الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة :

السلام عليكم ورحمة الله ، أيها الأخوة والأخوات أسعد الله أوقاتكم بكل خير ، وأهلاً بكم في لقاء جديد ، في برنامج : "الإسلام منهج حياة ".

ضيف البرنامج هو فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، الداعية الإسلامي ـ حفظه الله ـ أهلاً بكم فضيلة الدكتور .

الدكتور راتب :

بكم أستاذ جميل .

الأستاذ جميل :

دكتور تدخل الشرع الحنيف في العمل وآلياته ، وحدد له طرقاً سليمةً ، وأمره بها، وسنتكلم لاحقاً في هذه العناوين ، ولكن بداية ما هي خصائص الاقتصاد الإسلامي ؟.

المحطات الأساسية في حياة الإنسان :

الدكتور راتب :

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

قبل أن أجيب عن هذا السؤال ، أريد أن أذكر الأخوة المشاهدين بأننا دخلنا في المحطة السادسة ، ذلك أن هذا البرنامج ينطلق من محطات أساسية في حياة الإنسان ، محطة علاقته مع الله ، ومحطة علاقته مع أهل بيته وأولاده ، ومحطة علاقته مع من حوله من الناس ، ومحطة علاقته بالشأن العام الدولي ، ومحطة الدعوة إلى الله ، لأن الدعوة إلى الله كما بينا فرض عين على كل مسلم ، والآن دخلنا في محطة العمل ، الإنسان له عمل يرتزق منه ، وسوف تلي محطة سابعة هي محطة العناية بالصحة ، فنحن في المحطة السادسة محطة العمل الذي يرتزق الإنسان منه .

من خصائص الاقتصاد الإسلامي أن المال مال الله و الإنسان مستخلف فيه :

الآن الإجابة عن سؤالك اللطيف : الاقتصاد الإسلامي له خصائص ، أولى خصائصه أن المال مال الله ، وأن الإنسان مستخلف فيه ، أي يده عليه يد الأمانة ، ومحاسب عن طريقة كسبه ، وعن طريقة إنفاقه ، والاقتصاد الإسلامي يؤكد أن المال مهمته تقييم السلع وأداة للتبادل التجاري ، ممنوع أن نتاجر بالمال ، المال قيمة وليس سلعة .

الاقتصاد الإسلامي قائم على الرقابة الذاتية :

الشيء الآخر أن الاقتصاد الإسلامي جزء من الإسلام ، أي العمل الصالح جزء من حياة المؤمن ، والعمل الصالح جزء من الاقتصاد الإسلامي ، مبادئ الإسلام ، قيم الإسلام، مطبقة في هذا الاقتصاد ، والاقتصاد الإسلامي تعبدي بمعنى أن الحرفة الذي يحترفها الإنسان والتي يرتزق منها إذا كانت في الأصل مشروعة ، وسلك بها الطرق المشروعة ، وابتغى منها كفاية نفسه، وأهله ، وخدمة الناس ، ولم تشغله عن فريضة أو واجب ديني ، انقلبت إلى عبادة ، فالإنسان وهو في متجره ، وهو يستورد البضاعة للمؤمنين، وهو يبحث في حقله عن وسائل تنمية مزروعاته ، هو في عبادة ، لأن العمل الذي يحترفه الإنسان ما دام في الأصل مشروعاً وسلك به الطرق المشروعة ، وابتغى منه كفاية أهله ، ونفسه ، وخدمة الناس ، ولم يشغله عن واجب ديني أو فرض ، انقلب إلى عبادة ، لذلك قالوا: عادات المؤمن عبادات ، وعبادات المنافق سيئات ، والاقتصاد الإسلامي قائم على الرقابة الذاتية ، لأنه مهما كان الإنسان قوياً لا يستطيع أن يراقب كل شيء .

التوازن بين المصلحة الفردية والجماعية في النظام الاقتصادي الإسلامي :

الإسلام عظمته أنه مبني على الوازع الداخلي :

﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾

(سورة الحديد الآية 4 )

لا تخفى عليه خافية ، وفي النظام الاقتصادي أيضاً توازن بين المصلحة الفردية والجماعية ، فهناك مذاهب في الأرض اعتقدت أن الفرد هو كل شيء وسحقت المجموع ، وهناك مذاهب أخرى اقتصادية اعتقدت أن المجموع هي كل شيء وسحقت الفرد ، أما هذا الإسلام المتوازن الوسطي انسجمت فيه المصلحة الفردية مع المصلحة الجماعية .

الاقتصاد الإسلامي وازن بين الروح و المادة :

شيء آخر : هذا الاقتصاد وازن بين الروح والمادة ، أنت حينما تقرض قرضاً حسناً ، أنت ابتغيت وجه الله ، هذا عمل من أعمالك الصالحة ، ففي الاقتصاد الإسلامي عمل صالح ، كأن هذا الاقتصاد عدّ المال مال الله والإنسان مستخلف فيه ، والمال ليست سلعة يتاجر بها ، وهذا الاقتصاد مرتبط بمبادئ الدين وقيمه أشد الارتباط ، وهذا اقتصاد تعبدي ، حرفتك أحد أنواع عبادتك ، وهذا الاقتصاد رقابته ذاتية ، وأعظم ما فيه أنه يعامل الله عز وجل ، ولا يمنع أن يكون هناك رقابة من الدولة ، وهذا الاقتصاد وازن بين المصلحة الفردية والمصلحة الجماعية ، ووازن بين المادة والروح ، وهذا الاقتصاد أخلاقي بمعنى أن التاجر المسلم عنده سماحة ، وعنده رحمة ، وعنده لطف ، هذه القيم الأخلاقية هي التي نشرت الإسلام في إندونيسيا ، وهي الآن أكبر دولة إسلامية ، فهذه خصائص الاقتصاد الإسلامي .

الأستاذ جميل :

نعم ، دكتور ، إذاً ما هي القواعد الاقتصادية والضوابط الشرعية التي تحكم الاقتصاد بشكل عام والتجارة بشكل خاص ؟.

القواعد الاقتصادية والضوابط الشرعية التي تحكم الاقتصاد الإسلامي :

1 ـ النظام الإسلامي يؤمن بالمشاركة في المخاطر والمكاسب :

الدكتور راتب :

الحقيقة هذه القواعد دقيقة جداً ، الآن الحديث عن الاقتصاد الإسلامي حديث العالم كله ، بعد انهيار النظام المالي الغربي ، وجدوا أن النظام الإسلامي منيع عن أن ينهار ، السبب بحثوا في خصائصه وفي قواعده ، القاعدة الأولى هذا النظام يؤمن بالمشاركة في المخاطر والمكاسب ، لا يوجد إنسان يعمل قرضاً ربوياً ، فماله محفوظ مع الفوائد ، والثاني تدمر ، هناك مشاركة ، القرض الرِبوي ممنوع ، لأن أصل هذا النظام مشاركة في المكاسب والمخاطر .

2 ـ النظام الإسلامي يؤمن بالملكية الخاصة مع احترام الملكية الجماعية :

هناك شيء ثان : يؤمن بالملكية الخاصة هذا النظام ، الملكية الخاصة عنده محترمة ، تقف عندها ، فإذا تحولت هذه الملكية إلى إيذاء للآخرين تتوقف ، أي ملكية خاصة مع الحرية لكن ممنوع أن تحتكر ، ممنوع أن تسلك سلوكاً فيه عدوان على الآخرين ، بأن الغش حرام ، تلقي الركبان حرام .

3 ـ النظام الإسلامي يقوم على عدم تجمع المال بأيد قليلة :

هذا النظام معه نظام المواريث ، والمواريث توزع الثروة بين أكبر شريحة من الورثة ، فكلما تجمعت الأموال في أيد قليلة وزعت عن طريق المواريث إلى كثرةٍ كثيرة ، وهذا يمنع تجمع المال بأيد قليلة .

4 ـ النظام الإسلامي مبني على الصدقات والأوقاف :

هذا النظام مبني على الصدقات والأوقاف ، وهذا نوع من التكافل الاجتماعي فالصدقات والأوقاف تحقق التكافل الاجتماعي ، ونظام المواريث يجمع الأموال في أيد كثيرة بعد أن كان في أيد قليلة ، والنظام الاقتصادي دقيق جداً أنه يؤمن في الملكية الخاصة والجماعية ويوازن بينهما ، لكن أهم شيء في هذا الاقتصاد المشاركة في المكاسب وفي المخاطر ، أما النظام الرِبوي طرف آمن ، وطرف خاسر .

الأستاذ جميل :

دكتور ، ما هي المحرمات و ما هي الممنوعات في الاقتصاد بشكل عام والتعامل مع الناس من أصغر الأسواق إلى أسواق المال و الأعمال ؟.

المحظورات في الاقتصاد الإسلامي :

الدكتور راتب :

الحقيقة هذا النظام الآن موضع دراسة عميقة وجادة من مجلس الشيوخ الفرنسي والفاتيكان ، وهو يرى أنه على الرغم من تحريم الربا كلياً ، وتحريم الاحتكار ، وتحريم الاتجار بالقروض ، أكبر بنك ، عمره مئة و خمسة و خمسون عاماً أفلس على سبعمئة مليار، هذا البنك اختصاصه بالمتاجرة بالقروض ، وعندنا بالإسلام ممنوع أن تتاجر بالقرض ، أي تحريم بيع ما لا يملكه الإنسان .

(( لا تَبعْ ما لَيْسَ عندك ))

[أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن حكيم بن حزام ]

البورصة تتناقض مع هذا .

شيء آخر : تحريم بيع الغرر ، أي إذا كانت البضاعة غير واضحة فممنوع المتاجرة بها .

شيء أخير : تحريم الاتجار بالمحرمات ، كل ما يتعلق بالخمر والزنا ، هناك تحريم قطعي في الاتجار به ، فمن تحريم الربا ، إلى تحريم الاحتكار ، إلى تحريم الاتجار بالقروض ، إلى تحريم بيع ما لا يملكه الفرد ، إلى تحريم بيع الغرر ، إلى تحريم الاتجار في المحرمات ، هذه المحظورات في الاقتصاد الإسلامي .

الأستاذ جميل :

دكتور في الفقه الإسلامي باب المعاملات ، هناك أنواع كثيرة في عمليات التبادل، والبيع ، والشراء ، قد تكون عناوينها تراثية قديمة ، ولكنها معاملة ومضمونها يتعامل به التبادلات التجارية ، ما هي الأدوات الاستثمارية ؟.

أهم وسائل الاستثمار في النظام الإسلامي المضاربة والمرابحة والمشاركة والإجارة :

الدكتور راتب :

أنا لا أصدق أن حاجة ملحة يحتاجها الإنسان يغفلها الشرع ، فهناك حاجة أساسية جداً من الاستثمار ، أي رجل متقاعد معه مبلغ من المال ، إنسان لا يحسن التجارة ، طفل ورث عن أبيه مالاً ، فهناك حاجة أساسية في العالم كله إلى الاستثمار ، لأن الإسلام حرم الربا ، حرم الاستثمار عن طريق الفائدة الثابتة ، ما البديل ؟ المضاربة ، النبي الكريم تاجر بمال السيدة خديجة ، هو مضارب وهي ممولة ، فالمضاربة من أحل طرق الاستثمار ، أي العبء مشترك ، والأرباح مشتركة ، فالذي قدم المال له نصف الأرباح تقريباً ، والذي قدم الجهد له نصف الأرباح ، فهناك مشاركة بالأعباء ، وبالمكاسب ، والمضاربة هي الطريق الرائع لاستثمار المال ، لكن بعض المسلمين حينما أساؤوا ، حينما جمعوا الأموال ، ولم يؤدوها إلى أصحابها ، هم ارتكبوا جريمة بحق هذا الدين العظيم ، لأنهم عطلوا القناة النظيفة الرائعة للاستثمار ، وجاء البديل هو الاستثمار الربوي .

فالمضاربة أحد أهم وسائل الاستثمار في النظام الإسلامي ، والمرابحة أيضاً والآن تعتمدها البنوك الإسلامية ، والمشاركة ، الشركات ، ثم الإجارة ، ثم بيع السهم ، فهذه كلها وسائل الاستثمار ، وأنا أقول دائماً : لا يعقل أن يكون منهج الله إلا ويلبي حاجات كل البشر إلى نهاية الحياة ، أما الوهم الفاضح أن الإسلام ليس فيه نظام اقتصادي ، بالعكس ، هو قدم دقائق في نظام الاقتصاد مذهلة ، والآن هو صامد أمام كل الأزمات المالية ، لأنه من عند خالق الكون ، من عند الخبير ، من عند العليم .

فنحن إلى الآن هذه الأزمة الطاحنة تأثر بها المسلمون تأثراً طفيفاً ، بسبب علاقتهم بالمصارف الأجنبية ، فهذا كله من فضائل هذا الدين العظيم ، وهذا المنهج الإسلامي منهج كامل ، الإسلام قدم تصوراً صحيحاً للكون والحياة والإنسان ، قدم لك منهجاً تفصيلياً لكل شؤون حياتك .

خاتمة و توديع :

الأستاذ جميل :

شكراً لكم فضيلة الدكتور وجزاكم الله خيراً ، شكراً لكن أيها الأخوة على حسن المتابعة ، نترككم في أمن الله وحفظه .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

والحمد لله رب العالمين