بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة :
السلام عليكم ورحمة الله ، أيها الأخوة والأخوات أسعد الله أوقاتكم بكل خير ، وأهلاً بكم في لقاء جديد في برنامج : "الإسلام منهج حياة ".
ضيف البرنامج هو فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، الداعية الإسلامي ـ حفظه الله ـ أهلاً بكم فضيلة الدكتور .
الدكتور راتب :
بكم أستاذ جميل جزاك الله خيراً .
الأستاذ جميل :
دكتور كان للزكاة الدور الأكبر في النظام المالي الإسلامي ولا يزال ، والزكاة هي قدر من المال يخرجه الغني من مصارفه ، سؤالي : لماذا صنف الفقهاء بحث الزكاة وعدوه في العبادات وليس في المعاملات ؟.
الزكاة أحد أكبر أسس النظام المالي الإسلامي :
الدكتور راتب :
الزكاة عبادة مالية ، لأن الله عز وجل جعل الزكاة أحد أكبر أسس النظام المالي الإسلامي ، والزكاة تنطلق من الضمان الاجتماعي ، لأنه حينما توزع الأموال بأيدٍ قليلة وتحرم منها الكثرة الكثيرة ، تنشأ مشكلات لا تنتهي في المجتمع ، فمن أجل ضمانة سلامة كل شرائح المجتمع فرض الله في الأغنياء ما يسع الفقراء ، فلذلك هي عبادة كالصلاة ، والصيام ، والحج ، لكن الصلاة عبادة بدنية ، والحج عبادة بدنية مالية ، والزكاة عبادة مالية ، فالزكاة عبادة مالية وهي أصل للاقتصاد الإسلامي .
لذلك نحن في المحطة السادسة ، محطة العمل الذي نرتزق منه ، والزكاة جزء أساسي من نظام الإسلام في العمل .
الأستاذ جميل :
دكتور ، هل هناك آية في كتاب الله عز وجل تعد أصلاً في الزكاة ؟.
الآية التالية تعد أصلاً في الزكاة :
الدكتور راتب :
الآيات كثيرة جداً ، إلا أن هناك آية تعد كما تفضلت أصلاً في هذا الموضوع ، والآية هي قوله تعالى :
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾
( سورة التوبة الآية : 103 )
الحقيقة وقف العلماء عند هذه الآية تفصيلاً عند كلماتها كلمةً كلمة ، فكلمة
﴿ خُذْ ﴾
هذا أمر موجه إلى رسول الله ، إلا أن الملمح الدقيق أن هذا الأمر وجه إلى النبي الكريم لا على أنه نبي الأمة ولكن على أنه ولي الأمر ، فهذه الزكاة يجب أن تؤخذ لا أن تؤدى طواعية ، تؤخذ من كل مؤمن على أنها فريضة واجبة من أجل أن نقدم للفقراء ما يحتاجونه ، إذاً هي فريضة على الإنسان أن يدفعها شاء أم أبى ، أحب أم كره ، ليست عملاً تطوعياً اختيارياً ، كلمة فريضة فيها إلزام .
الله عز وجل جعل الزكاة فرضاً عينياً على كل إنسان مسلم ملك النصاب :
بالمناسبة : نحن عندنا في الإسلام فرائض ، وعندنا محرمات ، وعندنا سنن ، و عندنا مستحبات ، وعندنا مباحات ، وعندنا مكروهات كراهة تنزيهية ، وعندنا مكروهات كراهة تحريمية ، فما من حركة ولا سكنة في حياتنا إلا وهناك حكم شرعي يغطيها ، فكلمة فرض أصل في سعادتنا ، أنت حينما تنفق من مالك الحلال الذي كسبته بجهدك وبعرق جبينك، وحينما ترى أن هذا المال حلّ مشكلات من حولك ، تسعد بهذا العمل .
فجزء من طاعتك لله ، وجزء من أسباب إقبالك عليه ، أن تنفق من مالك ، لكن الله عز وجل لئلا يكون الفقراء تحت رحمة الأغنياء ، يعطون أو لا يعطون ، فجعل الزكاة فرضاً عينياً على كل إنسان مسلم ملك النصاب .
الزكاة تجب في كل الأموال من دون استثناء :
كلمة
﴿ خُذْ ﴾
لا بد من أن تؤخذ الزكاة من المؤمنين بحسب أنصبة أموالهم ، لكن الله عز وجل حينما قال :
﴿ خُذْ مِنْ ﴾
ماذا تعني كلمة
﴿ مِنْ ﴾
؟ تعني كلمة من أنها للتبعيض ، أي خذ بعض أموالهم ، الشرع الحنيف حكيم ورحيم ، لم يصادر المال كله ، لم يأخذ المال كله ، لم يأخذ نصف المال ، لم يأخذ ربع المال ، أخذ نسبة ضئيلة جداً من المال ، فهذا ما تعنيه كلمة
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾
أما كلمة أموال جاءت جمعاً ، لأن الزكاة تجب في كل الأموال من دون استثناء ، أي هناك زكاة للإنتاج الزراعي ، وهناك زكاة للبضاعة والتجارة ، وهناك زكاة للصناعة ، وهناك زكاة للركاز ، بحوث الفقه ممتلئة بتفاصيل أنواع الأموال التي تجب بها الزكاة ، لكن الآية الكريمة لخصتها بصيغة الجمع ،
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾
فأي مال لا بد من أن تكون فيه أي زكاة .
مرة سألني إنسان : هل على العسل زكاة ؟ قلت : نعم ، قال لي : وماذا نفعل إن لم ندفع ؟ ما الذي يحصل ؟ القضية سهلة جداً ، عندنا حشرة اسمها قراض النحل ، تسلط على هذه الخلايا فتتلفها ، فإما أن تدفع ، وإما قراض النحل جاهز .
الله عز وجل أرادنا أن نكون كرماء ، وأسخياء ، إلا أن الزكاة فرض ، لا يوجد خيار ، لابدّ من أن تدفع زكاة مالك .
المحروم صاحب الكرامة والعزة يسكت ولا يسأل فيحرم فالبطولة أن تبحث أنت عنه :
لذلك قال تعالى :
﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ﴾
( سورة المعارج )
لابدّ من جرد البضاعة ، لابدّ من حساب ثمن هذه البضاعة ، لابدّ من دفع الزكاة بحساب دقيق .
﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾
( سورة الذاريات )
من هو السائل ؟ الذي يلح ، والمحروم صاحب الكرامة والعزة يسكت ولا يسأل فيحرم .
لذلك أستاذ جميل ، لي رأي دقيق جداً ، حينما أخبرنا الله عز وجل أن الذي يستحق الزكاة هو الذي لا يسأل ، نشأ من هذا التوضيح واجب على كل مؤمن ، أن يبحث عن المستحق حقيقة ، يوجد بحث ، فالذي يسألك يكون كاذباً ، الذي يسألك قد يكون ملحاً ، أما الذي يستحق الزكاة حقيقة لا يسألك ، وقد يبدو كريماً ، يبدو أنيقاً ، قد يكون محتاجاً إلى المال فالبطولة أن تبحث أنت عنه .
الزكاة تؤكد صدق إيمانك بالله عز وجل وصدق طاعتك له و صدق محبتك له :
لذلك
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾
الآن هم ، هذا ضمير الجمع ، أي لا يعفى أحد من الزكاة ، لا يعفى مال من أداء الزكاة ، لا يعفى أحد من دفع الزكاة ، أحياناً بالأنظمة الراهنة تطوى الضريبة عن زيد ، تطوى عن عبيد ، نحن بالإسلام الناس جميع سواسية كأسنان المشط ، لا تطوى الزكاة عن إنسان ، والدليل :
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾
جمع المال كي تغطي كل الأموال ، زراعة ، صناعة ، تجارة ، ركاز ، ثروات ، أما هم تشمل كل الناس من دون استثناء ،
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾
لكن
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ﴾
كأن الآية عن الزكاة ، فلماذا وصفت هنا بالصدقة ؟ قال : الصدقة برهان ، هناك عبادات لا تكلفنا شيئاً ، تتوضأ وتصلي ، أما هناك عبادة مالية تكلفك مالاً جنيته بتعبك وعرقك ، وها أنت تنفقه في سبيل الله، فهذه العبادة تؤكد صدق إيمانك بالله عز وجل ، تؤكد صدق طاعتك لله ، تؤكد صدق محبتك لله ، فالصدقة برهان ، فجاءت هنا كلمة الصدقة مكان الزكاة كي تبين أن الذي يدفع زكاة ماله يحب الله ، ويحب طاعته ، ويتمنى رضاه .
لذلك النبي الكريم أعطانا مقاييس ، قال :
(( برئ من الشح من أدى زكاة ماله ))
[أخرجه الطبراني عن جابر بن عبد الله ]
ممنوع أن تصف إنساناً أنه شحيح وقد أدى زكاة ماله .
(( برئ من الشح من أدى زكاة ماله ))
وبرئ من الكبر من حمل حاجته بيده ، وصاحب الحاجة أولى بحملها ، وبرئ من النفاق من أكثر من ذكر الله .
الزكاة تطهر الغني من الشح والفقير من الحقد :
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ﴾
خذ لها معنى ، من لها معنى ، جمع مال لها معنى ، صدقة لها معنى ،
﴿ تُطَهِّرُهُمْ ﴾
هذا المال الذي ينفقه الإنسان يطهر نفسه من الشح ، الشح مرض خطير ، نحن كيف نقول الورم الخبيث مميت ؟ والله لا أبالغ إذا كان هناك مرض خبيث يصيب النفس فهو الشح ، فالذي دفع زكاة ماله طهر نفسه من مرض الشح
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ﴾
أي تطهر نفوسهم من مرض الشح .
الآن تطهر الغني من الشح ، تطهر الفقير من الحقد ، الفقير المحروم يرى الأغنياء يركبون مركبات فارهة ، يلبسون ثياباً فاخرة جداً ، بيوتهم عامرة ، يدعون إلى ولائم غالية جداً ، فيحقد ، أما حينما تأتيه الزكاة يرى نفسه مهماً في المجتمع ، أن نظام المجتمع يرعى مصالحه ، ويوفر له حاجاته الأساسية ، فهذا الفقير بدل أن يحقد يحب الغني ، بل لن يحدث نفسه بأخذ بعض الأموال ، بل يكون حارساً لها ،
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ﴾
تطهر نفس الغني من الشح ، ونفس الفقير من الحقد ، وتطهر المال من حق تعلق الغير به ، الحجر المغصوب في بناء رهن في خرابه ، فإذا كان هذا المال فيه مال حرام ، أي هناك مال لم تؤدَ زكاته قد يتلف المال كله ، إذاً تطهرهم من الشح للأغنياء والحقد للفقراء ، وتعلق حق الغير به .
الزكاة تزكي نفس الغني و الفقير :
الآن :
﴿ وَتُزَكِّيهِمْ ﴾
تزكي نفس الغني ، يرى ماله أصبح ابتسامة على وجوه الصغار ، يرى ماله جعل من هؤلاء الفقراء حراساً له ، يرى أن هؤلاء الفقراء دانوا له بالولاء ، فزكت نفس الغني ، وزكت نفس الفقير ، شعر بقيمته في المجتمع ، والمال يزداد ، يزداد بطرائق عديدة ، يزداد بنظام الزكاة نفسه ، أنت حينما تقدم هذا المال للفقراء جعلته قوة شرائية ، اشتروا منك فازدادت أرباحك ، ومبيعاتك ، فهذا المال ينمو بآلية محضة ، وينمو بعناية الله ، ينمو بإحدى طريقتين ؛ بآلية مالية محضة ، وينمو بعناية الله :
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾
الأستاذ جميل :
دكتور ، في عجالة ما هي الثمار التي يجنيها دافع الزكاة ؟ بمعنى هو يدفع والمال ينقص بنظرة الحرص ماذا يستفيد من ذلك ؟ .
الثمار التي يجنيها دافع الزكاة :
الدكتور راتب :
هناك بعض الأحاديث :
(( ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة ))
[أخرجه الطبراني عن أبي هريرة ]
وفي حديث آخر :
(( حصنوا أموالكم بالزكاة ))
[أخرجه الطبراني عن عبد الله بن مسعود ]
فالثمرة دنيوية ، وأن المال محصن ، ولا يتلف .
خاتمة و توديع :
الأستاذ جميل :
جزاكم الله خيراً وأحسن إليكم ، شكراً لكم أيها الأخوة على حسن المتابعة ، نترككم في أمان الله وحفظه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والحمد لله رب العالمين
http://nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=2631&id=189&sid=799&ssid=808&sssid=838