب لربما ترى وجهاً آخر للحرب وجهاً آخر للبندقية وجهاً أبيض
من هذا الباب خرجوا .. قبل شهر قبل شهرين .. قبل شتاءات أكبر من العد أكبر من العد .. أكبر من تلك الأرقام التي تعلمناها
كان رحيلهم بلا وداع .. كانت الرصاصة تذكرة العبور .. كان أبي وأمي
صارت عيناي مقبرة لهما .. صارت أنفاسي مخنوقة بجثث الأصدقاء .. صار سمعي صوت ديك خسر فجره .. صارت قدماي أصغر حتى لا تتورط بلغم .. صارت دموعي تبحث عن مجرى آخر كي أشعر .. صار صوتي خط البداية للجنة ..
صارت العصافير تهاجر .. الحمام لا يعود .. الزيتون طفل لا يكبر .. صوت الباعة مواء قطط جائعة .. الشتاء ذئبٌ شرس .. والأمهات بلا أنفاس دافئة .. تكبر أختي وحيدة .. صار الدخان يحجب الشمس لينمو الصغار بلا ظلهم .. صار الواقع أكبر من الحلم .. الشتاء يغوي الدفء .. الدفء يجرب الخيانة فوق أجسادنا النحيلة المنهكة ..
ضعاف جوعى ونحن نواجه معركتين .. الرصاصة .. والشتاء
سرباً سرباً صاروا يرحلون .. صار الموت الفردي ترف الأموات .. سرباً سرباً للسماء ..
يابني لا تقصص وجعك على إخوتك على العالم على كل المنظمات فيكيدوا لك كيداً ..
من الأعلى نعود .. من قلوب الأمهات .. من الكلمات .. من البيوت .. من الذاكرة .. من كل الأفواه الباسمة نعود .. مع الضوء .. مع الشمس .. مع الحقول .. مع الحمام .. مع النصر نعود ..
يابني لا تقصص وجعك على إخوتك على العالم فيكيدوا لك كيداً