بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله _صلى الله عليه وسلم_. ها قد بدأت العشر الأواخر فهل أنتم مستعدون لاستقبال ليلة القدر؟ أأضمرتم نوايا كبيرة؟ أتدعون الله؟ ماذا عن ختم القرآن والإقبال على الله عز وجل؟ عسى الله أن يفتح علينا ويتقبل منا ويجعل هذه الليالي مقبولة ويكتبنا من أهل الجنة.
مقدمـة:
سنتناول الآن حادثة عجيبة وقعت بينما كان سيدنا موسى يرتب ويصلح من أحوال بني إسرائيل؛ إذ أن الله عَرَّضَه للقاء رجل غريب يحيط به الغموض. ومما يزيد الأمر غرابة أن سيدنا موسى هو من سيسعى جاهدًا للقائه! وهذا الرجل هو عَالِم، بيد أنك تحتاج إلى وقت لتفهم الأسرار المحيطة به؛ فمَن هذا الرجل؟ ومِن أين أتى وأين اختفى؟ أهو متزوج أم لا؟
هذا الرجل هو: الخضر.
سر الخضر:
تدور أحداث هذه القصة في الأردن قرب البحر الميت، وذلك بعد أن وصل سيدنا موسى مع بني إسرائيل إلى هناك خلال فترة التيه، وعلى الرغم من أن هذه القصة هي قصة فرعية من قصة بني إسرائيل؛ إلا أنها وثيقة الصلة ببني إسرائيل، وفي هذا المكان سيلتقي سيدنا موسى بهذا الرجل الغريب ألا وهو الخضر كما أسلفنا، فما سر الخضر؟ سر هذا الرجل هو: العلم. فالخضر يمتلك علمًا غير اعتيادي، مما حدا بسيدنا موسى للسعي ليتعلم منه هذا العلم الذي نريد نحن أيضًا أن نعرفه، ما هذا العلم الذي يجعل كليم الله ونبيًّا من أولي العزم من الرسل يرتحل ويقطع مسافة قد تصل إلى ألف كيلو متراً ليتعلمه؟ هو تعلمه من الخضر ثلاثة قضايا.
القيمة: العلم:
هذا يقودنا لقيمة اليوم ألا وهي: العلم، فأُمَّة اقرأ يجب أن تقرأ. ونجد أن الله يخاطب أُمَّةَ اقرأ في سورة الكهف التي نقرؤها كل جمعة بقصة موسى في اثنتين وعشرين آية ليرينا مدى أهمية العلم، فلا يمكن لهذه الأُمَّة أن تنهض بلا علم، دعونا إذن نرافق سيدنا موسى في رحلته إلى أن يقابل الخضر.
ذكريات البحر:
يعد تاريخ سيدنا موسى مع البحر مليء بالذكريات؛ فمنذ أن رُمِيَ رضيعًا في البحر والتقطه آل فرعون مرورًا بنجاته هو وبني إسرائيل من فرعون بانشقاق البحر، وصولاً إلى قصة اليوم والتي هي الثالثة المتعلقة بالبحر، فيا ترى ما هي ذكرياتنا مع البحر؟ لا شك أن ذكرياتنا مع البحر تنحصر في عطل الصيف والنزهة والاستجمام إلا أن ذكريات سيدنا موسى محصورة في نصرة دين الله، وكيف أن الله نصره وكان بجانبه، إضافة إلى قيمة العلم المتعلقة بالبحر أيضًا.
العلم سبب النهضة:
أحداث القصة تدور بالقرب من البحر الميت في مكان يبعد حوالي عشرين كيلو مترًا عن جبال القدس، وهو المكان الذي كان يعيش فيه بنو إسرائيل بعد أن حُرِّمَ عليهم دخول القدس. والقصة تدور أحداثها حول بني إسرائيل الذين كانوا يعانون من أمراض كثيرة؛ فأصبحت مهمة سيدنا موسى وعلى مدى أربعين سنة هي أن يعالج بني إسرائيل وذلك بعد رفضهم لدخول الأرض المقدسة حيث أنهم يعانون من أمراض في العقيدة، واليقين بالله، والثقة به، والتوكل عليه، أضف إلى ذلك الجدل، والظلم الذي طالما عانوا منه مما كان له أكبر الأثر على نفسياتهم، إلا أن السبب الأكبر لجميع هذه الأمراض هو الجهل فهم أُمِّيُّون حيث أن فرعون لم يكن يدعهم ليتعلموا، ولم تكن لهم قضية خلال تواجدهم في مصر سوى الحصول على لقمة العيش، وعاشوا كذلك زمناً طويلاً، أخذ سيدنا موسى يَحُثُّ بني إسرائيل على أخذ العلم وبَيَّنَ لهم أهميته، وأنه سر نهضة الأمم إلا أنهم كانوا يرفضون الاستماع إليه؛ بحجة أنهم أخذوا تعليمات التوراة وتعبدوا لله عز وجل فكأنهم بذلك أَدُّوا كل ما عليهم.
أراد الله تبارك وتعالى أن يغير هؤلاء الناس الذين ما فتئ سيدنا موسى يحدثهم ويخطب فيهم، وأن يهز دواخلهم، فلم يعد الحاجز الذي يفصلهم عن القدس هو البحر وحسب بل إن الحاجز الأكبر هو الجهل، وأكبر منه –وكما هو الحال في بلادنا- أن المتعلمين لا يعشقون العلم ولا يسعون لتعلم ما يُستَجَد، بل اكتفوا بكونهم يعرفون القراءة والكتابة أو أصبح حد علم أحدهم متوقفًا عند نيله الشهادة أو الدرجة العلمية، فأراد الله أن يجعلهم يتعلمون بطريقة جديدة، تأخذهم لآفاق أخرى، وتغرِسُ فيهم حب العلم والاشتياق له من خلال قصة عملية مثيرة في منتهى الغموض يرونها ويعيشون أحداثها ووقائعها؛ ولنشعر بأهمية العلم ونشتاق إليه ونغير من حالنا مع العلم، هذه القصة ذكرها الله سبحانه وتعالى في سورة الكهف، كما ذكرها النبي _صلى الله عليه وسلم_ في حديث طويل في صحيح البخاري أيضًا؛ وعندما تجد قصةً ورد ذكرها في القرآن وفي الحديث معًا تعرف أنها عظيمة الأهمية وأن خلفها دروسٌ وعبر.
بداية القصة:
قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل في مكان التيه يحدثهم عن قيمة العلم، ومدى رضا الله عن المتعلمين، فقام رجل من بني إسرائيل فقال: يا موسى من أعلم أهل الأرض؟ -مجرد سؤال جدلي لا ينبني عليه فائدة ولا طائل من ورائه إلا أن سيدنا موسى بصبره وحلمه أجابه- فنظر سيدنا موسى من حوله فإذا بني إسرائيل وهم ما بين جاهل، وأُمِّيّ، أو متعلم وقف علمه عند حد معين، وكذلك هارون لا يفوق علمه علم موسى، وموسى كليم الله، وأنزلت عليه التوراة، فقال: أنا . فعاتبه الله سبحانه وتعالى لأنه لم ينسب العلم إليه ولم يقل: الله أعلم . فنزل سيدنا جبريل من السماء وقال: إن الله يعتب عليك أنك لم تنسب العلم إليه، هناك عبد من عباد الله هو أعلم منك.
التعليم في القرآن:
وهنا تعجب سيدنا موسى وبنو إسرائيل على حد سواء: هناك عبد أعلم من سيدنا موسى! – فلاحظ أنه قال له: عبد ولم يقل له نبي مثلاً- فتخيلوا حال بني إسرائيل بطبيعتهم المعهودة في ذلك الوقت والتساؤل يملؤهم: من يكون هذا العبد يا ترى؟ وأين هو؟ وبدأت الأحاديث الجانبية بين بني إسرائيل . وهنا يعلمهم الله بطريقتين أو دعنا نقل أنها من القضايا الأساسية في التعليم:
· التعليم بطريقة عملية وليست نظرية بحتة كما هو الحال في بلادنا.
· التعليم بالتشويق.
- فقال موسى: يا رب دلني عليه.
- قال: يا موسى إن لي عند مجمع البحرين عبد هو أعلم منك فاذهب وتعلم منه.
فأين مجمع البحرين؟ وهنا يزداد الغموض، ويزداد تبعًا له التشويق، ويزداد لفت انتباه بني إسرائيل؛ وهذه هي طريقة التعليم في القرآن.
مجمع البحرين:
ومجمع البحرين إما أن يكون في سيناء (رأس محمد) في البحر الأحمر، أو أن يكون التقاء النيل الأبيض بالنيل الأزرق في السودان، وسيدنا موسى الآن قرب البحر الميت؛ أي أن المسافة التي سيقطعها ليبلغ مجمع البحرين سواء كان رأس محمد أو ملتقى النيل الأزرق جِدُ كبيرة، فضلاً عن أن مجمع البحرين هذا لم يُحَدَّد له؛ ليبحث، ولأن العلم غالٍ. طلب موسى من الله أن يجعل له علامة تدله على مجمع البحرين، فقال له الله أن يحمل حوتًا مشوياًّ في مكتل فحيثما فقدت الحوت ستجد الرجل. حتى هذه العلامات يلفها الغموض فكيف سيفقد هذا الحوت؟ ومن هذا الرجل الذي سيجده؟
التعليم بالمعايشة:
بدأ سيدنا موسى رحلته، وأخذ معه فتى من شباب بني إسرائيل اسمه يوشع بن نون؛ حتى يرى تجربة عملية للعلم ويعرف قيمته، أي أن التعليم هنا بالمعايشة. فيوشع بن نون هذا هو الذي سيقطع البحر ويدخل القدس بعد وفاة موسى عليه السلام، فكأن هذا بمثابة الإعداد له وأول شيء بدأ به سيدنا موسى في إعداد يوشع بن نون هو العلم، وقد كان دور يوشع بن نون مقتصرًا على حمل المكتل وحسب.
وهنا أوجه رسالة للشباب الذين يريدون أن يكون لهم دور لخدمة الإسلام، ويريدون أن يكونوا مثل يوشع بن نون فأول خطوة لبلوغ هدفكم هي العلم. ولا تحقِرَنَّ نفسك أن تحمل حقيبة أستاذك في سبيل معايشته وتعلم العلم منه، فيوشع بن نون حمل المكتل ليتعلم اليوم وفيما بعد صلى في المسجد الأقصى. يقول النبي _صلى الله عليه وسلم_ في حديث جميل: "رأيت أنني أشرب لبنًا فدخل اللبن في جسدي فخرج الريُّ من أظافري فأعطيت فضلي لعمر بن الخطاب" فقيل: ما تأويل ذلك يا رسول الله؟ قال: "العلم" وكأنه يقول: أنني مُلِئتُ علمًا صلى الله على محمد _صلى الله عليه وسلم_ .
أمر آخر يجب الوقوف عنده؛ لماذا كانت العلامة حوتًا مشويّا؟ وحيثما يفقد الحوت يجد الرجل الذي سيتعلم منه؟ لأن بني إسرائيل عاشوا حياتهم من أجل لقمة العيش وجُلَّ همهم هو غذاء بطونهم، فأراد الله أن يعلمهم درسًا مفاده: أن العلم أهم من غذاء البطن، فمتى ما ضحيت وفقدت غذاء البطن وجدت غذاء العقل. فيا كل شبابنا قَدِّموا عقولكم على بطونكم؛ فهي أهم منها بكثير، لا ينبغي أن تعيش لتغذي بطنك وتهمل عقلك، ويا كل من تعلموا عِلْمًا تلقينياً بحتًا في بلادنا، وحوَّلوا عقولهم إلى مخازن يصبون فيها العلم ليحصدوا شهادة وحسب . فتَنَبَّهُوا؛ فليس هذا هو العلم الذي سيدخلنا الجنة، وليس هذا هو المقصود من قوله _صلى الله عليه وسلم_: " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة" إنما العلم الذي يدخل الجنة هو ما تطلبه لتنهض بأُمَّتك وتصلحها، وتمد يد المساعدة للناس، وتخترع ما يفيد العالم.
فانطلقـا:
{فَانطَلَقَا...} (الكهف:71) وَصَفَ القرآن بداية الرحلة بالانطلاق، وستجد أن سورة الكهف ستكرر وصف الانطلاق على مدى الرحلة؛ فالعلم يحتاج إلى انطلاقة وهمة، يحتاج شخصًا يريد أن يتعلم ويبذل جهده في سبيل الحصول عليه. سيترك سيدنا موسى بني إسرائيل مع أنهم في حاجة إليه، كما أنه ويوشع سيقطعان مئات الكيلو مترات حتى يبحثوا عن مجمع البحرين ويصلوا لرأس محمد، وربما سيتضح بعد ذلك أن المقصود هو ملتقى النيل الأبيض بالنيل الأزرق فيكملون المسير، وهنا نجد أن القصة أوردت ثلاثة شروط لمن أراد أن يتعلم العلم:
1. إصرار شديد وعزيمة على التعلم بحب وإصرار وشغف.
2. تواضع وأدب جم لمعلمك.
3. أن تكون رغبتك في تعلم علم نافع ينهض بالأمة ويفيد مجتمعك وليس أي علم. كما كان يدعو الرسول _صلى الله عليه وسلم_: "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع".
هذه الشروط الثلاثة سنجدها في قصة موسى والخضر، وسيلتزم بها سيدنا موسى تمامًا؛ فمن بداية الرحلة نجد إصرار وعزيمة سيدنا موسى {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } (الكهف:60) فهو لن يقف دون مجمع البحرين حتى وإن اضطر للمشي حُقُبًا –الحقبة: خمسةٌ وعشرون عامًا- وكأنه يقول لبني إسرائيل: سأظل مرتحلاً حتى أتعلم. ولك أن تتخيل الأحاديث الجانبية التي ستدور بين بني إسرائيل وهم يرون هذا المنظر: ماذا سيحدث؟ كم ستستغرق رحلته؟ أيعقل أن سيدنا موسى يحب العلم إلى هذا الحد؟
نصوص في قيمة العلم:
دعني أسألك الآن: هل تحب العلم إلى هذا الحد؟ هَلُمَّوا بنا لنستمع للآيات والأحاديث الواردة عن قيمة العلم:
· أول آية في القرآن: { اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ } (العلق:3-4) وتصف وسيلة العلم (القلم).
· بعد ذلك تنزل سورة القلم: {ن * وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ } (القلم:1) لتقول لنا: دَوِّنُوا العلم.
تخيَّل أن أول ما نزل من القرآن يحثنا على القراءة وتدوين العلم، ومع ذلك أُمَّة اقرأ لا تقرأ ولا تهتم بالقراءة ولا بتدوين العلم.
· وفي حديث الرسول _صلى الله عليه وسلم_: "فضل العَالِم على العابد كفضلي على أدناكم". تخيَّل! يا أيها العُبَّاد ويا أيها الشباب الذين يصلون ويصومون ولا يهتمون بالعلم ففضل العالِم كفضل النبي على أدناكم! وفي رواية أخرى : "...وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب".
· ويقول النبي _صلى الله عليه وسلم_: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً ، سهل الله له طريقاً إلى الجنة...".
· ويقول أيضًا: " إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير" يدعون له بأن يرضى الله عنه لتعليمه الخير للناس.
· يقول النبي _صلى الله عليه وسلم_: "...إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع..." تظلله بأجنحتها.
نماذج لمن أحب العلم:
هل رأيت كَمَّ من الأدلة التي تتحدث عن العلم ولا نزال بلا اهتمام ونقول: أننا من أمة محمد! وانظر إلى من فهم هذا الكلام وطبقه . فعلى سبيل المثال الإمام الشافعي وهو يقول: ذهبت إلى مصر فغربلتها –أي: أخذت كل ما فيها من علم- وذهبت إلى الشام فاحتويت ما فيها من العلم، وذهبت إلى اليمن فأخذت كل ما فيه.
- فقالوا له: يا إمام كيف تحب العلم؟
- قال: أحبه كما أحب الشافعي.
- فقالوا له: عندما تسمع عن علم جديد لم تعلمه ماذا يحدث لك؟
- قال: أتمنى لو أن كل أعضاء جسدي صارت آذانًا لتستمتع بتلقي العلم.
- قالوا له: كيف حرصك على العلم؟
- قال: كحرص أم فقدت ابنها تبحث عنه حتى تجده.
فتخيَّل مدى حب الإمام الشافعي للعلم! إنه كلام يستحق أن يكتب بماء الذهب .
- وقيل للإمام أحمد: كم أنت تحب العلم؟
- فقال: من المحبرة إلى المقبرة.
ويقول ابن رشد: لم أفقد النظر في الكتاب إلا مرتين: يوم وفاة أبي، ويوم زواجي.
قيمة اليوم: نريد أن نتعلم حقًّا، ونقرأ كثيرًا، فما رأيكم لو قرأنا كتابًا كلَ أسبوعٍ؟ فبداية العلم تبدأ بحب القراءة يا شباب؛ ففي إحصائية أجريت على أكثر من مائة شخصٍ ناجح في أمريكا وجدوا أن القاسم المشترك فيما بينهم أنهم جميعًا يقرؤون خمسين كتابًا سنويًّا؛ أي بمعدل كتاب كل أسبوع، فكم كتابًا نقرأ نحن؟
سيقطع سيدنا موسى مسافات شاسعة مشيًا على الأقدام من أجل أن يتعلم، في حين أنه كان من الممكن أن يأخذه جبريل إلى مجمع البحرين مباشرة، أو أن يأتي إليه الخضر بما أنه كليم الله، ولكن شيئًا من هذا لم يحدث؛ لأن العلم يحتاج إلى تعب وإصرار، ولأن هذه القيمة لنا نحن المسلمون وليست لبني إسرائيل فقط، فقد وردت في القرآن. إن كنت من المحبين أمتك أقسمت عليك أن تعيش لتتعلم بعد هذه الحلقة، من أجل أُمَّة حبيبك _صلى الله عليه وسلم_، من أجل أحاديث النبي _صلى الله عليه وسلم_، من أجل القرآن، من أجل قصة موسى والخضر، فقد تعب موسى كثيرًا وبذل كل ذلك الجهد من أجلك {...أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً} (الكهف:60)؛ مشى سيدنا موسى كل تلك المسافات وترك بني إسرائيل حتى تحب العلم . ذُكرت هذه القصة في القرآن رغم أنها قصة للذين لم يتعلموا من بني إسرائيل لأننا مَعْنِيُّون بهذا الكلام. فحبيبك موسى يقول لك: لا بد أن تتعلم. فهذه التجربة أهم بكثير من ألف درس نظري سواها عن قيمة العلم.
هنالك قصة طريفة لتتعرف على قيمة العلم: ذهب شاب إلى أحد العلماء الكبار وقال له: أريد أن أتعلم كل ما عندك من علم، فنظر إليه العالِم وأحس بأنه شاب متحمس قد تزول حماسته سريعًا – كما ستأخذ الحماسة بعض الشباب بعد هذه الحلقة ثم تتلاشى حماستهم بعد ذلك. هل ستثبُت أم ستخبو همتك؟- فقال له: إذا أردت أن تتعلم كل علمي فاتبعني، فمضى معه حتى وصلا إلى البحر، ثم قال له: انظر إلى صفحة الماء، فلما نظر أمسك العالِم برأسه وأنزله في الماء، فأخذ الشاب يدفع نفسه للخروج من الماء والعالِم لا يزال ممسكًا به، وبعد برهة أخرجه.
- فقال الشاب: كدت تقتلني.
- فقال له العالِم: ما أكثر شيء كنت تحتاجه وأنت تحت الماء؟
- فقال: الهواء لأتنفس.
- قال: يوم أن يكون حبك للعلم وإصرارك عليه كإصرارك على النَفَس الذي تحتاجه لئلا تموت، فتعال أعلمك.
وأنا بدوري أقول لك الكلام ذاته: يوم أن يكون حبك للعلم كحبك للنَّفَس الذي تموت من غيره ستكون عظيمًا، وسيفرح بك النبي _صلى الله عليه وسلم_، وعندها سيكون فضل العالِم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وعندها ستظلك الملائكة بأجنحتها وتصلي عليك الحيتان في البحر والنملة في جحرها ويدعون لك، وعندها فقط يفرح بك النبي يوم لقياه، وحينها يقابلك سيدنا موسى يوم القيامة فيحتضنك ويقول لك: لم يذهب تعبي هباءً، فأنت أيها المسلم قد استفدت مني أكثر من استفادة بني إسرائيل، حينها نفرح بالمسجد الأقصى.
تفاصيل اللقاء:
هيا بنا نعيش مع سورة الكهف ونسمع القصة وهي تحكي حالهم: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } (الكهف:60) من أجل طلب العلم، هل تذكرون بماذا خاطب الله الرسول _صلى الله عليه وسلم_ رغم أنه كان في الخمسين من عمره: {...وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} (طه:114) فكذلك سيدنا موسى يقول:{...لَا أَبْرَحُ...}. {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً * فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً*قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً*قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً} (الكهف:61-64) هذه هي العلامة هل تذكرون؟ فقدان الحوت؛ فرجعا إلى الصخرة حيث فقدا الحوت، وترجلا من المركب ليلتقيا الخضر، وأخيرًا رَأَيَا الخضر. وكان منظره يتناسب مع الغرابة التي ابتدأت بها القصة؛ حيث كان نائمًا ومسجى –مغطيًا رأسه- بعباءة خضراء فهل سمي الخضر بذلك نسبة لعباءته التي لا تفارقه؟ أم لابتسامته وبشاشته؟ أم لأنه إنسان منتج فما من مساحة صفراء إلا ويحيلها إلى اخضرار بإنتاجه؟ أم لهذه الأمور المجتمعة سويا؟ لا أدري حقيقة فهذا أيضًا من ضمن الغموض المحيط بهذه الشخصية، فانتظر موسى ويوشع بن نون إلى أن استيقظ الخضر بالرغم من أنه كان متعبًا من الرحلة الطويلة التي قطعها؛ إلا أنه التزم بصفات المتعلم التي ذكرناها وهي: التواضع الجم والإصرار على العلم النافع.
استيقظ الخضر وأزاح العباءة عن وجهه، فابتدره موسى قائلا: السلام عليكم .
- فقال: وعليكم السلام، وأنَّى بأرضك السلام؟
ما هذا الغموض مع بداية اللقاء؟ عَلِم الخضر أن موسى قد أتى من مصر، وأنه عاش مع بني إسرائيل، وفي كلتا الحالتين لا يوجد سلام؛ فلا سلام مع ظلم فرعون، ولا سلام مع جهل بني إسرائيل. ومن هذه اللقطة الأولى يتضح لنا أن الخضر ليس برجل عادي بل هو عالِم فَذّ. ثم نظر الخضر إلى موسى وقال له: من أنت؟
- فقال: أنا موسى.
- فقال له الخضر: موسى بني إسرائيل؟
- فقال موسى: نعم.
- قال الخضر: وماذا تريد؟
- قال: جئت أتعلم منك. – أرأيت تواضع سيدنا موسى ووضوحه- .
- فرد عليه بمفاجأة وقال: لا، إنك لن تستطيع معي صبرا.
- فقال سيدنا موسى: ستجدني إن شاء الله صابرًا ولا أعصي لك أمرا.
- فاشترط عليه الخضر شرطًا لمصاحبته، قال: فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرًا .
فوافق سيدنا موسى على الشرط .
أريد أن أقول أن الله سبحانه وتعالى ذكر لنا هذه القصة في القرآن من أجل كلمة واحدة وهي " تعلموا " . فيا أمة محمد تعلموا، لقد صلت نسبة الأمية في أُمَّة محمد وهي أُمَّة اقرأ إلى 40%! أتعلمون أين تقع أقل نسبة للأمية في العالم العربي؟ بين إخواننا في غزة وفلسطين؛ لئلا يتعذر أحد بالظروف الاقتصادية وغيرها.
أراغب أنت في النجاح؟
هل تريد أن تنجح في حياتك العملية؟ هل تريد أن يكون لك عقل ناضج قادرٌ على التعلم؟ إليك سبعة عشر وسيلة اختر منهم عشر والتزم بها لمدة تتراوح بين ستة أشهر إلى سنة وستكون شخصًا متميزاً في تعليمك، قادرًا على إنجاح ونهضة أمتك:
1. اقرأ كتابًا كل أسبوع أو كل أسبوعين (مهم جدًا).
2. اقرأ صحيفة هادفة كل يوم.
3. اشترك في مجلة ثقافية.
4. سافر وانطلق لرؤية العالم وتمثل بسيدنا موسى عليه السلام.
5. تعلم حرفة على يد حرفيٍ.
6. زر الآثار أو متحفاً ببلدك بصحبة خبير.
7. رافق إنسانًا ناجحًا.
8. شاهد قناةdiscovery .
9. تابع نشرة الأخبار يوميًّا.
10. ابحث في تاريخ عائلتك.
11. حاول كتابة قصةٍ أو شعرٍ أو أغنيةٍ أو أية فكرةٍ.
12. ناقش واسأل في الكلية أو الفصل ولا تكن مستمعًا فقط.
13. العب الشطرنج.
14. استخدم الشبكة العنكبوتية لتصفح مواقع ثقافية.
15. اذهب لزيارة مكتبة عامة.
16. اعمل في الصيف.
17. تعلم كل ثلاثة أشهر مهارةً أو رياضةً جديدة.
أوصيكم يا شباب بالعلم العلم العلم.
دار الترجمة
http://amrkhaled.net/newsite/articles1.php?articleID=NTMzMg==&id=5332