بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة :
السلام عليكم ورحمة الله ، أيها الأخوة والأخوات أسعد الله أوقاتكم بكل خير ، وأهلاً بكم في لقاء جديد في برنامج : "الإسلام منهج حياة ".
ضيفنا هو فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، الداعية الإسلامي ـ حفظه الله ـ أهلاً بكم فضيلة الدكتور .
الدكتور راتب :
بكم أستاذ جميل جزاك الله خيراً .
الأستاذ جميل :
تحدثنا عن الجهاد بأنواعه ، وتحدثنا عن النصر ، وأن عوامل النصر إيمان وإعداد ، انطلاقاً من الواقع الذي نعيش فيه ، وما فيه من إشكاليات ، فهل حالة الذل مستمرة وهل مد الطغاة إلى ما لا نهاية ؟.
لا يمكن لطاغية على وجه الأرض أن يكون طاغية إلا ويوظف الله طغيانه لخدمة دينه :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أستاذ جميل بادئ ذي بدء : لئلا يصاب المسلمون وقد أصيبوا بحالة اسمها اليأس أو الإحباط ، أو ثقافة الطريق المسدود ، اليأس والإحباط ، وثقافة الطريق المسدود قد تجعلهم لا يصدقون أي نصر ، هذه حالة خطيرة جداً ، وأنا أقول دائماً : أخطر حالة أن يهزم الإنسان من داخله .
لذلك لئلا يصاب المسلمون بالإحباط ، واليأس ، والسوداوية ، ولئلا يقولوا قد انتهينا ، ولئلا يقع المسلمون في حالة من الطريق المسدود ، هناك حقائق لابد من سردها :
أولاً : لا يمكن لطاغية على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة أن يسمح الله له أن يكون طاغية إلا ويوظف الله طغيانه لخدمة دينه والمؤمنين من دون أن يشعر ، ومن دون أن يريد ، وبلا أجر ، وبلا ثواب ، طالبني بالدليل ، لأنه لولا الدليل لقال من شاء ما شاء ، وأنا أتمنى من كل أخ كريم مشاهد أن يتسلح بالمعرفة ، ألا يرفض شيئاً إلا بالدليل ، وألا يقبل شيئاً إلا بالدليل ، لأن " هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذون دينكم " .
(( ابن عمر دينك دينك ، إنما هو لحمك ودمك ، فانظر عمن تأخذ ، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا .))
[ابن عدي عن ابن عمر]
الدليل : أنه ما من طاغية إلا ويوظف الله طغيانه لخدمة دينه والمؤمنين ، لقول الله عز وجل :
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً ﴾
( سورة القصص الآية : 4 )
أي استخدم ورقة الفتن الطائفية ، وهذا شأن كل الطغاة ، وهي الورقة الرابحة بأيديهم ، والمؤمنون لوعيهم ، وفهمهم الدقيق والعميق ، وإخلاصهم ، يستطيعون إسقاط هذه الورقة .
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾
الفتن الطائفية ورقة رابحة بأيدي الطغاة فعلينا إسقاطها و القضاء عليها :
الآن :
﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾
( سورة القصص )
إذاً الطاغية من دون أن يشعر ، ومن دون أن يريد ، طغيانه يدفع الناس إلى باب الله ، طغيانه يعمق فهم الناس لحق الله عليهم ، لأنها شَدِةٌ وراءها شَدة إلى الله ، لأنها محنة وراءها منحة من الله ، فالطغيان له وظيفة قد لا ننتبه إليها .
مثلاً : حرب غزة وحدتنا كمسلمين ، أثارت أعماق أعماقنا النبيلة ، ظهرت تضحيات تفوق حدّ الخيال ، حرب غزة محنة كبيرة ، لكن لها إيجابيات قد لا نعلمها إلا بعد حين ، هذه الحقيقة الأولى أن الطغيان يوظف .
الله عز وجل لا يسمح لجهة أن تتأله :
الشيء الثاني : لا شيء يستمر ، كيف أن كل إنسان له أجل ينتهي ، وسبحان من قهر عباده بالموت ، وأيضاً :
﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ﴾
( سورة الأعراف الآية : 34 )
لا يوجد أمة تستطيع أن تستمر ، لأنه حينما تستمر في طغيانها كأن الله ألهها ، لذلك الله عز وجل لا يسمح لجهة أن تتأله ، لذلك :
(( الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في شيء منه أدخلته النار ))
[أخرجه ابن ماجه وابن حبان عن عبد الله بن عباس ]
إذاً :
﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ﴾
الشيء الآخر الدعوة مستمرة ، شيء لا يصدق .
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية : 36 )
الطائلة ، المليارات ، يخططون ، يسهرون ، يخططون لإلغاء الإسلام ، والإسلام يزداد قوة ، الشيء العجيب أن الذي أراد إلغاء الدين هو غبي جداً ، وساذج جداً ، وما علم أن الطرف الآخر هو الله ، خالق السماوات والأرض ، لذلك قال تعالى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾
( سورة الأنفال الآية : 36 )
الله جلّ جلاله ألزم ذاته العلية بهداية الخلق والهداية الإلهية لا يمكن أن تقف :
إذاً الدعوة مستمرة ، بل إنني أرى لو أن أهل الأرض اجتمعوا على أن يفسدوا على الله هدايته لخلقه لا يستطيعون ، لقوله تعالى :
﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾
( سورة الليل )
وكلمة على إذا جاءت مع لفظ الجلالة يقول عنها العلماء : إن الله جلّ جلاله ألزم ذاته العلية بهداية الخلق ، فالهداية الإلهية لا يمكن أن تقف ، ولا يمكن أن يوقفها إنسان ، ولا يمكن أن يمنعها إنسان ، لأنه عندئذٍ يريد أن يطفئ نور الله بفمه .
﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾
( سورة التوبة الآية : 32 )
وهذا شيء مستحيل ، تصور إنساناً توجه إلى الشمس ونفخ عليها من أجل إطفائها، يكون أغبى الأغبياء ، والحق كالشمس ، فلذلك لا يستطيع إنسان أن يلغي هداية الله عز وجل ، لكنهم يهددون ، يتوعدون ، يخططون ، لكن بالنهاية لا ينتصرون ، هذا الدين له خاصة عجيبة ، أنه إذا دعمته يزداد قوة ، وإذا حاربته يزداد قوة ، يزداد قوة شئت أم أبيت ، يزداد قوة بدعمك له ، أو بمحاربتك إياه ، بل إن الذي يحارب الدين كأنه يحاول إطفاء النار بالزيت ، شيء عجيب ! لأن الدين هواء ، هذا الهواء لا يحتكر ، والدين عظمته أنه دين جماعي ، ودين فردي ، لو أن الجماعة أعرضت عنه كان ديناً فردياً ، بإمكانك أن تستقيم على أمر الله ، وأن تنتفع من كل خصائص الدين وحدك .
﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾
( سورة العنكبوت الآية : 69 )
لا تستطيع جهة في الأرض مهما قويت أن تفسد على الله هدايته لخلقه :
إذاً هذا الدين لا يمكن أن يلغى ، والأقوياء فهموا هذه الحقيقة فماذا فعلوا ؟ أراده تفجيره من الداخل ، إلغاء الدين مستحيل ، بقي أن يفجروه من الداخل عن طريق التشويه ، تشويه رجال الدين ، الصناع أشخاص كرجال دين ، يرتكبون الأخطاء الفادحة من أجل تشويه سمعة الدين ، فهذه العملية اسمها التفجير من الداخل ، أو عن طريق الفتاوى التي تحل كل المعاصي ، أو عن التأويل السيئ للقرآن والسنة ، أو عن طريق إلغاء السنة أصلاً ، هناك دعوات هدفها تفريغ الدين من مضمونه ، فالدين دين الله لا يمكن أن يوقفه أحد ، لكنهم يحاولون .
بالمناسبة محاولات أعداء الدين لإلغاء الدين تجري لكنها لا تنجح ، أنا حينما أقول: إن الله حفظ كتابه من أن يزور ليس معنى هذا أنه لا تجري محاولة ، لكن المعنى الدقيق أن هذه المحاولات لا تنجح .
فلذلك لا تستطيع جهة في الأرض مهما قويت أن تفسد على الله هدايته لخلقه
﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾
﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ﴾
( سورة النحل الآية : 9 )
من خطط ليبني مجده على أنقاض الشعوب فنجاح خططه يتناقض مع عدل الله ووجوده :
﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية : 23 )
هذه نقطة دقيقة في الموضوع ، مثلاً ، هذه العصا الغليظة ، الغليظة جداً في المنطقة ، التي وضعت لتأديب أي دولة في الشرق الوسط هذه العصا الغليظة كُسرت مرتين إسرائيل كُسرت في عام 2006 ، ومرة في عام 2008 ، إذاً :
﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
( سورة يوسف )
الشيء الآخر : هو أن جهة قوية جداً أرادت أو خططت لبناء مجدها على أنقاض الشعوب ، وبناء قوتها على إضعاف الشعوب ، وبناء غناهم على إفقار الشعوب ، وبناء عزها على إذلال الشعوب ، هذه الجهة القوية جداً العملاقة التي ليس فوقها إلا الله ، لا يمكن أن تنجح خططها على المدى البعيد ، الكلمة الدقيقة التي أؤمن بها بكل خلية في جسمي ، وبكل قطرة في دمي ، أن هذه الجهة القوية جداً ، العملاقة ، المتفوقة ، حينما تخطط أن تبني مجدها على أنقاض الشعوب نجاح خططها على المدى البعيد لا يتناقض مع عدل الله فحسب بل مع وجوده ، أنا أطمئن أي إنسان الحال لا يستمر ، بل إن الخط البياني في طريقه إلى الهبوط ، والشيء ملاحظ ،
﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ﴾
﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
ولكن البطولة الكبرى ألا ينفرد الباطل بالساحة ، ولا نقلق على هذا الدين إنه دين الله ، بل ينبغي أن نقلق ما إذا سمح الله لنا أو لم يسمح أن نكون جنوداً له .
خاتمة و توديع :
الأستاذ جميل :
جزاكم الله خيراً فضيلة الدكتور ، وأحسن إليكم ، شكراً لكم أيها الأخوة على حسن المتابعة ، نترككم في أمان الله وحفظه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والحمد لله رب العالمين
http://nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=2554&id=189&sid=799&ssid=808&sssid=838