بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة :
السلام عليكم ورحمة الله ، أيها الأخوة والأخوات أسعد الله أوقاتكم بكل خير ، وأهلاً بكم في لقاء جديد في برنامج : "الإسلام منهج حياة ".
ضيف البرنامج هو فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، الداعية الإسلامي ـ حفظه الله ـ أهلاً بكم فضيلة الدكتور .
الدكتور راتب :
بكم أستاذ جميل جزاك الله خيراً .
الأستاذ جميل :
دكتور ، الوقت هو وعاء العمل ، ومحطتنا التي نتحدث فيها هي الاقتصاد ، العمل ، الزكاة ، والوقت هو أهم عامل من عوامل الاقتصاد ، لماذا ؟.
الوقت أثمن شيء يملكه الإنسان :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أستاذ جميل ، هل تصدق أن خالق السماوات والأرض أقسم بعمر النبي ؟ والعمر زمن ، هذا الإنسان الذي استفاد من حياته دقيقةً دقيقة ، وجعلها في خدمة الخلق ، وفي إسعادهم ، وفي حثهم على طرق سلامتهم ، فلذلك قال تعالى :
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾
( سورة الحجر )
أقسم الله بعمر هذا الإنسان ، فالعمر له خطورة كبيرة في حياة الإنسان ، فالإنسان وقت .
ما من تعريف جامع مانع للإنسان كتعريف الإمام الجليل الحسن البصري قال : " الإنسان بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، وما من يوم ينشق فجره إلا وينادي : يا بن آدم أنا يوم جديد ، وعلى عملك شهيد ، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة ".
فالوقت أثمن ما يملكه الإنسان ، أو رأسمال الإنسان ، أو هو الإنسان ، فلذلك الوقت وإدارته في الحقيقة إدارة للإنسان ، إدارة لذاته ، إدارة لدينه ، إدارة لعلمه ، من هنا تأتي خطورة الوقت في حياة الإنسان .
لكن سيدنا علي رضي الله عنه يقول : " الله لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً " ، أنا يقيني قبل كشف الغطاء كيقيني بعد كشف الغطاء .
وله قول آخر : " والله لو علمت أن غداً أجلي ما قدرت أن أزيد في عملي "، فالوقت هو الإنسان أو هو رأسماله ، أو هو أثمن شيء يملكه .
الأستاذ جميل :
دكتور ، هل هناك نص قرآني صريح لحديثنا عن الوقت ؟.
سورة العصر نص قرآني صريح عن الوقت وأهميته :
الدكتور راتب :
والله سورة العصر هي النص الأول في القرآن الكريم ، فالله جلّ جلاله يقسم بمطلق الزمن ، بالعصر فيقول :
﴿ وَالْعَصْرِ ﴾
جواب القسم :
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
( سورة العصر )
الإنسان بجواب القسم خاسر لا محال ، لماذا يا رب ؟ قال : لأن مضي الزمن يستهلكه ، مضي الزمن وحده يستهلكنا .
ما لم يصبر الإنسان في البحث عن الحقيقة والعمل وفقها والدعوة إليها فهو خاسر لا محالة :
لذلك الإنسان خاسر لأنه بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، ولكن الله جلّ جلاله كانت رحمته في كلمة إلا ، هناك استثناء :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا ﴾
ما بعد إلا أركان النجاة من الخسارة .
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
( سورة العصر )
هؤلاء أنفقوا وقتهم إنفاقاً استثمارياً ، ولم ينفقوا وقتهم إنفاقاً استهلاكياً ، معظم الناس اليوم ينفقون أوقاتهم إنفاقاً استهلاكياً ، يأكلون ، ويشربون ، ويتمتعون ، ثم يفاجؤون بالموت وزادهم في الآخرة قليل ، أما المؤمن عمل في الوقت الذي سينقضي عملاً ينفعه بعد انقضاء الوقت ، هذه نقطة دقيقة :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
أي الذين يبحثون عن الحقيقة ، وعملوا وفقها ، وعملوا الصالحات ، ودعوا إليها، وهذا فرض عين على كل مسلم في الدعوة إلى الله ، في حدود ما يعلم ومع من يعرف
﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
صبروا على البحث عنها ، والعمل وفقها ، والدعوة إليها .
هذه السورة ، كان الصحابة الكرام لا يتفرقون إلا على هذه السورة ، وقال عنها الإمام الشافعي : "لو أن الناس استوعبوا هذه السورة لكفتهم "، فلذلك تعد أصلاً من أصول إدارة الوقت .
الأستاذ جميل :
دكتور ذكرتم الإدارة ، ماذا نعني بإدارة الوقت ؟ وكيف الإفادة منها ؟.
إدارة الوقت :
الدكتور راتب :
والله إدارة الوقت تعني فعل الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي ، مرة التقيت مع أحد الأخوة الكرام يحمل دكتوراه في إدارة الأعمال في أمريكا ، حدثته عن هذه الآية :
﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
( سورة الملك )
أقسم لي بالله أن هذه الآية جمعت كل اختصاصه ، المؤمن له هدف واضح يسعى نحوه ، أما غير المؤمن
﴿ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ ﴾
نسي الآخرة ، نسي ما بعد الموت ، نسي الحساب ، نسي العذاب ، نسي الجنة ، نسي النار ،
﴿ يَمْشِي مُكِبّاً ﴾
فلذلك إدارة الوقت بتعريف آخر تعني : تحديد هدف ، ثم تحقيقه ، أنت تدير وقتك أي عندك أهداف واضحة ، ولها وسائل واضحة ، فتتحرك نحو هذه الأهداف .
لذلك الإنسان حينما يدير وقته بشكل فعال هو في الحقيقة يدير نفسه ، وعبادته ، وعمله ، ودنياه ، إدارة فعالة .
الوقت من أكثر الأشياء هدراً في حياة الدول النامية :
شيء آخر : مع الأسف الشديد الشديد أكثر الأشياء هدراً في حياة الدول النامية الوقت ، الوقت قيمة كبيرة جداً ، لكن هذه القيمة أقل القيم استثماراً ، وأكثرها هدراً ، الحقيقة أن علماء الاقتصاد جمعوا الموارد الاقتصادية فكانت من هذه الموارد المواد الأولية ، والمعلومات ، والأفراد ، والوقت ، عندنا إنسان ، و عندنا وقت ، وعندنا موارد ، وعندنا أعمال ، هذه أربعة موارد للاقتصاد ، الوقت أهمها ، والإنسان ثاني أكبر مورد اقتصادي ، الإنسان نفسه .
فلذلك الوقت مورد نادر لا يمكن استرجاعه ، فما مضى فات ، والمؤمل غيب ، ولك الساعة التي أنت فيها .
الأستاذ جميل :
دكتور ، هل هذه المعاني عالجتها نصوص السنة النبوية أم أنها مصطلحات ومعان محدثة ليس لها تأصيل شرعي ؟.
أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن الوقت و أهميته :
الدكتور راتب :
والله هناك أحاديث كثيرة للنبي عليه الصلاة والسلام ، إدارة الوقت تشغل حيزاً كبيراً في ديننا ، مثلاً يقول عليه الصلاة والسلام :
(( نعمتان مَغْبُون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ ))
[أخرجه البخاري والترمذي عن عبد الله بن عباس ]
الذي عنده وقت فراغ ، عنده مشاريع كبيرة جداً ، ويرقى بهذه المشاريع ، بل هناك مقولة معاكسة : الذي ليس عنده وقت فراغ لا يعيش إنسانيته ، فلابدّ من وقت فراغ تمارس به هواياتك .
شيء آخر ، يقول عليه الصلاة والسلام :
(( لا تزولُ قدَمَا عبد يومَ القيامة ، حتى يُسألَ عن أربع : عن عُمُره فيما أفناه ؟ وعن عِلْمِهِ ما عمِل به ))
[أخرجه الترمذي عن أبي برزة الأسلمي ]
لمََِ فعلت كذا ؟ لِمَ طلقت امرأتك طلاقاً تعسفياً ؟ لَمَ أكلت هذا المال ؟ لِمَ أغفلت الحسابات عن شريكك ؟ سوف يحاسب الإنسان حساباً دقيقاً عن المال ، وعن الوقت .
(( وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ؟ وعن جسمه فيمَ أبلاه ؟))
[أخرجه الترمذي عن أبي برزة الأسلمي ]
السبعون عاماً كيف أمضيتها ؟ في طاعة أم في معصية ؟ هذا حديث أصل في موضوع الوقت ، لكن الحديث الرائع الذي ينبغي أن يكون واضحاً يقول عليه الصلاة والسلام :
(( اغتنم خمساً قبل خمس ؛ شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك ))
[ أخرجه الحاكم عن عبد الله بن عباس ]
نحن في إدارة الوقت هذا موضوع يعني كل مسلم ، يعني كل مؤمن ، لأن الوقت هو الإنسان ، هو رأسمال الإنسان ، هو أثمن شيء يملكه الإنسان ، الوقت غلاف العمل ، وهناك أناس كثيرون يمضون أوقاتهم بلا جدوى ، وبلا عمل ناجح ، في كلام فارغ ، في غيبة ، في نميمة ، في لعب نرد .
مرّ أحد العلماء على مقهى رأى من في المقهى يلعبون النرد ، فقال : يا سبحان الله ! لو أن الوقت يُشترى من هؤلاء لاشتريناه منهم .
الحرص على الوقت شيء مهم جداً :
النقطة الدقيقة أن الإنسان خُلق لهدف كبير ، فإذا اختار هدفاً محدوداً وحققه شعر بفراغ ، وشعر بالسأم ، والضجر ، فأنت مخلوق لمعرفة الله ، فلابدّ من أن تستفيد من وقتك دقيقةً دقيقة ، وبطولة المؤمن أن إدارة الوقت عنده دقيقة ، وأحاديث كثيرة تتحدث عن قيمة الوقت ، وعن قيمة هذا المورد الاقتصادي الكبير ، العالم الغربي قال : الوقت مال .
وقال بعض علماء المسلمين : الناس حريصون على أوقاتهم كحرصهم على حياتهم ، فالحرص على الوقت شيء مهم جداً .
خاتمة و توديع :
الأستاذ جميل :
جزاكم الله خيراً فضيلة الدكتور وأحسن إليكم ، كنا معكم أيها الأخوة في إدارة الوقت ، وكيفيته ، نشكر لكم حسن المتابعة ، نترككم في أمان الله وحفظه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله رب العالمين
http://nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=2632&id=189&sid=799&ssid=808&sssid=838